الجوع في صورة
في تشرين الثاني (نومبر) المقبل، تطلق البرازيل بشخص ريئسها لويس ايناسيو داسيلفا، مبادرة انسانية للقضاء على الجوع المستشري والفقر الموقع، على أمل أن تكون علامة مميّزة لرئاسة البرازيل لمجموعة العشرين، وفي مسعى منه لإستعادة القوة الناعمة لبلاده على الساحة العالمية… وبهذا الصدد قال لولا: “لا شيء أكثر عبثية وبشاعة في القرن الحادي والعشرين من استمرار الجوع والفقر، في وقت نتمتع فيه بوفرة كبيرة وموارد علمية وتكنولوجية كثيرة تحت تصرفنا”. أضاف: “لا توجد قضية أكثر إلحاحا وتحديا للإنسانية (من هذه القضية)… الجوع هو أكثر أشكال الحرمان البشري إهانة، إنه يمثل تعديا على الحياة، واعتداء على الحرية”.
وفي الممارسة العملية، استضافت البرازيل مسؤولين أجانب ووزراء مالية وتنمية في ريو ي جانيرو تمهيداً لفتح الطريق أمام البلدان والمؤسسات للانضمام إلى الاقتراح، الذي يهدف إلى تجميع أدوات المعرفة والموارد والشراكات لمكافحة سوء التغذية.وتقدر الحكومة البرازيلية أن الاقتراح قد يجتذب مشاركة من أكثر من 100 دولة.
وقبل الإعلان عن المبادرة، أكد رئيس البنك الدولي أجاي بانغا دعمه للمبادرة خلال اجتماع ثنائي مع لولا، حسبما ذكر المكتب الرئاسي. كذلك وافق صندوق النقد الدولي على توجيه حقوق السحب الخاصة إلى بنوك التنمية متعددة الأطراف لتعزيز قدرتها على الإقراض في أيار (مايو) 2025.
ووفقاً لأحدث تقرير عن حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم نشرته خمس وكالات متخصصة تابعة للأمم المتحدة، فإن نحواً من 733 مليون شخص واجهوا الجوع في العام الماضي، أي ما يعادل واحداً من كل أحد عشر شخصاً على مستوى العالم، وواحداً من كل خمسة في أفريقيا. ذلك أن الجوع وانعدام الأمن الغذائي في العالم، باتا يشكلان تحديات حاسمة تؤثر في ملايين الناس في جميع أنحاء العالم.
ان التقرير السنوي الذي أُطلق هذا العام في سياق الاجتماع الوزاري لفريق عمل التحالف العالمي لمكافحة الجوع والفقر التابع لمجموعة العشرين في البرازيل، حذر من أن العالم يتخلف بشكل كبير عن تحقيق هدف التنمية المستدامة الثاني؛ أي القضاء على الجوع، بحلول عام 2030، مشيراً إلى أن العالم تراجع 15 عاماً إلى الوراء، مع مستويات من نقص التغذية مماثلة لتلك التي كانت في الفترة 2008 – 2009.
ورغم بعض التقدّم في مجالات محددة مثل التقزم والرضاعة الطبيعية الحصرية، لا يزال عدد مثير للقلق من الأشخاص يواجهون انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية مع ارتفاع مستويات الجوع في العالم. وبهذا الصدد، يقول مدير شعبة اقتصاديات الأغذية الزراعية في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، ديفيد لابورد، إن “مستويات الجوع العالمية شهدت زيادة كبيرة خلال جائحة «كوفيد» (أكثر من 152 مليون شخص)، وإن أي تسحّن لم يسجل خلال العامين الماضيين”. أكثر من ذلك، هناك 2.3 مليار شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بحسب ارتكازاً إلى ما جاء في التقرير الأممي، اضافة الى 733 مليوناً في العالم يشكون الجوع المزمن. وتعود الأسباب، بحسب لابورد، الى الأزمة الاقتصادية العالمية وما ترتب عليها من تداعيات. ان هذه الأزمة لعبت دوراً حاسماً في زيادة انعدام الأمن الغذائي وأبقت هذه الأرقام عند مستويات عالية. وتشكل هذه العوامل مجتمعةً، إلى جانب الصدمات المناخية والنزاعات، الدوافع الرئيسية المسببة للجوع”.
أما البلدان الأكثر تأثراً بتزايد الجوع، هي تلك التي تواجه النزاعات والصدمات المناخية والتباطؤ الاقتصادي وارتفاع مستوى عدم المساواة. وعلى سبيل المثال، شهدت البلدان المتأثرة بالنزاعات ارتفاعات في معدل انتشار الجوع من 25 في المئة في العام 2018 إلى 29 في المئة في العام 2023. كما شهدت البلدان المتأثرة بالظواهر المناخية الشديدة زيادة في انتشار الجوع من 32 في المئة في العام 2018 إلى 35 في المئة في العام 2023. وتواجه بعض البلدان، وخاصة في القرن الأفريقي أو منطقة الساحل، مزيجاً من الصدمات الكبيرة (النزاعات والمناخ).
يُشار أخيراً الى أن دولاً عربية تشكو من الجوع الموقع، على رأسها السودان ودول منطقة شمال أفريقيا حيث معدل انتشار الجوع هناك يبلغ 7.8 في المئة، وهو أقل من المتوسط العالمي، لكنه الأعلى المسجل منذ عام 2008. وتمثل هذه النسبة 20.7 مليون شخص، أو زيادة بإجمالي 8 ملايين نسمة، مقارنة بعام 2015 عندما تم إطلاق جدول أعمال التنمية المستدامة. وفي بلدان عربية أخرى، فإن الوضع مثير للقلق لا سيما في اليمن وسوريا. وفي الوقت نفسه، لا تظهر الأرقام في العراق أي علامة على التحسن.