من دون تعليق
دخلنا عاماً جديداً، ومعه كبرنا سنة. البعض يفرح بأنه بدأ ينتقل الى مرحلة جديدة من الفتوّة أو الشباب أو النضج. وثمّة آخرون يجلب لهم العام الجديد، همّاً إضافياً اذ يجعلهم يشعرون بدنو الشيخوخة أو أن الشيخوخة قد دَنَتْ فعلاً وبدأ عدّ الأيام من العمر. فهل صحيح أن هذه المرحلة الأخيرة تُضعف القدرة على تعلّم كلّ ما هو جديد؟
الدراسات العلمية والطبية الحديثة تنفي هذه المقولة وتؤكّد أن دماغ الإنسان يظلّ يعمل إذا بقي هو راغباً في التعلّم وفي اكتساب كلّ ما هو جديد ولو بالحدّ الأدنى. فكيف على الطاعن في السنّ أن يواجه تحديات اضافية مفرضة عليه جعلته أبطأ جسماً وفكراً على ما كان عليه في الشباب؟ ثمة مبادئ على الإنسان الهرم أولاً وعلى الشباب ثانياً وعلى الناضجين من الرجال ثالثاً أن يتعرّفوا ايها وهي ثلاثة يجب مراعاتها.
وفي الحقيقة فإن الإنسان عندما يهرم يبقى دماغه قادراً على خزن المعلومات الجديدة التي تصله. ولكن قدرته على التصرّف بهذه المعلومات، أو تذكّرها عندما تمسّ الحاجة اليها، هي التي يعتَوِرْها بعض المصاعب. ومن هنا نلاحظ أن الشيوخ غالباً ما يصابون بشيء من ضعف الذاكرة.
من الناحية الأساسية، فإن كبير السن يبقى قادراً على التعلّم بنفس السهولة التي خبرها طوال حياته، إذا ما راعى أن يُكسب نفسه جرعة إضافية من كل من عنصرَيْن: عنصر الوقت وعنصر التلقين.
بالنسبة للعنصر الأول، فإن التقدّم في العمر يُحدث تبدلات طبيعية في الدماغ. فالفقد التدريجي لبعض الخلايا الدماغية من مناطق معينة من الدماغ، يعني بصورة طبيعية حدوث أداء أقلّ كفاءة في الوظائف الكيميائية والكهربية اللازمة “لتصنيع” المعلومات المستحدثة. وبنتيجة هذا الفقد المطّرد، يصبح الشيخ في حاجة الى مزيد من الوقت للحفظ والخزن والتذكّر كلّما ووجه بمعلومة جديدة.

ومن هنا، فإن على الشباب أن يراعوا هذه الحقيقة وأن لا يبدؤوا شيئاً من الإستعجال والعصبية اذا سألوا أحد كبار السن سؤالاً، فتأخر قليلاً في استرجاعه من أعماق ذاكرته الهرمة، ثم تصنيعه والنطق به. أمهلوهم بعض الوقت الإضافي!
في ما خصّ العنصر الثاني (عنصر التلقين)، فعندما يتلقّن الإنسان الهرم شيئاً جديداً طارئاً عليه، فإن هذه المعلومة الجديدة يتمّ خزنها في ثنايا القسم المخصّص من الذاكرة لإحتواء المعلومات التي يُمكن أن تدعو الحاجة الى تذكرّها بعد أسابيع أو أشهر. ان هذه الفئة من فئات ذاكرة الإنسان تتهاوى مع الأيام. لذلك، فإن سعي الإنسان الهرم لتطوير منظومة من عوامل “التذكير” (الإيعاز)، قد تعيّنه على استرجاع المعلومات المطلوبة بصورة أسهل.
لنفترض على سبيل المثال، أن شخصاً هرماً وُد لو استطاع استخدام الكومبيوتر (الحاسوب) لكتابة رواية حلم بها ثلاثين عاماً من حياته. أو لنفترض أن إحدى الجدّات تمنّت لو استطاعت أن تلبّي طلب حفيدتها أن تضم الى زهور زفافها طاقة من أزهار حديقة جدتها. أو لنفترض أيضاً أن أحدهم من كبار السن أحبّ اكتساب المزيد مما يعرفه عن النجوم والكواكب، وإن يتعمّق في دراستها عبر منظار جديد أهداه إياه حفيد له، فماذا يكون من أمر هؤلاء؟
هنالك ولا شك سؤال يمكن أن يلج عليهم جميعاً وهم في مثل هذه السن: هل هنالك متسع في حياتهم واهتماماتهم لكي يحاولوا اكتساب هذه الأشياء المستحدثة، وهل لهذه الأشياء قيمة؟
الجواب: نعم. ومع أن هناك تحديات إضافية مفروضة على الإنسان الطاعن في السن، تجعله أبطأ جسماً وفكراً من الشباب، الا أن مثل هذا الإنسان يبقى قادراً على بلوغ غايات تعليمية جديدة، وتحقيق أحلام طال أمد التفكير فيها.
ولكن بشرط، اذا كانت رغبة الإنسان الهرم من وراء التعلّم مقتصرة على “الإحتفاظ بذهنه مشحوذاً” فقط، إذ أن بعض المصاعب يُمكن أن تُكسِب الشخص الهرم، الحوافز الكافية بجعله يستعمل هذه المعلومات الجديدة لا مجرد حفظها! فإذا وجدت هذه الحوافز، كان من السهل عليه فهمها وتذكرّها!

بعد أن يعد الإنسان الهرم نفسه لممارسة هواية جديدة فإن عليه استخدام المبادئ التالية:
-أن يقارن بين ما يتعلّمه الآن، وبين ما كان يعرفه سابقاً، واختراع الوسائل التي تجعل المعلومة الجديدة شبيهة في مظهرها ومحتواها، بالأوضاع التي سبقت له أن يختبرها.
-أن يعيد المحاكاة في الأوضاع التي لا تفرض عليه أن يقتصر مهاراته على التقليد اليدوي والتسجيل في الذاكرة. وبدلاً من هذا التقيّد يجب التركيز على المعاني التي ترمي اليها المعلومة المستحدثة، ثم إعادة كتابتها بلغة الإنسان الشخصية.
-أن يعي الكلمات أو الإيعازات الذهنية التي يُمكن أن تساعد الشخص المسنّ على تذكّر كل خطوة من الخطوات التي يتخذها على طريق استرجاع الذكريات والمهارات.