الدخان يتصاعد من موقع قريب للقلعة
هل هناك خوف على قلعة بعلبك في ظلّ هذا التدمير الإسرائيلي المتمادي والمتواصل، خصوصاً في منطقة البقاع حيث مدينة بعلبك وقلعتها الأثرية، التي شيّدها الرومان في القرن الثاني بعد الميلاد؟
سؤال يطرحه حالياً البعلبكيون وأهالي البقاع عموماً واللبنانيون أجمعين كون هذه القلعة تشكّل رمزاً من رموز لبنان، بل أهم رموزه على الإطلاق اذ أنها تتصدر فئات عملاته الورقية والمعدنية، إضافة الى أنها معلم من معالم السياحة والمهرجانات في لبنان. وكانت هذه القلعة تحديداً، ومع تعاقب القرون، قد دخلها غزاة للسيطرة عليها، كما غمرتها سيول ولم تستطع إغراقها، فضلاً عن تعرّضها لخمسة زلازل كبيرة ضُربتها عبر التاريخ اهتز معها معبدا باخوس وفينوس المجاوران لها، وكان اخطر تلك الزلازل قد وقع في القرن الثاني عشر حيث تهدّمت أجزاء كبيرة من جدران القلعة. ولكنها عادت لتنال نصيبها من تلك الزلازل عامَيْ 1459 و 1759.
بدأ الخوف يدبّ في نفوس البعلبكيين من تعرّض القلعة لإعتداء استراتيجي صباح الأحد في 6 تشرين الأول، عندما استفاقوا على دويّ غارة على بُعد 700 متر من الموقع التاريخي.
“ولحسن الحظ لم تتعرّض القلعة مباشرة لأي اعتداء، ولكن ما يُخشى منه، هو دخان القذائف وسموم مواده الملوثة التي تؤذي الحجارة وقد تتسبّب بأسودادها”، كما صرّح بذلك محافظ بعلبك-الهرمل بشير خضر الذي أضاف أنه الى “مخاطر التلوث، هناك الإرتجاجات التي تتعرّض لها القلعة جراء الإنفجارات، ما قد تصاب بتصدعات”.
يُذكر أن اليونيسكو أدرجت موقع بعلبك الأثري على قائمة التراث العالمي في العام 1984، استناداً الى هياكل القلعة الجبّارة، والتي هي من أعظم نماذج هندسة الإمبراطورية الرومانية في ذروة حضارتها.
وتتضمن القلعة 9 معابد رومانية مطمورة تحت المدينة الحالية، وأن الأعمدة الـ6 التي يهرع الزوّار اليوم لالتقاط الصُور أمامها، كانت في الأساس 54 لكنها «هُدمت في القرن الرابع لبناء كاتدرائية بحجارتها”، كما تذكر كتب التاريخ. وهي معروفة باسم “مدينة الشمس” التي تضم “إله الشمس” معبد جوبيتر. ومهما اختلفت النظريّات وتعدّدت، فإنّ القلعة واجهت تحدياتٍ لا تعدّ على مر العصور، وعندما جاء الرومان في نهاية القرن الميلادي الثاني ليشيّدوا ما تبقّى اليوم من آثار عملاقة، لم ينزعوا لقب مدينة الشمس ، بل كرّسوه مع بناء معبد جوبيتر هو «إله الشمس”.
يُذكر أنه بعد الغارة الأخيرة التي استهدفت موقعاً قريباً من القلعة، تواصل المحافظ خضر مع وزير الثقافة مطالباً بإعادة الشارة الزرقاء الكبيرة على القلعة المخوّلة حماية المواقع الأثرية المصنفة عالمياً، لكنّ الأخير اعتبر أن الإشارة لا تحمي، قائلاً أنه “على اتصال باليونيسكو من أجل الحصول على ضمانات بحماية الآثار اللبنانية من العدوان الإسرائيلي». بالتوازي ينشط سفير لبنان لدى ألمانيا مصطفى أديب إلى جانب المنظمة العالمية، وهو تَقدّم بطلبٍ عاجل لتأمين الحماية المعززة للمواقع الأثرية اللبنانية المدرجة على لائحة التراث العالمي وتلك غير المدرجة على حدٍ سواء.
يُشار الى أن قلعة بعلبك كما قال المحافظ خضر، تُعدّ «أهم موقع أثري في لبنان وأيقونة سياحة الآثار»، موضحاً أنه لا يخشى على الحجارة بقدر خشيته على التاريخ والإرث والهوية، التي يسعى العدوّ إلى تهديمها”. ما يُطمئن، والكلام دائماً للمحافظ، أن “القلعة تحت حراسة مشدّدة من قِبَل الأجهزة الأمنية اللبنانية الرسمية خوفاً من أي سرقة أو سوء استخدام للموقع. لكن لا ضمانات مع العدوّ الإسرائيلي، لذلك فالمطلوب تحرُّكٌ دبلوماسي إلى جانب منظمة اليونيسكو، بهدف الضغط من أجل تحييد المواقع الأثرية في لبنان، لا سيّما أن الإسرائيلي يتصرّف بجنون ويتعمّد محو الهوية والإرث”.