من اجتماع وفد المصارف والحامي شادي أبو عيسى مع د. محمد كركي
المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي د. محمد كركي، عقد قبل أيّام في مقرّ الإدارة العامة للصندوق، لقاء مع وفد من اتحاد نقابات موظّفي المصارف ومع المحامي شادي خليل أبو عيسى، جرى خلاله التداول والبحث في أمور عدة منها الوضع ان المالي والإداري المصرفي في ظلّ تفاقم الأوضاع الاقتصادية التي تمر بالبلاد والتي شملت تداعياتها كل القطاعات. في هذا اللقاء، أثارالمحامي أبو عيسى موضوع صرف العديد من الأجراء من الخدمة من دون الرجوع إلى أحكام المادة 50 من قانون العمل، لا سيما منها الفقرة “و“، لا بل أكثر من ذلك، فقد حصلت العديد من عمليات الصرف من دون إبلاغ أصحاب الشأن مع شطبهم من خانة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ما ينعكس سلباً على وضع الأجراء المالي والاجتماعي، كون الأجير هو الحلقة الأضعف اقتصادياً. وقدوعد المدير العام بمتابعة الموضوع مؤكداً بأنه وضع الحلّ المناسب بما لا يتناقض مع أحكام قانون الضمان الاجتماعي وطالب برفع معدّل الاشتراكات والسقف الخاضع لها، تمكينا لزيادة التعريفاتالاستشفائية والطبية.
على هامش هذا اللقاء، كان لنا حوار مع المحامي شادي خليل أبو عيسى (رئيس المركز الدولي للملكية الفكرية والدراسات الحقوقية– فِكروعضو الاتحاد العربي لحماية حقوق الملكية الفكرية وعضو اتحاد المحامين العرب)، تطرّق فيه إلى هذا الموضوع ومواضيع أخرى. فإلى نصّ الحديث.
س: هل من إجراءات يمكن اعتمادها في نطاق انهاء عقد العمل؟
ج: بداية، لا بدّ من الاشارة إلى أن قانون العمل أعطى كلا من صاحب العمل والأجير الحقّ بأن يوقف مفعول العقد لقاء التقيّد بما نصّ عليه الفصل الخامس من قانون العمل لجهة التعويض والعلم السابق. وبالتالي، كرّس المشترع ضمن قانون العمل حق كلّ من الفريقين بوضع حدّ لمفعول هذا العقد.
يذكر أنّ التوصية الدولية الرقم 166 بشأن انهاء استخدام الأجراء بمبادرة من صاحب العمل، أشارت إلى وجوب أن يُعلم صاحب العمل الأجير كتابة بقرار انهاء استخدامه وأن يوضح له سبب تسريحه.
وهكذا، يتبيّن، أنه، نظراً للمخاطر الجسيمة التي تنتج عن الحرية لكل من طرَفَيْ العقد بانهائه، اتجهت معظم التشريعات العمالية إلى تقييد حقّ الانهاء بشرطيْن أساسَيْن هما: الانذار المسبق وعدم التعسف في استعمال الحق. ويشير العلاّمة خليل جريج في كتابه النظرية العامة للموجبات، إلى أنه لا بدّ لالغاء العقد، من انذار الطرف الآخر لاثبات تخلّفه عن القيام بموجباته.
س: ما هي أبعاد التشاور مع وزارة العمل؟
ج: بالنسبة لتفسير المادة 50 الفقرة “و” من قانون العمل اللبناني، نشير إلى ما يلي: إن المشترع بفرضه على صاحب العمل وجوب التشاور مع وزارة العمل لوضع برنامج نهائي لانهاء العقود وفقًا للمادة 50 فقرة “و“ من قانون العمل، قَصدَ أنه في حال عدم موافقة وزارة العمل على هذا البرنامج النهائي وعدم التوصّل معها إلى اتفاق حول الوسائل اللازمة لاعادة استخدام الأجراء المصروفين من الخدمة، وإصرار صاحب العمل، على رغم ذلك، على عملية الصرف قبل انتهاء التشاور، يكون هذا الأخير قد خالف منطق المادة المذكورة أعلاه، وبالتالي يكون الصرف مستنداً إلى سبب غير صحيح ومن قبيل التجاوز أو الاساءة في استعمال حق الفسخ.أكثر، لقد أكّدت المحكمة أن نيّة المشترع تتعدى الإجراءات الشكلية إلى تقييد حرية صاحب العمل لمنعه من الانفراد في عملية الصرف لأسباب اقتصادية تتعلق بكيفية عمل مؤسّسته.
كما أكّد اجتهاد المحاكم على اتسام نص المادة 50 فقرة “و”بالطابع الالزامي لتعلّقه بالنظام العام، معللًا ذلك بهدف نص المادة 50 فقرة “و” المتجه إلى حماية الأجير لمنع أي تجاوز قد سبب الاساءة إليه. وإذا لم يثبت وجود ظروف اقتصادية قاهرة تبرّر الصرف وعدم تقيد صاحب العمل بالشرط المفروض، يقتضي استبعاد تطبيق هذه المادة.
ونعطي هنا، مثالًا تطبيقيًا هو التالي: إذا عمد صاحب المؤسسة، وخل المرحلة التشاور مع وزارة العمل، إلى صرف أجيرمن عمله ومن دون أن ينتظر النتيجة التي قد تسفر عنها أمام وزارة العمل، يشكل إساءة من جانبه في استعمال حقّ الفسخ، ما يستتبع إلزامه بالتعويض عن الضرر اللاحق بالأجير. وقد أكد الاجتهاد على وجوب صاحب العمل التشاور مع الوزارة المعنيّة بغية وضع برنامج لانهاء عقود عماله وفقاً للمادة أعلاه. وهذا الموجب هو الزامي يتعلق بالنظام العام.
وهنا، لا بد من الإشارة إلى أنه يمكن لصاحب العمل صرف أجير من عمله لأسباب اقتصادية على سبيل المثال، ولكن عليه بطبيعة الحال التزام بلأحكام المرعية الأجراء. إذ أن الفقرة “و“ المذكورة سابقاً خوّلت صاحب العمل انهاء عقود اجرائه لأسباب اقتصادية، إنما أوجبت عليه، اضافة إلى ابلاغ الوزارة، اجراء التشاور معها للوقوف على صحة هذا الانهاء وذلك كشرط جوهري، وبالتالي فإن الاخلال بهذا الموجب يجعل واقعة الصرف حاصلة بشكل تعسفي، الأمر الذي يحمل صاحب العمل وجوب التعويض على الأجير.
إنّ تمسّك صاحب العمل بالأمور الشكلية الواردة في تلك المادة، أي فقط قيامه بمسألة ابلاغ وزارة العمل من دون إجراء التشاور الفعلي معها أو انتظار نتيجة التشاور، يشكّل مخالفة للقانون ويدخل تصرف صاحب العمل ضمن خانة التعسّف في استعمال الحقّ، إذ يقع على عاتق الوزارة الدور المحوري في التأكد والتصديق على أقوال صاحب العمل في حال صحتها، مانعة إياه من استغلال قوته (صاحب العمل عرفاً وفقهاً واجتهاداً هو الطرف الأقوى في العلاقة التعاقدية بينه وبين الأجير) للانفراد في القرار وتعديل وضع عماله من دون رقيب. ويحقّ طبعاً، للأجير أن يطالب صاحب العمل المتعسّف في استعمال الحقّ بتعويض اضافي نتيجة الضرر، وفقاً للمادة 265/2 من قانون الموجبات والعقود.
س: ما هي مخاطر عدم انتظار صاحب العمل نتيجة التشاور مع وزارة العمل وقيامه بصرف أجير؟
ج: لا بدّ من الاشارة مجدداً إلى ضرورة إجراء التشاور مع وزارة العمل. إنّ موضوع التشاور أكّد المشترع عند إصداره قانون العمل. وبما أنه، يقع عبء اثبات القوة القاهرة على صاحب العمل، كما عليه اثبات ظروف التدبير المتخذ والمسببات والمبررات، فإذا لم يفعل، اعتُبر مسؤولاً عن فَسْخ العقد واستحقّ للأجير تعويضًا عن صرفه من الخدمة وعن الانذار. فالظروف الاقتصادية المتردية لا تشكّل سبباً لانهاء عقد العمل في حال عدم التشاور مع الوزارة، ما يؤدي إلى اعتبار الصرف تعسفياً ويجب التعويض، علماً بأن الأجير هو العنصر الأضعف اقتصادياً ومالياً واجتماعيًا، وان الشك هو في مصلحة الأجير، ويقتضي الأخذ بتطبيق القانون الأفضل لمصلحته، كما يجب تفسير القواعد القانونية، وفقاً لما هو أصلح للعامل وترجيح مصلحة الأجير عند وجود الشك كونه الأضعف اقتصادياً.
أكرّر هنا، أن دور وزارة العمل ليس دورًا عابرًا ثانويًا، وإلاّ فما الفائدة من التشاور مع وزارة العمل إذا كان صاحب المؤسّسة يريد تجاوز دورها وتخطّي مهامها، وصولاً إلى ضرب المكانة المعنوية والقانونية للوزارة.
إذًا ما الفائدة من مضمون المادة 50 فقرة “و”، إذا كان صاحب العمل يريد فقط اعتماد مسألة ابلاغ الوزارة شكلاً من دون التشاورمعها فعلياً وانتظار نتيجة التشاور؟ فدور وزارة العمل يدخل في نطاق التدقيق في المستندات المبرزة من قبل صاحب العمل للتأكد من مدى توافر الأسباب الاقتصادية التي تبرّر الصرف من عدمه.
وهنا، نشير إلى أنه لا يجوز وفقاً لقرار وزير العمل رقم 193/2006، صرف الأجراء لأسباب اقتصادية، من دون التشاور مع الوزارة وإلاّ يعتبر كل انهاء لعقود الأجراء بمثابة صرف تعسفي أي يقتضي الالتزام بمضمون المادة 50/و من قانون العمل. وقد اعتبرت وزارة العمل في أيلول 2016 أن التبليغ الشفهي للأجير بالصرف ليس تبليغاً رسمياً والوزارة لا تعترف به، وبالتالي يمنع على صاحب العمل أن يصرف أي أجير دون توجيه انذار له وتوضيح الأسباب.
وبتاريخ 5/12/2019، أكد وزير العمل على ما يلي: “يجوز لصاحب العمل إنهاء بعض أو كل عقود العمل الجارية في المؤسسة إذا اقتضت قوة قاهرة أو ظروف إقتصادية أو فنية، هذا الانهاء، كتقليص حجم المؤسسة أو استبدال نظام إنتاج بآخر أو التوقّف نهائياً عن العمل. وعلى صاحب المؤسّسة أن يبلغ الوزارة رغبته في إنهاء تلك العقود قبل شهر من تنفيذه، وعليه أن يتشاور مع الوزارة لوضع برنامج نهائي لذلك الإنهاء تراعى معه أقدمية العمل في المؤسسة وإختصاصهم وإعمارهم ووضعهم العائلي والإجتماعي وأخيراً الوسائل اللازمة لإعادة إستخدامهم“.
وهناك فارق تقني وعملي بين الابلاغ والتشاور مع الوزارة، وعلى صاحب العمل الالتزام بمسألة الابلاغ والتشاور معاً. وذلك إن قانون العمل لم يكتف بضرورة ابلاغ الوزارة نية صاحب المؤسسة انهاء العقد، بل ألزم هذا الأخير التشاور مع الوزارة بغية وضع برنامج لذلك الإنهاء.
س: ما هو دور وزارة العمل أثناء التشاور معها؟
ج: إن تمسك صاحب المؤسسة بالأمور الشكلية الواردة في المادة 50 فقرة “و” من قانون العمل، أي قيامه فقط بمسألة ابلاغ وزارة العمل من دون انتظار نتيجة التشاور أو إجراء التشاور، يشكّل تحايلاً على القانون ويدخل تصرف صاحب العمل ضمن خانة التعسف في استعمال الحق، ويكون قد ارتكب ما يسمى صرفاً تعسفياً بحق الأجير. وبالتالي، فإن قيام صاحب العمل بابلاغ الوزارة من دون انتظار نتيجة التشاور معها، إنما يفرّغ تلك المادةمن مضمونها ومن روحها وأبعادها، ويكون قد ابتعد عن الغاية التي وُضع من أجلها قانون العمل والتي تتفرع بدورها عن طبيعة قانون العمل والنظام العام الاجتماعي الحمائي الذي يوجده. وهنا، يكمن دور وزارة العمل، بحيث يقع على عاتقها التأكد والتصديق على رواية صاحب العمل القانونية في حال صحتها، مانعة إياه من استغلال قوته.
أكثر من ذلك، في حال لم توافق وزارة العمل على برنامج صاحب العمل لإنهاء بعض العقود لديه وعدم التوصل معها إلى اتفاق حول الوسائل اللازمة لإعادة استخدام الأجراء المصروفين من الخدمة، فلا يحق لصاحب العمل أن يضع عملية الصرف قيد التنفيذ، وإلاّ يكون في حالة مخالفة لمنطوق الفقرة “و” من المادة 50 من قانون العمل. وبالتالي، يكون الصرف مستنداً إلى سبب غير صحيح، ومن قبيل التجاوز أو الاساءة في استعمال حق الفسخ.
وقد ذهب الاجتهاد في عدّة قرارات إلى التذكير بأن نيّة المشترع تتجاوز الإجراءات الشكلية إلى تقييد حرية صاحب العمل لمنعه من الإنفراد في عملية الصرف لأسباب اقتصادية تتعلق بكيفية عمل مؤسسته.
ونلفت النظر هنا إلى أن الاجتهاد الفرنسي متشدّد في اشتراطه وجود صعوبات اقتصادية حقيقيّة تبرر الصرف، وإذا لم يتم اثبات تواجد الظروف الاقتصادية القاهرة، عندما يكون صاحب العمل هو الذي تسبب قصداً بالحالة السيئة.
ختاماً نشير إلى أنه، في قضايا العمل، ترجّح مصلحة الأجير عند وجود الشك، ويبرر ذلك كون الأجير هو الأضعف اقتصادياً ومالياً واجتماعيًا، خاصة أن لبنان ملتزم بالاتفاقية العربية رقم 1/66 التي انضم إليها بموجب القانون رقم 183/2000، إذ أن الهدف من عقد العمل هو الحفاظ على الرابطة واستمرارية العمل تحقيقاً للاستقرارالمنشود. ويجب دوماً تفسير قواعد العمل وفقاً لما هو أصلح للعامل. وإذا كانت القاعدة القانونية تحتمل التفسير على أكثر من وجه، يجب الأخذ بالتفسير الذي هو أكثر حماية لمصلحة العامل. وفي السياق عينه، إن القواعد المتعلقة بقضايا العمل غايتها اجتماعية التي توجب الأخذ بالتفسير الأكثر رحمة وفائدة للأجير. كما أن المدة التي يلزم فيها الأجير خلالها على البقاء في مركز العمل تعتبر جزءاً لا يتجزأ من أوقات العمل، إذ أن الوقت الذي يقضيه الأجير تحت تصرفصاحب العمل يعتبر داخلاً ضمن أوقات العمل (مع الأخذ بتفاصيل كل ملف أجير وكل حالة لوحدها).
(ملاحظة: للاطلاع أكثر على الاجتهادات المعتمدة في هذه الدراسة، يمكن زيارة الصفحة الرسمية للمحامي شادي خليل أبو عيسى على مواقع التواصلالاجتماعي).