غَسلْ اليدين بانتظام يقضي على الميكروبات
دشن المكتبُ الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط استراتيجية جديدة للحدّ من عبء الكوليرا في جميع أنحاء الإقليم بحلول العام 2028. تتضمّن الاستراتيجية مخططًا أوليًا لنهج موسّع متعدد القطاعات للتصدي للأسباب الجذرية لانتشار الكوليرا والوقاية من فاشياتها في المستقبل، بهدف خَفْض عدد المصابين والوفيات المرتبطة بالكوليرا خفضًا كبيرًا.
تأتي استراتيجية التأهُّب للكوليرا والاستجابة لها في إقليم شرق المتوسط للفترة 2025-2028 في وقتٍ حرج؛ إذ ثمة زيادة كبيرة مفاجئة في الحالات المشتبه في إصابتها بالكوليرا والإسهال المائي الحاد في العديد من بلدان الإقليم. وعلى مستوى عام 2025، يمثّل العبء الإقليمي للكوليرا حتى الآن، ما يقرب من 55% من جميع حالات الإصابة بالكوليرا والوفيات الناجمة عنها على مستوى العالم.
الدكتورة حنان بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، علّقت على الموضوع بالقول: «لقد صارت بلدان كثيرة في إقليمنا أرضًا خصبة لانتشار الكوليرا بسبب مزيج خطير من الصراعات التي طال أمدها و أدّى الى ضعف النُظُم الصحية، والفقر، والنزوح، وتدهور مرافق المياه والصرف الصحي ومستويات النظافة الشخصية،فضلا عن تدنيّ الوعي العام، والتقلّبات المناخية الشديدة. لذا، علينا التصديّ لأصول المشكلة بالالتزام المستمر والعمل الجماعي المنسّق من أجل حماية الفئات الأشد عُرضة للخطر، ولا سيَّما الأطفال والسكان النازحون، و كذلك لحماية الصحة العامة على نطاق أوسع».

ومن الأمثلة على ذلك: السودان الذي يعاني واحدة من أشد الفاشيات في التاريخ الحديث، إذ أُبلغ عن 65291 حالة إصابة و1721 وفاة في اثنتي عشرة ولاية حتى 26 أيار 2025؛ وسجّلت ولاية الخرطوم وحدها أكثر من 7600 حالة و142 وفاة. وفي اليمن، لا تزال الكوليرا مستوطنة، إذ أُبلغ عن أكثر من 271 الف حالة مشتبه فيها و884 وفاة منذ آذار 2024. و اما سوريا فهي عرضة لخطر كبير لعودة ظهور الكوليرا، الأمر الذي دفع منظمة الصحة العالمية إلى بدء استجابة طارئة لمدة ستة أشهر تستهدف مساعدة 850 ألف شخص من الفئات الضعيفة والمعرّضة للخطر في محافظات حلب واللاذقية والحسكة ودمشق.
وتتماشى الاستراتيجية الإقليمية الجديدة للكوليرا مع خريطة الطريق التي وضعتها فرقة العمل العالمية لمكافحة الكوليرا الرامية إلى القضاء عليها بحلول العام 2030، وإطار المنظمة للتأهب للطوارئ الصحية والاستجابة لها، والخطة الاستراتيجية العالمية للتأهب للكوليرا والاستعداد والاستجابة لها. وتحددُ الاستراتيجية الإجراءات العملية والملموسة التي يتعيّن على البلدان اتخاذها لتعزيز قدراتها في مجال التأهب والاستجابة، مع التركيز على خمس ركائز مترابطة:
- تعزيز التنسيق المتعدد القطاعات لتوحيد جهود الجهات الفاعلة في مجالات الصحة والمياه والصرف الصحي والطوارئ في إطارٍ واحد من أجل مكافحة الكوليرا؛
- تعزيز نظم الإنذار المبكر والكشف وآليات الاستجابة السريعة لاكتشاف الفاشيات واحتوائها قبل تفاقمها؛
- توسيع نطاق إتاحة التدبير العلاجي للحالات بجودة عالية للحد من الوفيات من خلال إتاحة التشخيص والعلاج في الوقت المناسب؛
- زيادة إتاحة خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الشخصية في المناطق الشديدة الخطورة والمحرومة من الخدمات، من أجل التصدي للعوامل البيئية المسببة لانتقال الكوليرا؛
- تعزيز التعاون في المجالات الشاملة مثل التواصل بشأن المخاطر والمشاركة المجتمعية.
وعلاوة على ذلك، تدمج الاستراتيجيةُ الجهود في مجال منع أفعال الاستغلال والاعتداء و التحرّش الجنسيين والتصدي لهما، وتعميم منظور المساواة بين الجنسين والإنصاف والإدماج، والبحوث التشغيلية المسندة بالبيّنات.
وتقول د. بلخي بهذا الصدد: “أن متابعة تنفيذ الاستراتيجية تجري عبر استعراضات سنوية للأداء، مع التخطيط لإجراء تقييم في منتصف المدة بهدف المساعدة على تتبع التقدّم المحرز وتكييف الاستراتيجية مع الاحتياجات المتغيّرة. ومع ذلك، فإن التنفيذ الفعّال سيستلزم التغلّب على التحديات، وخاصة تدهور الظروف الإنسانية، وتنافس الأولويات الصحية، والنقص المزمن في التمويل، ومحدودية الموارد البشرية، وهشاشة البنية التحتية الصحية، والنقص العالمي المستمر في المستلزمات الأساسية الضرورية للتصدي للكوليرا، مثل اللقاحات وعلاجات الإماهة”. تضيف: «الكوليرا مرض يمكن الوقاية منه، ويمكن علاجه ومكافحته، ولكن ذلك لا يتحقّق إلا إذا عملنا معًا ودون تأخير. لذا، لا ننظر إلى هذه الاستراتيجية على أنها تدخل صحي فحسب، بل إنها دعوة إلى القيادة والتضامن والاستثمار المستدام. ان القضاء على الكوليرا في إقليم شرق المتوسط وخارجه هدف قابل للتحقق، ولكن الأمر يقتضي منا جهودًا مستمرة وعملاً منسقًا يتصدى لأوجه الإجحاف المنهجية، ويبني القدرة على الصمود حيثما تشتد الحاجة إليها. وفصل القول؛ علينا أن نبدأ الآن، لا أن ننتظر حدوث الفاشية القادمة الفتاكة”.