جوابًا عن هذا التساؤل الوارد في العنوان، فإنّ هذه البطاقات بالنسبة للبعض ممّن يؤازرون “الكاش” في العالم أجمع وليس في لبنان فحسب، هي شرّ مطلق وليست شرًّالا بدّ منه. وعند هؤلاء أنّ العملة الورقيّة، كالكتاب وكالصحيفة اليوميّة، نُمسك بها، نجمعها، نحتسب قيمتها الشرائيّة، وأخيرًا وليس آخرًا، نشمّ رائحتها، كما يشمّ عشّاق القراءة من كتب ومطبوعات، رائحة الحبر!لا بل، فهؤلاء عندما يُمسكون بعملتهم الورقيّة، تراهم يشعرون براحة نفسيّة وباطمئنان، وبأنّهم يمتلكون سلاحًا ضدّ العَوَز والحاجة والخوف من شبح الجوع والتشرّد، وهذا موثق في علم النفس. وما كان يقوم به سكّان أربيل في اقليم كردستان العراق، حتّى الأمس القريب، يجسّد هذا الواقع. ويروي صاحب شركة تأمين كان ينوي التمدّد نحو هذه المدينة بافتتاحه فرعًا لشركته فيها يوم بدأ صيتها ينتشر كمنطقة واعدة للاستثمار، أن أبرز ما تفاجأ به هؤلاء الأهالي هناك لا يثقون بالمصارف ويودعون أموالهم الورقيّة في خزائنهم وفي مخابئ يبتكرونها، تمامًا كما كان يفعل كبار السنّ في القرن الماضي في قرانا الجبليّة النائية.وكما هي شرّ كلها، هي أيضًا شرّ لا بدّ منه. ويمثّل أيضًا هذا الطرف الأكثرية المطلقة في العالم، لأنّ بطاقات السحب سهّلت كثيرًا أمور المواطنين في الحصول على رواتبهم أو البعض من مدخّراتهم من دون الحاجة إلى الدخول إلى المصرف، وكذلك من دون التزوّد بكميّات مالية ورقيّة كلّما أراد التسوّق،أو دخول مطعم، أو تسديد فاتورة… لكن لماذا هي شرٌّ لا بدّ منه، فلإنّ السحوبات الماليّة عبرها مسجّلة وموثّقة ومراقبة، فضلاً عن أنّ الأجهزة المنوط بها مهمّة تحصيل الضرائب والرسوم هي دائمًا بالمرصاد!تبقى الفئة الثالثة المؤيّدة للبطاقات والتعامل بها، ويشكّل هؤلاء شريحةلا يُستهان بها، خصوصًا في الدول المتقدّمة التي بدأت تعتمد الرقمنة في كلّ شيء،بما في ذلك طريقة الدفع والقبض.إزاء هذا المشهد، ومع تزايد الاقبال على بطاقات السحب، بالرضى أو بالتسليم بالأمر الواقع، ارتأينا الإضاءة على هذا الموضوع بإجراء حديث مع السيد رمزي الصبوري، الرئيس التجاري في شركة areeba، والاطّلاع منه على جديد بطاقات السحب والفوائد التي يجنيها حاملها، ويستفيد منها الاقتصاد. وفي المقابل، نقلنا إلى القرّاء رأي السيدة سيمون وابلر، مديرة تحرير منشورات “أغورا” للشؤون الماليّة والمتخصّصة في التحاليل الاقتصاديّة. فلهذه الأخيرة رأي غير مشجّع بالنسبة لاستخدام هذه البطاقات، لأنّها على المدى البعيد، كما تقول، تحوّل الأنظمة من ديمقراطيّة إلى توتاليتاريّة بفعل عدم وجود “الكاش”، وبحجّة أنّ سحبه من التداول يحدّ من الأعمال الارهابيّة ومن عمليات تبييض الأموال وبَيْع الأسلحة وأخيرًا وليس آخرًا، تخفيض نسبة الإجرام.وبرأي السيدة وابلر، فالمصارف كي تستطيع القيام بأعمالها، يجب أن تتمكّن من الحصول على إيرادات. وكي تبتعد عن شبح الافلاس، يجب الاّ يسحب المودعون أموالهم ومن هنا تشبتها بتلك البطاقات. وفضلاً عن ذلك، فعندما يتمّ الدفع ببطاقة السحب، فإنّ المعاملة النقديّة الإلكترونيّة يمكن تتبّعها وملاحقة مَن لم يسدّد ضرائبه أو يتهرّب من التسديد. وتخلص وابلر إلى القول أنّ تداعيات بطاقة السحب لا تحوّل الأنظمة الديمقراطيّة إلى أنظمة توتاليتاريّة فحسب وإنّما تُفقد الناس الكثير من خصوصيّاتهم. (راجع ما كتبته سنتيا تبشراني بهذا الخصوص في الصفحات التالية).
