د. الياس ميشال الشويري
تأليه الأشخاص ظاهرة ليست حديثة، بل تمتّد جذورها إلى العصور القديمة حين كان الحكام يُعتبرون تجسيدًا للإله على الأرض، كما في الحضارات الفرعونية والبابلية. ومع مرور الزمن، تطوّرت هذه الظاهرة لكنها بقيت حاضرة في المجتمعات الشرقية، حيث تُمنح السلطة طابعًا قدسيًا يجعلها فوق المساءلة. العامل الديني لعب دورًا محوريًا، إذ غالبًا ما ارتبط القادة بشرعية دينية أو رمزية جعلت أفعالهم وكأنها إرادة إلهية. في السياقات السياسية الحديثة، تطورت هذه الظاهرة لتأخذ أشكالًا جديدة، حيث يُروّج للقادة كمُنقذين يحملون مصير الأمة على أكتافهم، ممّا يعيد إنتاج الفكرة في سياقات مختلفة.
1- أثر تأليه الأشخاص على المجتمعات.
ظاهرة تأليه الأشخاص وتحويلهم إلى رموز فوق النقد والمساءلة تُشكّل عقبة رئيسية أمام تطوّر المجتمعات في مختلف المجالات. هذه الظاهرة لا تقتصر على الجانب السياسي فحسب، بل تمتد إلى النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مما يؤدي إلى حالة من الجمود والتراجع.
أ-تعطيل سيادة القانون: عندما يصبح الفرد مصدر السلطات، تتراجع قوة المؤسسات ويختل ميزان العدالة. في المجتمعات التي تعاني من تأليه القادة، تتشكل أنظمة حكم تُدار بمزاجية شخصية بعيدًا عن قواعد الحوكمة الرشيدة. تُصبح القوانين خاضعة لتفسيرات زبائنية ترتبط بإرادة الحاكم بدلًا من أن تكون مرجعًا يحكم الجميع على قدم المساواة. هذا يؤدي إلى انتشار الفساد، حيث يُمنح الموالون امتيازات تُخرجهم من دائرة المحاسبة، بينما يُحرم المعارضون من أبسط حقوقهم. على المدى الطويل، يؤدي غياب سيادة القانون إلى خلق مجتمع هش، تسوده الفوضى والتمييز، مما يُضعف الثقة بين المواطنين والدولة.
ب-تجميد التفكير النقدي: إن تقديس الأشخاص يُنتج ثقافة تقوم على الامتثال الأعمى، حيث يُنظر إلى قرارات القائد أو الرمز على أنها مُطلقة وغير قابلة للنقاش. هذا المناخ يؤدي إلى تراجع التفكير النقدي، إذ يشعر الأفراد بأن أي محاولة لمساءلة السلطة أو مناقشة السياسات قد تُفسَّر كخيانة أو خروج عن الإجماع الوطني. ينعكس ذلك بشكل مباشر على النظام التعليمي، حيث تُغيب المهارات التحليلية، ويُكرس الطلاب لاستيعاب الروايات الرسمية دون التشكيك فيها. وبذلك، يُنتَج جيل جديد يفتقر إلى القدرة على الابتكار والإبداع، ويكتفي بتكرار ما يُملى عليه دون تطوير رؤى مستقبلية مستقلة.
ج-إعاقة التنمية السياسية والاجتماعية: في الأنظمة التي تُقدّس الأشخاص، يتم قياس الولاء للأفراد بدلًا من الولاء للوطن أو الالتزام بالمصلحة العامة. هذه الثقافة تؤدي إلى تهميش الكفاءات، حيث تُمنح المناصب والمواقع الحساسة للمقربين من السلطة، بغض النظر عن كفاءتهم أو قدرتهم على أداء المهام المطلوبة. على المستوى السياسي، يؤدي ذلك إلى غياب التنوع وتكريس حكم الحزب أو العائلة الواحدة، مما يخلق بيئة تفتقر إلى المنافسة الديمقراطية. أما على المستوى الاجتماعي، فتترسخ النزعات الفردية والطبقية، حيث يُنظر إلى أصحاب النفوذ على أنهم طبقة مميزة، بينما يُنظر إلى بقية أفراد المجتمع على أنهم أتباع أو رعايا.
د-إضعاف الابتكار والتطوير الاقتصادي: تُشكل ثقافة تأليه الأشخاص عائقًا أمام التنمية الاقتصادية، حيث يؤدي الخوف من المساءلة إلى غياب المبادرات والمشروعات الجديدة. غالبًا ما يُحجم المستثمرون ورجال الأعمال عن إطلاق مشاريع جريئة في ظل بيئة لا تحترم القانون، مما يحد من فرص النمو الاقتصادي. كما أن القرارات الاقتصادية تُتخذ أحيانًا لتحقيق مكاسب شخصية أو سياسية، بدلًا من أن تكون نابعة من دراسات دقيقة تستند إلى مصلحة المجتمع ككل.
-تعزيز الانقسامات المجتمعية: في المجتمعات التي تُقدس القادة، تُصبح المعارضة السياسية والاجتماعية مرفوضة، مما يعزز الاستقطاب والانقسام. تُقسم المجتمعات إلى “مؤيدين” و”معارضين”، ويُجرّد الطرف المعارض من حقوقه الأساسية، ما يزرع بذور النزاع والاضطراب الداخلي. على الصعيد الثقافي، تُصبح الرموز المقّدسة جزءًا من الهوية الجماعية، ويُفرض احترامها كجزء من الولاء الوطني، مما يُلغي التعددية ويُضعف التنوّع الفكري والسياسي.
بالملخّص، إن آثار تأليه الأشخاص على المجتمعات تُنتج دوائر مغلقة من الجمود والتخلف، حيث تُعيق التنمية وتُعزز ثقافة الاتباع والانقياد. كسر هذه الظاهرة يتطلب جهودًا كبيرة على مستوى التربية والتعليم، وتعزيز دور المؤسسات، وتشجيع ثقافة الحوار والمساءلة. المجتمعات التي تسعى للتقدم والازدهار هي تلك التي تؤمن بأن القادة بشر، يخضعون للنقد والمحاسبة، وأن قوة الأمة تكمن في مؤسساتها لا في أفرادها.
2-التحديات التي تواجه كسر هذه الظاهرة
رغم إدراك الكثيرين لآثار تأليه الأشخاص السلبية، إلا أن محاولات كسر هذه الظاهرة تواجه عقبات بنيوية وثقافية راسخة في المجتمعات. التغيير يتطلب مواجهة منظومة متكاملة تدعم هذه الظاهرة على عدة مستويات، مما يجعل التحول نحو مجتمعات أكثر عدالة وشفافية عملية معقدة تحتاج إلى جهود مستمرة ومتعددة الجوانب.
أ-الثقافة المجتمعية والتاريخية: تُعد الثقافة المجتمعية واحدة من أعقد التحديات التي تواجه كسر هذه الظاهرة، إذ تغلغلت فكرة القائد المُنقذ والمُخلص في الوعي الجمعي منذ قرون، لتُصبح جزءًا من البنية الذهنية للشعوب. التاريخ حافل بقصص الزعماء الذين قُدموا كمنقذين، والذين وُضعوا في مكانة شبه مقدسة، وهو ما أدى إلى تبرير أفعالهم، حتى وإن كانت تتسم بالاستبداد. علاوة على ذلك، فإن هذه الثقافة لا تقتصر على الجانب السياسي فقط، بل تمتد إلى النسيج الاجتماعي والديني، حيث يُنظر إلى الشخصيات القيادية على أنها رموز يُحظر نقدها. أي محاولة لتغيير هذه العقلية تُواجه بردود فعل مقاومة من المجتمع ذاته، الذي يرى في هذه الشخصيات جزءًا من الاستقرار والهوية الوطنية أو الدينية.
ب-النظم التعليمية والتربوية: التعليم هو العمود الفقري لأي نهضة، لكنه في كثير من دول المنطقة يفتقر إلى تعزيز التفكير النقدي والاستقلالية الفكرية. تُركّز المناهج الدراسية على تلقين المعلومات دون تشجيع الطلاب على طرح الأسئلة أو التحليل. يُكرّس هذا النمط من التعليم ثقافة الامتثال والانقياد، ما يُنتج أجيالًا تعتاد الخضوع للسلطة دون التشكيك في شرعيتها أو قراراتها. إضافة إلى ذلك، تعكس بعض المناهج الدراسية بشكل مباشر فكرة الزعيم الذي يقود الأمة إلى الخلاص، مما يعزّز الرواية الرسمية ويُرسّخ صورة القائد الفرد بدلاً من التركيز على دور المؤسسات والعمل الجماعي. إن غياب التربية على المواطنة، والمشاركة الفعالة، يُساهم في استمرار ثقافة التأليه ويُضعف مناعة الأفراد تجاه الخطاب الدعائي.
ج-الإعلام والدعاية: يلعب الإعلام دورًا محوريًا في تشكيل وعي الجماهير، لكنه في كثير من الأحيان يكون أداة لتعزيز صورة القائد الفرد. الإعلام الموجّه والمملوك للدولة أو المقرّب من السلطة يُضخم من إنجازات القادة ويُضفي عليهم صفات بطولية خارقة، مما يُعيد إنتاج الظاهرة باستمرار. تُستخدم الحملات الإعلامية لتصوير الزعيم على أنه الضامن الوحيد للاستقرار والأمان، في مقابل شيطنة المعارضين أو المنتقدين. بمرور الوقت، يصبح الإعلام شريكًا في تكريس فكرة أن القائد هو الحامي الوحيد للوطن، وأن فقدانه قد يؤدي إلى انهيار الدولة أو المجتمع. هذه الصورة تجعل من الصعب على المواطنين تصور بدائل أخرى، أو المطالبة بنظم أكثر ديمقراطية تُعزز المساءلة والشفافية. علاوة على ذلك، فإن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت بدورها ساحة لتضخيم الخطاب الشعبوي، حيث يتم الترويج للقادة كرموز غير قابلة للنقد، من خلال الجيوش الإلكترونية والدعاية الرقمية.
د-الخوف من الفوضى وعدم الاستقرار: في العديد من المجتمعات، يُستخدم خطاب “الخوف من الفوضى” كأداة لإقناع الناس بقبول الوضع الراهن. تُطرح فكرة أن غياب الزعيم سيُدخل البلاد في حالة من عدم الاستقرار، ما يجعل المواطنين أكثر استعدادًا لقبول التسلط والاستبداد باعتباره ثمنًا للحفاظ على الأمن. هذا الخوف المُتجذر يُشكل عقبة نفسية أمام التغيير، حيث يُفضل كثيرون البقاء تحت سلطة قائد مستبد على المخاطرة بتجربة سياسية غير مأمونة العواقب.
ه-النخب السياسية والاقتصادية: غالبًا ما تكون النخب الحاكمة أحد أكبر معوقات كسر هذه الظاهرة، حيث تستفيد من وجود قائد مُقدس للحفاظ على امتيازاتها. تتحالف النخب السياسية والاقتصادية مع السلطة لضمان استمرار هيمنتها على المجتمع، حيث تُقدّم الولاء للقائد كضمانة للحفاظ على مصالحها. يُترجم هذا الولاء إلى سياسات تُكرّس الحكم الفردي وتُضعف المؤسسات، ما يُشكل عائقًا هيكليًا أمام بناء ديمقراطيات حقيقية.
بالملخّص، يتطلّب كسر هذه الظاهرة خطة شاملة تقوم على: إصلاح النظم التعليمية من خلال إدماج مناهج تُعزّز التفكير النقدي والتربية على المواطنة؛ إعلام حر ومستقل يسلّط الضوء على أهمية المؤسسات ويُقلّل من تضخيم صورة الأفراد؛ تعزيز الوعي المجتمعي عبر حملات تُشجّع على المشاركة السياسية وتُعيد تعريف القيادة كمسؤولية لا امتياز؛ دعم مؤسسات المجتمع المدني التي تلعب دورًا أساسيًا في نشر ثقافة المساءلة والمحاسبة. مواجهة هذه التحديات ليست عملية سهلة، لكنها خطوة ضرورية لبناء مجتمعات تُقدّس القانون والمؤسسات بدلًا من الأفراد.
3-استراتيجيات التحوّل نحو مستقبل أفضل.
الخروج من دوامة تأليه الأشخاص لا يقتصر على تعديل سلوكيات فردية، بل يتطلّب تحولًا مجتمعيًا عميقًا يشمل إعادة بناء المنظومة الثقافية والسياسية. لتحقيق هذا التحوّل، يجب اعتماد استراتيجيات متكاملة تستهدف جميع مستويات المجتمع، بدءًا من التعليم والإعلام، وصولًا إلى المؤسسات والنخب الفكرية.
تعزيز ثقافة المؤسسات وسيادة القانون يعد حجر الأساس لأي عملية تحوّل. بناء مؤسسات قوية تضمن أن تكون القوانين فوق الأفراد هو أمر ضروري لتحقيق العدالة والمساواة. يجب تعزيز استقلالية القضاء، ودعم البرلمان ليضطلع بدوره الرقابي، والعمل على مأسسة الحكم لضمان تداول السلطة بشكل سلمي ومنتظم. الحد من النفوذ الفردي في اتخاذ القرارات يساهم في تقليص فرص تضخّم السلطة، وهذا يتطلّب إعادة توزيع الصلاحيات داخل الدولة وتقوية الأدوار الاستشارية والمؤسسات المجتمعية.
إصلاح التعليم هو المحرك الأول لتغيير الفكر الجمعي وترسيخ ثقافة جديدة. إدخال مناهج تعليمية تُعزّز التفكير النقدي والتحليل يعلّم الطلاب كيف ينظرون إلى الأحداث بعيون ناقدة ويطوّر لديهم مهارات التشكيك في المسلمات. من الضروري أيضًا التركيز على التربية المدنية، وتعليم الطلاب تاريخ النظم الديمقراطية وتجارب الدول في تحقيق المساواة وسيادة القانون.
يلعب الإعلام دورًا حيويًا في تشكيل الرأي العام وكسر ثقافة التمجيد. يجب أن يساهم الإعلام في نشر ثقافة النقد والمساءلة، وتسليط الضوء على أهمية العمل الجماعي، وإبراز القادة كجزء من فريق وليس كأفراد خارقين. الإعلام المستقّل هو الضامن الأساسي لهذه العملية، حيث يُتيح الفرصة لكشف الفساد وتسليط الضوء على الخلل بعيدًا عن تدخل الدولة أو الجهات النافذة.
الاستفادة من التجارب العالمية تعد خطوة ضرورية في هذا السياق. تجارب دول مثل ألمانيا والسويد تُظهر أن الانتقال من نظم تقديس القادة إلى نظم ديمقراطية تعتمد على قوة المؤسسات هو أمر ممكن. في ألمانيا، أدى الانهيار بعد الحرب العالمية الثانية إلى بناء دولة ترتكز على مبدأ فصل السلطات وتعزيز دور البرلمان. في السويد، ساعد التعليم والإعلام الحر على تكريس ثقافة النقد والمساءلة.
إشراك النخب الفكرية والمثقفين في عملية التحوّل هو عنصر أساسي. تقع على عاتق هذه النخب مسؤولية إعادة صياغة خطاب يعيد الاعتبار للمؤسسات ويؤكّد أن القيادة مسؤولية لا امتياز. الأدب والفنون يمكن أن تلعبا دورًا في نشر قيم المساواة من خلال أعمال تُبرز أهمية المؤسسات والعمل الجماعي في بناء الأمم.
كسر ثقافة تأليه الأشخاص هو عملية طويلة ومعقدة، لكنها ليست مستحيلة. من خلال تبنّي استراتيجيات فعّالة تشمل التعليم، الإعلام، المؤسسات، والنخب الفكرية، يمكن للمجتمعات أن تنتقل إلى مرحلة جديدة من الوعي السياسي والاجتماعي، حيث يُصبح الولاء للمؤسسات والقوانين، لا للأفراد.
4- الخاتمة: نحو وعي جمعي متوازن.
إن كسر حلقة تأليه الأشخاص لا يعني الانتقاص من قيمة القادة أو إنكار ما قدموه من إنجازات، بل يتطلّب إعادة تعريف دور القيادة في سياق مؤسساتي يعزّز المساءلة والشفافية. فالقادة، مهما بلغت قدرتهم، يظلون بشرًا يخضعون للنجاح والفشل، ويجب أن يُعاملوا ضمن إطار قانوني وأخلاقي يُساويهم بغيرهم من المواطنين.
إن الوصول إلى مجتمع متوازن يتطلّب بناء ثقافة جماعية تحترم الفرد كجزء من كل، لا ككيان فوقي معصوم من الخطأ. يجب أن نتذكر أن تأليه الأشخاص ليس مجرّد نتيجة لقرارات سياسية أو تلاعب إعلامي، بل هو انعكاس لعقلية مجتمعية تحتاج إلى التغيير من الجذور. فالتحرّر من هذه الظاهرة يبدأ بإدراك أن المجتمعات القوية هي تلك التي تُقدّر العمل الجماعي، وتحترم القانون، وترفض الانقياد الأعمى وراء الرموز الفردية.
إن الطريق نحو هذا التحوّل لن يكون سهلًا. فالتحديات متجذّرة في الأنظمة التعليمية، الإعلامية، والسياسية، لكن تجاوزها ليس مستحيلًا. المطلوب هو شجاعة في إعادة النظر في مفاهيمنا الراسخة، وجرأة في تبنّي خطاب جديد يُعلّي من قيمة المؤسسات على حساب الأفراد.
وكما قال الفيلسوف الفرنسي بليز باسكال:
“Pour peu que soient les rois, ils sont ce que nous sommes”
أي أن الملوك، رغم عظمتهم الظاهرة، ليسوا إلا انعكاسًا لشعوبهم. هذه العبارة تلخّص حقيقة عميقة؛ فالمجتمعات التي تؤلّه قادتها إنما تعكس ضعف مؤسساتها وضعف ثقافة المساءلة فيها. لذا، إذا أردنا بناء مستقبل أفضل، فعلينا العمل على بناء شعوب واعية ترفض التقديس، وتؤمن بأن القيادة مسؤولية لا امتياز.
تأليه الساسة في لبنان، على سبيل المثال لا الحصر، لم يورث البلاد سوى خيبات الأمل والانهيارات المتكررة. هذه الظاهرة عمّقت ثقافة الاستزلام والولاء الأعمى على حساب الكفاءة والعدالة، ممّا أدى إلى شلل المؤسسات وغياب المحاسبة.
بدلًا من أن تكون السلطة وسيلة لخدمة الشعب، أصبحت غاية بحد ذاتها تُحصّن أصحابها من المساءلة، وتحول القادة إلى رموز مقدسة لا تُخطئ. في ظل هذه العقلية، تراكم الفساد، واستُنزفت موارد الدولة، وتكرست المحاصصة الطائفية كقاعدة للحكم، ممّا أفقد مؤسسات الدولة أي قدرة على العمل بفعالية أو استقلالية.
إن انهيار الاقتصاد، وهجرة الشباب، وتدهور الخدمات الأساسية ليست إلا انعكاسًا لهذا النهج الذي كرّس ثقافة الشخصنة ووأد إمكانية الإصلاح. لقد أُغلقت الأبواب أمام الكفاءات، وتلاشت فرص التغيير، لأن أي محاولة لمساءلة القادة تُعد مساسًا “بهيبتهم“، وكأن مستقبل الوطن مُعلّق بمزاجهم وأهوائهم.
الخروج من هذه الحلقة المفرغة يبدأ بتغيير ثقافة تقديس الأفراد، وتعزيز ثقافة المساءلة وسيادة القانون. وحده الشعب قادر على كسر هذا القيد، عندما يدرك أن الوطن أكبر من أي زعيم، وأن خلاص لبنان يكمن في بناء دولة مؤسسات لا دولة أشخاص.