ضحايا الحرب
د. الياس ميشال الشويري
إنّ المأساة التي يعيشها لبنان ليست مجرّد تكرار لأحداث متشابهة، بل هي استمرار لدورة من التدمير والتضحية التي لم تثمر إلا المزيد من الخراب والمعاناة. في كلّ جولة صراع، تُطلق الشعارات الكبرى الرنّانة، وتتردّد الأحاديث عن التضحية في سبيل لبنان وفلسطين، لكن الواقع القاسي يكشف أن هذه التضحيات غالبًا ما تكون بلا هدف واضح أو نتيجة ملموسة. تتكرّر المشاهد نفسها: سقوط الضحايا الأبرياء، تدمير المنازل والبنى التحتية، وزيادة معاناة الشعب الذي بات أسيرًا للخوف واليأس.
تبدو هذه التضحيات وكأنها تدور في حلقة مفرغة، حيث يُقدَّم الأفراد قرابين لصراعات لا يبدو أن لها نهاية قريبة أو أفقًا للتحسّن. التساؤل المؤلم الذي يفرض نفسه هو: إلى متى سيستمر هذا النزيف؟ هل تستحّق الشعارات المرفوعة هذا الثمن الباهظ من الأرواح والممتلكات؟ إن هذه التساؤلات تضعنا أمام حقيقة مُرّة، وهي أن استمرار هذا النهج لا يعكس بطولة أو نصرًا، بل يعكس فشلًا في تحقيق الاستقرار التي يحتاجها الشعب اللبناني.
1- جذور الأزمة اللبنانية على الحدود الجنوبية.
لطالما ارتبطت الحدود الجنوبية للبنان بالصراع مع دولة إسرائيل، لكن المشكلة الحقيقية لا تقتصر على العداء التاريخي أو الاعتداءات المتكررة، بل تتجذّر في غياب الحلول الدبلوماسية التي يمكن أن تمنح لبنان فرصة للخروج من دائرة العنف المتكررة. على مدى عقود، كانت السياسة اللبنانية تتأرجح بين التصعيد والتعبئة، مع غياب واضح لرؤية شاملة تُركّز على حماية الأرواح وإيجاد حلول سلمية تُنهي الصراع.
تتجاهل السياسات المتبعة أولوية السلام الحقيقي، وتُعلّي من شأن الخطابات الحماسية التي تبرّر استمرار النزاع وكأنه قدر محتوم، بينما يدفع المواطنون الثمن من أرواحهم وسبل عيشهم. إن غياب الجهود الدبلوماسية الفاعلة يُظهر ضعف الإرادة السياسية، أو إرادة المنظومة الفاسدة والحقيرة، وعدم الاستعداد لفتح قنوات تفاوضية جدية، ممّا يؤدي إلى إدامة الصراع وتحويل الجنوب اللبناني إلى ساحة دائمة للعنف، بدلاً من أن يكون منطقة استقرار ونمو. إن الحاجة الملحّة اليوم ليست إلى المزيد من الشعارات بل إلى استراتيجية دبلوماسية متماسكة تمنح الأمل للشعب وتحفظ كرامته.
في ظلّ هذا المشهد المتكرّر من النزاع، لم يكن غياب الحلول الدبلوماسية هو العامل الوحيد المؤثّر، بل لعب الاستغلال السياسي والطائفي دورًا محوريًا في تعميق الأزمة. لقد تمّ تحويل النزاع الحدودي إلى أداة بيد القوى السياسية المختلفة لتعزيز نفوذها الداخلي، ممّا أدى إلى تعميق الانقسامات الطائفية بدلًا من توحيد الصفوف في مواجهة التحديات.
كل طرف سياسي يسعى إلى استغلال الصراع لتحقيق مكاسب آنية، سواء لتعزيز شعبيته أو لترسيخ سلطته، ما يجعل النزاع وسيلة للتلاعب بمشاعر المواطنين بدلاً من البحث عن حلول جذرية. هذه الديناميكيات الداخلية جعلت من لبنان دولة أسيرة للتوترات السياسية، حيث أصبح الخطاب الطائفي عاملًا يُغذّي الصراع بدلًا من السعي إلى السلام. إن استمرار هذا الاستغلال يهدّد بتمزيق النسيج الوطني ويجعل لبنان في حالة دائمة من الانقسام، ممّا يحول دون أي تقدم نحو مستقبل أكثر أمانًا واستقرارًا. الحل الحقيقي يتطلّب تجاوز هذه الانقسامات ووضع المصلحة الوطنية فوق الحسابات الضيقة، لتحقيق وحدة حقيقية قادرة على مواجهة التحديات بفعالية.
2- التضحيات البشرية والمكاسب الوهمية.
منذ بداية النزاعات المسلحة على الأراضي اللبنانية، أُخذ الشعب اللبناني في دوامة من الحروب المتتالية التي أسفرت عن مئات الآلاف من الضحايا بين قتلى وجرحى ومهجّرين. لا تكاد دورة صراع تنتهي حتى تبدأ أخرى، حيث يتم الإعلان عن انتصارات وتضحيات في سبيل “القضية” الوطنية؛ لكن، ما يظل ثابتًا في كل مرة هو الوجع الإنساني العميق الذي يعيشه الشعب.
هذه الأرقام القاسية هي أكثر من مجرد إحصائيات؛ هي قصص أُسر تمزقت، ومجتمعات تشظّت، وأجيال نشأت في بيئة من العنف والخوف. رغم كل هذه التضحيات، لا تزال أزمات لبنان تتراكم بلا حل حقيقي. فالقتل والدمار لا يقدّم أي مكاسب ملموسة للناس الذين يعانون من العواقب المباشرة لهذه الحروب. في كل مرة يتّم الحديث عن الانتصار، يكون الواقع على الأرض مليئًا بالدموع والآلام التي لا يجد الشعب من يتعاطف معها. إن هذه الأرقام يجب أن تكون دافعًا لإيقاف هذا الدوران في حلقة العنف، لا مجرّد رقم يُضاف إلى قائمة طويلة من التضحيات التي لم تُترجم إلى نتائج تليق بحجم التضحيات.
على الرغم من التضحيات الجسيمة التي بذلها اللبنانيون في سبيل ما يعتقدون أنه “القضية“، فإن الحقيقة المؤلمة هي أنه لم يحدث أي تقدّم فعلي على الأرض. تبقى الحدود الجنوبية ساحة توتّر مستمّر، دون أن تشهد أي تغييرات جوهرية تساهم في تحقيق الاستقرار أو توفير الأمان للمواطنين. وبينما تتوالى الخطب والشعارات الزائفة حول الإنجازات المتوقعة من هذه التضحيات، يبقى الشعب اللبناني محاصرًا في واقع مؤلم، لا يرى أمامه سوى المزيد من الفوضى والخوف.
إن غياب التقدّم الفعلي يعكس فشلًا في تحقيق الأهداف المعلنة من هذه الحروب، حيث لا تزال التحديات السياسية والأمنية تعرقل أي محاولة حقيقية لبناء دولة مستقرة. في ظل هذا الوضع، يظلّ المواطنون يدفعون الثمن الغالي، بينما لا تلوح في الأفق أي رؤية واضحة تضمن لهم مستقبلاً أفضل. ما يحتاجه لبنان اليوم ليس المزيد من التضحيات، بل خطط استراتيجية تضع أولويات الشعب في طليعة اهتماماتها، من أجل إنهاء هذه المعاناة المستمرة وتحقيق الاستقرار والازدهار للمواطنين.
3- التداعيات الإنسانية والاجتماعية.
لم تقتصر آثار الحروب اللبنانية على الأضرار المادية فحسب، بل تركت أيضًا آثارًا نفسية عميقة على الشعب اللبناني، ولا سيما على الأجيال التي نشأت في بيئة مملوءة بالصراع والخوف. الخوف من المستقبل، والقلق الدائم على الحياة، أصبحا جزءًا من الحياة اليومية. بالنسبة للأطفال الذين نشأوا وسط هذه النزاعات، فقد كانت الحرب جزءًا لا يتجزأ من تجربتهم، ممّا أدّى إلى معاناة نفسية مستمرة من اضطرابات مثل القلق، والاكتئاب، واضطرابات ما بعد الصدمة.
الأطفال الذين كانوا يشهدون يوميًا مشاهد العنف والتدمير، يعانون الآن من مشاكل في التكيّف الاجتماعي والنفسي، والتي تؤثر بشكل كبير على تطورهم في المستقبل. هذه الآثار لا تقتصر على المستوى الفردي، بل تنتقل إلى المجتمع ككل، حيث يعاني هؤلاء الأطفال الآن من صعوبة في بناء علاقات اجتماعية صحية أو الاندماج في المجتمع بشكل طبيعي. إن معاناتهم تمثّل جزءًا من أزمة أوسع تتعلّق بمستقبل لبنان، إذ أن الأجيال التي تحمل هذه الصدمات ستجد صعوبة في بناء مجتمع مستقّر وسلمي إذا لم تُعطَ الأولوية للمعالجة النفسية والاجتماعية لهذه الفئة.
من أبرز آثار الحروب المستمرة في لبنان هو تدمير البنية التحتية التي كانت تشكّل أساس الحياة اليومية للمواطنين. عبر سنوات من النزاعات المسلحة، تعرضت البنية التحتية اللبنانية للتدمير الممنهج، ممّا أسفر عن تراجع حاد في العديد من الخدمات الأساسية مثل الكهرباء، والماء، والتعليم، والصحة. أصبح المواطن اللبناني مضطراً للتعامل مع انقطاع مستمر للكهرباء والمياه، وزيادة في صعوبة الوصول إلى الخدمات الطبية والتعليمية، ممّا يعمّق معاناته اليومية.
لم يعد هذا الوضع مقتصرًا على المناطق المتضررة مباشرة من النزاعات، بل أصبح يشمل معظم أنحاء لبنان، حيث أدّت الحروب المتكررة إلى تقويض الموارد والبنية الأساسية التي كانت تدير الحياة اليومية. فاليوم، يعاني اللبنانيون من نقص مزمن في الكهرباء والمياه، ويواجهون تحديات في الحصول على التعليم الجيد والرعاية الصحية المناسبة، ممّا يزيد من التوتّر الاجتماعي والاقتصادي. مع كل جولة من الصراع، تزداد هذه الظروف سوءًا، ممّا يجعل من الصعب التفكير في بناء مستقبل أفضل للبنان دون حلول عاجلة لإعادة إعمار البنية التحتية واستعادة الخدمات الأساسية التي تضمن حقوق المواطن اللبناني في حياة كريمة.
4- سياسات الشعارات الزائفة والواقع المرير.
في لبنان، تُروّج بعض القوى السياسية لما تعتبره “انتصارات” في المعركة ضد إسرائيل أو في صراعات أخرى، إلا أن هذه الانتصارات غالبًا ما تكون زائفة، تعكس صورة مشوهة للواقع الذي يعيشه المواطن اللبناني. فبدلاً من أن تثمر هذه الانتصارات في تحقيق السلام أو تحسين الأوضاع، فإنها تُستخدم كأداة دعائية لتغطية الخسائر الفادحة في الأرواح والممتلكات. إن هذه الحروب المتكررة لا تترك وراءها سوى دمار شامل للبنية التحتية، بالإضافة إلى مئات الآلاف من الضحايا الذين سقطوا نتيجة الصراع المستمر.
في كل مرة يتم الإعلان عن انتصار، يبقى الواقع على الأرض بعيدًا عن هذه الانتصارات المزعومة. المواطن اللبناني لا يشعر بأي تحسّن حقيقي في حياته اليومية، بل على العكس، تزداد معاناته مع كل جولة من الصراع. التضحيات التي تُستخدم كوسيلة لتحفيز الحشود أو تعزيز النفوذ السياسي لا تُترجم إلى أي نتائج ملموسة لصالح الشعب. لذلك، تصبح هذه “الانتصارات” مجرّد شعار يرفع، لا أكثر من ذلك، دون أن تحقّق أي تغيير إيجابي يُذكر في الواقع الذي يعاني منه اللبنانيون.
غالبًا ما يجد الشعب اللبناني نفسه عالقًا بين شعارات ضخمة تُرفع من قبل القوى السياسية وبين واقع يومي مؤلم. يُرفع لواء المقاومة، وتُعلن التضحيات في سبيل الوطن، ولكن في المقابل، يظّل المواطن اللبناني يعاني من الفقر المستشري، البطالة، وغياب الأمل في المستقبل. بينما تزدحم المنابر السياسية بالخطابات الرنانة التي تعد بتحقيق الإنجازات الكبرى، يظّل لبنان يشهد تفشيًا للأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ممّا يفاقم من معاناة الشعب.
إن الوعود الكبيرة التي تُطلق بين الفينة والأخرى في المناسبات السياسية، سرعان ما تتبدّد في ظل فشل الحكومة في توفير احتياجات الناس الأساسية. بدلاً من أن يشعر اللبنانيون بتحسّن في ظروفهم المعيشية، يزداد الفقر والبطالة، وتُغلق الأبواب أمام أي فرصة للتنمية أو التقدّم. هذا التناقض بين الشعارات التي تُرفع على منصات الإعلام والواقع الذي يعيشه الناس على الأرض يؤدّي إلى حالة من الإحباط واليأس، حيث يتساءل المواطنون عن جدوى هذه الشعارات في ظل التدهور المستمر لحياتهم اليومية، ونهب أموالهم التي كادحوا من أجلها طوال حياتهم.
5- الحلول الممكنة للخروج من دائرة الدمار.
إن الحلول العسكرية قد أثبتت فشلها على مرّ السنين، حيث أُزهقت الأرواح، ودُمرّت البنية التحتية، وازدادت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية سوءًا. لذا، أصبح من الضروري أن يتحوّل التركيز من الحلول العسكرية إلى السعي نحو تسويات دبلوماسية حقيقية تضمن السلام وحماية الحدود اللبنانية. إن البحث عن حلول سلمية يجب أن يكون هو الخيار الاستراتيجي الأوّل، لا سيما في ظل استمرار التوترات الإقليمية.
يتطلّب ذلك من لبنان أن يعزّز مكانته في المجتمع الدولي من خلال تحركات دبلوماسية فعّالة. يجب على الحكومة اللبنانية المقبلة أن تعمل على تفعيل علاقاتها مع المنظمات الدولية والقوى الكبرى بهدف الحصول على الدعم لحلول سلمية دائمة. إن لبنان بحاجة إلى قيادة دبلوماسية حكيمة (وليس الى قيادة عقيمة، كما هو الحال الآن) تتمكّن من التفاوض بشكل فعّال وتقديم رؤية شاملة تضمن مصالحه الوطنية، وفي الوقت ذاته، تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الشعب اللبناني في العيش بسلام وأمان. هذا الأمر يتطلّب التزامًا جادًا من جميع الأطراف السياسية اللبنانية (وبالتأكيد، ليس من الأطراف المهيمنة اليوم التي عاثت في الأرض فساداً على مدى عقود وعقود) بالعمل المشترك على الساحة الدولية من أجل تأمين الدعم الدولي الضروري لاستقرار لبنان وتحقيق تسوية دائمة للأزمات المتتالية.
لا يمكن للبنان أن يحقّق الاستقرار إلا إذا تم تعزيز سيادة الدولة على كافة أراضيها، ونزع السلاح غير الشرعي من كافة الأطراف. إن الحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي يتطلّب أن يكون قرار الحرب والسلم بيد الدولة اللبنانية وحدها، دون تدخلات من أي فصيل مسلح أو جماعة خارج السلطة الرسمية. تتطلّب هذه الخطوة العمل الجاد على تنفيذ استراتيجيات وطنية تركّز على تقوية الجيش اللبناني والقوى الأمنية، وتحصين مؤسسات الدولة من أي تأثيرات خارجية أو داخلية تهدد وحدة لبنان.
في ذات الوقت، لا يمكن معالجة الأزمات السياسية والأمنية في لبنان دون إعادة بناء المجتمع على أسس السلام. يجب إطلاق برامج توعية وطنية تهدف إلى تعزيز قيم التعايش السلمي والتعاون بين جميع أطياف الشعب اللبناني، بعيدًا عن الانقسامات الطائفية والمذهبية التي تعمّق الصراعات. من الضروري أن تركّز هذه البرامج على تعليم الأجيال الجديدة ثقافة السلام والمصالحة، بعيدًا عن خطاب الكراهية والعداء.
إن إعادة بناء لبنان يتطلّب أيضًا استثمارًا في تحسين البنية التحتية والخدمات الأساسية التي تهم المواطن اللبناني بشكل يومي، مثل الكهرباء، والمياه، والتعليم، والصحة. من خلال العمل على تحسين ظروف الحياة اليومية للمواطنين، سيمكن لبنان من تهيئة بيئة مستقرة تحقق التعايش السلمي بين أبناء الوطن، ممّا يعزّز من فرص النهوض الاقتصادي والاجتماعي على المدى الطويل.
6- الخاتمة.
إن استمرار التضحيات البشرية في لبنان دون أي تقدّم حقيقي يعد جرحًا نازفًا في جسد الوطن، جرحًا يزداد عمقًا مع كل حرب وصراع. لقد دفع الشعب اللبناني ثمنًا باهظًا من دمائه وأرواح أبنائه في نزاعات لم تُحقّق أهدافها المعلنة، بل على العكس، فإنها أضافت مزيدًا من الخراب على مستوى البنية التحتية، الاقتصاد، والنسيج الاجتماعي.
إن الشعب اللبناني الذي عانى من الحروب والصراعات المستمرة، لا يجد أي مكاسب ملموسة من هذه التضحيات، بل يبقى عالقًا في حلقة مفرغة من الألم والدمار. على الرغم من الشعارات التي ترفع في كل مرة، والتي تدعو إلى التضحية من أجل “القضية“، يظل الواقع يعكس صورة مغايرة تمامًا، صورة مليئة بالمعاناة والأزمات التي لا تنتهي. لقد آن الأوان أن نراجع هذه السياسات التي لم تؤدِ إلا إلى المزيد من الخراب، وأن نضع نصب أعيننا أهدافًا بعيدة عن الحروب والتضحيات غير المجدية، بل نحو بناء وطن قائم على السلام والتطوّر المستدام.
إن بناء مستقبل لبنان لا يمكن أن يتحقّق إلا من خلال تغيير جذري في المنظومة السياسية الفاسدة وفي السياسات المتبعة. فلا يمكن للبنان أن يواصل السير في نفس الطريق المليء بالصراعات التي لا تجلب سوى المزيد من الدمار. إن التقدّم الفعلي لا يأتي من وراء الشعارات الزائفة والتضحيات العبثية، بل من خلال تبنّي استراتيجيات تركّز على تحقيق السلام الحقيقي والتنمية المستدامة.
إن الحلول السلمية المستدامة تتطلّب تغييرات جوهرية في النهج السياسي والاقتصادي، حيث تُعطى الأولوية للمصالحة الوطنية، والعدالة الاجتماعية، وتحقيق التوازن في توزيع الثروات. كما يجب العمل على بناء مؤسسات قوية وشفافة تكون قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية بشكل فعّال. ومن الأهمية بمكان أن يتحوّل لبنان إلى دولة تعتمد على سياسات تنموية شاملة تسعى لتحسين ظروف الحياة للمواطنين، بعيدًا عن الاستمرار في تكرار أخطاء الماضي. إن الاستثمار في التعليم، الصحة، وتطوير البنية التحتية، مع تعزيز التعايش السلمي بين جميع الطوائف والمذاهب، هو السبيل الوحيد للخروج من دوامة العنف إلى مستقبل يعّمه السلام والازدهار.