• من نحن
  • تواصل معنا
Description of the image
لا نتيجة
عرض جميع النتائج
  • الرئيسية
  • رسالة من المحرر
  • الحدث
  • المفكرة
  • مصارف
  • تأمينية
    • شركات تأمينية
    • توعية تأمينية
    • فتاوى تأمينية
  • ملف
  • مقابلات
  • مقالات
  • طب
  • فـي ميزان العدالة
  • منوعات
  • مؤتمرات
  • الرئيسية
  • رسالة من المحرر
  • الحدث
  • المفكرة
  • مصارف
  • تأمينية
    • شركات تأمينية
    • توعية تأمينية
    • فتاوى تأمينية
  • ملف
  • مقابلات
  • مقالات
  • طب
  • فـي ميزان العدالة
  • منوعات
  • مؤتمرات
Description of the image
  • الرئيسية
  • رسالة من المحرر
  • الحدث
  • المفكرة
  • شركات تأمينية
  • توعية تأمينية
  • فتاوى تأمينية
  • ملف
  • مقابلات
  • مقالات
  • طب
  • فـي ميزان العدالة
  • منوعات
  • مؤتمرات

"د. الياس ميشال الشويري"يحاسب
القيادات المسيحية على التواطؤ والصمت:
أين كنتم من الإنهيارات ومنها المالي
ولماذا لم تستبقوا الكارثة؟

2025/12/29
- بحث
"د. الياس ميشال الشويري"يحاسبالقيادات المسيحية على التواطؤ والصمت:أين كنتم من الإنهيارات ومنها الماليولماذا لم تستبقوا الكارثة؟

أمام بكركي لعلّها تصوّب المسار والمصير…

د. الياس ميشال الشويري

لا يأتي عيد الميلاد في لبنان المنهار بوصفه مناسبة روحية بريئة أو طقسًا احتفاليًا منفصلًا عن الواقع، بل يتحوّل، بحكم المأساة العامة، إلى لحظة مساءلة أخلاقية وسياسية قاسية. ففي بلدٍ انهارت فيه العملة، وتبخّرت الودائع، وضاعت تعويضات الضمان الاجتماعي، وسُحق فيه المجتمع تحت وطأة نظام مالي احتيالي، يصبح الصمت جريمة، والتواطؤ خيانة، والتذرّع بالمفاجأة تزويرًا للوقائع. من هنا، يطرح هذا المقال سؤالًا جوهريًا لا يمكن الالتفاف عليه: أين كانت القيادات المسيحية، السياسية والاقتصادية والروحية، من الانهيار المالي الذي كان يتكوّن أمام أعين الجميع؟ ولماذا فشلت في أداء واجبها الأساسي في تحذير المجتمع المسيحي وتمكينه من حماية نفسه، كما فعلت فئات أخرى قرأت الواقع ببراغماتية واستبقت الكارثة؟

هذا السؤال لا يُطرح من موقع الخصومة، بل من موقع المحاسبة التاريخية. فالمجتمع المسيحي، الى حدٍ ما، لم يكن على هامش الدولة، ولا خارج منظومة القرار، بل كان في قلبها، وقياداته كانت شريكًا كاملًا في السلطة. وعليه، فإن البحث في هذا التقصير لا يندرج في خانة النقد الأخلاقي المجرد، بل في تفكيك فشل قيادي بنيوي تداخل فيه السياسي بالاقتصادي، والقيمي بالمصلحي، وانتهى إلى ترك مجتمع كامل أعزل في مواجهة انهيار كان يمكن، ولو جزئيًا، التحوّط له. يسعى هذا المقال، عبر محاوره الثلاثة، إلى تحليل هذا الفشل بوصفه نتيجة مباشرة لانخراط القيادات المسيحية في منظومة الفساد، وصمتها الأخلاقي، وحرمان مجتمعها من الحق في المعرفة والحماية، في واحدة من أخطر اللحظات المفصلية في تاريخ لبنان الحديث.

لماذا التواطؤ والصمت؟

1. القيادات المسيحية كشريك بنيوي في منظومة الانهيار المالي لا كمتفرّج عليه

لم يكن الانهيار المالي الذي عصف بلبنان حدثًا مفاجئًا ولا طارئًا على مسار الدولة، بل كان النتيجة الحتمية لمسار سياسي، اقتصادي طويل، تشاركت في بنائه جميع القوى الحاكمة، والتي تضمنت القيادات المسيحية التي لا يمكن تبرئتها تاريخيًا أو سياسيًا من هذا المسار. فمنذ نهاية الحرب الأهلية وتكريس اتفاق الطائف، دخلت القيادات المسيحية، بمختلف تلاوينها الحزبية والطائفية، في منظومة الحكم الجديدة لا بوصفها قوى إصلاحية أو تصحيحية، بل بوصفها شركاء كاملين في نظام المحاصصة، وتقاسم النفوذ، وتدوير الزوايا على حساب الدولة والمجتمع.

لقد اختارت هذه القيادات، بدل إعادة بناء دورها التاريخي كرافعة للدولة والمؤسسات، أن تندمج في منطق السلطة السائدة الفاسدة، وأن تعيد تعريف حضورها السياسي على قاعدة الحصة لا الرسالة، والمكسب لا المسؤولية. وبذلك، أصبحت جزءًا من شبكة المصالح التي قامت على حماية النظام المالي الريعي، وتعزيز نفوذ المصارف، وتثبيت سياسات نقدية خطرة، رغم وضوح هشاشتها منذ سنوات طويلة. فكل التقارير المالية، وكل المؤشرات الاقتصادية، كانت تشير بوضوح إلى أن لبنان يسير نحو انهيار محتوم، وأن ما يُسمّى “الاستقرار المالي” لم يكن سوى تخدير جماعي مؤقت.

والأخطر أن القيادات المسيحية لم تكن مجرد مشارك صامت، بل لعبت دورًا مركزيًا في شرعنة هذا النموذج داخل بيئتها. فقد استخدمت خطاب الدولة القوية، والمصرف المتين، والاقتصاد الصامد، لتثبيت نفوذها السياسي، وطمأنة جمهورها، وتحييد أي صوت نقدي كان يحذّر من الكارثة المقبلة. وهكذا، تحوّلت العلاقة بين القيادة والمجتمع المسيحي إلى علاقة تضليل ممنهج، حيث طُلب من الناس أن يثقوا، لا أن يفهموا، وأن يطمئنوا، لا أن يسألوا.

إن الحديث عن غياب الرؤية أو نقص الخبرة لا يصمد أمام الواقع. فالكثير من هذه القيادات كانت مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالقطاع المصرفي، أو تمتلك مستشارين اقتصاديين، أو كانت شريكًا في القرار المالي عبر الحكومات والمجالس النيابية. أي أن المعرفة كانت متوفرة، والتحذير كان ممكنًا، والتدخل كان متاحًا. لكن ما لم يكن متوفرًا هو الإرادة السياسية لفعل ذلك، لأن التحذير كان سيهدد توازنات السلطة، ويزعزع الثقة المصطنعة التي قام عليها النظام.

كما أن القيادات المسيحية أسهمت في تكريس فكرة أن أي تشكيك بالنظام المالي هو عمل تخريبي أو تهويلي، ما أدى إلى قمع أي نقاش جدي داخل المجتمع المسيحي نفسه. لقد تم إسكات الخبراء، وتهميش الأصوات النقدية، واتهام كل من حذّر بالخيانة أو السوداوية. وهذا السلوك لم يكن بريئًا، بل كان ضرورة لحماية شبكة المصالح السياسية والمالية التي استفادت من استمرار الوهم.

ومن هنا، لا يمكن فصل الانهيار عن البنية الطائفية للسلطة التي سمحت للقيادات المسيحية بالاختباء خلف خطاب المظلومية التاريخية، بينما كانت تمارس دورها الكامل في الحكم. فقد استُخدمت سردية “استعادة الحقوق” لتبرير المشاركة في نظام فاسد، واستُخدمت الهوية المسيحية كغطاء لتجميل سياسات اقتصادية مدمّرة. وهكذا، تحوّلت الهوية من عنصر حماية إلى أداة تضليل، ومن رسالة ثقافية وأخلاقية إلى سلعة سياسية.

الأكثر إدانة أن هذه القيادات لم تُعدّ المجتمع المسيحي لأي سيناريو بديل. لم تُبنَ خطط طوارئ، لم تُشجَّع اللامركزية الاقتصادية، لم تُفعَّل شبكات الأمان الاجتماعي، ولم يُفتح أي نقاش جدي حول مستقبل الضمان الاجتماعي أو مصير ودائع الناس. بل جرى التعامل مع المجتمع المسيحي وكأنه كتلة انتخابية صامتة، لا شريك واعٍ في المصير. وعندما وقع الانهيار، تُرك هذا المجتمع عاريًا، بلا حماية، وبلا تفسير، وبلا اعتذار.

إن توصيف القيادات المسيحية كضحايا الانهيار هو تزوير للواقع. فهي لم تُفاجأ، بل ساهمت في صناعة المفاجأة؛ لم تُخدع، بل شاركت في الخداع؛ ولم تُقصَ عن القرار، بل كانت جزءًا من منظومة قررت تأجيل الانفجار على حساب الناس. ومن هنا، فإن مسؤوليتها لا تقل عن مسؤولية أي طرف آخر في الحكم، بل تتضاعف بحكم ادعائها تمثيل قيم أخلاقية ورسالية، وبحكم ثقة مجتمعها بها.

هذا المحور لا يدين أشخاصًا بقدر ما يدين نموذج قيادة اختار الاندماج في الفساد بدل مواجهته، واختار حماية السلطة بدل حماية الناس، واختار الصمت بدل التحذير. وهو نموذج أثبت فشله التاريخي، ودفع المجتمع المسيحي ثمنه من أمنه الاجتماعي، وكرامته الاقتصادية، ومستقبله الوجودي في هذا البلد.

وماذا عن النظافة؟

2. الصمت كخطيئة أخلاقية وانهيار مفهوم المسؤولية المسيحية في زمن الانهيار المالي

إذا كان الانهيار المالي في لبنان يُقرأ اقتصاديًا كفشل سياسات، فإنه يُقرأ أخلاقيًا كمأساة مضاعفة، خصوصًا عندما يتصل بدور القيادات المسيحية التي ادّعت تاريخيًا تمثيل منظومة قيمية تقوم على الحق والعدالة والجرأة في قول الحقيقة. ففي الفكر المسيحي، لا تُقاس القيادة بقدرتها على البقاء في السلطة، بل بقدرتها على حماية الإنسان، وعلى الإنذار قبل الكارثة، وعلى الوقوف في وجه الظلم حتى لو كان الثمن سياسيًا أو شخصيًا. من هذا المنطلق، فإن صمت القيادات المسيحية أمام انهيار كان واضح المعالم لا يمكن اعتباره تقصيرًا إداريًا أو سوء تقدير، بل يجب توصيفه بوضوح كـ انهيار أخلاقي كامل.

لقد كانت كل المؤشرات تشير إلى خطر داهم، وكان من واجب من يملكون المنابر السياسية والروحية أن يرفعوا الصوت، لا أن يساهموا في التهدئة الكاذبة. إلا أن ما حصل كان العكس تمامًا، إذ تحوّل الصمت إلى سياسة، والتطمين إلى أداة تضليل، والانتظار إلى شكل من أشكال الهروب من المسؤولية. هذا السلوك لا يمكن فصله عن تحوّل مفهوم القيادة المسيحية من موقع الرعاية إلى موقع الإدارة السياسية الباردة، حيث تُقاس الأمور بمنطق الربح والخسارة لا بمنطق الحق والخطأ.

في اللاهوت المسيحي، يُدان الراعي الذي يرى الذئب مقبلًا ولا يُنذر القطيع. وهذه الاستعارة ليست وعظية بل سياسية بامتياز، لأنها تُحيل إلى مسؤولية من يمتلك المعرفة والسلطة معًا. لقد امتلكت القيادات المسيحية المعرفة، وامتلكت النفوذ، لكنها تخلّت عن الدور. لم تُحرّك ضميرها الجمعي، ولم تُطلق أي مراجعة أخلاقية جادة لمسار الدولة والاقتصاد، بل فضّلت الانخراط في لعبة التوازنات، وكأن القيم يمكن تعليقها عندما تتعارض مع المصالح.

الأخطر أن هذا الصمت لم يكن حياديًا، بل كان صمتًا مُنتِجًا للضرر. فقد ساهم في إبقاء المجتمع المسيحي داخل دائرة الثقة العمياء بنظام مالي منهار، وأقنعه بأن الالتزام بالقانون والمؤسسات هو الخيار الآمن، في حين تبيّن لاحقًا أن هذا الالتزام كان فخًا قاتلًا. وهنا تتجلّى المفارقة الأخلاقية الكبرى: المجتمع الذي التزم بالقانون خسر، والمجتمع الذي تحايل عليه نجا نسبيًا. هذا الواقع لا يمكن تبريره إلا باعتباره نتيجة مباشرة لقيادة فشلت في إعادة تعريف الأخلاق السياسية في زمن الخطر.

كما أن القيادات المسيحية لم تمارس أي دور نقدي فعّال داخل مؤسسات الدولة التي كانت شريكة فيها. لم نسمع استقالات احتجاجية شاملة، ولا مواقف تصعيدية، ولا تحذيرات علنية موجهة للناس، بل ساد منطق “المعالجة من الداخل” الذي لم يكن سوى ستارًا للاستسلام. هذا السلوك يطرح سؤالًا جوهريًا حول معنى المسؤولية في الخطاب المسيحي المعاصر في لبنان: هل هي مسؤولية الحفاظ على المواقع أم مسؤولية حماية المجتمع؟ الوقائع تشير بوضوح إلى أن الخيار كان الأول.

إن انهيار مفهوم المسؤولية المسيحية لا يتجلى فقط في الصمت، بل في تحييد الضمير الجماعي. فقد تم اختزال القيم المسيحية في شعارات هوياتية، وفصلها عن مضمونها الاجتماعي والسياسي. صارت العدالة مفهومًا تجريديًا، والحق خطابًا احتفاليًا، والإنجيل نصًا يُستدعى في المناسبات لا في الأزمات. وبهذا، فُرغت الأخلاق من بعدها العملي، وتحولت إلى غطاء أخلاقي زائف يبرّر العجز بدل أن يفضحه.

ولا يمكن تجاهل دور المؤسسات الروحية التي، وإن اختلفت درجات تورطها، ساهم بعضها في تكريس هذا الصمت أو على الأقل في عدم كسره. فحين يُواجه المجتمع خطرًا وجوديًا، يصبح الحياد تواطؤًا، والتوازن مهادنة، والدعوة إلى “الصبر” شكلًا من أشكال القبول بالظلم. لقد طُلب من الناس أن يتحملوا، لا أن يُحمَوا، وأن يصلّوا، لا أن يُنذَروا، وأن يتأقلموا مع الفقر بدل أن يُمنع عنهم مسبقًا.

إن فقدان البوصلة الأخلاقية لدى القيادات المسيحية جعل المجتمع يواجه الانهيار بلا مرجعية. لم يكن هناك صوت يقول الحقيقة كاملة، ولم يكن هناك إطار أخلاقي يفسّر ما يحدث بجرأة ومسؤولية. وهكذا، تُرك الناس في مواجهة مصيرهم، فيما القيادات أعادت تموضعها سياسيًا، كأن الانهيار حدث طبيعي لا علاقة لها به.

في ضوء كل ذلك، لا يمكن اعتبار ما جرى مجرد إخفاق عابر، بل هو سقوط أخلاقي تاريخي. فالقيادة التي لا تحذّر مجتمعها من الخطر، ولا تحميه حين تستطيع، ولا تعترف بخطئها بعد وقوع الكارثة، تفقد أي شرعية أخلاقية، مهما ادّعت من تمثيل أو تاريخ أو نضال. إن الأزمة لم تكن فقط أزمة مال، بل أزمة ضمير، وأزمة معنى، وأزمة قيادة تخلّت عن جوهر رسالتها.

من دون تعليق

3. المجتمع المسيحي بين الخداع القيادي وخسارة الحماية الذاتية في مقابل براغماتية فئات أخرى

يبلغ فشل القيادات المسيحية ذروته عندما ننتقل من مستوى الخطاب والنية إلى مستوى النتائج الملموسة، أي إلى ما آل إليه حال المجتمع المسيحي مقارنة بغيره من فئات المجتمع اللبناني عشية الانهيار المالي. فهنا، لا تعود المسألة مسألة شعارات أو تأويلات، بل مسألة أرقام، وتعويضات ضائعة، وودائع تبخّرت، وأمان اجتماعي انهار بالكامل. إن المقارنة القاسية بين ما حدث للمجتمع المسيحي وما فعلته فئات أخرى قبل الانهيار تكشف بوضوح أن الخسارة لم تكن حتمية، بل كانت نتيجة مباشرة لغياب التوجيه الواعي والخداع المنهجي.

لقد أظهرت تجارب فئات أخرى في لبنان أن قراءة الواقع كانت ممكنة، وأن الاستعداد للانهيار لم يكن ضربًا من النبوءة، بل خيارًا عقلانيًا اتخذه من قرأ المؤشرات بواقعية وبراغماتية. هذه الفئات، سواء بدافع التنظيم السياسي، أو الخبرة التاريخية، أو انعدام الثقة البنيوي بالدولة، تعاملت مع النظام المالي باعتباره هشًا ومؤقتًا، لا ملاذًا آمنًا طويل الأمد. فبادرت إلى سحب الأموال، أو تحويلها، أو استثمارها في شبكات أمان بديلة، أو إخراج تعويضاتها من الضمان الاجتماعي قبل أن يتحول إلى هيكل فارغ. لم يكن هذا السلوك أخلاقيًا بالضرورة، لكنه كان وقائيًا وعقلانيًا.

في المقابل، بقي المجتمع المسيحي، في غالبيته الساحقة، أسير خطاب قيادي مفاده أن الدولة قائمة، والمصارف محمية، والقانون هو الضمانة. لقد تم ربط الأمان الاقتصادي بالالتزام، والنجاة بالثقة، وكأن الشك في النظام خيانة وطنية أو طائفية. هذا الخطاب لم ينبع من وعي أخلاقي سامٍ، بل من خيار سياسي أراد إبقاء المجتمع داخل النظام حتى آخر لحظة، لأنه كان يخدم استقرار السلطة لا سلامة الناس.

وهكذا، تحوّلت القيم التي طالما افتخر بها المجتمع المسيحي، مثل احترام القانون، والثقة بالمؤسسات، والالتزام بالنظام، إلى نقاط ضعف قاتلة في لحظة الانهيار. فحين سقطت الدولة، سقط المجتمع الذي راهن عليها بلا شروط. وحين انهارت المصارف، انهار من صدّقها. وحين تبيّن أن الضمان الاجتماعي غير مضمون، كان الوقت قد فات. هذه النتيجة لا يمكن فصلها عن دور القيادة التي لم تكتفِ بعدم التحذير، بل حوّلت الفضيلة إلى أداة تضليل.

الأخطر من ذلك أن المجتمع المسيحي لم يُمنَح حتى فرصة النقاش الداخلي. لم تُفتح أي مساحات حقيقية للتفكير الجماعي في المخاطر، ولم تُبنَ أي ثقافة اقتصادية وقائية داخل البيئة المسيحية، بل جرى التعامل مع الناس ككتلة صامتة، يُطلب منها التصديق لا الفهم. لقد تم إقصاء العقل النقدي داخل المجتمع، وتهميش كل صوت حذّر من الإفلاس، ووصمه بالتهويل أو العمالة أو التشويش. وهكذا، صُنِع الإجماع الزائف الذي أدى إلى الكارثة.

وعندما وقع الانهيار، لم يكن المجتمع المسيحي فقط الأكثر التزامًا بالنظام المنهار، بل كان أيضًا الأقل قدرة على التعافي. فغياب شبكات التضامن البديلة، وضعف التنظيم الاقتصادي الأهلي، والاعتماد شبه الكامل على الدولة والمصارف، جعل من الصدمة مضاعفة. في حين أن فئات أخرى، رغم فقرها أو هشاشتها، امتلكت أدوات بديلة سمحت لها بالصمود النسبي، وجد المجتمع المسيحي نفسه عاريًا، بلا حماية، وبلا خطة، وبلا قيادة تعترف بمسؤوليتها.

إن خسارة تعويضات الضمان الاجتماعي هنا ليست تفصيلًا تقنيًا، بل رمزًا لانهيار عقد اجتماعي كامل. فهي تعبّر عن سنوات عمل ضاعت لأن أحدًا لم يقل الحقيقة في الوقت المناسب. وهي تكشف أن المجتمع الذي وثق بقيادته، ودفع ثمن هذه الثقة، لم يُكافأ إلا بالخسارة. وهذا يطرح سؤالًا وجوديًا: ما قيمة القيادة التي لا تحمي أبسط حقوق الناس في لحظة الخطر؟

إن المقارنة مع الفئات الأخرى لا تهدف إلى تمجيد سلوك أو إدانة آخر بقدر ما تهدف إلى كشف الحقيقة المؤلمة: النجاة في لبنان لم تكن مسألة حق، بل مسألة وعي مبكر واستقلال عن خطاب السلطة. والمجتمع المسيحي حُرم من هذا الوعي ليس لأنه عاجز، بل لأن قيادته اختارت إبقاءه داخل الوهم. وبذلك، فإن الخسارة لم تكن فقط مالية، بل كانت خسارة للقدرة على الاختيار، وللحق في المعرفة، وللأمان الوجودي.

في هذا السياق، يصبح الحديث عن “الصدمة” أو “المفاجأة” نوعًا من الإنكار. فالمفاجأة الحقيقية ليست في الانهيار، بل في حجم التقصير الذي سبقَه. والمجتمع الذي لم يُحذَّر، ولم يُحضَّر، ولم يُحمَ، لا يمكن مطالبته وحده بدفع الثمن. إن المسؤولية هنا تقع على قيادة فشلت في أداء دورها الأساسي: تمكين الناس من حماية أنفسهم.

جلسات دورية لتقييم الأوضاع في بكركي.. وماذا كانت النتيجة؟

4. الخاتمة

يخلص هذا المقال إلى نتيجة لا يمكن تلطيفها أو تدوير زواياها: ما تعرّض له المجتمع المسيحي في لبنان خلال الانهيار المالي لم يكن قدرًا محتومًا، بل كان ثمرة مباشرة لتقصير قيادي فادح، وصمت أخلاقي مدوٍّ، وانخراط واعٍ في منظومة حكم فاسدة. فالقيادات المسيحية لم تفشل فقط في إنقاذ مجتمعها، بل فشلت حتى في تحذيره، وفي منحه حق المعرفة الذي يُعدّ الشرط الأول لأي حماية ذاتية. وبينما قرأت فئات أخرى الواقع ببرودة عقلانية، وخرجت جزئيًا من النظام قبل سقوطه، بقي المجتمع المسيحي مقيّدًا داخل خطاب طمأنينة كاذبة، دفع ثمنها من تعويضات عمره، وأمنه الاجتماعي، وكرامته الاقتصادية.

إن أخطر ما في هذه التجربة ليس حجم الخسارة المادية فحسب، بل انهيار الثقة بين المجتمع وقياداته، وانكشاف زيف الادعاء التمثيلي لمن تخلّوا عن واجباتهم في لحظة الخطر. فالقيادة التي لا تحذّر، ولا تحمي، ولا تعترف، لا يمكنها أن تطالب بالشرعية، ولا أن تختبئ خلف الشعارات الدينية أو الهوياتية. وفي هذا المعنى، يتحوّل عيد الميلاد من مناسبة للتهنئة إلى مرآة إدانة، ومن خطاب رجاء إلى محاكمة ضمير.

إن أي محاولة لبناء مستقبل مختلف في لبنان، وخصوصًا داخل المجتمع المسيحي، لا يمكن أن تقوم من دون هذه المواجهة الصريحة مع الماضي القريب. فالمجتمع الذي لا يحاسب قياداته محكوم بتكرار الكارثة، والقيادة التي لا تُدان أخلاقيًا تبقى قابلة لإعادة إنتاج الفشل نفسه. ومن هنا، فإن هذا المقال لا يقدّم خاتمة مغلقة، بل يفتح بابًا إلزاميًا للنقاش والمساءلة، لأن الصمت بعد الآن لم يعد خيارًا، ولأن أخطر ما يمكن أن يُرتكب بعد الانهيار، هو التصرّف وكأن شيئًا لم يكن.

أخبار ذات صلة

من عفو الحرب الى عفو المال..د. الياس ميشال الشويري معلّقاً:لبنان بين إعادة إنتاج الجريمةواغتيال العدالة
بحث

من عفو الحرب الى عفو المال..
د. الياس ميشال الشويري معلّقاً:
لبنان بين إعادة إنتاج الجريمة
واغتيال العدالة

23/12/2025

...

ماذا لو كانالإمام موسى الصدر بيننا؟د. الياس ميشال الشويري:تغييبه هو لتقويض الدولة...
بحث

ماذا لو كان
الإمام موسى الصدر بيننا؟
د. الياس ميشال الشويري:
تغييبه هو لتقويض الدولة...

20/12/2025

...

أتى البابا وغادر … وبقي لبنان:دولة بلا دولة وسلطة بلا أخلاقومجتمعا يُترك وحيداً ..د. الياس ميشال الشويري:سقط الوهم القائل بإمكانيةإصلاح السلطة اللبنانية ...
بحث

أتى البابا وغادر … وبقي لبنان:
دولة بلا دولة وسلطة بلا أخلاق
ومجتمعا يُترك وحيداً ..
د. الياس ميشال الشويري:
سقط الوهم القائل بإمكانية
إصلاح السلطة اللبنانية ...

19/12/2025

...

ماذا لو بقي بشير الجميلرئيساً للبنان؟د. الياس ميشال الشويري:التسويات بعده انتخبت منظومة فسادأكثر عنفاً واستدامة من الحرب نفسها...
بحث

ماذا لو بقي بشير الجميل
رئيساً للبنان؟
د. الياس ميشال الشويري:
التسويات بعده انتخبت منظومة فساد
أكثر عنفاً واستدامة من الحرب نفسها...

18/12/2025

...

تحميل المزيد
المنشور التالي
بريجيت باردو الراحلة عن 91 عاماً:3 عناوين بارزة رافقت مسيرتها..كانت مزعجة للنساء..مثيرة للرجالوأفلامها من مصادر الدخل القومي الفرنسي..

بريجيت باردو الراحلة عن 91 عاماً: 3 عناوين بارزة رافقت مسيرتها.. كانت مزعجة للنساء..مثيرة للرجال وأفلامها من مصادر الدخل القومي الفرنسي..

Tamin wa Masaref | by OnSups

  • سياسة خاصة
  • الأحكام والشروط
  • تواصل معنا
يرجى الانتظار...

اشترك في نشرتنا الإخبارية

هل تريد أن يتم إعلامك عند نشر مقالتنا؟ أدخل عنوان بريدك الإلكتروني واسمك أدناه لتكون أول من يعرف.
اشترك في النشرة الإخبارية الآن
لا نتيجة
عرض جميع النتائج
  • الرئيسية
  • رسالة من المحرر
  • الحدث
  • المفكرة
  • مصارف
  • تأمينية
    • شركات تأمينية
    • توعية تأمينية
    • فتاوى تأمينية
  • ملف
  • مقابلات
  • مقالات
  • طب
  • فـي ميزان العدالة
  • منوعات
  • مؤتمرات

Tamin wa Masaref | by OnSups