ما الفارق بين لصّ يسطو على خزنة ومصرف يسرق مودعيه؟
د. الياس ميشال الشويري
تُعتبر أزمة المصارف اللبنانية واحدة من أكثر الأزمات المالية تعقيداً في تاريخ لبنان الحديث. لقد أدت إلى خسائر فادحة للمودعين الذين وجدوا أنفسهم فجأة غير قادرين على سحب أموالهم أو التصرّف فيها بحرية. تُعرف هذه الأزمة بـ “سرقة العصر” لأنها تمثّل انهيارًا غير مسبوق في الثقة بين البنوك والعملاء، وكذلك في النظام المالي بشكل عام. يأتي هذا البحث لتسليط الضوء على هذه الأزمة، جذورها، أسبابها، آثارها، وكيفية التعامل معها.
- الجذور التاريخية للأزمة المالية.
أزمة المصارف اللبنانية ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة لتراكمات مالية واقتصادية استمرت لعقود. يمكن تلخيص الجذور التاريخية على النحو التالي:
-الديون الحكومية المتراكمة: على مرّ السنين، كانت الدولة اللبنانية تعتمد بشكل مفرط على الاقتراض من البنوك المحلية لتمويل ميزانياتها. وقد أدّى هذا الاعتماد المفرط إلى تراكم ديون حكومية ضخمة، ما أدّى في نهاية المطاف إلى استنزاف احتياطيات المصارف.
-سوء الإدارة الاقتصادية: يعاني لبنان من فساد واسع النطاق وسوء إدارة للموارد المالية، وهو ما أسهم بشكل كبير في تفاقم الأزمة. القرارات الاقتصادية الخاطئة التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة، خصوصًا في ظل ضعف المؤسسات المالية والرقابية، كانت من بين العوامل الرئيسية التي أدّت إلى انهيار النظام المالي.

- أسباب الأزمة.
يمكن تحديد الأسباب الرئيسية لأزمة المصارف اللبنانية على النحو التالي:
-السياسات المالية الخاطئة. اعتمدت السياسات الاقتصادية اللبنانية على نظام مالي يعتمد على جذب الودائع من الخارج لتمويل الاقتصاد المحلي. هذه السياسة أدّت إلى اعتماد كبير على تحويلات المغتربين والعملات الأجنبية، ولكن مع تراجع هذه التحويلات وازدياد الطلب على الدولار، انهار هذا النظام.
-تهريب الأموال. خلال فترة الأزمة، لوحظ تهريب كميات هائلة من الأموال من لبنان إلى الخارج من قبل فئة محددة من السياسيين وأصحاب النفوذ. هذه العمليات أثارت غضب المودعين الذين وجدوا أموالهم محتجزة بينما تمكن البعض من تهريب أموالهم دون عواقب.
-انهيار الثقة في النظام المالي. كانت الثقة في المصارف اللبنانية عالية لسنوات عديدة، إلا أن الأزمة المالية دمرت هذه الثقة بالكامل. ازدادت المخاوف من إفلاس البنوك، ومع فرض قيود صارمة على السحوبات والتحويلات، شعر المودعون بأن حقوقهم المالية قد سُرقت.
-الفساد والحوكمة السيئة. الفساد في المؤسسات الحكومية وتداخل العلاقات بين البنوك والسياسيين شكل عاملاً كبيرًا في تعميق الأزمة. لقد تمّ استغلال النظام المصرفي لتحقيق مصالح شخصية على حساب المصلحة العامة.
- تداعيات الأزمة على المودعين.
-حجز الأموال. أحد أكبر آثار الأزمة هو حجز أموال المودعين ومنعهم من سحب ودائعهم بالدولار أو حتى بالليرة اللبنانية في بعض الأحيان. هذه الإجراءات أدت إلى حالة من الذعر والقلق بين المواطنين.
-التضخّم وانهيار العملة. انهيار النظام المصرفي أدى إلى انهيار الثقة في الليرة اللبنانية التي فقدت جزءًا كبيرًا من قيمتها. ارتفعت أسعار السلع بشكل جنوني، ما أضاف إلى معاناة المواطنين.
-التأثير النفسي والاجتماعي. لم تكن تداعيات الأزمة اقتصادية فقط، بل أثرت أيضًا على النسيج الاجتماعي والنفسي للمجتمع اللبناني. المودعون يشعرون بأنهم قد تعرضوا لخيانة من قبل النظام الذي كان من المفترض أن يحميهم.
- كيفية التعامل مع الأزمة
-الإصلاحات المالية والمصرفية. يجب أن تبدأ الدولة اللبنانية في إجراء إصلاحات جذرية تشمل تنظيم القطاع المصرفي، وإعادة هيكلة الديون، وتحقيق شفافية أكبر في التعاملات المالية.
-استرداد الأموال المهربة. ينبغي على السلطات اللبنانية اتخاذ إجراءات صارمة لاسترداد الأموال المهربة ومحاسبة المسؤولين عن تهريبها. هذا سيساعد في استعادة بعض الثقة في النظام المالي.
-دعم المودعين. يجب على الحكومة والبنوك التعاون لتعويض المودعين أو على الأقل تقديم حلول مؤقتة لتخفيف الأزمة. قد تتضمّن هذه الحلول إعادة هيكلة الديون المصرفية أو توفير ضمانات للمودعين.

الخاتمة
تُعد أزمة المصارف اللبنانية من أخطر الأزمات المالية التي تعرض لها لبنان في تاريخه الحديث. فقدت الثقة بين المودعين والبنوك بشكل كبير، وهو ما أثر على الاقتصاد والمجتمع ككل. الحل يتطلب إصلاحات جذرية في النظام المالي والمصرفي، بالإضافة إلى محاسبة المتورطين في تهريب الأموال وسوء إدارة الموارد.