بشير الجميل في أحد لقاءاته مع الناس
د. الياس ميشال الشويري
بشير الجميل، قائد القوات اللبنانية وزعيم حزب الكتائب، يُعتبر من الشخصيات المثيرة للجدل في تاريخ لبنان الحديث. وُلِد في 10 تشرين الثاني 1947 في منطقة الأشرفية في بيروت، حيث نشأ في بيئة سياسية واجتماعية تتسم بالتوترات بين مختلف الطوائف. لم يكن مجرد زعيم سياسي؛ بل كان رمزًا للقومية اللبنانية، يتبنّى مشاريع وطنية تسعى إلى تحقيق السيادة والاستقلال عن القوى الخارجية.
تأثرت مسيرته السياسية بالعديد من الأحداث التاريخية الكبرى، منها اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، التي دفعت بشيراً إلى الانخراط في الحياة السياسية بشكل أكثر فاعلية. في ظل الأزمات السياسية والاجتماعية المتفاقمة، قاد القوات اللبنانية وانتُخب رئيسًا للجمهورية اللبنانية في 23 آب 1982، في فترة حاسمة شهدت تدخلات متعددة من قبل القوى الإقليمية والدولية.
-الخلفية التاريخية. خلال فترة الحرب الأهلية، كان لبنان مسرحًا للصراعات المعقدة التي دارت بين مختلف القوى السياسية والميليشيات، مّا أدى إلى انهيار الهياكل الحكومية. كان هناك تدخل كبير من الفلسطينيين والسوريين، بالإضافة إلى القوى الغربية، ما زاد من تعقيد الأوضاع. بينما كانت الدولة اللبنانية تتراجع أمام هيمنة الميليشيات، كانت هناك حاجة ماسة إلى قادة يتمتعون بالرؤية والقدرة على إعادة بناء الدولة.
-بشير الجميل كرمز للقومية اللبنانية. تجسدت رؤية بشير الجميل في بناء دولة لبنانية ذات سيادة قائمة على التفاهم الوطني. كان يعتقد أن لبنان يجب أن يكون حراً ومستقلاً، بعيدًا عن أي تدخل خارجي، وخصوصًا من سوريا وفلسطين. كان يُعتبر قائدًا ذا رؤية واضحة، حيث سعى لتحقيق المصالحة الوطنية بين الطوائف المختلفة، رغم كونه يمثّل بشكل أساسي المسيحيين الموارنة.
كان بشير الجميل يُظهر روح الوطنية في خطاباته وأفعاله، محاولًا استعادة الهوية اللبنانية المفقودة في خضم الحرب. كان يطمح إلى تعزيز سيطرة الدولة على جميع المناطق، واستعادة السلطة من الميليشيات الطائفية التي كانت تتلاعب بمصير لبنان.
-اغتياله وتأثيره على الوضع اللبناني. اغتيال بشير الجميل في 14 أيلول 1982، أثّر على مجمل الوضع اللبناني بشكل عميق. فقد أحدث هذا الاغتيال فراغًا سياسيًا كبيرًا، حيث انقسمت القوى السياسية إلى معسكرات متنافسة، مّا أسفر عن تفاقم الأزمات الداخلية. كان له تأثيرات متعددة، منها:
- فقدان رمز للقيادة: بشير كان يمثّل الأمل في إعادة بناء لبنان، وفقدانه ترك العديد من اللبنانيين في حالة من الإحباط والقلق بشأن مستقبل البلاد.
- تزايد التدخلات الخارجية: بعد اغتياله، زادت التدخلات السورية بشكل أكبر، مّا أدى إلى تكريس النفوذ السوري في لبنان.
- عودة الفوضى: شهدت البلاد تزايد النزاعات بين الميليشيات، مّا أعاد البلاد إلى دائرة العنف والفوضى.
-الأسئلة المطروحة: ماذا لو لم يُغتَل بشير الجميل؟ تدفعنا الأحداث التاريخية لاستكشاف ما كان يمكن أن يحققه بشير الجميل لو لم يُغتَل. هذا السؤال يفتح المجال أمام تحليل العوامل التي كانت ستؤثر على مسار الأحداث في لبنان، وما كان يمكن أن يحققه بشير لو استمر في السلطة.
1-السياسات الداخلية: بناء الدولة اللبنانية. لو استمر بشير الجميل في رئاسة الجمهورية، لكان مشروعه الأساسي هو بناء دولة لبنانية مركزية وقوية، تُعزّز من سيادة القانون وتحترم حقوق المواطنين. كان يطمح إلى استعادة السيطرة على مؤسسات الدولة التي تضرّرت بفعل سنوات الفوضى، وهو ما يتطلب جهدًا جماعيًا.
-تفكيك الميليشيات: كان بشير الجميل يدرك أن تفكيك الميليشيات هو خطوة أساسية لبناء الدولة. كانت لديه القدرة على نزع سلاح الميليشيات المسيحية، ولكن كان يتطلب أيضًا حوارًا مع الميليشيات الأخرى، مثل حركة أمل وحزب الله، لضمان شراكة وطنية حقيقية.
-الإصلاحات المؤسسية: إلى جانب نزع السلاح، كان بشير سيعمل على إجراء إصلاحات شاملة في المؤسسات اللبنانية، مثل تحسين النظام القضائي وتعزيز الشفافية في الإدارة العامة. كان سيضع خططًا لإعادة بناء الاقتصاد، مع التركيز على تحسين الظروف المعيشية للسكان. كان يمكن أن يُطلق مشاريع تنموية كبيرة تهدف إلى خلق فرص العمل وتحسين مستوى المعيشة.
–الوحدة الوطنية: قد يكون بشير قد عمل على تعزيز الهوية الوطنية اللبنانية بدلاً من الطائفية السياسية. كان من الممكن أن يسعى إلى بناء توافق وطني يتجاوز الانقسامات الطائفية. في هذه الحالة، قد يتمكن من صياغة “ميثاق وطني” جديد يجمع اللبنانيين تحت هدف مشترك، وهو بناء لبنان قوي ومزدهر.
2- السياسات الخارجية: الاستقلال والسيادة.
-العلاقة مع إسرائيل: كان التعاون مع إسرائيل قد يشكّل نقطة خلاف كبيرة في سياسات بشير. في الوقت الذي كان يسعى فيه إلى الحفاظ على الأمن، كان أيضًا يريد أن يحمي سيادة لبنان. من المحتمل أنه كان سيعمل على تخفيف الارتباط بإسرائيل بعد استعادة الاستقرار في لبنان، ممّا يعزّز من قدرة لبنان على إدارة شؤونه الداخلية بدون الاعتماد على قوى خارجية.
–العلاقة مع سوريا: كان بشير يعتبر الوجود السوري في لبنان احتلالًا، وكان سيعمل على تقليص هذا النفوذ بشكل أسرع. كان بإمكانه قيادة حملة دولية من أجل دعم استقلال لبنان، وقد يسعى للحصول على دعم الولايات المتحدة والدول الأوروبية لتعزيز موقفه.
–العلاقات الدولية: من خلال تعزيز العلاقات مع الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة وفرنسا، كان بشير سيعزّز من موقف لبنان في الساحة الدولية. كان سيعمل على كسب الدعم الدولي لمشاريع إعادة الإعمار والتنمية، ممّا يسهم في إعادة بناء الاقتصاد اللبناني.
3-التحديات التي كان سيواجهها:
-معارضة داخلية: رغم شعبيته بين المسيحيين، كان بشير سيواجه معارضة من بعض الطوائف الأخرى، مثل الشيعة والسنة، ممّا قد يؤدي إلى توترات. كان بحاجة إلى بناء تحالفات مع القوى السياسية الأخرى لتعزيز استقرار حكومته.
-مخاطر الطائفية: ستظّل الطائفية تشكل تحديًا كبيرًا. بناء دولة لا تعتمد على الطائفية يتطلب جهودًا هائلة للتوصل إلى تفاهمات وتوازنات بين جميع الطوائف.
-التدخلات الخارجية: كان بشير سيحتاج إلى التعامل مع القوى الإقليمية مثل إيران وسوريا، التي كانت تمتلك تأثيرًا قويًا على بعض الفصائل اللبنانية. النجاح في تقليل هذا التأثير كان يعتمد على قدرة بشير على تعزيز تحالفات محلية ودولية.
الخاتمة
كان بشير الجميل يمثّل رؤية لبناء لبنان جديد قائم على السيادة والوحدة الوطنية. لو لم يُغتَل، لكان بإمكانه لعب دور حاسم في إعادة بناء مؤسسات الدولة وتوحيد اللبنانيين حول هوية وطنية مشتركة. ومع ذلك، كانت التحديات التي كان سيواجهها تتطلب مهارات سياسية ودبلوماسية استثنائية. يبقى مصير بشير الجميل وما كان يمكن أن يحققه للبنان سؤالًا مفتوحًا، لكنه يمثّل فرصة لبناء دولة لبنانية حديثة ومستقلة عن التدخلات الخارجية، وفقًا لرؤيته السيادية.