منظر عام لمدينة الرياض
أن تتعرّف الى عدوك لا يكفي.. عليك أيضاً أن تتعرّف الى اخوتك في المساندة والكفاح والتآزر والتضامن، والأهم الأهم الى ما حققّوه وما يعتزمون تحقّقه عبر رؤية 2030، كما الحال مع المملكة العربية السعودية، التي خصّها الكاتب والأستاذ الجامعي د. الياس ميشال الشويري ببحث زاخر بالمعلومات والأرقام توضح كيف حوّل ملوكها تباعاً، الصحراء الى مملكة رائدة خصوصاً في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان..
د. الياس ميشال الشويري
المملكة العربية السعودية، التي نشأت في أوائل القرن العشرين وتطورت لتصبح واحدة من أكبر الاقتصادات في العالم، كانت ولا تزال رمزًا للأصالة والتقاليد الإسلامية، وهي الدولة التي تحتضن أقدس الأماكن الإسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة. مع اكتشاف النفط في الثلاثينيات من القرن الماضي، انطلقت السعودية في رحلة تنموية سريعة، حيث أصبحت من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للنفط في العالم، ما أدى إلى تحوّل اقتصادي كبير جعلها أحد أبرز اللاعبين على الساحة الدولية. لكن، ومع مرور الوقت، ظهرت تحديات جديدة، بما في ذلك الاعتماد الكبير على النفط والبطالة المتزايدة وضغوط التحديث والتنوّع الاقتصادي.
في السنوات الأخيرة، شهدت المملكة العربية السعودية تحولات جذرية بفضل رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي جاء برؤية طموحة لتغيير وجه المملكة جذريًا من خلال رؤية 2030. هذه الرؤية تمثّل استراتيجية شاملة تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط، وتنويع مصادر الدخل، وتعزيز الابتكار، والانتقال إلى عصر جديد من التكنولوجيا، مع التركيز على القطاعات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة. بالإضافة إلى ذلك، شملت الإصلاحات تغييرًا ثقافيًا واجتماعيًا غير مسبوق، حيث تم تحسين حقوق المرأة، وزيادة الانفتاح الثقافي، وتعزيز السياحة والترفيه.
في الوقت ذاته، تواصل المملكة دورها الإقليمي والدولي كقوة اقتصادية وسياسية، وتسعى للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة. ومع كل هذه التحوّلات، تتبنّى السعودية مسارًا جديدًا نحو مستقبل واعد يتطلب مواجهات للتحديات واستغلال الفرص الجديدة.
1-التحولات الإقتصادية والتكنولوجية في السعودية.
لقد استندت هذه التحولات الى:
-اعتماد الاقتصاد على النفط قبل الإصلاحات، كيف ذلك؟ على مدى عقود، اعتمدت السعودية بشكل رئيسي على النفط كمصدر أساسي للدخل الوطني، حيث شكل النفط ما يزيد عن 90% من الإيرادات الحكومية، ما جعله المحرك الرئيس للتنمية الاقتصادية. هذه الثروة النفطية الهائلة مكّنت المملكة من تحقيق نقلة نوعية في تطوير البنية التحتية وبناء المدن الكبرى، وتوفير مستويات معيشة عالية للمواطنين، فضلاً عن الاستثمارات الضخمة في التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية. ولكن، مع مرور الوقت، بدأت المملكة تواجه تحديات اقتصادية نتيجة تقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية، والتي جعلت من الصعب الحفاظ على استقرار طويل الأمد في الاقتصاد السعودي المعتمد بشدة على هذا المورد الطبيعي.
من أبرز هذه التحديات هو الاعتماد شبه الكامل على صادرات النفط. اذ مع الانخفاضات المفاجئة في أسعار النفط، تأثرت الإيرادات الحكومية بشكل كبير، ما دفع المملكة إلى التفكير بجدية في تنويع اقتصادها. هذا الاعتماد المفرط أدى إلى نقص الاستثمارات في القطاعات غير النفطية وضعف التنوع الاقتصادي الذي تحتاجه الدولة لتحقيق استقرار اقتصادي مستدام.
بالإضافة إلى ذلك، واجهت السعودية مشكلة البطالة المتزايدة بين الشباب، التي أصبحت تشكّل تحديًا اجتماعيًا واقتصاديًا. البطالة بين الشباب بلغت معدلات مرتفعة في السنوات الماضية، خاصة في ظلّ النمو السكاني السريع وزيادة أعداد الخريجين الباحثين عن فرص عمل في سوق العمل المحلي.
هذه التحديات سلطت الضوء على الحاجة الماسة إلى تنويع الاقتصاد السعودي بعيدًا عن النفط، وتعزيز الاستثمارات في القطاعات الناشئة مثل التكنولوجيا، الصناعة، السياحة، والطاقة المتجددة.
–رؤية 2030 والتحوّل الاقتصادي. في عام 2016، أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان “رؤية 2030“، وهي خطة إصلاحية طموحة تهدف إلى تقليل اعتماد المملكة على النفط وتحقيق تنويع اقتصادي واسع النطاق. تعتبر هذه الرؤية نقطة تحوّل في مسار التنمية الاقتصادية السعودية، حيث تركّز على تطوير قطاعات اقتصادية جديدة لتجنّب التحديات الناتجة عن الاعتماد المفرط على النفط. من بين هذه القطاعات التي تحظى بأولوية في الرؤية هي السياحة، الترفيه، الصناعة، بالإضافة إلى التركيز الكبير على الابتكار في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، التي من شأنها أن تلعب دورًا حيويًا في بناء اقتصاد معرفي ومستدام.
–تنمية القطاع غير النفطي، وتعد واحدة من الركائز الأساسية لرؤية 2030. تشمل الاستراتيجية تعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد من خلال دعم الاستثمارات المحلية والدولية، وتحفيز ريادة الأعمال وتشجيع المبادرات الصغيرة والمتوسطة. الهدف النهائي هو أن تُسهم القطاعات غير النفطية بنسبة تصل إلى 50% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، مقارنةً بنسب أقل بكثير قبل إطلاق الرؤية. وتشمل هذه الجهود استثمارات كبيرة في السياحة والترفيه، حيث تم فتح المملكة أمام السياح من مختلف أنحاء العالم من خلال إصدار التأشيرات السياحية وتطوير مشاريع ضخمة مثل مشروع البحر الأحمر ومدينة نيوم المستقبلية. كما تسعى المملكة إلى تطوير الصناعات التحويلية، والنقل، والخدمات اللوجستية، لتحويل الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد متنوع ومتعدد الموارد.
–صندوق الاستثمارات العامة (PIF) الذي يلعب دورًا مركزيًا في تحقيق أهداف رؤية 2030، اذ يُعدّ يعد الصندوق أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، وتم تصميمه ليكون الأداة الرئيسية لتنفيذ العديد من المشاريع الكبرى ضمن الرؤية. يعمل الصندوق على توجيه استثمارات ضخمة في التكنولوجيا، البنية التحتية، والطاقة المتجدّدة، سواء على المستوى المحلي أو الدولي.
ومن خلال استثماراته في التكنولوجيا المتقدّمة، يهدف الصندوق إلى تعزيز دور السعودية كلاعب رئيسي في الاقتصاد الرقمي العالمي. كما يتضمّن التوجّه نحو الطاقة المتجدّدة، وخاصةً الطاقة الشمسية والرياح، ضمن استراتيجيات المملكة لقيادة التحوّل العالمي نحو الاعتماد على مصادر طاقة نظيفة، وتقليل البصمة الكربونية على المستوى المحلي والدولي.
بفضل هذا التوجّه الشامل والمتكامل، تسعى المملكة إلى تحقيق تحول اقتصادي مستدام يجمع بين التحديث التكنولوجي، والتنمية الاقتصادية، والتنويع بعيدًا عن النفط، وهو ما سيمكنها من الحفاظ على موقعها الريادي في العالم.
–تطوير الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، وهو احدى الركائز الأساسية لرؤية 2030 وهدفها الاستفادة من التطورات التكنولوجية الحديثة، وخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تسعى المملكة إلى أن تكون في طليعة الدول الرائدة عالميًا في هذا المجال بحلول العام 2030. تأتي هذه الجهود ضمن مسعى المملكة لتعزيز قدراتها التكنولوجية ودعم الابتكار عبر استثمارات كبيرة في البحث العلمي وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي. هذه الجهود تهدف إلى تحويل السعودية إلى مركز عالمي للتكنولوجيا المتقدمة، وهو ما يتماشى مع تطلعات رؤية 2030.
-الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) والتي تأسست في العام 2019 كجزء من رؤية المملكة 2030، بهدف قيادة التحوّل الرقمي في مختلف القطاعات. تتمثّل مهمة “سدايا” في تعزيز القدرات الوطنية في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي من خلال بناء بنية تحتية رقمية قويّة ودعم البحث العلمي والابتكار التكنولوجي. كما تسعى الهيئة إلى تعزيز التعليم والتدريب في مجال الذكاء الاصطناعي لتطوير مهارات القوى العاملة السعودية، وجذب الاستثمارات المحلية والدولية في هذا القطاع الحيوي.
تسعى “سدايا” إلى جعل السعودية مركزًا عالميًا للابتكار في الذكاء الاصطناعي من خلال مجموعة من البرامج والمشاريع التي تهدف إلى تسخير البيانات الكبيرة (Big Data) والتكنولوجيا المتقدّمة لتحقيق التنمية المستدامة وتحسين الخدمات الحكومية، وكذلك تحسين مستوى المعيشة للمواطنين. كما تعمل على تعزيز التعاون مع الجامعات والمراكز البحثية العالمية لتطوير تقنيات مبتكرة يمكن أن تسهم في تحقيق تطلعات المملكة.
-مشروع نيوم، أحد المشاريع الرئيسية التي تعكس رؤية 2030 في تطبيق التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على نطاق واسع. هذا المشروع الضخم هو عبارة عن مدينة مستقبلية تعتمد بشكل كبير على الابتكار والتقنيات المتقدمة لتكون نموذجًا للمدن المستدامة. يتميّز نيوم باستخدام الذكاء الاصطناعي في كل جوانب الحياة اليومية، من وسائل النقل الذكية إلى الطاقة النظيفة، والرعاية الصحية المتطورة.
يهدف مشروع نيوم إلى أن يكون منطقة اقتصادية حرة ومركزًا عالميًا للابتكار والأبحاث في مجالات الذكاء الاصطناعي، الروبوتات، والطاقة المتجدّدة. هذه المدينة المستقبلية مصمّمة لتكون نموذجًا للمدن الذكية المستدامة، حيث تلعب التكنولوجيا دورًا مركزيًا في تحسين جودة الحياة وتقليل الاعتماد على الموارد الطبيعية بشكل غير مستدام.
من خلال هذه الجهود، تهدف السعودية إلى تحقيق تحوّل جذري في بنيتها التحتية الرقمية وتبنّي الذكاء الاصطناعي كأداة أساسية للنمو المستدام، ممّا يعزّز من مكانتها العالمية ويجعلها من الدول الرائدة في مجال الابتكار التكنولوجي بحلول عام 2030.
2-الإصلاحات الثقافية والإقتصادية:
وهنا لا بدّ من التوقّف عند تطورات مهمة حصلت مثل:
-التحولات في حقوق المرأة، التي هي واحدة من أبرز الإصلاحات الاجتماعية التي قادها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الا وهي تحسين حقوق المرأة في المملكة. لسنوات طويلة، كانت المرأة السعودية تواجه قيودًا صارمة تحدّ من حريتها في التنقّل، العمل والتعليم. لكن مع إطلاق رؤية 2030، أصبحت المرأة جزءًا لا يتجزأ من عملية التنمية، وتمّ تعزيز حقوقها بشكل غير مسبوق، مّا جعلها قادرة على المشاركة الفعّالة في جميع مجالات الحياة.
-رفع الحظر عن قيادة المرأة، وكان ذلك في العام 2018، عندما تمّ اتخاذ خطوة تاريخية تمثلّت في رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارات. هذا القرار كان نقطة تحوّل كبرى في تاريخ المملكة، حيث كانت السعودية البلد الوحيد في العالم الذي يمنع النساء من القيادة. إتاحة القيادة للمرأة، ساعد في تحسين حريتها في التنقّل، وفتح آفاقًا جديدة أمامها في مجالات العمل والتعليم. كما ساهم هذا القرار في تمكين المرأة على المستويات الاجتماعية والاقتصادية، ما عزّز من دورها كمواطنة فاعلة في بناء المجتمع.
-زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل. ان رؤية 2030 تهدف إلى رفع نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة إلى 30 %بحلول العام 2030، وهي نسبة تعكس التزام المملكة بتمكين المرأة اقتصاديًا. لتحقيق هذا الهدف، تمّ تنفيذ سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية لدعم انخراط المرأة في سوق العمل. في السنوات الأخيرة، شهدت المملكة تقدمًا كبيرًا في هذا المجال، حيث تزايدت نسبة مشاركة المرأة في مختلف القطاعات، بما في ذلك التعليم، الصحة، والقطاع المالي، فضلًا عن انخراطها في مجالات كانت تقليديًا حكرًا على الرجال.
بالإضافة إلى ذلك، تم تعزيز دور المرأة في المناصب القيادية، حيث شغلت المرأة السعودية مناصب مرموقة في الحكومة والقطاع الخاص. تمثلت هذه الخطوات في تعيين نساء في مناصب عليا مثل الوزارات، والسفارات، والمجالس الحكومية، وهو ما يعكس الاعتراف المتزايد بأهمية دور المرأة في صناعة القرارات الاستراتيجية على مستوى المملكة.
نتائج وتأثيرات الإصلاحات. لقد أدت هذه الإصلاحات إلى تحسين نوعية الحياة للمرأة السعودية وإلى تغيير الصورة النمطية عن المجتمع السعودي عالميًا. كما أسهمت في تحسين تصنيف المملكة في مؤشرات التنافسية العالمية المتعلقة بالمساواة بين الجنسين والتمكين الاقتصادي للمرأة. بفضل هذه الإصلاحات، أصبحت المرأة السعودية قادرة على تحقيق التوازن بين حياتها المهنية والشخصية، ما أدّى إلى تعزيز مساهمتها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تتطلّع إليها رؤية 2030.
بهذه الإصلاحات الاجتماعية والتشريعية، تسعى السعودية إلى بناء مجتمع شامل يتبنّى مبدأ تكافؤ الفرص للجميع، ويعتبر المرأة عنصرًا أساسيًا في النمو الاقتصادي والاجتماعي المستدام.
-الانفتاح الثقافي والترفيه. في إطار رؤية 2030، شهدت المملكة العربية السعودية انفتاحًا ثقافيًا غير مسبوق، حيث تحوّلت البلاد من مجتمع شديد المحافظة على تقاليده إلى مركز متنامي للفنون، الثقافة والترفيه. في الماضي، كانت الأنشطة الترفيهية مقيدة نتيجة للعادات والتقاليد المحافظة التي حكمت المجتمع السعودي لسنوات. ومع ذلك، جاءت الإصلاحات الجديدة لتفتح الأبواب أمام موجة من التغيير، جعلت من المملكة وجهة جذابة للمواطنين والمقيمين والسياح على حد سواء.
الهيئة العامة للترفيه. تأسست هذه الهيئة في العام 2016 كجزء من جهود المملكة لتنويع اقتصادها وتوفير مصادر دخل جديدة بعيدًا عن النفط. الهيئة تهدف إلى تنظيم وتطوير القطاع الترفيهي عبر إقامة فعّاليات متنوّعة تشمل الحفلات الموسيقية، المهرجانات، والعروض المسرحية، بالإضافة إلى الأنشطة الرياضية والثقافية. هذه الفعاليات، التي كانت ممنوعة أو محدودة في الماضي، أصبحت متاحة بشكل أوسع، وشارك فيها فنانون عالميون، ممّا جعل المملكة مركزًا جديدًا للحفلات والفعاليات الثقافية على مستوى الشرق الأوسط.
إحدى الفعاليات الكبرى التي نظّمتها الهيئة كانت “موسم الرياض”، والذي جذب ملايين الزوار من داخل وخارج السعودية. شملت الفعالية عروضًا موسيقية، مسرحيات، ومعارض، مّا عزّز من مكانة المملكة كوجهة ترفيهية وثقافية مهمة في المنطقة. كما شهدت البلاد حفلات موسيقية لمغنّين عالميين مثل شاكيرا وإنريكي إغليسياس، ما كان غير متصوّر قبل بضع سنوات.
السياحة. إلى جانب الانفتاح الثقافي والترفيهي، تعمل السعودية على تطوير قطاع السياحة كجزء من رؤية 2030، حيث تسعى لجعل السياحة مصدرًا أساسيًا للإيرادات الاقتصادية. تم إطلاق تأشيرات سياحية إلكترونية في عام 2019، مّا أتاح للسيّاح من مختلف أنحاء العالم زيارة المملكة بسهولة أكبر. تهدف هذه الخطوة إلى جذب ملايين السياح سنويًا واستكشاف التراث الثقافي والديني الغني للمملكة.
أطلقت السعودية مشاريع ضخمة لتعزيز السياحة، مثل “مشروع البحر الأحمر”، الذي يُعّد وجهة سياحية فاخرة على ساحل البحر الأحمر، مصمّم لجذب السياح المهتمين بالاستدامة والطبيعة. يشمل المشروع مجموعة من الجزر، والمحميات الطبيعية، والشواطئ الجميلة، بالإضافة إلى مواقع للغطس والاستجمام، ممّا يجعله وجهة عالمية. كذلك، يتم تطوير مشروع “القدية”، وهو مدينة ترفيهية ورياضية عملاقة تستهدف جذب الزوار من كافة أنحاء العالم.
التأثيرات والنتائج. أدت هذه الإصلاحات إلى تحقيق تقدّم كبير في جعل السعودية وجهة عالمية للفنون والثقافة والترفيه. التحولات الثقافية سمحت بزيادة التفاعل الاجتماعي وزيادة الفرص الاقتصادية، خاصة في مجالات الترفيه والسياحة. علاوة على ذلك، ساعدت هذه الفعاليات والمشاريع على تعزيز صورة المملكة كدولة حديثة ومنفتحة على العالم الخارجي، مع الحفاظ على هويتها الثقافية والدينية.
بفضل هذه الخطوات، أصبحت السعودية في مصاف الدول التي تستثمر في اقتصاد الترفيه والثقافة، ممّا يدعم أهداف رؤية 2030 في خلق مجتمع حيوي وازدهار اقتصادي بعيدًا عن النفط.
3- الإصلاحات السياسية والتحديات الإقليمية. للوصول الى “رؤية 2030” :
وهنا لا بدّ من التطرّق الى نقاط جوهرية عدة ساهمت بدورها في تعبيد الطريق وهذه النقاط هي:
–تعزيز الحوكمة والإصلاح السياسي. بالإضافة إلى الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، قامت المملكة العربية السعودية بتبنّي إصلاحات سياسية تهدف إلى تعزيز الشفافية والحوكمة الرشيدة كجزء أساسي من “رؤية 2030”. تهدف هذه الإصلاحات إلى تقوية المؤسسات الحكومية، تحسين أدائها، تقليل البيروقراطية، وتبسيط الإجراءات الحكومية لتسهيل الأعمال وتعزيز الكفاءة العامة للدولة. تعمل المملكة على بناء نظام حوكمة قائم على المساءلة والشفافية لضمان تقديم خدمات حكومية فعّالة وتحقيق العدالة الاجتماعية.
-محاربة الفساد، وهي أحد أبرز التحركات التي قادها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في مكافحة الفساد على مستوى الدولة. في تشرين الثاني 2017، أطلق حملة واسعة لمكافحة الفساد من خلال لجنة مكافحة الفساد التي أدت إلى توقيف عدد كبير من الشخصيات الحكومية البارزة، ورجال الأعمال، والأمراء. تم التحقيق مع هؤلاء الأشخاص بتهم تتعلق بالفساد، واختلاس الأموال العامة، وإساءة استخدام السلطة.
هذه الحملة كانت جزءًا من جهود ولي العهد لتعزيز النزاهة والشفافية في الحكومة، ولإعادة هيكلة الاقتصاد والمجتمع بطريقة تضمن أن يتّم توزيع الثروة بشكل عادل، وأن تكون القيادة الإدارية أكثر فعالية وكفاءة. من خلال هذه الخطوة الجريئة، أعادت السعودية ثقة المواطنين والمستثمرين الأجانب في نزاهة مؤسساتها، ما ساعد في جذب المزيد من الاستثمارات وتعزيز النمو الاقتصادي.
-تعزيز الشفافية والحوكمة. إلى جانب مكافحة الفساد، ركزّت الإصلاحات السياسية في “رؤية 2030” على تعزيز الشفافية في العمل الحكومي، بما في ذلك تحسين إدارة المؤسسات الحكومية وتنفيذ آليات صارمة لمراقبة الأداء الحكومي. تمّ تبنّي التكنولوجيا الرقمية كوسيلة لزيادة الكفاءة والشفافية، بما في ذلك توسيع استخدام الخدمات الحكومية الإلكترونية. هذه الجهود ساعدت في تبسيط الإجراءات الحكومية وتقليل الروتين البيروقراطي الذي كان يشكّل عائقًا أمام تطوّر الأعمال والاستثمار.
-تحديث القوانين والتشريعات. وهنا نشير الى أن المملكة قامت بتحديث عدد من القوانين والتشريعات لضمان ملاءمتها مع المعايير الدولية وتعزيز حقوق المواطنين والشركات. شملت هذه الإصلاحات تحسينات في نظام القضاء وزيادة استقلالية القضاء في مواجهة التحديات القانونية. بالإضافة إلى ذلك، تم اتخاذ خطوات لتعزيز دور المؤسسات الرقابية وتفعيل آليات الرقابة والمساءلة داخل الحكومة لضمان أن يتم تنفيذ السياسات الحكومية بما يتماشى مع مصالح المواطنين.
-النتائج والتأثيرات. لقد أدّت هذه الإصلاحات السياسية إلى زيادة الثقة في مؤسسات الدولة وتقليل الفساد الإداري والمالي الذي كان يشكّل عقبة كبيرة أمام التنمية المستدامة. كما ساهمت في تحسين البيئة الاستثمارية في المملكة، حيث أصبح بإمكان المستثمرين الاعتماد على نظام قانوني أكثر نزاهة وعدلاً.
بفضل هذه الإصلاحات، تسعى السعودية إلى تحقيق التوازن بين الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ممّا يجعل من رؤية 2030 مشروعًا شاملاً يقود المملكة نحو مستقبل أكثر ازدهارًا وشفافية، مع التركيز على تحسين جودة الحياة لجميع مواطنيها.
–السياسة الخارجية والدور الإقليمي. غنيٌ عن القول أن المملكة العربية السعودية تلعب دورًا محوريًا في السياسة الإقليمية والعالمية، حيث تعتبر من أبرز الدول المؤثرة في منطقة الشرق الأوسط، وتسعى للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة من خلال تحالفاتها الاستراتيجية مع الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى دورها القيادي في المنظمات الدولية مثل منظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي. تركّز المملكة على حماية مصالحها الوطنية والإقليمية وتعزيز الاستقرار في المنطقة، وذلك من خلال سياساتها الخارجية المتوازنة والمشاركة في الجهود الدبلوماسية لحل الأزمات الإقليمية.
-الدور القيادي في منظمة التعاون الإسلامي. ومن المعروف أن السعودية تلعب دورًا قياديًا في منظمة التعاون الإسلامي، التي تُعّد من أكبر المنظمات الإسلامية الدولية، حيث تسعى من خلالها إلى تعزيز التضامن بين الدول الإسلامية وحل النزاعات في العالم الإسلامي. تعمل المملكة بشكل مستمر على تعزيز الحوار بين الحضارات والأديان، ودعم القضايا الإسلامية على الساحة الدولية، مثل القضية الفلسطينية، التي تظل محور اهتمام السياسة الخارجية السعودية.
-التحالفات الاستراتيجية والعلاقات الدولية. ترتبط السعودية، على السابقة العالمية بعلاقات استراتيجية مع دول كبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية، والتي تعتبر من أهم شركائها الأمنيين والاقتصاديين. تُعّد التحالفات مع الولايات المتحدة والدول الغربية أساسية لأمن المملكة، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها في المنطقة، وتهديدات الجماعات المتطرفة. كما أن المملكة تسعى إلى تنويع تحالفاتها من خلال تعزيز العلاقات مع روسيا والصين، ضمن مساعيها لتنويع شراكاتها الدولية وتحقيق التوازن في سياستها الخارجية.
-التحديات والآفاق المستقبلية. بفضل هذه التحالفات والتوجهات السياسية، تسعى المملكة إلى ترسيخ دورها القيادي في العالمين العربي والإسلامي، وإيجاد حلول سلمية للأزمات الإقليمية التي تواجهها، مع تحقيق الاستقرار والازدهار لشعوب المنطقة.
4- التحديات المستقبلية وآفاق النمو.
أمام التحديات الكبيرة، كان لا بدّ للمملكة من رسم خارطة طريق للمستقبل ترسّخ قدميها على أسس راسخة لا على رمال متحركة، ومن ذلك:
-التنوّع الاقتصادي والابتكار. فرغم الإصلاحات الكبرى التي نفذّتها المملكة العربية السعودية في إطار “رؤية 2030″، لا تزال التحديات الاقتصادية قائمة، وأبرزها هو تنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط. تعتمد المملكة تاريخيًا على صادرات النفط كمصدر رئيسي للدخل، إلا أن التحولات الجيوسياسية وتقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية جعلت من الضروري البحث عن بدائل اقتصادية أخرى لضمان النمو المستدام على المدى الطويل.
-تنويع الاقتصاد. أن تنويع مصادر الدخل، يُعدّ تحديًا مركزيًا بالنسبة للسعودية في ظلّ التحولات الجارية. تدرك المملكة أنه لا يمكن الاعتماد بشكل دائم على النفط كمصدر أساسي للثروة، خاصة مع تزايد الاتجاهات العالمية نحو الطاقة المتجددة والضغط الدولي لتقليل الانبعاثات الكربونية. لذلك، تُعّد رؤية 2030 بمثابة خارطة طريق للانتقال من اقتصاد يعتمد على النفط إلى اقتصاد متنوع يشمل قطاعات مثل السياحة، التكنولوجيا، التصنيع، والترفيه.
-الاستثمار في التعليم والتكنولوجيا. ان المملكة تعزّز الاستثمار في التعليم والبحث العلمي، لضمان نجاح التحوّل الإقتصادي. التعليم هو العمود الفقري لأي اقتصاد مبني على الابتكار، والمملكة تعي أهمية إعداد القوى العاملة لمواجهة تحديات المستقبل. تحتاج السعودية إلى تطوير برامج تعليمية موجهة نحو العلوم، التكنولوجيا، الهندسة، والرياضيات أو ما يعرف ب(STEM)، بالإضافة إلى الاستثمار في الأبحاث العلمية والتكنولوجية لتطوير صناعات محلية قادرة على المنافسة على الساحة العالمية.
تحقيق هذا الهدف يتطلّب تحسين جودة التعليم وتطوير المناهج الدراسية لتواكب متطلبات سوق العمل الحديث. كما يتطلّب دعم الابتكار وريادة الأعمال من خلال حاضنات الأعمال والبرامج التعليمية التي تركّز على تطوير القدرات التكنولوجية والابتكارية للشباب السعودي.
-تطوير القوى العاملة. في ظل التحوّل نحو اقتصاد معرفي، تحتاج المملكة إلى قوى عاملة قادرة على التعامل مع التحديات المستقبلية. يجب أن تكون هذه القوى قادرة على الانخراط في مجالات الذكاء الاصطناعي، التكنولوجيا الحديثة، والطاقة المتجدّدة، وهو ما يتطلّب تطوير المهارات والكفاءات في هذه المجالات. المملكة بدأت بالفعل في اتخاذ خطوات لتعزيز التدريب المهني والتعليم العالي المتخصّص، من خلال إنشاء الجامعات والمعاهد التقنية المتخصّصة وتقديم برامج تدريبية تعزّز المهارات الرقمية للشباب.
-دور الابتكار والتكنولوجيا. الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا يلعب دورًا محوريًا في التحوّل الاقتصادي للسعودية. المملكة تسعى لأن تصبح واحدة من الدول الرائدة في مجال التكنولوجيا بحلول عام 2030، من خلال الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) التي تمّ إنشاؤها لتقود الجهود في هذا المجال. هذه المبادرات تهدف إلى جعل السعودية مركزًا إقليميًا وعالميًا للابتكار التكنولوجي.
كما أن مشروع “نيوم” يُعّد نموذجًا للمدينة المستقبلية التي تعتمد على التكنولوجيا والابتكار لتحقيق التنمية المستدامة، وهو مثال حي على التزام المملكة بتبنّي التكنولوجيا الذكية في بناء المستقبل. نيوم ستركّز على استخدام التكنولوجيا المتقدّمة لتطوير قطاعات مثل النقل، الطاقة، والبنية التحتية، ممّا يعزّز من دور الابتكار في تحقيق التحول الاقتصادي.
-التحديات المستقبلية. رغم التقدّم الكبير، تواجه السعودية تحديات كبيرة في تحقيق هذه الأهداف الطموحة. من أبرزها الحاجة إلى التكيّف السريع مع التحولات التكنولوجية والاقتصادية العالمية، بالإضافة إلى تطوير منظومة بحث علمي قادرة على دعم الابتكار. كما أن هناك حاجة إلى تعزيز مشاركة القطاع الخاص في هذا التحوّل الاقتصادي وتوفير بيئة محفّزة للاستثمار وريادة الأعمال.
-التحديات الاجتماعية والثقافية. رغم الانفتاح الكبير الذي شهدته المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة ضمن إطار رؤية 2030، إلا أن هناك تحديات ثقافية واجتماعية مرتبطة بتوازن الحفاظ على القيم التقليدية وتبنّي التحولات الحديثة. هذا الانفتاح الذي شهد تغييرات جذرية في مجالات الترفيه، حقوق المرأة، والثقافة، قد يواجه مقاومة من بعض الفئات المحافظة داخل المجتمع السعودي، وهو ما يفرض الحاجة إلى إدارة هذه التغييرات بحذر لتحقيق توازن دقيق بين التقدّم والتحديث من جهة، والحفاظ على الهوية الثقافية والتراث الاجتماعي من جهة أخرى. منها:
أ-التحديات الثقافية: التوازن بين الحداثة والتقاليد. فالتغيّرات الثقافية التي ترافق الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي تشكّل تحديًا كبيرًا للحكومة السعودية. فالتقاليد والعادات المحلية كانت جزءًا لا يتجزأ من الهوية السعودية لعقود، ممّا يجعل أي محاولة لتغييرها عملية حساسة. لذلك، تسعى الحكومة إلى تحقيق توازن من خلال المحافظة على القيم الدينية والتقاليد الأصيلة، مع تشجيع التغيير التدريجي الذي يعزّز الاقتصاد ويواكب العصر الحديث. هذا التوجّه يظهر في الخطاب الرسمي الذي يؤكد على أهمية الحداثة المتماشية مع القيم الإسلامية، ويعزّز الصورة الإيجابية للتغيير دون تهديد الاستقرار الاجتماعي.
ب-تعزيز التسامح والتعايش. ضمن هذا السياق، يعّد تعزيز التسامح والتعايش بين جميع فئات المجتمع السعودي أحد العوامل الرئيسية لتحقيق استقرار اجتماعي يدعم التنمية المستدامة. في هذا الإطار، تبنّت الحكومة العديد من المبادرات لتعزيز ثقافة التسامح، مثل إطلاق مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، الذي يسعى لتعزيز الحوار بين المواطنين ومناقشة القضايا الاجتماعية بشكل يعزّز من الوحدة الوطنية. كما أن إصلاحات حقوق المرأة، مثل السماح بقيادة السيارات، ومشاركة المرأة بشكل أكبر في سوق العمل، تُعّد جزءًا من جهود تحقيق توازن بين التقاليد والحداثة مع احترام حقوق جميع أفراد المجتمع.
ج-دور التعليم والإعلام. يعتبر التعليم والإعلام أدوات أساسية في دعم عملية التغيير الثقافي. تعزيز ثقافة التسامح والقبول يتطلّب مناهج تعليمية جديدة تدعم القيم الإنسانية العالمية مثل حقوق الإنسان، التسامح، واحترام التنوّع. كما أن للإعلام دورًا كبيرًا في التأثير على الرأي العام ونقل الرسائل الإيجابية حول التغييرات الجارية، ما يُسهم في بناء مجتمع أكثر انفتاحًا وتسامحًا.
خاتمة.
المملكة العربية السعودية تقف اليوم على أعتاب عصر جديد، تتحرّك فيه بسرعة نحو تحقيق أهداف طموحة تجعل منها دولة متقدمة على الصعيدين الاقتصادي والتكنولوجي. فمن دولة اعتمدت لعقود على ثرواتها النفطية، إلى مملكة تتبنّى أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي وتستثمر في الابتكار والبحث العلمي، تُظهر السعودية تحت قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مرونة وتوجهًا نحو المستقبل.
ورغم التحديات الكبيرة التي تواجهها، سواء في التحوّل من اقتصاد نفطي إلى اقتصاد متنوّع أو في مواجهة التغيرات الثقافية والاجتماعية المتسارعة، تواصل المملكة السير بخطى ثابتة نحو تحقيق رؤيتها الشاملة. بفضل الإصلاحات الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أصبح لدى السعودية فرصة فريدة لتصبح نموذجًا للتطوّر في منطقة الشرق الأوسط، متجاوزة بذلك الحواجز التقليدية نحو بناء مستقبل مستدام ومزدهر.
في ظل الدعم الكبير للتعليم، والابتكار، والتمكين الاجتماعي، والاستثمار في التكنولوجيا الحديثة، تبرز السعودية كمثال حقيقي لدولة قادرة على التكيّف مع متطلبات العصر الحديث، مع الحفاظ على قيمها وتقاليدها. إذا استمرّت المملكة في هذا المسار الطموح، فإنها ستلعب دورًا محوريًا في صياغة مستقبل المنطقة، وستثبت للعالم، تحت قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، قدرتها على التحوّل من “مملكة النفط” إلى “مملكة الذكاء الاصطناعي” والابتكار.