الفساد مستشرٍ في لبنان
د. الياس ميشال الشويري
الفساد السياسي في لبنان هو ظاهرة متجذّرة منذ سنوات طويلة، تتشابك فيها المصالح الطائفية، القبلية، والعائلية، ممّا أدى إلى تفكّك المؤسسات وزعزعة استقرار البلاد. من منظور مسيحي، هذا الفساد لا يمثّل فقط انحرافًا أخلاقيًا، بل يُعدّ أيضًا انتهاكًا لمبادئ الإيمان المسيحي. تحثّ المسيحية على القيم العليا مثل العدل، الرحمة، والأمانة، وكلّها تتعارض بشكل مباشر مع الممارسات الفاسدة. في هذا المقال، سيتّم تحليل الفساد السياسي اللبناني على ضوء تعاليم المسيحية، مع التركيز على كيفية ارتباطه بالخطايا المميتة السبع.
1-الطمع وتأثيره على النظام السياسي. الطمع، أو حب المال والسلطة على حساب الآخرين، هو أحد المحركات الرئيسية للفساد السياسي في لبنان. المسيحية تعتبر الطمع خطيئة مميتة لأنه يبعد الإنسان عن الله وعن اهتمامه بالآخرين. في الكتاب المقدّس، يحذّر الرب يسوع من أن “حب المال هو أصل كل الشرور” (تيموثاوس الأولى 10:6). في النظام السياسي اللبناني، الطمع يظهر من خلال استغلال السياسيين للموارد العامة لتحقيق مكاسب شخصية، سواء من خلال السرقة المباشرة للأموال العامة والخاصة أو من خلال تخصيص العقود الحكومية لأصدقاء وأقارب.
2-الكبرياء واستغلال السلطة. الكبرياء هو أحد الخطايا المميتة التي تتجلّى بوضوح في النظام السياسي اللبناني. السياسيون الذين يعتقدون أنهم فوق القانون، أو أن مناصبهم تمنحهم سلطة مطلقة على الناس، يمارسون الكبرياء. في تعاليم المسيحية، الكبرياء يعزل الفرد عن الآخرين وعن الله، ويقوده إلى التمرّد على القيم الروحية. في لبنان، نجد أن الطبقة السياسية تتصرّف كما لو أن الشعب خادم لها وليس العكس. يتّم إهمال حقوق الناس في العدالة والمساواة بينما يتمتّع السياسيون بامتيازات خاصة. هذا الشكل من الكبرياء يقود إلى فساد أكبر لأنه يغذي فكرة أن القادة غير خاضعين للمساءلة.
3-الكسل في أداء الواجبات العامة. في المسيحية، الكسل الروحي والجسدي يُعتبر خطيئة لأنه يمنع الإنسان من تحقيق أهدافه الروحية والإنسانية. على الصعيد السياسي، يتجلّى الكسل في الإهمال والتقاعس عن أداء الواجبات الأساسية للدولة. في لبنان، يعاني النظام السياسي من تقاعس في تقديم الخدمات الأساسية مثل الكهرباء، المياه، الصحة العامة… الفشل في تحسين البنية التحتية وتطوير السياسات الاقتصادية الفعّالة يعكس كسلًا عامًا في النظام. بدلاً من العمل على خدمة المجتمع، يعتمد السياسيون على البيروقراطية الثقيلة والفساد للحفاظ على مراكزهم.
4-الحسد كمحرك للصراعات الداخلية. الحسد هو الرغبة في امتلاك ما يمتلكه الآخرون، وهو ما يؤدّي إلى النزاعات والانقسامات. في لبنان، تظهر هذه الظاهرة في الصراعات الطائفية والسياسية التي تغذّيها الرغبة في السيطرة على الموارد والسلطة. تعاليم المسيحية تحثّ على “محبة القريب كنفسك“، وهو مبدأ يتناقض مع الحسد والانقسام. النزاعات بين الطوائف السياسية في لبنان لا تنبع فقط من اختلافات إيديولوجية، بل غالبًا ما تكون مدفوعة بحسد كل طرف لما يملكه الطرف الآخر، سواء كان ذلك في السلطة أو النفوذ الاقتصادي.
5-الغضب وتأجيج الكراهية الطائفية. الغضب، عندما يخرج عن السيطرة، يُعدّ خطيئة في المسيحية لأنه يقود إلى العنف والكراهية. في السياق اللبناني، نجد أن السياسيين يستخدمون الغضب والكراهية الطائفية كأدوات سياسية. يتمّ تأجيج المشاعر الطائفية لتحقيق مكاسب سياسية، ممّا يؤدي إلى الانقسامات داخل المجتمع اللبناني. هذا الغضب المستمر يؤدّي إلى دورة من العنف والتخريب، ممّا يجعل من الصعب بناء مجتمع قائم على المحبة والتسامح كما تدعو إليه المسيحية.
6-الشراهة في السلطة والموارد. الشراهة، أو الرغبة المفرطة في الامتلاك، تُعتبر خطيئة مميتة لأنها تعكس انفصال الإنسان عن القيم الروحية. في النظام السياسي اللبناني، الشراهة تتجلّى في رغبة السياسيين بالاستحواذ على السلطة والثروات. تتنافس الأحزاب والطوائف على المناصب الحكومية والموارد الاقتصادية ليس بهدف خدمة المجتمع، بل لضمان استمرارية نفوذها. الشراهة في السلطة والموارد تؤدّي إلى تفاقم الفقر والبطالة وتعزّز الانقسامات الاجتماعية.
7-الفساد كخطيئة مميتة جماعية. المسيحية لا تنظر فقط إلى الخطايا الفردية، بل ترى في الفساد السياسي خيانة جماعية للأمانة العامة. الحكّام الفاسدون يخونون ثقة الشعب ويعطّلون عمل الخير العام. في حين أن الفرد يمكن أن يغفر له إذا تاب، فإن الفساد السياسي يتطلّب تغييرًا جذريًا في النظام، لأن تأثيراته تطال جميع أفراد المجتمع. الفساد في لبنان يؤدّي إلى تفكّك مؤسسات الدولة وتعميق عدم المساواة والفقر، ممّا يزيد من البعد عن قيم المحبة والعدالة التي تدعو إليها المسيحية.
الخاتمة:
من منظور مسيحي، الحل لمشكلة الفساد السياسي في لبنان يكمن في التوبة الجماعية والإصلاح الجذري. يجب على السياسيين العودة إلى القيم المسيحية التي تدعو إلى المحبة والعدالة وخدمة الآخرين. يجب أن يتم بناء نظام سياسي قائم على الشفافية والمساءلة، حيث يكون كل شخص مسؤولًا أمام الله والشعب. فقط من خلال هذا التحوّل يمكن للبنان أن يتغلّب على الفساد ويعيد بناء مجتمع قائم على الأخلاق المسيحية والتعاون بين جميع أفراده.
إن الفساد في لبنان ليس مجرد مسألة سياسية أو اقتصادية، بل هو مشكلة روحية أيضًا. تحتاج البلاد إلى نهضة روحية تعيد التوازن بين القيم الدينية والحياة السياسية، وتقود إلى نظام يحترم كرامة الإنسان وحقوقه. النهضة الروحية ليست مجرّد حركة دينية، بل هي تحرّك جماعي نحو إعادة التوازن بين القيّم الروحية والسياسية. هذا التحرّك يمكن أن يساهم في إصلاح النظام الفاسد وتطوير مجتمع يحترم حقوق الإنسان وكرامته. لبنان يحتاج إلى تغيير جذري يبدأ من الداخل، أي من الروح، ليكون أكثر عدالة ورحمة.