الفاسد ينام مرتاحاً رغم الانفجارات
د. الياس ميشال الشويري
يعيش لبنان اليوم في واقع يعكس تدهوراً في جميع الأصعدة، حيث أصبحت السياسة في البلاد ساحة للفساد والمصالح الشخصية، وحلّت الطائفية والمحسوبية محل القيم الوطنية الحقيقية. في هذا السياق، تتعدّد مظاهر الفوضى والتشظّي السياسي، وتظهر الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بشكل يومي، في غياب تام للمؤسسات القادرة على احتواء هذه الأزمات وحل مشاكل المواطنين.
1- السياسة القذرة: تراجع القيم والأخلاق.
لبنان يعاني من مستنقعات “السياسة القذرة” التي تسيطر على المشهد السياسي. لا مكان فيه للأخلاق أو الدين أو الشرف، بل أصبحت الأولوية للمصالح الضيقة والفئوية. تسيطر الأحزاب السياسية على مفاصل الدولة، وتحوّل الصراع على السلطة إلى معركة بين الأقوى والأكثر فساداً، حيث تبرز الطبقة السياسية الحالية كنخبة فاشلة فاسدة تسعى لتحقيق مكاسب شخصية على حساب مصالح الشعب اللبناني. في هذا السياق، تتغلّب المصالح الطائفية على أي محاولة لانتخاب رئيس للجمهورية أو لتشكيل حكومة موحدة أو تنفيذ أي إصلاحات حقيقية.
2- تفكّك الإدارة وانهيار المؤسسات.
تعاني مؤسسات الدولة اللبنانية من تفكّك كبير في إدارة شؤون البلاد. رغم وجود مؤسسات رسمية، إلا أن ضعف السلطات وتضارب المصالح داخلها جعل من المستحيل تنفيذ المشاريع الأساسية التي تضمن للبنانيين حياة كريمة. تخبّط السياسات الحكومية وضعف التنسيق بين الوزارات أدّى إلى تراجع كبير في تقديم الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء، والمياه، والصحة، والتعليم. إن غياب رؤية شاملة للدولة على المدى البعيد جعل من لبنان دولة بلا مؤسسات حقيقية، بل مجرد مجموعة من الكيانات السياسية المتصارعة على السلطة.
3- تشتّت المسؤولية وانعدام القيادة.
في ظلّ هذا الواقع، يلاحظ اللبنانيون أن المسؤولية قد تشتت بين العديد من الجهات، ممّا يسبب حالة من التداخل والتخبّط في اتخاذ القرارات. فغياب القيادة الحقيقية جعل من الصعب إقرار أي حلول جذرية لمشاكل لبنان المزمنة. إن ما يشهده لبنان من فوضى في الإدارة وتفكّك في المؤسسات يعد مؤشراً قوياً على أن البلاد تفتقر إلى القدرة على تحقيق استقرار سياسي أو اقتصادي، وأصبح الشعب اللبناني هو المتضرّر الأكبر، حيث يعاني من تداعيات الانهيار الاقتصادي الذي ضرب البلاد، إلى جانب قلة الفرص الاقتصادية التي تدفع العديد من الشباب إلى الهجرة بحثاً عن حياة أفضل.
4- غياب النخبة السياسية وتفشّي الفساد.
من أبرز مظاهر الأزمة اللبنانية، هو غياب النخبة السياسية الحقيقية التي يمكن أن تقود البلاد إلى التغيير. النخبة السياسية الحالية في لبنان هي مجرد مجموعة من السياسيين الذين يفتقرون إلى الضمير والمبادئ الحقيقية، ويعملون وفقاً لمصالحهم الشخصية والطائفية. هؤلاء لا يحملون رؤية واضحة للنهوض بالبلاد أو للخروج من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها الشعب اللبناني. بل إن الكثير منهم متورّط في الفساد، ويستفيدون من النظام الحالي الذي يعزّز المحسوبية ويسمح باستمرار التدهور.
5- المستقبل: ضرورة الوعي والمحاسبة.
إلى جانب هذه الأزمات، يبقى الأمل في تغيير الوضع الحالي رهناً بوعي الشعب اللبناني واستعداده للمطالبة بحقوقه. لن يكون التغيير ممكناً إلا إذا تمكن اللبنانيون من تنظيم أنفسهم بعيداً عن الانقسام الطائفي، والعمل على بناء دولة حديثة تقوم على مبادئ العدالة والمساواة، بعيداً عن المحاصصة والفساد. إن الوعي الشعبي هو العامل الحاسم في إنقاذ لبنان من هذا الواقع المرير، ولعل الخطوة الأولى في هذا الطريق هي محاسبة المسؤولين عن الفشل في إدارة البلاد والذين تسبّبوا في انهيار الاقتصاد الوطني.
6- الخاتمة: ضرورة استعادة الكرامة الوطنية.
يعيش لبنان اليوم في حالة من الفوضى السياسية والاقتصادية التي تشّل حركة البلد وتستنزف طاقاته. لكن، رغم كل هذه الصعوبات، لا يزال الأمل قائماً في إمكانية التغيير، من خلال تضافر جهود الشعب اللبناني وتوحيد صفوفه. إن لبنان بحاجة إلى استعادة كرامته الوطنية وإعادة بناء مؤسساته على أسس من الشفافية والمساواة والعدالة الاجتماعية. الطريق طويل وشاق، لكنه يبدأ بخطوة واحدة: السعي نحو دولة عادلة قادرة على تلبية احتياجات مواطنيها ومواجهة التحديات التي تتهدّدها.