الرئيس شهاب في كلية القيادة والأركان التي حملت إسمه
د. الياس ميشال الشويري
الرئيس الزاهد فؤاد شهاب، الذي قاد لبنان في فترة حاسمة بين 1958 و1964، توفي وهو يحمل همومًا ثقيلة حول مصير البلاد، معربًا عن مخاوفه من مستقبل قاتم. كلماته الأخيرة “أرى غيوما سوداء فوق لبنان؛ هذه المرة لن يكون لا غالب ولا مغلوب، بل مغلوبان كبيران: الوطن والسيادة“، التي اعتبرت بمثابة تحذير، حملت رؤية بعيدة النظر للتوترات المتصاعدة في لبنان. الرئيس شهاب، الذي عرف باستيعابه العميق للتعقيدات الطائفية والسياسية في البلاد، أدرك أن النظام الطائفي اللبناني، مع كل مشاكله، كان هشًا وأن الوضع السياسي كان على شفا الانهيار. ما كان يشير إليه الرئيس شهاب بـ”الغيوم السوداء” هو إدراكه أن لبنان كان متجهاً نحو مواجهة كارثية، وأن الأطراف المتنازعة، بدلاً من الوصول إلى حلول وسط، كانت تجرّ البلد إلى صراع مفتوح.
1-تأثير وفاة الرئيس شهاب: بداية الانزلاق نحو الحرب الأهلية.
وفاة الرئيس شهاب في العام 1973 كانت علامة فارقة في تاريخ لبنان. برحيله، فقدت البلاد زعيماً يسعى للإصلاح ولإرساء التوازن بين الطوائف المختلفة. لم يكن غيابه مجرد فراغ في القيادة السياسية، بل أيضًا فقدان لرمز الاستقرار الذي سعى لتعزيز دولة مدنية مستقلة وقوية. لم يمضِ وقت طويل بعد وفاته حتى بدأت البلاد تتدهور بسرعة باتجاه الحرب الأهلية التي اندلعت في عام 1975.
لم تكن الحرب مجرّد نزاع مسلح بين مجموعات طائفية، بل كانت تعبيرًا عن أزمات بنيوية تتعلق بنظام الحكم، توزيع السلطة، الهوية الوطنية، والسيادة. عدم وجود شخصية مثل الرئيس شهاب للحفاظ على التوازن بين مختلف الأطراف ساهم في تآكل الدولة، ما أدّى إلى انتشار الفوضى، وتدخل القوى الإقليمية والدولية في الشأن اللبناني، وتحوّل البلاد إلى ساحة للصراعات.
2-تداعيات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
ما بين وفاة الرئيس شهاب واندلاع الحرب الأهلية، تدهورت الأوضاع الاقتصادية بشكل ملحوظ. فشل الحكومات اللاحقة في الاستجابة لتحديات الفقر والبطالة، مما زاد من حالة الغليان الاجتماعي. ومع غياب رؤية موحدة للنهوض بالبلاد، اتسعت الفجوات بين الطوائف والمناطق، وتحوّلت الأزمات الاقتصادية إلى وقود للصراع المسلح.
كان الرئيس شهاب يدرك أن الاستقرار السياسي لا يمكن فصله عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأن غياب الدولة القوية والمؤسسات الفاعلة سيؤدي حتمًا إلى تفكك النسيج الاجتماعي. برحيله، لم تعد هناك تلك القيادة التي تحاول رأب الصدع وتحقيق التنمية الشاملة، مما أدى إلى انهيار الدولة على كافة المستويات.
3-إرث الرئيس فؤاد شهاب والتحديات الحالية.
إن النظر إلى تاريخ لبنان من خلال إرث الرئيس فؤاد شهاب يعطينا رؤية واضحة للتحديات التي ما زالت تواجه البلاد اليوم. حتى بعد مرور عقود على وفاته، لا يزال لبنان يعاني من الانقسامات الطائفية، وعدم الاستقرار السياسي، والتدخلات الخارجية. كثير من مشكلات البلاد الراهنة هي امتداد للتوترات التي كان الرئيس شهاب يحذّر منها.
إذا كان لبنان قد تمكّن من تجنب الانزلاق إلى الحرب لفترة من الزمن بفضل القيادة الشهابية، فإن الفشل في البناء على تلك الإنجازات، وفي تعزيز الدولة المدنية، أدّى إلى الوقوع في مستنقع الأزمات. التحديات التي يواجهها لبنان اليوم من فساد، انهيار اقتصادي، وتفكّك سياسي ما هي إلا تكرار لنفس الأزمات التي حذّر منها الرئيس شهاب في حياته.
4-دروس من تجربة الرئيس شهاب.
التجربة الشهابية تبرز ضرورة الوحدة الوطنية وبناء مجتمع متماسك قادر على تجاوز الانقسامات الداخلية. إرث الرئيس شهاب في تعزيز المؤسسات الحكومية، ومحاولة تحقيق التوازن بين الطوائف، كان درسًا حول أهمية الدولة القوية التي تستطيع تحقيق العدل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. لم يكن الرئيس شهاب يؤمن بأن الحلول العسكرية أو التنافس الطائفي يمكن أن تحقق استقرارًا دائمًا. بل كان يرى أن الحل يكمن في تعزيز المؤسسات المدنية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتشجيع الحوار بين الأطراف المتنازعة.
لذلك، فإن لبنان اليوم بحاجة ماسة إلى استيعاب هذه الدروس لتفادي تكرار المآسي التي عاشها في العقود الماضية. يجب أن يُبنى المستقبل على أساس التفاهم، والحوار بين مختلف الفئات السياسية والطائفية، بعيدًا عن سياسة المغالبات التي لا تؤدي إلا إلى الانقسام.
5-أهمية الحوار والتفاهم في تشكيل السياسة المستقبلية.
إن الاستفادة من تجارب الماضي، وخاصة تجربة الرئيس فؤاد شهاب، يمكن أن تكون الأساس لإعادة بناء لبنان على أسس ثابتة. لبنان الذي كان الرئيس شهاب يحلم به، وهو لبنان مزدهر قائم على التوازن والعدالة، ما زال هدفًا يمكن الوصول إليه من خلال سياسة حكيمة تعطي الأولوية للحوار الوطني والتفاهم بين جميع الأطراف.
بناء وطن مستقر ومزدهر يتطلّب التعاون والتنازل من جميع الأطراف، والاعتراف بأن لبنان لا يمكن أن يظل ساحة للتنافسات الطائفية والإقليمية. الحوار هو السبيل الوحيد لتفادي الانقسامات التي تعصف بالبلاد، وهو ما سعى الرئيس شهاب لتحقيقه خلال فترة حكمه.
6-الخاتمة: إرث الرئيس شهاب كخارطة طريق لمستقبل لبنان.
في النهاية، فإن إرث الرئيس فؤاد شهاب يظلّ نموذجًا للإصلاح، والوحدة، والحوار. فقد كان رجل دولة يدرك أهمية بناء لبنان على أسس مدنية قوية، بعيدًا عن الطائفية والتقسيمات الضيقة. إن استيعاب الدروس من فترته يمكن أن يكون خطوة مهمة في إعادة بناء لبنان على أسس أكثر استقرارًا وعدالة.