• من نحن
  • تواصل معنا
Description of the image
لا نتيجة
عرض جميع النتائج
  • الرئيسية
  • رسالة من المحرر
  • الحدث
  • المفكرة
  • مصارف
  • تأمينية
    • شركات تأمينية
    • توعية تأمينية
    • فتاوى تأمينية
  • ملف
  • مقابلات
  • مقالات
  • طب
  • فـي ميزان العدالة
  • منوعات
  • مؤتمرات
  • الرئيسية
  • رسالة من المحرر
  • الحدث
  • المفكرة
  • مصارف
  • تأمينية
    • شركات تأمينية
    • توعية تأمينية
    • فتاوى تأمينية
  • ملف
  • مقابلات
  • مقالات
  • طب
  • فـي ميزان العدالة
  • منوعات
  • مؤتمرات
Description of the image
  • الرئيسية
  • رسالة من المحرر
  • الحدث
  • المفكرة
  • شركات تأمينية
  • توعية تأمينية
  • فتاوى تأمينية
  • ملف
  • مقابلات
  • مقالات
  • طب
  • فـي ميزان العدالة
  • منوعات
  • مؤتمرات

رسالة مفتوحة الى قداسة البابا
من الدكتور الياس ميشال الشويري:
صلِّ من أجل لبنان
لكن لا تُبارك قاتليه
ولا تحوّل الزيارة رقعة
تخفي تشققات نظام يحتضر...

2025/11/27
- بحث
رسالة مفتوحة الى قداسة البابامن الدكتور الياس ميشال الشويري:صلِّ من أجل لبنانلكن لا تُبارك قاتليهولا تحوّل الزيارة رقعةتخفي تشققات نظام يحتضر...

د. الياس ميشال الشويري

حين تُعلن زيارة بابوية إلى لبنان، يهتز البلد كما لو أنه أمام حدثٍ خلاصـيّ، ويتهيّأ المسؤولون والقيادات الدينية والسياسية لاستقبال “البركة“، لا بوصفها صلاة روحية أو تضامنًا إنسانيًا، بل كغلافٍ رمزيّ جديد يجمّل منظومة عارية من الأخلاق. منذ ولادة لبنان الحديثة، لم يكن الصراع بين الدين والسياسة مجرّد خلاف فكري، بل كان جرحًا مفتوحًا في الجسد الوطني، ساهمت فيه الطوائف والمذاهب والزعامات والمرجعيات الروحية التي تحوّلت تدريجيًا من حراس للقيم إلى شركاء مباشرِين أو صامتِين في إنتاج المأساة. واليوم، حين يكتب لبناني رسالة صريحة إلى البابا، لا يفعل ذلك طلبًا للخلاص ولا بحثًا عن وسيطٍ مع الله، بل لأن الأرض ضاقت، والعدالة هاجرت، والضمائر تعطّلت، والناس فقدوا ثقتهم بأنفسهم وبمن يحكمهم ويمثلهم ويتحدث باسمهم.

في وطنٍ قيل عنه يومًا إنه “رسالة“، تتجلّى المفارقة الكبرى: لبنان الذي تغنّى بالتعايش، بنى تاريخه السياسي على الدم والكراهية، وأقام مجده الإعلامي على المبالغة في الفضائل المفقودة. فالقتلة تحوّلوا قادة، والناهبون حملوا رايات الإصلاح، والمجرمون جلسوا في الصفوف الأولى في الكنائس والمساجد، ينتظرون الغفران بالجملة، وكأن الله صكّ عملة سياسية جديدة. أمّا المواطن الذي وُلد صدفةً في هذا الكيان المتعب، فقد وجد نفسه شاهدًا وضحية، يعيش على أنقاض ذاكرة جماعية لم تشفَ بعد، وماضٍ لم يُحاسَب، وحاضر يزداد وحشية. من هنا، يأتي السؤال المؤلم: من يزور البابا؟ لبنان الشعب أم لبنان المنظومة؟ لبنان الإنسان أم لبنان المتوحّد خلف أسياده؟

هذا المقال محاولة لتفكيك تلك الصرخة التي يوجهها كل لبناني حر، لا بوصفها انفعالًا شخصيًا، بل شهادة وطنية على تاريخ طويل من الخيبات، ومرافعة أخلاقية أمام العالم. سنقاربها من منظور اجتماعي، سياسي، ديني وأخلاقي، لنفهم لماذا أصبحت زيارة البابا اليوم مصدر قلق بقدر ما هي مصدر تعزية، ولماذا بات بعض اللبنانيين يخافون من البركة أكثر مما يحتاجون إليها. فلبنان ليس بحاجة إلى صلاة فقط، بل إلى مواجهة الحقيقة، كشف الوجوه، كسر الأصنام، واعتراف جماعي بأن البلد لم يصبح جهنّم صدفة. والوطن الذي يكتب شعبه إلى البابا شاكين من رعيّته، هو وطنٌ فقد بوصلته، ويستحق أن يُسمَع ويُنقَذ قبل أن يُبارَك.

  1. لبنان بين القداسة المعلنة والواقع المنكوب

منذ أن قال البابا القدّيس يوحنا بولس الثاني عبارته الشهيرة “لبنان أكثر من وطن، إنه رسالة“، تحوّلت الجملة إلى عقيدة سياسية تُردَّد بلا توقف، حتى فقدت معناها. فالساسة، رجال الدين، الإعلاميون، والمثقفون تبنّوها كهوية مقدّسة، من دون سؤال بسيط: هل ما زال لبنان يحمل فعلًا شروط الرسالة؟ فالدول لا تصبح رسائل إلا إذا قدّمت نموذجًا أخلاقيًا أو إنسانيًا للعالم، بينما لم يقدّم لبنان في تاريخه الحديث سوى مزيج من الحروب الأهلية، الاغتيالات، الهجرة القسرية، الانهيارات الاقتصادية، والفساد المؤسّس. ومع ذلك، حافظت القوى الحاكمة على الشعار لأنه يخدم مصالحها، إذ يمنحها غطاءً روحيًا يبرّر البقاء في السلطة ويغسل الجرائم السياسية بماء الخطاب السماوي. هكذا، تحوّل لبنان إلى ماركة روحية للتسويق الخارجي، بينما في الداخل تسود الطائفية، العنف الرمزي، العنصرية الصامتة، وتقاسم المغانم الذي يُدار باسم حماية المكوّنات الدينية. ومن المأساة أن اللبنانيين أنفسهم باتوا يروّجون للخطاب ذاته، ربما هربًا من مواجهة الحقيقة، أو لأن العيش في الخرافة أهون من الاعتراف بأن البلد فقد رسالته قبل أن يكتسبها.

لبنان دولة ذات حدود معترف بها، دستور مكتوب، نظام ديمقراطي معلن، وكثير من الشعارات المدنية الحديثة، لكنه في الممارسة السياسية ليس دولة بالمفهوم الاجتماعي والسيادي. فالمؤسسات العامة تخضع لولاءات مذهبية قبل الوطنية، والقانون يُطبَّق على الضعفاء ويُعطَّل أمام الأقوياء، والقضاء يُهدَّد أو يُعطَّل كلما اقترب من الحقيقة. لذلك، حين يأتي البابا، يستقبله رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة وكأن البلد طبيعي، مستقر، قابل للإصلاح، بينما الحقيقة أن لبنان بلد مُدار بالصفقات، لا بالدستور. وما يزيد الطين بلّة أن الخطاب السياسي يستخدم الرموز المسيحية والإسلامية لتبرير الاستمرار في السلطة، ما يجعل الزيارة البابوية فرصة جديدة لإعادة تدوير الطبقة الحاكمة بدل محاسبتها. في هذا السياق، يتحوّل الغفران إلى أداة سياسية، والصلاة إلى حدث بروتوكولي، والزيارة إلى صورة تذكارية تُعلّق في المكاتب لا في ضمائر أصحابها. وهذا ما يخشاه كاتب المقال: أن يصبح البابا شاهدًا لا فاعلاً، وأن يتحوّل لبنان أمامه إلى مسرحية مصقولة تخفي الخراب الحقيقي.

كاتب المقال لا يطلب معجزة، بل اعترافًا بوجوده، كإنسان وجد نفسه محكومًا بنظام لم يختره، وطائفة لم يستفد منها، وبلد ولد فيه صدفة لا هبة. ملايين اللبنانيين يشبهونه اليوم: مهاجرون بالقوة، محبطون، مسحوقون بالضرائب والانهيار والبطالة، عاجزون عن الطبابة والتعليم والسكن، محاصرون بخطاب ديني وسياسي يخاطبهم كأبناء طوائف لا كأصحاب حقوق. هؤلاء لا ينتظرون زيارة البابا ليباركهم، بل ليشهد على معاناتهم، وليسمع صوتهم بدل أصوات الذين يتحدثون باسمهم. في لبنان، المواطن ليس فردًا بل ملفًا طائفيًا، ليس ذاتًا بل رقمًا في توازن ديموغرافي هش، ليس قيمة إنسانية بل ورقة انتخابية. لذلك يأتي المقال صادماً لأنه يكسر هذا الصمت الجمعي، ويقول للعالم إن الشعب ليس نسخة عن حكامه، وإن زيارة البابا يجب ألا تُقاس بعدد الصور والقداديس، بل بمدى قدرتها على رؤية الإنسان الذي لم يعد يعرف أين يذهب بشكّه وإيمانه وألمه وخوفه من نفسه ومن وطنه.

  1. الطوائف والسياسة — حين تتقدّس السلطة ويُدنَّس الشعب

منذ مطلع القرن العشرين، والطوائف اللبنانية لا تكتفي بأن تكون جماعات دينية، بل تحوّلت إلى مؤسسات سياسية واقتصادية وعسكرية، تمتلك الزعامات، الميليشيات، المصارف، الإعلام، والقدرة على صناعة الحرب والسلم. وخلال الحرب الأهلية وبعدها، ارتُكبت المجازر والتهجير والخطف والنهب باسم حماية الهوية الدينية، بينما خرج المرتكبون أبطالًا يمثلون طوائفهم في الدولة. واليوم، يجلس كثير من هؤلاء أو ورثتهم في الصفوف الأولى خلال الاستقبالات البابوية، يطلبون البركة، ويتحدثون عن المصالحة، ويُلقون مواعظ عن الأخلاق، من دون أن يُسأل أحدهم عن ماضيه أو ضحاياه أو مسؤوليته الأخلاقية. هذه المفارقة لا تهين الضحايا فقط، بل تسيء إلى الإيمان نفسه، لأنها تُظهر أن الغفران سلعة، وأن الله قابل للاستثمار الانتخابي. لذلك يكتب صاحب المقال محذّرًا البابا: لا تُبارك بالمطلق، لأن البركة حين تُمنح بلا عدالة تتحوّل إلى مشاركة غير مقصودة في الجريمة.

يعرف اللبنانيون كيف يبتسمون لبعضهم في المطاعم، يهنّئون في الأعراس، يتعانقون في المناسبات، يشاركون في العزاء، لكن هذه المظاهر لا تلغي حقيقة الكراهية المضمرة. ففي السياسة، التربية، الزواج، الإعلام، والمؤسسات، ما زال اللبنانيون يتعاملون مع الآخر بوصفه تهديدًا لا شريكًا. وكلما اشتدّت الأزمات الاقتصادية والسياسية، عاد الخطاب الطائفي ليطفو ويسمّم الفضاء العام، وكأن اللبنانيين ينتظرون لحظة مناسبة لإعادة إنتاج الحرب القديمة. التعايش الحقيقي يحتاج مساواة، عدالة، ذاكرة مشتركة، واعترافًا متبادلًا بالكرامة الإنسانية، بينما التعايش اللبناني قائم على الإنكار، الخوف، والحسابات الديموغرافية. هذه الحقيقة يجب ألا تُخفى عن البابا، لأن إخفاءها يعني استمرار الجرح وامتداد الكارثة.

الإيمان في لبنان ليس مشكلة، بل الضحية الكبرى. فالمسيحيون والمسلمون اللبنانيون حملوا عبر التاريخ تراثًا روحيًا عميقًا، أسهم في الثقافة والفلسفة والتعليم والنهضة العربية. لكن حين دخل رجال السياسة إلى المساجد والكنائس، تحوّل الدين إلى بطاقة تعريف سياسية، وصار الدفاع عن الطائفة أهم من الدفاع عن الإنسان. وهكذا تحوّلت الرموز الدينية إلى شعارات انتخابية، والصلوات إلى خطابات، والمناسبات الروحية إلى استعراض للقوة. اللبناني البسيط الذي يصلّي بحثًا عن معنى وقوة داخلية وسلام، يجد نفسه محاصرًا بخطاب ديني مبني على الخوف والبغضاء، لا على الرحمة والمحبة. لذلك، حين يكتب صاحب النص أنه لا يحتاج إلى وسيط بينه وبين الله، فهو لا ينتقد البابا بل يرفض استعباد الإيمان لأجندات لا علاقة لها بالسماء. وهذا الوعي الأخلاقي قد يكون بداية الخلاص الذي تأخّر كثيرًا.

  1. زيارة البابا بين الرجاء الشعبي والاستثمار السياسي

بالنسبة لكثير من اللبنانيين، زيارة البابا تحمل معنى يتجاوز الكنيسة والمذهب، لأنها تأتي من رمز عالمي للكلمة الأخلاقية الهادئة، التي لا تحمل السلاح ولا المال ولا العقوبات، بل تحمل التعاطف والإنصات. ففي بلد يتقاطع عليه الاحتلال والفساد والسياسة الإقليمية والانهيار الاقتصادي، يشعر المواطن بأن زيارة البابا اعتراف بوجوده ومعاناته. لذلك يكتب صاحب الرسالة برجاء صادق: صلِّ من أجل لبنان. ليس لأن الصلاة وحدها تغيّر الأنظمة، بل لأنها تذكّر العالم بأن هناك بشرًا يموتون ببطء، وأن خلف الانقسامات الطائفية هناك شعب واحد منكوب. الزيارة بهذا المعنى ليست خلاصًا، بل اعترافًا بوجعٍ جمعيّ يحتاج إلى شفاء.

لكن الوجه الآخر للزيارة أكثر ظلمة. فالساسة اللبنانيون يتحضّرون لاستقبال البابا بالطريقة ذاتها التي استقبلوا بها صندوق النقد الدولي، المؤتمرات الدولية، السفراء، والمؤسسات المانحة: صور، خطابات، مجاملات، ووعود زائفة بالإصلاح. بالنسبة لهم، الزيارة ليست مناسبة روحية بل منصة علاقات عامة، تُستخدم لإعادة تلميع صورة سلطة تسببت في الانهيار الأكبر في تاريخ لبنان الحديث. فالمجرم الذي لا يحاسبه القضاء المحلي، يبحث عن البركة البابوية لأنها تمنحه شرعية معنوية، ويدخل عبرها إلى ذاكرة الناس كصاحب مكانة روحية واجتماعية. هنا يكمن الخوف: أن تصبح الزيارة مساهمة غير مقصودة في استمرار منظومة تستحق المحاسبة لا المباركة.

بعد الزيارة، ستغرق الشاشات في التحليلات، والمقالات، والتأويلات. سيخرج سياسيون ليقولوا إن البابا دعم مشروعهم، ورجال دين سيقدّمون الزيارة كإشارة سماوية لمستقبل أفضل، وإعلاميون سيُطلقون حملات وطنية عاطفية تشبه الحملات السابقة التي تبخّرت سريعًا. لكن قليلين سيطرحون السؤال الجوهري: ماذا تغيّر فعليًا؟ هل توقفت الكراهية؟ هل انخفض الفساد؟ هل بدأت الدولة تُبنى على المواطنة لا الطائفة؟ يعرف اللبنانيون الجواب مسبقًا، لذلك جاء المقال تحذيرًا مبكرًا: لا تدعوا الزيارة تتحوّل إلى رقعة جديدة تُخفي تشققات نظام يحتضر. فالبركة الحقيقية لا تُقاس بالصور، بل بمدى تحريك الضمائر.

  1. لبنان والمأزق الأخلاقي — حين يفقد الإنسان إيمانه بنفسه

يعبّر كاتب المقال عن خوفه من عقله، من تسرّب الشك إلى يقينه الروحي والأخلاقي. وهذه ليست حالة فردية، بل نتيجة طبيعية للعيش في بلد يكافئ المجرم ويعاقب البريء. حين يرى المواطن أن الظالم ينتصر على مدى عقود، وأن العدالة تُدفن، وأن الكنيسة والمسجد والحزب والنقابة يصمتون عن القهر، يصبح السؤال الوجودي حقًا: هل هناك عدالة فعلًا؟ هل الإيمان مجرّد وهم؟ هل الشر ينتصر لأن الله غائب أم لأن البشر باعوا ضمائرهم؟ هذا الشك ليس كفرًا، بل نداء استغاثة من روح أرهقها العالم. إنه دليل على أن اللبنانيين لم يموتوا داخليًا بعد، وأن ضمائرهم ما زالت تقاوم.

النجاسة التي يتحدث عنها كاتب المقال ليست دينية، بل سياسية وأخلاقية. لبنان لم يصبح ملوّثًا لأن تعدديته خاطئة، بل لأن النفاق صار قاعدة للحياة العامة. الإعلام يبيع الحقيقة، رجال الدين يبيعون الغفران، السياسيون يبيعون الوطن، والمواطن يبيع صوته ليعيش. ومع الوقت، يصبح الفساد طبيعيًا، واللاعدالة بديهية، والمبادئ ترفًا. الأخطر أن اللبنانيين يعرفون ذلك، لكنهم اعتادوا عليه حتى صار جزءًا من الثقافة الوطنية. لذلك تبدو صرخته محاولة لإعادة تعريف الطهارة بمعناها الإنساني: احترام الإنسان، رفض القتل، قول الحقيقة، حماية الضعيف، رفض المتاجرة بالله. ما يعني أن إعادة بناء لبنان ليست مهمة اقتصادية أو سياسية فقط، بل مهمة تطهير أخلاقي شامل.

يطلب كاتب المقال من البابا أن يطلب من الله إرسال نبي خاص للبنان، ساخرًا من عمق اليأس. لكنه يضيف مباشرة أن النتيجة غير مضمونة لأن اللبنانيين قد يكررون تجربة يهوذا أو قريش. هذه الجملة تحمل أكبر اعتراف في النص: المشكلة ليست في الزعماء فقط، بل في الشعب الذي اعتاد الخضوع، الصمت، التبرير، التماهي مع الجلاد، انتظار المخلّص الخارجي. لبنان لا يحتاج نبيًا جديدًا بل ثورة ضمير، جرأة مواجهة الذات، قرارًا جماعيًا بالتحرر من الطائفية، من الخوف، من عبادة الزعيم. قداسة البابا يستطيع أن يذكّر بهذه الحقيقة، لكن التغيير لن يأتي إلا من الداخل، من مواطن يقرر أن لا يصفّق مجددًا للقاتل لأنه يشبهه طائفيًا.

  1. سؤال المصالحة — هل لا يزال لبنان قابلًا للشفاء؟

ما زال لبنان يعيش حربه الأهلية وإن سكت الرصاص. لم تحصل مصالحة حقيقية، لم تُكتب رواية وطنية مشتركة، لم تُفتح ملفات المفقودين، لم تُحدَّد المسؤوليات، ولم يُعتذر أحد. كل طائفة تدرّس أبناءها روايتها، وتُبرّئ نفسها، وتُدين الآخرين. لذلك، حين يأتي البابا، تتحرك الذاكرة خوفًا لا طمأنينة. فكيف يمكن لرجل سلام أن يبارك أرضًا لم تتصالح مع ماضيها؟ المصالحة تتطلب شجاعة الاعتراف، لا الاحتفال الرمزي. وهذا الاعتراف لا يهدد الطوائف، بل يحميها من تكرار الجريمة. لذلك، الرسالة إلى البابا ليست اتهامًا بل دعوة إلى عدم المشاركة في إنكار طويل يقتل لبنان يوميًا.

برغم التشوه الذي أحدثه التحالف بين الدين والسياسة، يبقى للدين قدرة عميقة على استنهاض الضمير. يمكن للبابا، إن أراد، أن يستخدم زيارته لإعادة تعريف البركة: ليست عناقًا للسلطة، بل تضامنًا مع الضحايا، ليست قداسًا رسميًا، بل وقوفًا عند المقابر الجماعية، ليست خطابًا عامًا، بل سؤالًا أخلاقيًا مباشرًا: من قتل؟ من نهب؟ من دمّر؟ من كذب؟ هنا يصبح الدين رسالة، والزيارة حدثًا تاريخيًا يفتح جرحًا ليشفى لا ليُطمَر. اللبنانيون بحاجة إلى رجل دين يقول الحقيقة، لا إلى رجل دولة يتجنّبها بدبلوماسية.

كاتب المقال يصف الأرض اللبنانية بأنها أصبحت نجسة. هذا حكم أخلاقي لا جغرافي. لكنه يحمل أملاً ضمنيًا: النجاسة قابلة للغسل حين يتوقف الفساد وتبدأ العدالة. لبنان ليس محكومًا بالهلاك، لكنه بحاجة إلى أن ينظر في المرآة بلا خوف، بلا كذب، بلا تبرير. البابا قد يلهم ذلك، لكن من يغيّر هو الناس. وإذا تحوّلت زيارة البابا إلى لحظة مواجهة وطنية مع الذات لا إلى احتفال سياسي، فقد تكون خطوة أولى نحو تطهير الأرض بعرق المواطنين، لا بقداس رسمي ينتهي بانتهاء الزيارة. حينها فقط، تصبح قانا الجليل وقانا الجنوب متجاورتين روحيًا، لا مفصولتين سياسيًا.

  1. الخاتمة

هذا المقال ليس احتجاجًا على البابا، ولا اعتراضًا على الزيارة، ولا عداءً للدين، بل محاولة أخيرة لإنقاذ المعنى. إنه صوت الإنسان الحر الذي تعب من التجميل، من الأكاذيب، من الصور البروتوكولية التي تخفي الدم والنهب والظلم. الصوت الذي يرفض أن تكون البركة شهادة زور، وأن يتحول الله إلى ديكور سياسي. لبنان لا يطلب من البابا تغيير نظامه ولا إنقاذ اقتصاده ولا مواجهة طغاته، بل يطلب منه شيئًا أصعب: أن يرى الحقيقة كما هي، بلا تلميع، بلا دبلوماسية، بلا صناعة وهم بأن البلد رسالة حضارية بينما هو يعيش جحيمًا صنعه أبناؤه.

ومن حق اللبناني أن يسأل: هل يُعقل أن يزور البابا بلدًا يعرف أن من يقف في الصف الأول لاستقباله قد شارك في الحرب أو الفساد أو الإفقار؟ وهل يجوز أن تُمنح البركات بلا تمييز، كأن الله لا يفرّق بين الجلاد والضحية؟ لذلك، تأتي المناشدة الأخلاقية: صلِّ من أجل لبنان، لكن لا تبارك قاتليه. أنصت إلى شعبه، لا إلى حكامه فقط. ضع يدك على قلبه لا على صورته الرسمية. فالشعب الذي بدأ يشك بنفسه يحتاج من يعيده إلى نفسه، إلى إيمانه، إلى قدرته على الحلم.

لبنان ليس بحاجة إلى زيارة بقدر ما يحتاج إلى صدمة وعي، إلى اعتراف، إلى لحظة صدق جماعي تقطع مع الماضي ولا تزيّفه. قد لا يغيّر البابا الواقع، لكنه قادر على كشفه. وإذا حصل ذلك، فإن الزيارة لن تكون بروتوكولًا بل بداية تاريخ جديد. وربما يومها يفهم اللبناني أن الخلاص لا يأتي من الخارج، بل من لحظة يقرر فيها أخيرًا أن يحيا بكرامة، وأن لا يقبل أن يتلقى الغفران بينما جلاده يجلس بجانبه. عندها فقط، يصبح لبنان فعلًا رسالة — لا لأن البابا قال ذلك، بل لأن شعبه اختار أخيرًا أن يكون إنسانًا.

أخبار ذات صلة

ماذا لو بقي الانتداب الفرنسي للبنان؟وهل جنى من الاستقلال سوى الدمار؟الياس ميشال الشويري:لم يَجنِ لبنان من استقلالهسوى البؤس واليأس والدمار...
بحث

ماذا لو بقي الانتداب الفرنسي للبنان؟
وهل جنى من الاستقلال سوى الدمار؟
الياس ميشال الشويري:
لم يَجنِ لبنان من استقلاله
سوى البؤس واليأس والدمار...

24/11/2025

...

الألقاب في لبنان بين المظهر والجوهر:"فخامة ودولة ومعالي وسعادة" شعارات فارغة في دولة مأزومة..د. الياس ميشال الشويري معلّقاً:يجب أن يُخاطب المسؤول على أنه موظف عام خاضع للمساءلة...
بحث

الألقاب في لبنان بين المظهر والجوهر:
"فخامة ودولة ومعالي وسعادة" شعارات فارغة في دولة مأزومة..
د. الياس ميشال الشويري معلّقاً:
يجب أن يُخاطب المسؤول على أنه موظف عام خاضع للمساءلة...

21/11/2025

...

بحث

الألقاب في لبنان بين المظهر والجوهر:
"فخامة ودولة ومعالي وسعادة" شعارات فارغة في دولة مأزومة..
د. الياس ميشال الشويري معلّقاً:
يجب أن يُخاطب المسؤول على أنه موظف عام خاضع للمساءلة...

21/11/2025

...

لبنان والتفاوض غير المباشر مع إسرائيل:بين أوهام الحياد وحقيقة التورّط..د. الياس ميشال الشويري معلّقاً:كفى حروباً بالوكالةوكفى انقسامات باسم المبادئ...
بحث

لبنان والتفاوض غير المباشر مع إسرائيل:
بين أوهام الحياد وحقيقة التورّط..
د. الياس ميشال الشويري معلّقاً:
كفى حروباً بالوكالة
وكفى انقسامات باسم المبادئ...

21/11/2025

...

تحميل المزيد

Tamin wa Masaref | by OnSups

  • سياسة خاصة
  • الأحكام والشروط
  • تواصل معنا
يرجى الانتظار...

اشترك في نشرتنا الإخبارية

هل تريد أن يتم إعلامك عند نشر مقالتنا؟ أدخل عنوان بريدك الإلكتروني واسمك أدناه لتكون أول من يعرف.
اشترك في النشرة الإخبارية الآن
لا نتيجة
عرض جميع النتائج
  • الرئيسية
  • رسالة من المحرر
  • الحدث
  • المفكرة
  • مصارف
  • تأمينية
    • شركات تأمينية
    • توعية تأمينية
    • فتاوى تأمينية
  • ملف
  • مقابلات
  • مقالات
  • طب
  • فـي ميزان العدالة
  • منوعات
  • مؤتمرات

Tamin wa Masaref | by OnSups