• من نحن
  • تواصل معنا
Description of the image
لا نتيجة
عرض جميع النتائج
  • الرئيسية
  • رسالة من المحرر
  • الحدث
  • المفكرة
  • مصارف
  • تأمينية
    • شركات تأمينية
    • توعية تأمينية
    • فتاوى تأمينية
  • ملف
  • مقابلات
  • مقالات
  • طب
  • فـي ميزان العدالة
  • منوعات
  • مؤتمرات
  • الرئيسية
  • رسالة من المحرر
  • الحدث
  • المفكرة
  • مصارف
  • تأمينية
    • شركات تأمينية
    • توعية تأمينية
    • فتاوى تأمينية
  • ملف
  • مقابلات
  • مقالات
  • طب
  • فـي ميزان العدالة
  • منوعات
  • مؤتمرات
Description of the image
  • الرئيسية
  • رسالة من المحرر
  • الحدث
  • المفكرة
  • شركات تأمينية
  • توعية تأمينية
  • فتاوى تأمينية
  • ملف
  • مقابلات
  • مقالات
  • طب
  • فـي ميزان العدالة
  • منوعات
  • مؤتمرات


لبنان أهان الفهيم وكرّم البهيم..
د. الياس ميشال الشويري معلّقاً:
…واللبناني يعرف من سرقه وأذلّه
ويُعيد اختيار نفس الجلاّد…

2025/11/07
- بحث
لبنان أهان الفهيم وكرّم البهيم..د. الياس ميشال الشويري معلّقاً:…واللبناني يعرف من سرقه وأذلّهويُعيد اختيار نفس الجلاّد…

لا تضع الحمار في غير مكانه

د. الياس ميشال الشويري

في الأمثال كما في التجارب، تختصر الشعوب تاريخها في جملة موجعة تختزل قرونًا من المعاناة. ومن بين هذه الأمثال التي تُشبه صرخة من قلب الوعي، يبرز المثل القائل: “عيش الفهيم مع البهيم داء سقيم“، كمرآة لما يحدث حين يُجبَر العاقل على التعايش مع الجاهل، والمستنير على مجاراة الغافل، وصاحب الفكر على احتمال من لا يعرف سوى لغة الغريزة والاتباع الأعمى. هذا المثل ليس مجرد ترف لغوي أو نكتة من تراث العامة، بل هو توصيف دقيق لمرضٍ اجتماعي ينهش جسد الأمم حين يختلط أهل البصيرة بأصحاب الغفلة في ساحة واحدة، وحين يُكافأ الجهل وتُهان الحكمة.

في لبنان، حيث التاريخ يُعيد نفسه في دوامة من الفساد والتواطؤ، يظهر هذا المثل كأنه خلاصة حكاية وطنٍ عاش طويلاً بين فهيمٍ يعرف معنى الدولة والكرامة، وبهيمٍ باع وطنه بثمن بخسٍ من طائفية أو زعامة أو حفنة دولارات. من زمنٍ إلى آخر، تتبدل الوجوه ولا يتبدل الداء: فالشعب الذي عرف في بعضه الوعي والمعرفة، سُجن في أقفاص الطاعة والخوف التي فرضها عليه شركاؤه في الوطن من الجهلة والتابعين والمصفقين.

وسنحاول في هذا البحث أن نقرأ المثل قراءة فكرية نقدية عبر ثلاثة محاور: الأول يتناول داء التعايش بين الفهيم والبهيم كإشكالية إنسانية وحضارية، والثاني يُحلّل انعكاس هذا الداء على لبنان في منظومته السياسية والشعبية، أما الثالث فيُفكّك البعد الأخلاقي والنفسي في استمرار هذا المرض داخل الوعي الجمعي اللبناني. وسنكتشف من خلال ذلك كيف صار الفهيم غريبًا في وطنه، والبهيم سيدًا على مصيره، وكيف تحوّلت البلاد إلى مسرحٍ تُدار فيه الكارثة ببطءٍ وابتسامة.

1. داء التعايش بين الفهيم والبهيم — بين العقل والعبث

حين يعيش الفهيم مع البهيم، يصبح الذكاء عبئًا لا ميزة، ويغدو العقل لعنة تُثير غضب القطيع. فالمجتمعات التي لا تكرّم العقل تُحوّله إلى تهمة، وتلك التي تُقدّس الجهل تُحوّل البهيم إلى قدّيس. هنا تنشأ المأساة: فالفهيم يرى العالم بمنظارٍ واسعٍ، يسائل ويحلّل ويشكّك في المسلمات، بينما البهيم يكتفي بما يُلقّن، يردّد ما يسمع، ويعتبر التفكير رجسًا من عمل الشيطان. في هذا المناخ الموبوء، يصبح الفهيم غريبًا في بلده، منبوذًا بين أهله، كأنه كائن من زمن آخر لا يتكلم اللغة نفسها.

حين يتحد الذكاء مع الحسّ الأخلاقي، يولد الإنسان الذي يرفض الذلّ ويثور على الباطل. لكن حين يُحاصره الجهلاء، لا يجد إلا الصمت أو المنفى أو التهكم وسيلة للبقاء. في لبنان، كم من الفهيمين أُجبروا على الهجرة لأنهم لم يجدوا مكانًا بينهم؟ وكم من البهائم جلسوا على كراسي القرار لأن القطيع اختارهم بالتصفيق لا بالعقل؟ هذا التفاوت في الوعي لا يُنتج سوى خللٍ دائم في التوازن الوطني. يصبح الوطن عندها مثل بيتٍ يسكنه مهندس وفلاح لا يقرأ، وحين ينهار السقف، يلوم الجاهل العارف لأنه “تعلّم أكثر من اللازم“.

هذا التفاوت هو جذر الداء. حين تُلغى الكفاءة وتُكرَّس التبعية، يتحوّل الوطن إلى حظيرةٍ يديرها “البهيم” ويموت فيها “الفهيم” اختناقًا، لأن الهواء لا يمرّ إلا بإذن من الراعي الذي لا يعرف سوى لغة العصا.

العلاقة بين الفهيم والبهيم ليست مجرد اجتماع نقيضين، بل هي صدام بين مستويين من الوعي: وعيٍ يرى العالم كمسؤولية أخلاقية، ووعيٍ لا يرى إلا المصلحة واللحظة. الفهيم يفكّر بالمستقبل، بالوطن، بالعدالة، أما البهيم فيفكّر بالغنيمة، بالمصلحة الآنية، وبمن يُطعم فمه اليوم. هذه الجدلية هي ما يجعل التاريخ يعيد أخطاءه في دوراتٍ مأساوية. فحين ينتصر الجهل على العقل، تُطفأ أنوار المدينة، وتُفتح أبواب الغابة.

في لبنان، نرى ذلك بأوضح صوره. من يطالب بالإصلاح يصبح عدوًا للدولة، ومن يسرق الخزينة يصبح رمزًا للزعامة. ومن يقول الحقيقة يُتهم بالعمالة، ومن يغرق في النفاق يُكرَّم في المهرجانات. العقل هنا تهمة، والبهيمية أسلوب حياة. الناس تفرح بالخطاب الشعبوي لأنه يُغذّي الغرائز، وتخاف من المفكر لأنه يُحرّك الأسئلة. وهكذا يُهمَّش الفهيم لأنه يهدّد النظام القائم على البهيمية الجماعية.

حوار بين مثقّف و جاهل

ليس غريبًا أن ينهار بلدٌ بهذا المنطق. حين يصبح السلوك الجمعي قائمًا على الطاعة العمياء، وحين يُربّى المواطن على عبادة الزعيم بدل عبادة القانون، يذبل الضمير وتختفي النخوة. من يعيش في وسطٍ كهذا، يعرف أن الصمت ليس فضيلة بل ضرورة للبقاء. لذلك يعيش الفهيم بين الناس كما يعيش المريض في غرفةٍ موبوءة، يحاول التنفس دون أن يُصاب بالعدوى، بينما الجميع يحتفل بالوباء كأنه عيد.

ما جرى في لبنان منذ عقود ليس مجرد أزمة سياسية، بل مأساة وعي. فالشعب الذي كان يومًا منارة الفكر في الشرق، صار اليوم رهينة منظومةٍ من البهائم السياسية والاجتماعية التي تُدير البلاد بمنطق الغريزة لا العقل. انقلبت المعايير: صار الفاسد زعيمًا، والمتعلم خائنًا، والمصلح حالمًا ساذجًا. يعيش اللبناني العاقل بين قومٍ يرفضون الإصلاح لأنهم اعتادوا الذلّ، يخافون الحرية لأنها تُحمّلهم مسؤولية، ويكرهون الفهيم لأنه يُذكّرهم بعجزهم.

هذه ليست مبالغة، بل وصفٌ دقيق لحالة جماعية اختار فيها الناس “البهيم” ليقودهم نحو الهاوية، ثم بكوا حين وصلوا إليها. اختاروه لأنّه يشبههم في ضعفهم، في تبعيّتهم، في طمعهم. فالمجتمعات لا تُنتج حكّامها صدفة، بل تعكس فيهم أخلاقها. حين يفسد الشعب، يعلو الفاسد. وحين يجهل، يحكمه الجاهل. لذلك لا يمكن أن نلوم السياسي وحده، لأن الشعب الذي صفق له هو شريكٌ في الجريمة.

“عيش الفهيم مع البهيم داء سقيم” لأن الفهيم يرى الكارثة قبل وقوعها، ويُحذّر، ويُحاسب نفسه والآخرين، بينما البهيم يُنكرها حتى وهو غارق فيها. في لبنان، يعيش الفهيم اليوم على هامش الدولة، يصرخ من وجعه، يكتب ويحلّل ويحذر، فيما البهيم يتابع الزعيم على التلفاز ويهتف باسمه كأنّه إله. إنها مأساة العقل في وطنٍ قرر أن يعيش في الظلام، ويهاجم كل من يحمل شمعة.

2. الفهيم والبهيم في لبنان — حين اختار الشعب جلاده

في لبنان، لا يمكن فصل المثل الشعبي “عيش الفهيم مع البهيم داء سقيم” عن السلوك الانتخابي الذي تكرّر في كل دورةٍ وكأنّ الشعب مصابٌ بفقدان الذاكرة. فاللبناني الذي يُدين الفساد صباحًا، يعود في المساء ليمنح صوته للفاسد ذاته، فقط لأنّه “ابن الطائفة” أو “الزعيم الذي يوزّع الخدمات“. هكذا، تتحول الديمقراطية إلى لعبة بهيمية، يحكمها الانفعال والعاطفة لا المنطق والمصلحة العامة. الفهيم يحذّر من هذا السقوط في عبودية الزعيم، لكن صوته يُغرقه التصفيق الجاهل والهتاف الأجوف.

لقد نجح السياسي اللبناني في بناء منظومةٍ من الغباء الجمعي تحميه من المحاسبة. زرع في عقول الناس أن بقاءه يعني بقاء الطائفة، وأن سقوطه يعني نهاية العالم. فصار البهيم يرى في زعيمه ربًّا صغيرًا لا يُسأل عن فعلٍ، ولا يُحاسَب على خطيئة. أما الفهيم، فصار خارج اللعبة، يُنادى عليه فقط حين يُراد تزيين الخطاب بكلماتٍ رنانة عن “التغيير والإصلاح“. لكن حين يحين وقت الفعل، يُقصى، لأن وجوده يُهدّد التوازن القائم على الجهل.

إنها مأساة تتكرر: الفهيم يُنتج الأفكار، والبهيم يُنتج الزعماء. الفهيم يزرع الوعي، والبهيم يحرق الحقول في موسم الحصاد. وفي النهاية، يُقال إن البلاد تحتاج إلى “معجزة” كي تتغيّر، بينما الحقيقة أنها لا تحتاج إلى معجزة بل إلى شجاعة فكرية تُحرّر الناس من عبوديتهم الطوعية. فلبنان لن يقوم ما دام الفهيم يعيش في المنفى، والبهيم يحتفل بزعيمه في الساحات كأنه حقق انتصارًا إلهيًا.

لا يمكن للمتأمل في المشهد اللبناني أن يفصل المثل عن مأساة سرقة أموال المودعين. ففي هذه الكارثة، بلغ “داء العيش مع البهيم” ذروته. فاللبناني الفهيم، الذي عمل وكدّ وادّخر، استيقظ يومًا ليجد أن ثمرة عمره اختفت في مصارفٍ يقودها بهائم بثياب مصرفيين، وأن من سرقه يجلس على الشاشات مبررًا فعله باسم “الظروف الاقتصادية“. أما الشعب، فبدل أن يثور، جلس يناقش منطق السارق ويبرر له، لأن البهيم في داخله أقوى من وعيه.

كم هو قاسٍ أن ترى الفهيم يُهان لأنه وثق بالمؤسسات، فيما البهيم الذي نهب الدولة ينام مطمئنًا تحت حماية الطائفة والقضاء المسيس. إنها مهزلة أخلاقية قبل أن تكون مالية. الفهيم صدّق أن هناك قانونًا يحميه، والبهيم عرف منذ البداية أن القانون يُفصّل على قياس الأقوياء. فحين يُسرق الشعب، يُقال له “تفهّموا الواقع“، وحين يحتجّ، يُقال له “انتظروا الحلول“. هكذا، أصبح الألم جزءًا من الهوية، والسرقة عادة وطنية مغلّفة بالوقار.

اللبناني الفهيم اليوم يعيش اغترابًا داخل وطنه. يرى بوضوحٍ أن النظام المالي والسياسي واحد، وأن من دمّر الليرة هو من يقرّر مستقبلها. لكنه محاصرٌ بشعبٍ يصفق للجلاد. هؤلاء الذين يهللون حين يُقال إن “الليرة بخير“، ويؤمنون أن المصرفيّ مجرد “ضحية للأزمة العالمية“. البهيم لا يريد الحقيقة لأنها تُزعجه، والفهيم يختنق بها لأنها تلاحقه في كل نشرة أخبار، وكل فاتورة كهرباء، وكل طابور أمام محطة البنزين. وما بين الاثنين، وطنٌ يتآكل من الداخل كما يتآكل الجسد من داءٍ مزمن لا علاج له سوى بترٍ أخلاقي لم يحن أوانه بعد.

في لبنان، البهيمية ليست فقط سلوكًا فرديًا، بل منظومة متكاملة تُنتجها مؤسسات متواطئة. فالإعلام يلمّع البهيم، ويُسخّر برامجه لتقديس الزعيم وإهانة الوعي. والخطاب الديني، في كثير من الأحيان، يُخدّر العقول بشعاراتٍ طائفية تُغلف الفساد بثوب القداسة. أما الزعماء، فيتبادلون الأدوار كلاعبي سيركٍ يتقنون التمثيل على جمهورٍ لا يريد أن يفيق. الفهيم يعرف اللعبة، لكنه عاجز عن مواجهتها بمفرده، لأن كل منبرٍ، وكل شاشةٍ، وكل منبرٍ ديني، صار مِلكًا للبهيمية المؤسَّسة.

من يشاهد نشرات الأخبار اللبنانية يشعر كأنه يعيش في عالمٍ مقلوب: اللص يتحدث عن النزاهة، والمجرم عن الوطنية، والطائفي عن الوحدة، والمصرفي عن الشفافية. هذه هي البهيمية في أعلى تجلياتها — حين يُلغى المنطق، ويُستبدل بالكلام المكرّر الذي يخدّر الناس. وهنا يأتي دور الفهيم الذي يحاول فضح الزيف، لكنه يُهاجَم من البهائم الجماعية التي ترى في صدقه خطرًا على استقرار القطيع.

ما يُحزن أكثر أن الدين، الذي كان يمكن أن يكون منارة للفهم، استُخدم لتكريس الغباء. فبدل أن يُحرّر العقول، جرى توظيفه لترسيخ الخضوع، وكأن الله يريد شعبًا خانعًا لا يسأل. وهكذا، اجتمع الإعلام والدين والسياسة على هدفٍ واحد: حماية البهيم من وعي الفهيم. وفي بلدٍ كهذا، يصبح العقل جريمة، والجهل فضيلة، وتُغلق الأبواب في وجه كل من يحاول القول: كفى. لبنان يعيش اليوم حالة انفصام بين وعيٍ يرى الكارثة ولا يستطيع منعها، وغفلةٍ تفرح بالكارثة لأنها لا تدركها.

3. الفهيم والبهيم بين الأخلاق والذاكرة اللبنانية

في لبنان، عندما يعيش الفهيم مع البهيم، يصبح انهيار الضمير حتميًا. الفهيم يحاول أن يحافظ على قيمه، على عدالته، على حيائه، بينما البهيم يتجاوز كل حدود الأخلاق باسم المصلحة والطائفة والزعيم. يصبح الوطن مسرحًا للصراع بين وعيٍ يحاول الإصلاح وضميرٍ مشوّه يبرّر الجريمة. كل سرقة، كل فساد، كل ظلم، يتحوّل إلى “أمر طبيعي” يبرره الشعب لنفسه، لأنه يختار البهيم ليقوده، ويصوّت له، ويصفق لسرقته، ويقبل بالمهانة.

الفهيم يشعر بالغربة داخل وطنه، ويكتشف أن الكلمة الصحيحة، والفعل النبيل، والضمير اليقظ، كل ذلك يُحبط ويُهمش. أما البهيم، فيحتفل بسقوط الأخلاق، ويجد المتعة في الانتصار على الفهيم. وهنا يظهر المأزق الأخلاقي: شعبٌ يعرف الفساد، يعي خطورته، لكنه يواصل دعمه، ويشارك في نشره، ويبرر الظلم باسم “الاستقرار” أو “الحفاظ على الطائفة”. هذا الانحدار الأخلاقي يُنتج مجتمعًا مريضا، يستمتع بمعاقبة الفهيم ويكرّم البهيم، وكأن القيم قد انقلبت على رؤوسها.

اللبناني الذي عاش عقودًا بين الفهيم والبهيم أصبح يمتلك ذاكرة مزدوجة: يعرف الخطأ، لكنه يختار إنكاره. يعرف من سرقه ومن أذله، لكنه يعيد اختيار نفس الجلاد. في كل أزمة اقتصادية، سياسية، أو اجتماعية، تُعاد نفس الأخطاء وكأن التاريخ يعيد نفسه ليؤكد مأساة العيش مع البهيم. الفهيم يصرخ: “توقفوا عن تدمير الوطن“، والبهيم يضحك: “هذه طريقتنا في الحكم“. وهكذا تتحول الذاكرة الوطنية إلى سجّل من المهانات، والصفحات المليئة بالوعود الفارغة، والبيانات التي لم تُنفّذ.

الإنكار الجماعي للخطأ هو ما يحمي البهيم، ويعزل الفهيم. كل سرقة، كل سقوط اقتصادي، كل فضيحة مالية تُطوى بسرعة، ويُسمح للبهيم بالعودة إلى المشهد كما لو أنه لم يحدث شيء. أما الفهيم، فيبقى حاملًا للوعي، مُذكّرًا الجميع بالحقائق، لكنه يُهمل، ويُعزل، ويُهمّش. هذه الذاكرة الممزقة تجعل الشعب اللبناني أسير دورة لا تنتهي من الخذلان والمهانة، ويجعل المثل الشعبي “عيش الفهيم مع البهيم داء سقيم” واقعًا حيًّا يتكرر كل يوم.

هل هناك أمل للخلاص؟ هل يمكن للفهيم أن ينجو من محيط البهيم؟ الإجابة ليست سهلة، لكنها موجودة في وعي جماعي جديد، في إرادة جماعية ترفض الذل، وتطالب بالمساءلة، وتزرع العدالة قبل أن تتوقعها من الآخرين. الفهيم في لبنان ليس فقط شخصًا واعيًا، بل رمزًا للأمل الذي يجب أن يتحوّل إلى فعل جماعي. لكن الفعل لا يحدث إلا حين يقرر الشعب أن يكسر دائرة الطاعة والجهل، وأن يتحمّل مسؤوليته عن اختياراته السابقة.

لبنان الذي اختار البهيم طوال عقود، صار اليوم في مرحلة اختبار: هل يستمر الشعب في تمكين الجلادين، أم يختار الفهيم ليقود نفسه؟ كل سرقة لم تُحاسب، كل ظلم لم يُعالج، كل مهانة لم تُردّ، تزيد من داء التعايش بين الفهيم والبهيم، وتجعل البلاد أشبه بمريضٍ مزمن يحتاج إلى جراحة أخلاقية شاملة. الحل ليس في استبدال الزعيم فقط، بل في تغيير الذهنية التي تنتجه، وفي تعليم الشعب كيف يقرأ، كيف يفكر، وكيف يرفض أن يكون جزءًا من مأساة مستمرة.

البهيمية التي حكمت لبنان لعقود لم تكن مجرد غباء، بل خيارًا جماعيًا مُتكررًا. وإذا لم يُحوّل الفهيم وعيه إلى قوة جماعية، فإن الوطن سيستمر في السقوط، وسيظل المثل الشعبي حقيقة يومية: العيش مع البهيم داء سقيم، والفهيم ضائع بين جدران صمتٍ اختارها شعبه بنفسه.

4. الخاتمة

إن المثل الشعبي اللبناني “عيش الفهيم مع البهيم داء سقيم” ليس مجرد حكمة متداولة، بل وصف دقيق لواقعٍ طالما عاشه لبنان وشعبه. لقد أظهرت المحاور الثلاثة كيف أن الفهيم، حامل الوعي والعقل، يعيش في وطنٍ يهيمن عليه البهيم، حامل الجهل والطمع والغريزة، وكيف أن هذا التعايش القسري يُنتج مرضًا اجتماعيًا مزمنًا يمتد عبر الأجيال. لقد أظهرت المقدمة عمق المأساة الإنسانية عندما يُجبر العقل على التعايش مع الجهل، وأظهر المحور الأول كيف أن الاختلاف بين الفهيم والبهيم يولّد صراعات حضارية وأخلاقية، فيما تناول المحور الثاني انعكاسات هذا الداء على لبنان، من السياسة إلى الاقتصاد، وصولًا إلى مصائر المودعين وسرقة أموالهم، ثم حلّل المحور الثالث البعد الأخلاقي والنفسي والاجتماعي لهذا الواقع، موضحًا كيف أن الذاكرة الوطنية ممزقة بين الاعتراف بالخطأ والإنكار الجماعي، وكيف أصبح الشعب شريكًا في إبقاء البهيم في السلطة.

لقد كشف البحث أن لبنان لم يكن ضحية ظروفٍ فحسب، بل ضحية اختيارات متكررة على مدى عقود، حيث صوّت الشعب للجهل والفساد والمهانة، وأهان الفهيم وكرّم البهيم. هذه الدورة، التي تُعيد إنتاج الفساد والجهل، تجعل من الداء مزمنًا، لأن الفهيم يبقى وحيدًا في محاولاته الإصلاحية، والبهيمية الجماعية تواصل تثبيت سلطتها. لكن الخلاص، كما أبرزت المحاور، ممكن، شرط أن يتحول وعي الفهيم إلى قوة جماعية قادرة على كسر دورة الطاعة والجهل، وأن يصبح الشعب مستعدًا لتحمل مسؤولية خياراته، ومساءلة جلاده، ومحاسبة من سرق وطنه ومقدراته.

في النهاية، يبقى المثل تحذيرًا ودرسًا: العيش مع البهيم ليس مجرد صبر، بل مرض يحتاج إلى علاج جماعي وفكري وأخلاقي. وللشعب اللبناني، الدرس واضح: لا إصلاح حقيقي يمكن أن يحدث ما لم يُدرك أنه لم يعد يحق له أن يختار جلاده، وأن المستقبل، وسيادة الوطن، وكرامة الأجيال القادمة، كلها رهينة وعيه وشجاعته. الفهيم لا يختار البهيم إلا إذا أراد الشعب أن يظل عبيدًا لمهاناته، والبهيم لا يبقى إلا إذا اختار الشعب أن يظل جاهلًا، فتكون النتيجة: داء سقيم يُمزّق وطنًا ويهين شعبه، إلى أن تتدخل إرادة جماعية فتصنع الفارق.

أخبار ذات صلة

الإستهلاك المُفرط لكلمة “الله”أفرغها من مضامينها..د. الياس ميشال الشويري:مجتمع لا يُقدّس الصدق في كلماتهلا يُمكن أن ينهض من أزماته…
بحث


الإستهلاك المُفرط لكلمة “الله”
أفرغها من مضامينها..
د. الياس ميشال الشويري:
مجتمع لا يُقدّس الصدق في كلماته
لا يُمكن أن ينهض من أزماته…

06/11/2025

...

عندما يصف الدبلوماسي الأميركي فشل الدولة اللبنانية…د. الياس ميشال الشويري:نعم توم براك على حقومن لا يريد أن يسمعهانما يرفض ان يرى نفسه في المرآة!
بحث


عندما يصف الدبلوماسي الأميركي
فشل الدولة اللبنانية…
د. الياس ميشال الشويري:
نعم توم براك على حق
ومن لا يريد أن يسمعه
انما يرفض ان يرى نفسه في المرآة!

04/11/2025

...

الفجوة المالية في لبنان: بين الانهيار المحاسبي والانكشاف الأخلاقي لمنظومة النهب..د. الياس ميشال الشويري:هل تعَلّمَ لبنان أن الفجواتلا تُسدّ بالأكاذيب بل بالحقائق؟
بحث


الفجوة المالية في لبنان:
بين الانهيار المحاسبي
والانكشاف الأخلاقي لمنظومة النهب..
د. الياس ميشال الشويري:
هل تعَلّمَ لبنان أن الفجوات
لا تُسدّ بالأكاذيب بل بالحقائق؟

03/11/2025

...

هنيبعل القذافي ورياض سلامةوالحقيقة المحتجزة خلف جدران النفاق…د. الياس ميشال الشويري:ميزان العدالة يضع  المظلوم في كفّةومرتكب الجرائم المالية في الكفّة الثانية…
بحث


هنيبعل القذافي ورياض سلامة
والحقيقة المحتجزة
خلف جدران النفاق…
د. الياس ميشال الشويري:
ميزان العدالة يضع المظلوم في كفّة
ومرتكب الجرائم المالية في الكفّة الثانية…

31/10/2025

...

تحميل المزيد
المنشور التالي
مئة رائد أعمال من 20 جنسيةمُنحوا الإقامة المميزة في السعودية…


مئة رائد أعمال من 20 جنسية
مُنحوا الإقامة المميزة في السعودية...

Tamin wa Masaref | by OnSups

  • سياسة خاصة
  • الأحكام والشروط
  • تواصل معنا
يرجى الانتظار...

اشترك في نشرتنا الإخبارية

هل تريد أن يتم إعلامك عند نشر مقالتنا؟ أدخل عنوان بريدك الإلكتروني واسمك أدناه لتكون أول من يعرف.
اشترك في النشرة الإخبارية الآن
لا نتيجة
عرض جميع النتائج
  • الرئيسية
  • رسالة من المحرر
  • الحدث
  • المفكرة
  • مصارف
  • تأمينية
    • شركات تأمينية
    • توعية تأمينية
    • فتاوى تأمينية
  • ملف
  • مقابلات
  • مقالات
  • طب
  • فـي ميزان العدالة
  • منوعات
  • مؤتمرات

Tamin wa Masaref | by OnSups