متابعا شخصيا عمليات الاعمار
يقول الرئيس الشهيد رفيق الحريري: “لا أحد أكبر من بلده، ولا أحد يستطيع أن يُلغي وطنه أو يُلغي أحدًا من وطنه”. هذه الكلمات تعكس جوهر الحريرية السياسية، التي قامت على رؤية واضحة لإعادة بناء لبنان وإرساء أسس دولة حديثة، مستقرّة اقتصاديًا ومنفتحة على العالم. برزت الحريرية السياسية في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية، حيث حملت مشروعًا طموحًا لإعادة الإعمار، تعزيز الاقتصاد، وتطوير البنية التحتية، مستندةً إلى نهج اقتصادي ليبرالي وسياسة خارجية متوازنة.
في هذا المقال، سنسلّط الضوء على أصول الحريرية السياسية، مبادئها الأساسية، وأبرز إنجازاتها وإيجابياتها، من إعادة الإعمار إلى تطوير القطاع المصرفي، وتعزيز التعليم والاستثمار في البنية التحتية، إضافةً إلى دورها في تحقيق نوع من الاستقرار السياسي وجذب الاستثمارات الأجنبية.
- أصول الحريرية السياسية وتطوّرها
ظهرت الحريرية السياسية مع صعود الرئيس رفيق الحريري إلى المشهد السياسي اللبناني في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات. وقد كان لرجل الأعمال الذي صنع ثروته في السعودية رؤية اقتصادية تعتمد على إعادة إعمار لبنان وجعله مركزًا ماليًا إقليميًا. تجلّت هذه الرؤية بوضوح بعد توقيع اتفاق الطائف عام 1989، حيث لعب الرئيس الحريري دورًا رئيسيًا في إعادة بناء مؤسسات الدولة.
تبنّت الحريرية السياسية نهجًا براغماتيًا يمزج بين الاقتصاد الحر والدبلوماسية المتوازنة، مع التركيز على تحقيق الاستقرار الداخلي والخارجي عبر سياسات اقتصادية وتنموية طموحة.

- مبادئ الحريرية السياسية
يمكن تلخيص المبادئ الأساسية للحريرية السياسية في النقاط التالية:
- إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية: تبنّت الحريرية السياسية مشاريع بنى تحتية ضخمة، مثل إعادة إعمار وسط بيروت، وبناء الطرق والجسور، وتحديث قطاع الاتصالات والمطار.
- تحرير الاقتصاد والانفتاح على الأسواق العالمية: سعت إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز القطاع المصرفي ليصبح لبنان مركزًا ماليًا إقليميًا.
- تعزيز التعليم والموارد البشرية: تمّ إطلاق مبادرات تعليمية، أبرزها مؤسسة الحريري التي ساعدت آلاف الطلاب اللبنانيين في استكمال دراستهم داخل لبنان وخارجه.
- السياسة الخارجية المتوازنة: اتبعت الحريرية السياسية نهجًا دبلوماسيًا يقوم على العلاقات الجيدة مع الدول العربية والغربية، مع محاولة تقليل تأثير النزاعات الإقليمية على لبنان.

3-إيجابيات الحريرية السياسية
- إعادة إعمار لبنان بعد الحرب الأهلية. بعد حرب أهلية دامت 15 عامًا، كانت البلاد في حالة دمار شامل. قدّمت الحريرية السياسية مشروعًا طموحًا لإعادة إعمار لبنان، وكان مشروع “سوليدير” أحد أبرز مظاهره، حيث تمّ تجديد وسط بيروت ليصبح مركزًا اقتصاديًا وسياحيًا حيويًا.
- تطوير القطاع المصرفي وجعل بيروت مركزًا ماليًا.ركّز الرئيس الحريري على تحويل لبنان إلى مركز مالي إقليمي عبر تعزيز دور المصارف، دعم مصرف لبنان، وإرساء قوانين تشجّع الاستثمار الأجنبي. وقد أدّى ذلك إلى ازدهار القطاع المصرفي خلال التسعينات وبداية الألفية الثالثة.
- الاستثمار في التعليم وتطوير رأس المال البشري.أسّس الرئيس الحريري عدّة مؤسسات تعليمية ودعم آلاف الطلاب اللبنانيين للحصول على تعليم جامعي مرموق، ممّا ساهم في رفع مستوى القوى العاملة اللبنانية وجعلها منافسة على الصعيد الإقليمي والدولي.
- تحسين البنية التحتية.تم تنفيذ مشاريع ضخمة في قطاع النقل والاتصالات، مثل توسعة مطار رفيق الحريري الدولي، تحسين الطرق والجسور، وإدخال الإنترنت والاتصالات الحديثة إلى لبنان، ممّا عزّز كفاءة الاقتصاد وسهّل حركة المواطنين.
- تحقيق استقرار سياسي نسبي.ساهم الرئيس الحريري في تحقيق نوع من الاستقرار السياسي بعد الحرب الأهلية من خلال العمل مع مختلف الأطراف اللبنانية والدولية، ممّا ساعد في تقليل التوترات الطائفية والسياسية لفترة معينة.
- تعزيز العلاقات الدولية وجذب الاستثمارات.اعتمد الرئيس الحريري على شبكة علاقاته الدولية لجذب الاستثمارات إلى لبنان، خاصة من دول الخليج، ممّا عزّز الاقتصاد اللبناني لفترة من الزمن. كما عزّز العلاقات مع الدول الكبرى مثل فرنسا والولايات المتحدة، ما أسهم في تقديم الدعم السياسي والاقتصادي للبنان.
- الخاتمة
لا يمكن إنكار أن الحريرية السياسية، رغم التحديات التي واجهتها، تركت بصمة واضحة في مسيرة لبنان الحديثة، حيث ساهمت في إعادة الإعمار، تعزيز الاقتصاد، وتطوير البنية التحتية والتعليم. لقد حمل الرئيس رفيق الحريري مشروعًا نهضويًا طموحًا، سعى من خلاله إلى تحويل لبنان إلى مركز مالي وتجاري في المنطقة، مرتكزًا على رؤية تقوم على الاستقرار، الانفتاح، والتنمية المستدامة.
لكن بعد اغتياله في عام 2005، انحدر لبنان إلى مرحلة من الفوضى والفساد غير المسبوق. فالذين تعاقبوا على الحكم بعده لم يفعلوا شيئًا سوى نهب البلاد، تقاسم مقدراتها، وتدميرها على رؤوس أبنائها. تحوّلت الدولة إلى غنيمة في يد الطبقة السياسية الفاسدة، التي أوصلت لبنان إلى أسوأ أزماته الاقتصادية والاجتماعية، حيث انهارت العملة، تدهورت الخدمات، وانعدمت مقومات الحياة الكريمة.
لقد أثبتت السنوات التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري أن لبنان خسر رجل دولة كان يحمل رؤية للمستقبل، بينما تسلّط عليه سفلة من الحكّام الذين لم يقدّموا شيئاً سوى الخراب والفساد. اليوم، يقف اللبنانيون على أنقاض بلدهم، يتساءلون عما تبقّى من الأمل، في ظلّ نظام لم يترك لهم سوى المعاناة والانهيار.
ومع ذلك، نتطلع بتفاؤل إلى عهد الرئيس جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، آملين أن يكونا قادرين على انتشال لبنان من أزماته وإعادة بناء مؤسساته على أسس من النزاهة والكفاءة. إن اللبنانيين ينتظرون قيادة وطنية حقيقية تُعيد لهم الثقة بوطنهم، وتُنهي سنوات الفساد والمحاصصة التي دمّرت البلاد.