طه حسين
د. الياس ميشال الشويري
في حديثه عن حال الأمة الإسلامية، تطرق الدكتور طه حسين إلى قضايا جوهرية تمس المجتمع العربي والإسلامي في عدة أبعاد، سواء كانت اجتماعية، اقتصادية أو سياسية. كان نقده عميقاً وفلسفياً، بحيث تناول بوضوح الظواهر التي تثبت أن الأمة التي لا تُحارب مشاكلها بشكل عملي وبعقلانية، تظل أسيرة الحلول السطحية التي تؤدي إلى تخلفها. واحدة من أشهر عباراته التي تلخّص هذا النقد، تلك التي قال فيها: “الأمة التي تحارب الفقر بالدعاء، وتحارب الفساد بخطب المنابر، وتحارب البطالة بالزواج والإنجاب، فهي قطعاً أمة ميتة وإكرام الميت دفنه“. هذه الكلمات لا تمثّل فقط رأي طه حسين، بل دعوة مفتوحة لكل مفكرٍ وساعٍ للإصلاح في الأمة العربية والإسلامية لإعادة النظر في أولوياتهم واستراتيجياتهم لمواجهة التحديات الكبرى.
- المجتمع الإسلامي ومشاكل الفقر: الدعاء كحل سطحي
الفقر يمثّل أحد أعظم التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية، وهو حالة مستشرية في العديد من الدول العربية والإسلامية. في سياق هذا التحدي، يرى طه حسين أن معالجة الفقر بالدعاء وحده هو نوع من الهروب من المسؤولية، بدلاً من التفاعل مع المشكلة بطرق أكثر فاعلية. فالدعاء لا يتجاوز كونه مجرد تعبير عن الأمل، ولكنه لا يتضمّن أي إجراء عملي يمكن أن يساعد في تغيير الواقع الاجتماعي والاقتصادي.
حلول طه حسين لهذه المشكلة تتطلّب خطوات عملية تبدأ من التعليم، وصولاً إلى التوظيف، وتنمية الاقتصاد بشكل فعّال. في هذا السياق، يؤكّد طه حسين على أهمية التعليم كأداة محورية في القضاء على الفقر، فالتعليم لا يُحسن مهارات الأفراد فحسب، بل يسهم في رفع مستوى وعيهم ويتيح لهم الفرص الاقتصادية التي تساعدهم على تجاوز التحديات المالية.
- الفساد: خطب المنابر وغياب الإصلاح الجذري
فيما يتعلّق بالفساد، يرى طه حسين أن الخطب على المنابر أو الحديث عن الفساد في المناسبات العامة لا يمثّل حلاً حقيقياً. ذلك أن الفساد هو مشكلة معقدة تتطلّب إصلاحات شاملة، تشمل النظام القضائي، وتعديل القوانين، وفرض الرقابة والمحاسبة الفعّالة على المسؤولين.
تجدر الإشارة إلى أن الفساد في الدول الإسلامية غالباً ما يتجذّر في النظام السياسي، حيث تتداخل المصالح الشخصية مع المصلحة العامة، ممّا يعوق أي إصلاح حقيقي. لكن طه حسين كان يعتقد أن الإصلاحات السياسية والتشريعية، بالإضافة إلى تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، هي الخطوات العملية التي يجب أن تسبق أي حديث عن الفساد على المنابر.
- البطالة: الحلول التقليدية والزواج والإنجاب
إن قضية البطالة تعد من القضايا الأكثر تفاقماً في الكثير من الدول العربية والإسلامية، حيث يعاني الشباب من نقص في الفرص الوظيفية والتعليمية، ممّا يؤدّي إلى تضخّم مشكلة البطالة. في هذا السياق، ينتقد طه حسين المجتمع الذي يعالج البطالة “بالزواج والإنجاب” باعتبارهما حلاً لتوفير حياة كريمة في ظل غياب العمل.
يعتبر طه حسين هذا الحل غير عملي ولا يتماشى مع متطلبات العصر. فبينما قد يشكّل الزواج والاستقرار الأسري سبيلاً للحفاظ على الأواصر الاجتماعية، فإنه لا يمكن أن يكون بديلاً للتوظيف وخلق فرص عمل حقيقة لشباب الأمة. لذا، يرى طه حسين أن الاستثمار في مشروعات اقتصادية وتنمية رأس المال البشري من خلال التعليم والتدريب المهني هو الحل الأنجع لمواجهة البطالة.
المنابر ليست للمراوغة
- مقولة “أمة ميتة”: تأملات في الفشل والتخلف
لقد استخدم طه حسين عبارة “أمة ميتة” للتعبير عن الحالة التي تكون فيها الأمة عاجزة عن مواجهة تحدياتها بطرق منطقية ومبنية على أسس علمية وعملية. يرى طه حسين أن الأمة التي تستمر في هذا النهج من الاعتماد على الحلول السطحية والمجزأة، هي أمة تفتقر إلى القدرة على التطوّر والنهوض. فالموت هنا ليس جسدياً، بل هو “موت فكري” و”موت اجتماعي“، يعبّر عن جمود الفكر وتراجع الحركة الإصلاحية.
أحد العوامل التي تؤدي إلى هذا الجمود هو غياب الفكر النقدي القادر على تقييم الوضع الراهن واتخاذ قرارات صائبة للتغيير. ولعل ما يميّز طه حسين هو تأكيده على أهمية “إستخدام العقل” في جميع جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية. فالمجتمعات الحية هي التي تحرص على استخدام العقل والإبداع في معالجة قضاياها، بينما المجتمعات الميتة لا تجد من حلول سوى الشعارات والخطب.
- إكرام الميت دفنه: دعوة إلى التغيير الجذري
“إكرام الميت دفنه” هو تعبير رمزي يستخدمه طه حسين في سياق التأكيد على أن الأمة التي تواصل هذا النهج لن تجد مفرًا من الدفن البطيء. فالمجتمعات التي لا تتطوّر وتظل عالقة في دوائر الحلول السطحية والمظاهر، ستستمر في التراجع والتخلف عن الركب الحضاري.
لكن طه حسين لا يكتفي بمجرد التشخيص، بل يقدّم دعوة إلى “إحياء الأمة” من خلال إصلاحات شاملة تبدأ من الفرد وتنتهي بالمؤسسات. فإذا أردنا أن نعيش في “أمة حية“، فعلينا أن نتوجه نحو تطوير التعليم، بناء مؤسسات قوية، واعتماد السياسات الفعّالة لمكافحة الفقر والبطالة والفساد.
- الخاتمة
عبارة طه حسين هي بمثابة جرس إنذار للأمة الإسلامية، تدعوها للتخلّي عن الحلول المراوغة التي لا تُسهم في معالجة جذور المشاكل. إن مواجهة تحديات الفقر، الفساد، والبطالة تتطلّب إرادة قوية للتغيير، قائمة على العقل والعمل الجاد، وليس على الشعارات التي لا تفي بالغرض. إن الأمة التي تسعى إلى النهوض يجب أن تكون مستعدة للمواجهة الفكرية والعملية لكل ما يقف في طريق تقدمها، وتكون أكثر استعداداً لاستخدام العقل والعمل في سبيل تحسين واقعها.