مودعة تقتحم فرع أحد البنوك لإسترجاع جزء من أموالها
د. الياس ميشال الشويري
يَربط معظم الناس الأمل بالوضع العَصيب الذي تمرّ بالأوطان، ويأملون الخروج من الظروف الصعبة بأقل الخسائر. يحدث هذا – غالبًا – عندما يجد الناسُ أنفسَهم يُفكرون في المستقبل بِظلامية مُبتَكَرة، ويبتعدون عن التفكير بـ(الأمل) الذي يُمكن أن يُنَشِّطَ لهم حياتَهم النفسيةَ والعاطفية، ويوفرَ – أيضًا – مِفتاحًا لتحسين الحياة اليومية.
ولكن، أين نجدُ الأمل في وطنٍ كلبنان، وطن تتحكّم به منظومة فاسدة ومُفسدة؟ سؤال كبير يسأله كل لبناني شريف وحرّ، المهموم بالحياة اليومية القاسية، والجوع والموت، والفساد المحيط به من كل حَدَبٍ وصَوْب، سياسياً وأمنياً وإدارياً وإقتصادياً وطبياً ومالياً، وهو الباحث عن جواب لاسترداد أمواله المنهوبة. ومثلما هو أكثرهم حسدًا لما يراه في الأقوام الأخرى من سعادة ورفاهية، فهو الوحيد في مستنقع اليأس، على جميع الأصعدة، لفقدانه مدخراته وجنى عمره لمجموعة من القراصنة: الخونة والعملاء والمجرمين والخارجين عن القانون!
فكيف نتحدّث عن الأمل ونحن نعيش في نار جهنم: اقتصاد مُتدهور يحاصرنا موتًا، وحياة كلّها مطبَّات أكثر مما توقَّعْنا، وحياتنا مصدرٌ دائم للتوتّر والقلق؛ لا ننام الليل خوفاً من الغد، لأننا لا نستطيع تَلبيَة حاجات أسرنا؛ نعاني أمراضاً مزمنة بلا دواء، ومستشفياتنا تستقبل نوعاً معيّناً من البشر، وأولادنا عاطلون عن العمل! حياة لا نجد فيها سوى أنين الفقراء ومقابر الموتى وحكومات تضمّ أنذالاً فاسدة تَسرِقنا – ليلاً ونهاراً، وتدمّر الأمل في نفوسنا، لأنها الطريقة الأسهل للسيطرة علينا؛ إنها تخلق الخوف واليأس بدلاً من الأمل، وتحمل للأسف راية … حماة الوطن، وتُمعن في الأرض والوطن دماراً وفساداً!
مع إستمرار إشتداد الأزمة الثلاثية الأبعاد في لبنان، يناضل جيل الشباب للعثور على بارقة أمل ودعم وعلى فرصة ما، وسط اليأس المتفاقم. يضطر الشباب والشابات، على اختلاف إنتماءاتهم وخلفياتهم، الى تحمّل مسؤوليات جمة، تتجاوز أعمارهم وقدراتهم على مواجهة الأزمة الثلاثية الأبعاد، من إنهيار إقتصادي شديد، وتفشي جائحة كوفيد-19، وآثار تفجير مرفأ بيروت في العام 2020، مع كل ما يترتب على ذلك من تداعيات ضارة على صحتهم النفسية وعلى إمكانية حصولهم على الفرص المرتجاة. ان كلّ تلك التأثيرات الشديدة تدفع الكثير من الشباب والشابات الى التسرّب من التعلّيم الأكاديمي، ومن مختلف أنواع التعلّم الأخرى للإنخراط في عمل غير رسمي أو غير منتظم أو حتى متدني الأجر، بهدف تأمين أي دخل يمكّنهم من مساعدة أسرهم على مواجهة التحديات المتزايدة.
على أي حال، لايزال هناك أمل! لا أريد تلطيف حالة الواقع؛ فالشعور بالإحباط والألم منطقي خلال هذا الوقت العصيب من حياتنا، من حياة كل لبناني حر وشريف. أقول لا يزال هناك مجال للأمل، ليس من شعور واهن لإقناع النفس بأن الأمور ستتحسن، فالأمل عملية مليئة بالإثارة، تنشأ عندما نحدّد طرقًا لمقاربة أهدافنا، جنبًا إلى جنب مع الاستعداد للمُثابرة، على رغم العقبات؛ فالأمل أكبر من أن يتمّ الحُلم به!
بالمقابل، هل نستسلم لليأس بحجة فُقدان الأمل؟ هل نلغي حياتَنا ونستسلم للواقع؟ قال أرسطو: “الأمل هو حُلم الرجل اليَقِظ”.
ولكن كيف يمكننا الحفاظُ على الأمل عندما تكون الحياة صعبة في كثير من الأحيان؟
يشعر الكثير من اللبنانيين باليأس! إنهم يروْن بلدهم بشكلٍ سلبي، لأنهم يعيشون حياةً مليئةً بالأحزان التي لا تتوقف، ولا يعرفون بشكلٍ واضح: كيف يمكنهم التغيير!
التغيير ممكن والأمثلة كثيرة عن شخصيات لعبت أدواراً كبيرة وإيجابية في تاريخ بلدانها، مثل: “القائد الحي في قلب شعبه: بشير الجميّل”؛ “الرئيس الملك: كميل نمر شمعون”؛ “الرئيس الزاهد: فؤاد شهاب”؛ “صانع التاريخ: الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان”، “قائد مرحلة التمكين: الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان”؛ “قائد لا يعرف المستحيل: الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم”؛ “فجر الإمارات: الشيخ محمد بن زايد آل نهيان”؛ “أمّ الإنسانية: الشيخة فاطمة بنت مبارك”؛ “الملك المؤسس: عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود”؛ “زعيم قومي أدرك خطر التطرف مبكّرا: جمال عبد الناصر”، “رجل المرحلة : عبد الفتاح السيسي”؛ “ملك الحكمة والتوازن: الحسن الثاني”؛ “صانع نموذج الدولة العربية الحديثة: محمد علي باشا”؛ “رجل بحجم أمة: عمر المختار”؛ “أبو الأمة الهندية: المهاتما غاندي”؛ “مؤسس الصين الحديثة: ماو تسي تونغ”؛ “مؤسس الولايات المتحدة الأميركية: جورج واشنطن”؛ “أيقونة النضال للتحرّر الوطني: نيلسون مانديلا”؛ “الأب الروحي لسنغافورة: لي كوان يو”؛ “رمز وحدة بريطانيا: إليزابيث الثانية”؛ ”صانع الحلم الأميركي: مارتن لوثر كينج”؛ “المرأة الحديدية: مارغريت هيلدا ثاتشر”؛ “الرجل الحديدي: الأمير محمد بن سلمان”; “رائد العلم الحديث: ألبرت اينشتاين”؛ “مخرج القرن العشرين: ألفريد جوزيف هيتشكوك”؛ “العبقري الذي غيّر حياة البشريّة: ستيف بول جوبز“ …
ما يجمع أولئك الذين صنعوا التاريخ، الأحياء منهم والأموات، هو تميزهم بالصبر والمثابرة والحلم ثم الإنجاز! فكقادة بناء وتعمير وحكمة، غيّروا وجه الحياة في مجتمعاتهم، وأحدثوا تحولات كبرى في تاريخ المنطقة والعالم.
لنتذكّر أن الحياة تتغير دائمًا، ويمكن للأشياء أن تتحسَّن، وستتحسَّن. قد يبدو الأمر وكأنه تفاهاتٌ طائشة، ولكنَّ كل تلك الاقتباسات الملهِمة التي نراها تتدفق على شاشتنا صحيحة؛ فالليل دائمًا أحلك قبل الفجر، لكنْ دائمًا ما تعود الشمس.
نحن نعلم بالفعل ما هو الخطأ، ونختار أن نكون حول أولئك الذين يُريدون العيشَ في الحل؛ فالعيش في المشاكل سيمتصُّ الأملَ من الروح. إن التفكير الإيجابي هو الحلُّ للوصول للأمل، والتركيز على طرد الأفكار السلبية يُمكِن أن يؤثرَ في سلوكنا، ويمكن تدريب عقلنا على التركيز على أنماط التفكير الإيجابي، ونحن تحتاج إلى بناء الزَخَم إلى الأمام، للحفاظ على الأمل، ثم الحفاظ عليه، خاصة في أسوأ المواقف.
ان الأمل يُحارِب اليأس ويرى الشمس، وهو بمثابة مشهدٍ أو عالمٍ من الخيال، حيث كلُّ شيء مُمكِن. هو الذي يدفعنا إلى البحث عن فجوة صغيرة في دِرع اليأس، وانتزاع النصر من بين فكَّيْ الهزيمة، لأن اليأس وهم.
لا يُوجَد جدار صلب من الفشل، وليس هناك يقين من الهزيمة؛ ففي كل حالة، هناك إمكانية للنصر، وأصول اللعبة تكون في تحقيق ذلك النصر.
هناك نظرة وفهم للواقع وللأمل، يُميّزان بين (اللا أمل) و(الأمل الضائع) و(الأمل الكاذب) و(الأمل الحقيقي)، وهي تختلف من حيث وجهة النظر والواقعية.
يتساءل كل مجتمع متطلّع إلى الإصلاح والتغيير: من أين يبدأ التغيير؟ “من فوق أو من تحت”، أي من السلطة أم من الشعب؟ من يقوم به وما هي مواصفاته؟ وكيف يتحقّق؟ … وإلى ما هنالك من تساؤلات، التي تختلف فيها الاجتهادات ووجهات النظر … ثم، هل بمجرد أن نؤسّس حزباً، أو جمعية، أو نكون مجموعة ضغط، نكون قد بادرنا بعملية التغيير، وشرعنا في مقدماته؟ أم أن التغيير لن يكون إلا عندما نكون في السلطة متحكمين في دواليبها؟ أم، لا هذا ولا ذاك ولا ذلك؟ كل هذه التساؤلات مشروعة، ولا بد من الإجابة عنها، لكل من يريد المساهمة في عملية الإصلاح والتغيير، ولكن أهم مسألة في تقديري ولها الأولوية في الإجابة عن كل هذه التساؤلات، لكونها ذات علاقة مباشرة بعملية الإصلاح والتغيير هي: من يقوم بهذا لإصلاح؟ وما هي مواصفاته؟
برأينا، إذا توصل المصلح أو مريد الإصلاح إلى إقناع نصف المجتمع، أي نصف ناخبيه، بالأفكار التي يحملها والمشاريع التي يبشّر بها، أو بالوصول إلى مواطن التأثير التي يحقّق فيها اجتهاداته، فيكون قد حقّق أكبر خطوة على طريق الإصلاح.
ان الفساد في لبنان مرتبط بفاسدين ومفسدين من ما يسمّى بالأنذال من رجال الدولة الكبار! ولا ينحصر هذا في اختلاس أموال الدولة وحسب، وإنما في تبديدها بطريقة متعمدة من خلال صرفها على كل ما هو فاشل ومغشوش وفاسد. بالملخّص، قصة الفساد في لبنان كتبتها أحزاب وميليشيات استغلت نفوذها داخل السلطة لتحقيق عوائد مالية ضخمة على حساب الوطن، وشعب فاسد يعتاش على النهب والسرقة، فتكت به عوامل التمزّق والشذوذ والانحلال، وأمسى كأنعام تعيش لتأكل وتنام، ولا يسكن وجدانها وهواجسها إلا قضايا البطن والفرج. في الختام، لنتذكّر هذا القول لجبران خليل جبران:
“وإن كان طاغية تودون خلعه عن عرشه، فانظروا أولا إن كان عرشه القائم في نفوسكم قد تهدّم!”