الياس ميشال الشويري
الأستاذ الجامعي في لبنان يلعب دورًا محوريًا في بناء الأجيال المستقبلية وتحقيق التقدّم العلمي والثقافي. ومع ذلك، يجد نفسه غالبًا عالقًا بين مطرقة متطلبات الجامعة وإدارتها، وسندان الضغوط الاجتماعية والطلابية. هذه الضغوط تتراوح بين توقعات غير واقعية من الطلاب وأهاليهم، إلى القيود الإدارية التي قد تحد من حرية الأستاذ في تقييم الأداء الأكاديمي بموضوعية.
هذا المقال يتناول التحديات التي يواجهها الأستاذ الجامعي في لبنان عند تقييم الطلاب، وأثر هذه التحديات على العملية التعليمية ككل، مع التركيز على العوامل الاجتماعية، الأكاديمية، والإدارية التي تؤثّر على قراراته.
- التحديات الاجتماعية
–الضغط من الطلاب وأهاليهم: الطلاب في لبنان غالبًا ما يتوقعّون الحصول على درجات مرتفعة بغض النظر عن أدائهم الحقيقي. يتزايد هذا الضغط في ظل منافسة حادة بين الطلاب للحصول على فرص تعليمية أو مهنية مستقبلية. في بعض الحالات، يتدخل أولياء الأمور بشكل مباشر عبر تقديم شكاوى أو ممارسة ضغوط على الأستاذ لتغيير التقييمات. هذه الظاهرة لا تؤثّر فقط على استقلالية الأستاذ، بل تشجّع أيضًا على التساهل في منح الدرجات، مما يضر بجودة التعليم.
–التوقعات المجتمعية: المجتمع اللبناني يولي أهمية كبيرة للنجاح الأكاديمي كوسيلة لتحقيق المكانة الاجتماعية والاقتصادية. لذلك، يُتوقّع من الأساتذة الجامعيين أن يكونوا متسامحين مع الطلاب الذين يواجهون ظروفًا اقتصادية أو اجتماعية صعبة. بينما تُعتبر هذه الاعتبارات إنسانية، فإنها تضيف عبئًا إضافيًا على الأستاذ الذي يجب عليه الموازنة بين التعاطف والموضوعية.
- التحديات الأكاديمية
–ضعف المستوى الأكاديمي للطلاب: نتيجة للتدهور المستمر في جودة التعليم الأساسي والثانوي، يصل العديد من الطلاب إلى الجامعة بمستوى أكاديمي ضعيف. هذا الضعف يضع الأساتذة أمام معضلة: هل يجب عليهم الالتزام بمعايير أكاديمية صارمة قد تؤدي إلى ارتفاع نسب الرسوب، أم يجب عليهم تعديل التوقعات للتعامل مع هذه الفجوة؟ في كلتا الحالتين، يتأثّر مستوى التعليم العالي سلبًا.
–نقص الموارد والإرشاد: غياب المراكز الأكاديمية والإرشادية في الجامعات اللبنانية يزيد من صعوبة مهمة الأستاذ الجامعي. في العديد من الحالات، يُتوقّع من الأساتذة تقديم دعم إضافي للطلاب، مثل الإرشاد الأكاديمي أو المساعدة في تطوير المهارات الأساسية، وهي مهام تتجاوز مسؤولياتهم الرئيسية وتستهلك وقتًا وجهدًا كبيرين.
- التحديات الإدارية
–السياسات الجامعية: تعتمد العديد من الجامعات اللبنانية سياسات تستهدف تحقيق نسب نجاح مرتفعة للحفاظ على سمعتها الأكاديمية. هذه السياسات غالبًا ما تتطلّب من الأساتذة تعديل تقييماتهم لتجنّب ارتفاع نسب الرسوب، حتى لو كانت على حساب معايير الجودة. بالإضافة إلى ذلك، تفرض بعض الإدارات إجراءات صارمة تقيّد حرية الأستاذ في تقييم أداء الطلاب بموضوعية.
–غياب الحماية القانونية: الأساتذة الجامعيون في لبنان غالبًا ما يفتقرون إلى الحماية القانونية التي تضمن سلامتهم واستقلاليتهم في أداء مهامهم. في بعض الحالات، قد يتعرضون للتهديد أو الترهيب من قبل الطلاب أو أولياء الأمور، ممّا يجعلهم عرضة لضغوط نفسية ومهنية تؤثر على قراراتهم الأكاديمية.
- التأثيرات على جودة التعليم
–تراجع معايير التقييم: تؤدي الضغوط الاجتماعية والإدارية إلى تآكل معايير التقييم الأكاديمي. عندما يُضطر الأساتذة إلى التساهل في منح الدرجات، يتّم تخريج طلاب قد لا يمتلكون المهارات والمعرفة المطلوبة لسوق العمل، ممّا يؤدّي إلى انخفاض مستوى الخريجين وتراجع سمعة الجامعات اللبنانية.
–فقدان الثقة بالمؤسسات الأكاديمية: عندما تصبح التقييمات الأكاديمية غير موثوقة، يتراجع احترام المجتمع للجامعات والمؤسسات التعليمية. هذا التراجع في الثقة يؤثر على قدرة الخريجين في الحصول على وظائف أو فرص دراسات عليا في الخارج، ممّا يزيد من أزمة التعليم العالي في لبنان.
- الحلول والمقترحات
–تعزيز استقلالية الأستاذ الجامعي: يتطلّب تحسين جودة التعليم العالي في لبنان وضع سياسات تضمن استقلالية الأستاذ الجامعي. يجب أن تكون القرارات الأكاديمية بعيدة عن الضغوط الإدارية والاجتماعية، مع توفير إطار قانوني يحمي الأستاذ من التدخلات الخارجية.
–تحسين البنية التعليمية: الاستثمار في التعليم الأساسي والثانوي يمكن أن يساعد في تقليل الفجوة الأكاديمية التي يواجهها الطلاب عند دخولهم الجامعة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن توفّر الجامعات مراكز دعم أكاديمي تساعد الطلاب في تطوير مهاراتهم وتعويض أي نقص تعليمي.
–توعية المجتمع: حملات التوعية تلعب دورًا كبيرًا في تغيير ثقافة المجتمع تجاه التقييم الأكاديمي. يجب أن يتّم توضيح أهمية التقييم الموضوعي في تحسين جودة التعليم وضمان تكافؤ الفرص للجميع.
–تعزيز الحماية القانونية: وضع قوانين وتشريعات تحمي الأستاذ الجامعي من أي تهديدات أو ضغوط يُعتبر أمرًا أساسيًا لضمان بيئة تعليمية عادلة. هذه القوانين يجب أن تكون مدعومة بإجراءات فعّالة تعزّز من شعور الأستاذ بالأمان.
- الخاتمة
الأستاذ الجامعي في لبنان يواجه تحديات كبيرة تهدّد جودة التعليم العالي واستقلالية العملية الأكاديمية. من خلال تعزيز استقلالية الأستاذ، وتحسين البنية التعليمية، وتوعية المجتمع، وتوفير الحماية القانونية، يمكن التغلّب على هذه التحديات وضمان مستقبل أفضل للتعليم العالي في لبنان. التزام الجميع بهذه الجهود سيساهم في بناء نظام تعليمي يُعلي من قيمة العلم ويحقّق التنمية المستدامة.