اللقاحات ضرورية للأطفال
د. غالب خلايلي
اليوم هو الجمعة الرابع عشر من تشرين الثاني نوفمبر 2025، والجو من ألطف ما يكون.
نسمات الصباح منعشة للنفس العليلة، والشمس تبعث أشعتها بحنان نفتقده في صيف الخليج. ثم إن هذا اليوم عزيز جداً عليّ، يكاد يشبه يوم ميلادي، ففي مثله قبل سبعة وعشرين عاماً افتتحت عيادتي في العين.
منذ نحو شهر تلقيت دعوة كريمة إلى مؤتمر طب الأطفال الرابع عشر الذي تنظمه مجموعة منشآت طبّ قلب الأطفال Kids Heart في العين وأبوظبي ودبي، في فندق دوست ثاني في دبي. فتحتُ مرفق الدعوة فإذا بالمؤتمر أربعة أيام، من الخميس 13 نوفمبر إلى الأحد 16 نوفمبر، وإذا بعدد المدعوين المئات من أطباء الأطفال والفئات المساندة لهذا الطب.
بصراحة: قررت عدم الحضور لأن خبرتي السابقة بالمؤتمرات الضخمة سيئة، ولأن لديّ رهاباً من الذهاب إلى دبي.
فمن جهة المؤتمرات، ما زالت ذاكرتي تئنّ من مؤتمر ضخم سبقه بأشهر طويلة في فندق قريب من دوست، حيث عانينا الأمرّين من أجل الوصول إلى الفندق، وكانت حوله إصلاحات وتحويلات، ناهيك عن العدد الضخم من المدعوين الذين أتوا إليه، حتى شعرت عندما وصلت في المساء (وكان يوم جمعة أيضاً) أنني آتٍ إلى حجّ لا مؤتمر، الداخل داخل، والخارج خارج، والضائع ضائع، ولا تسل عن الزحمة والضجيج، فكان أن حضرتُ نحو ساعتين وغادرت، مع أن المؤتمر كان مدفوع النفقات (أي من غير دعوة)، وحتى الساعتين اللتين حضرتهما عجزتُ عن إثباتهما، مع أنني متابع غير سهل، لكنّني فشلت، مع صعوبة إيجاد شخص مسؤول تتحدث إليه بعد أن جنى ما جناه من المؤتمر، ولم يبقَ عندي سوى سؤال الكاميرات المنتشرة في الفندق وفي كل مكان، لكنني لم أسأل.
وقد أسهم في قراري دعوةٌ إلى مؤتمر طب أطفال أقل حجماً في دوست ثاني أبو ظبي الجمعة التي سبقتها (7 نوفمبر)، ولأنني -في مثل سني- لا أحبّ التنقل كثيراً، ولأن أبو ظبي أسهل مروراً من دبي المعقدة، بغض النظر عن جمال المدينتين وترتيبهما الفائق، قررت الانضمام إلى مؤتمر أبو ظبي، لولا أن البرنامج تأخر حتى ضحى يوم المؤتمر الجمعة، حيث كنت على أهبة الاستعداد للانطلاق من البيت، إلا أن البرنامج الذي لن يبدأ في الصباح بل يبدأ بثلاث ورشات عمل في الثالثة ظهراً، منعني من الذهاب، خاصة وأن لديّ مناسبة اجتماعية ضرورية في دبي مساء اليوم التالي، ففضلت المكوث في العين.

كاوارابي عشية الخميس 13 نوفمبر:
تحمّست للانضمام إلى مؤتمر القلوب الدافئة (كما سميته)، خاصة وأنني سوف أقابل بعض الزملاء والأصدقاء الذي لم أرهم منذ وقت طويل. وكان البدء ظهر الخميس، حضوراً شخصياً أو افتراضياً، وقد حضرتُ نحو سبع ساعات عبر الشابكة لمحاضرين ومحاضرات من مختلف الأصقاع يتحدثون عن داء نادر خطير اسمه كاوازاكي Kawasaki. هو حمّى عالية مع إنتان شديد (وحديثاً بسبب كوفيد) يرافقها طفح جلدي واحمرار عيون وضخامة عقد العنق اللمفاوية، تزداد فيه الصفيحات الدموية إلى حد مقلق.
أما الأكثر إقلاقاً فهو حالة الصدمة ممكنة الحدوث، والتي تحتاج إلى دِربة وخبرة وإمكانيات عالية للخروج منها، ثم ما قد يتلو المرض من إصابة للشرايين الإكليلية المغذية للعضلة القلبية، والتي تحتاج إلى تدبير خاص، مع الأسبرين لنحو ستة أشهر.
لكن ما كاورابي Kawarabi هذه؟ إنها المجموعة العربية لداء كاوازاكي.

رحلة إلى دبي صباح الجمعة 14 نوفمبر:
كما أسلفت، كان صباحاً جميلاً انطلقنا به إلى دبي بمعونة العم غوغل.
كان الطريق معقولاً، لم يزدحم بعد بالعائدين من مدارسهم، أو بالمستعجلين إلى الجوامع لأداء صلاة الجمعة. أكذب عليكم إذا لم أقل: إننا لم نضع، لكن كان التصحيح سهلا ومعقولاً.
وصلنا بهو الفندق الجميل، وكان قبطان المؤتمر د. محمد سليمان استشاري قلب الأطفال فائق الديناميكية موجوداً في كل مكان يرحّب بالحاضرين بودّ، ولا يقصّر في جلب المرح بكلماته ومزاحه اللطيف، وكذا الأخ الدكتور استشاري قلب الكبار د. حسام عودة.
ولما كان الوقت وقت قهوة وشاي وخفائف (سناك) لمن لم يفطر، أخذت نصيبي (وهنا أشيد بصبر المشرفة على جهاز القهوة ولطفها، وكذا لطف موظفات التسجيل)، ودخلت إلى إحدى ورشات العمل المتعددة التي تجري في الوقت نفسه، وعلى الحاضر أن يختار، وفي الختام يسجل ملاحظاته على غوغل، مع رقم تسجيله ورمز المحاضرة كي يستحق ساعات الحضور.
فحص الجهاز الهيكلي العضلي عند الأطفال:
كان نصيبي ورشة عمل لزميل ليبي هو الدكتور الصادق شريف (استشاري الأمراض الرثوية) أجاد في عرض الفحص الهيكلي العضلي عند الأطفال، وعرض الأمراض المختلفة التي يمكن أن تؤثر على مشية الأطفال مثل التهاب الغشاء المفصلي في مفصل الفخذ، أو الإنتان الجرثومي وغير ذلك كالحمى الرثوية والداء الرثياني.
الجو في القاعة الفسيحة أقرب إلى البارد، مما يتطلب رداء سميكا أو سترة. وعدد الحاضرين في كل قاعة معقول، مما يتيح الفرصة للتجاوب مع المحاضر.
انتهى هذا الفصل نحو الواحدة ظهراً، وبعد الصلاة دعي كل الحاضرين إلى غداء شهي في بهو المؤتمر، يأخذ الحاضر ما يحبّ، ويجلس في قاعة من القاعات، يتبادل الحديث مع من يرغب من الزملاء، دون أن يعكّر مزاجه سائل سمج: أين كوبون الغداء؟ مثلما جرت العادة في غير مؤتمرات، مع إخراج كل من لا يحمل كوبونا.

اللقاحات عند الأطفال:
وأنا في ختام غدائي، أتى شخص من ورائي، وأغمض لي عينيّ، وطلب مني أن أحزر من هو؟
تلمست يديّ (من لابدّ أنه صاحبي) الحنونتين، لكنني فشلت في معرفة صاحبهما، ولما جاء دور: (فتّح ورد الجوري، على عادتنا صغاراً في لعب الطمّيمية أو الغمّيضة)، رأيت أنه الصديق العزيز الدكتور أيمن الكتبي، أحد أساطين طب الخدّج والولدان في دبي في شبابه وشيخوخته، والأديب صاحب الذوق الرفيع في القراءة والكتابة.
وكان أن جلسنا معاً في الورشة التالية التي كانت مخصصة للحديث عن اللقاحات عند الأطفال، والتي أبدع في شرحها الأخ الدكتور من مصر العزيزة إسلام البارودي استشاري الأمراض العصبية عند الأطفال.

مؤتمر جامع مجاني ومن غير شركات الدواء:
يلفت النظر بحق أن هذا المؤتمر الجامع لأكبر عدد من المهتمين والمختصين مجاني تماماً، ومن غير معونة شركات دواء تأكل مساحات المؤتمر وتفرض حضورها القوي.
كيف؟ لا أدري، هذا من خصوصيّات المنظمين.
لكن قراءتي له أنه مؤتمر ناجح بكل معنى الكلمة، أحمد الله أنّني قررتُ الذهاب إليه لجني جزء من خمس وعشرين ساعة، مطلوبة لتجديد الترخيص، والأهم تنشيط التفكير وتغذية العقل.
أما لماذا جزء من الساعات؟ فلأنني لم أحضر في كل الأيام، ولا كان عندي الرفاه الفندقي الذي تمتع به بعض الزملاء الأكثر خبرة في التدبير، إذ يتطلب حضور كل المؤتمر إعداداً مسبقاً لستُ في وارده، وأنا الملتزم بدوام في عيادتي المتواضعة التي أشرت إلى عيد ميلادها الهادئ اليوم، مع زيادة الضغط المادي والتكنولوجي فوق ما تحتمل عيادة بسيطة مثلها، لتعامل كأنها مركز كبير أو مستشفى.
كنت سعيداً حقاً بحضور المؤتمر في يوم مميز بالنسبة لي، ولهذا أتقدم بالشكر الجزيل إلى قبطان المؤتمر ومنظميه وكل من أسهم في نشاطه العلمي.
العين في 17 نوفمبر 2025






















































