د.حنان حسن بلخي
بيان ألقته الدكتورة حنان حسن بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، عن جمعية الصحة العالمية وننشره كما ورد بالنظر الى أهميته..
السادة الحضور،
بدايةً أشكركم جميعًا على حضوركم معنا اليوم(26 أيار 2025)، ودائمًا ما أسعد بالتواصل مع المراسلين المعتمدين في الأمم المتحدة، لأنكم على دراية بالقضايا التي نتناولها، وتهتمون كثيرًا بشؤون الأمم المتحدة.
وقبل أن أتحدث إليكم عن غزة والسودان، اسمحوا لي بأن أبدأ بجمعية الصحة العالمية، لا سيما الاتفاق بشأن الجوائح.
لقد حقّقت جمعية الصحة العالمية الثامنة والسبعون إنجازات حقيقيةً في مجال الصحة العالمية، على رغم الاضطرابات البادية على الساحة الدولية،و هي التالية: اعتمدتْ الاتفاق بشأن الجوائح، أقرّتْ الميزانية البرمجية للثنائية 2026-2027، وافقتْ على الزيادة المقترحة في الاشتراكات المقدّرة بنسبة 20%، شهدت الجولة الاستثمارية تعهدات جديدةً بلغت 170 مليون دولار.
إن تلك القرارات والتعهدات تمثل مكاسب كبرى للعمل المتعدد الأطراف.
فعقب جائحة لا تتكرر إلا مرةً واحدةً كل قرن من الزمان، اجتمعت البلدان لتعزيز الهيكل الصحي العالمي باعتماد اتفاق تاريخي. وعلى رغم تقلّص مساعدات التنمية، فقد نجحنا في إنجاز ما يلي: إعادة ترتيب الأولويات بما يتناسب مع الميزانية بعد ترشيدها، تعزيز تقاسم الأعباء بين الدول الأعضاء، حشد مساهمات طوعية غير مسبوقة. ونجحنا كذلك في توفير 60% من ميزانيتنا الأساسية للثنائية 2026-2027، وهذا إنجاز كبير في ظلّ الظروف المالية الحالية.
ومن دواعي فخري أن إقليم شرق المتوسط، الذي أنتمي إليه، أدّى ما عليه كاملًا.
وفي ما يتعلق بالاتفاق بشأن الجوائح، فقد نجحت الدول الأعضاء في الإقليم في التوصل إلى توافق في الآراء بشأن قضايا معقدة، مثل إتاحة الممرضات وتقاسم المنافع ونقل التكنولوجيا، وتحقيق الإنصاف في سلاسل الإمداد، لضمان توصيل صوت إقليمنا للعالم. وفي هذا المجال، اضطلعت مصر، بوصفها عضوًا في مكتب هيئة التفاوض الحكومية الدولية، بدور رائد في توجيه الهيئة.
ولكن ما أهمية ذلك الاتفاق لإقليم مثل إقليمنا، تجاهد فيه البلدان لتقديم الخدمات الصحية في خضم النزاعات وهشاشة الدول والنزوح؟

ببساطة، فإن الاتفاق بشأن الجوائح يقدّم خريطة طريق واضحةً نحو مستقبل يتعزز فيه الأمان والإنصاف والاعتماد على الذات.
ولا مناص من المبادرة بالتصرّف بعزيمة راسخة لتنفيذ أحكامه، بدون انتظار التصديق الرسمي عليها، فلا وقت لدينا لنضيعه.
ففيما يخص الحصول على المنتجات الصحية، فإن الاستثمار في التصنيع المحلي وتعزيز النظم التنظيمية سيقلل الاعتماد على سلاسل الإمداد العالمية الهشة. وسوف يعزز الشراء المجمع قدرتنا على التفاوض الجماعي، ومرونة سلسلة الإمداد، مع ضمان الإنصاف في إتاحة المنتجات الصحية بلا تأخير.
وأما نقل التكنولوجيا، فإن شفافية التراخيص، والحصول على المعرفة، والتعاون الدولي يمكن أن تعزز الابتكار المحلي. وتكتسي شبكات البحث والتطوير ومراكز الابتكار الإقليمية أهميةً حاسمةً في بناء الاستعداد العلمي والسيادة الصحية.
وفي ما يخص القوى العاملة الصحية، فإن إقليمنا يواجه نقصًا حادًا في القوى العاملة الصحية، ونعمل على تعزيز الاستثمار في تدريب القوى العاملة الصحية واستبقائها وتطويرها مهنيًا.
وأما نظام إتاحة الممرضات وتقاسم المنافع، فمع وجود قدرات مختبرية وتنظيمية أقوى، يمكن لبلداننا أن تشارك بشكل كامل في النظام العالمي لإتاحة الممرضات وتقاسم المنافع، مع ضمان التوزيع العادل للأدوات المستحدثة المنقذة للأرواح التي شاركتها الدول الأعضاء.
وبخصوص نهج الصحة الواحدة، فإن إقليم شرق المتوسط يواجه مخاطر كبيرةً، سواء كانت حيوانية المصدر أم بيئيةً. ومن خلال تعزيز التنسيق بين القطاعات وتبادل البيانات وإجراء التحليلات التنبئية، يمكن أن يعزز نظم الإنذار المبكر في الإقليم. وضمن الاتفاق بشأن الجوائح، فإن الإرشادات المرتقب صدورها من مؤتمر الأطراف بشأن الترصد الوطني للجوائح تمثل فرصةً قيمةً لبلدان إقليم شرق المتوسط للتوافق مع المعايير العالمية، مع مراعاة واقعها المحلي في الوقت نفسه.
وأخيرًا، وفيما يخص التمويل المستدام، فإن هذا الاتفاق يمثل للبلدان التي تواجه صعوبات فرصةً لجذب الاستثمار الطويل الأمد في التأهب والأمن الصحي.

والآن، لنتحول إلى غزة ووضعها الكارثي.
ففي جمعية الصحة العالمية، أثرت مسألة الهجمات المستمرة على المرافق الصحية -التي زاد عددها على 1500 هجمة في غزة والضفة الغربية منذ أكتوبر 2023، وتفاقم انعدام الأمن الغذائي. فمن بين كل خمسة اشخاص في غزة، يوجد إنسان يتعرض للتجويع.
وقد ضممت صوتي إلى الأصوات المنادية بالتمسك بالقانون الدولي الإنساني، ورفع الحصار، ووقف إطلاق النار، وإحلال السلام الدائم.
وافقت الجمعية على قرارين مهمين في هذا الشأن: الأول يدعو المنظمة إلى اتخاذ إجراءات بخصوص الوضع الصحي في الأرض الفلسطينية المحتلة والجولان السوري المحتل، وأن ترفع تقارير بشأنه. والآخر يطلب إلى المدير العام إخطار فلسطين باللوائح الصحية الدولية (2005) بصيغتها المعدلة، وهذا يسمح لها بالتعبير عن اهتمامها بأن تصبح من الدول الأطراف في اللوائح.
ويأتي ذلك في أعقاب قرار جمعية الصحة العالمية السابعة والسبعين بشأن مواءمة مشاركة فلسطين في المنظمة مع وضعها في الأمم المتحدة.
إن فلسطين، شأنها شأن أي مكان آخر في العالم، يمكن أن تتعرض للفاشيات أو أن تنشأ فيها فاشيات، وإدراجها في أنشطة التواصل الخاصة باللوائح الصحية الدولية يخلص العالم من ثغرة في منظومة الترصد العالمي، ويعزز الأمن الصحي العالمي.
والآن إلى السودان، وأزمته المدمرة التي لا تحظى بالاهتمام الكافي.
فهناك عدة فاشيات متزامنة -للكوليرا وشلل الأطفال والحصبة وحمى الضنك والملاريا- تفتك بما تبقى من النظام الصحي بعد أن دمرته الصراعات. ونتيجةً لذلك، تتضاءل فرص الحصول على الرعاية، ويؤدي العنف إلى تشريد الملايين ومنع وصول المساعدات اللازمة لإنقاذ الأرواح. ويعاني 25 مليون إنسان من الجوع وسوء التغذية، منهم 770 ألف طفل يواجهون سوء التغذية الحاد الوخيم هذا العام. وقد انخفضت معدلات التطعيم إلى أقل من 50%، بعدما وصلت إلى 85% قبل الحرب. أما الهجمات على المرافق الصحية والبنى الأساسية الحيوية فهي أمر شائع هناك، فقد هاجمت المسيرات بورتسودان وغيرها من نقاط دخول المساعدات، وتسببت 167 هجمةً، تحققت منها المنظمة، على المرافق الصحية وسيارات الإسعاف والمرضى والعاملين الصحيين في وفاة أكثر من 1120 شخصًا. وبرغم كل ذلك، لا تزال المنظمة تعمل على الأرض وتقود جهود الاستجابة الصحية. فقد سلمنا أكثر من 2500 طن متري من الإمدادات، وندعم 18 مركزًا للرعاية الأولية، و31 مستشفًى و138 مركزًا لإسعاف المصابين بسوء التغذية. وهناك عيادات متنقلة ومستشفيات ميدانية تخدم المناطق الأشد تضررًا. وقد تلقى أكثر من مليون شخص، منهم 75 ألف طفل كانوا مصابين بسوء التغذية الحاد الوخيم، العلاج في مستشفيات تدعمها المنظمة. وحصل 30 مليون آخرون على لقاحات الكوليرا أو الحصبة أو شلل الأطفال.

وفي نوفمبر 2024، حقق السودان إنجازًا كبيرًا، إذ بدأ التطعيم بلقاح الملاريا، وحصل عليه 35 ألف طفل حتى أوائل عام 2025. وتتعاون المنظمة مع اليونيسف على دمج ذلك في أنشطة التمنيع الروتيني.
ولكن تخفيض المساعدات يهدد ما تحقق حتى الآن. فالتمويل المتوافر للركيزة الصحية لخطة الاستجابة للأزمة الإنسانية في السودان لا يزيد على 9.7%، واستجابة المنظمة تعاني من عجز في التمويل يبلغ 67%.
إننا ندعو لتنفيذ ما يلي على نحو عاجل:
تقديم الدعم المستدام لإنقاذ الأرواح وإعادة بناء النظام الصحي في السودان.
رفع العوائق التي تحول دون الوصول إلى المحتاجين للمساعدة، وتقديم الدعم الدولي للعمليات الإنسانية عبر الحدود، والحد من العقبات البيروقراطية.
وضع حد فوري للهجمات على المدنيين والبنى الأساسية المدنية والرعاية الصحية.
إن الصحة حق من حقوق الإنسان لا يسقط بالحرب.