غلاف دفـتي الكتاب
د. غالب خلايلي
صدر حديثاً في دمشق الفيحاء كتاب (أسماء الله الحُسنى القرآنية: تسعةٌ وتسعون مناراً للإيمان)، للباحث المرحوم الدكتور أيمن عبد الكريم طحّان، عن دار دلمون الجديدة للطباعة والنشر والتوزيع (1).
وكان الكاتب (2) قد أتمّ كتابه في أواخر 2018 في إمارة الشارقة، وأهداه في حياته إلى زوجته السيدة الفاضلة بنان شعبان، على أن يُطبعَ في وقت قريب، لكن الظروف الصحية القاسية التي مرّ بها خلال الأعوام التالية، والتي انتهت بوفاته يوم 11 حزيران 2023 (في مستشفى توام بالعين) أجّلت المشروع، حتى حان وقت إزاحة الستار عن هذا المؤلف الإبداعي الذي بذل فيه الكاتب جلّ جهده ووضع عصارة أفكاره، بدقة علمية فريدة، ناهيك عمّا آتاه الرحمن من قدرة بحثية وإلهام، وجاء في صفحة الإهداء: “إلى الـمؤمنة الراقية التي أحبّت فكرة هذا الكتاب، وكانت تشجّعني دائماً على إتمامه رغم الصعاب، وكم شاركـتني سهر الليالي وذوب الفؤاد، من أجل أن ترى صفحاته يوماً عالـم النور”.
وجاء في المقدمة: “يتناول الكتاب بالبحث والدراسة قضية جليلة جداً، شغلت عقول المسلمين وأذهانـهم على مدى الـمئات من السنين، ألا وهي إحصاء أسماء الله الحسنى. وقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم حديث مشهور جداً مضمونه أن لله تسعةً وتسعين اسماً، وأنّ من أحصاها دخل الجنة. وفي بعض روايات الحديث: أُلـحِق سردٌ لمجموعة من الأسماء، فصارت هذه المجموعة هي الأسماء الشائعة بين الناس. لكنَّ كثيراً من العلماء الـمحقّقين أكَّدوا أن جميع الروايات ضعيفة الأسانيد. وبناءً على هذا، أخذ بعض العلماء قديماً وحديثاً يـبحثون عن الأسماء المقصودة في الحديث الأصلي، وقدِ اهتدى الـمحقـقون منهم إلى أن البحث عن هذه الأسماء التسعة والتسعين لا بدَّ أن يكون حصرياً ضمن القرآن العظيم. وهكذا قام قليل من العلماء القدماء بمحاولاتٍ… ولكنْ للأسف لـم يكن في تلك المحاولات منهجٌ علميّ واضح، ولا معايـير منضبطة أو متّسقة تماماً… وكان لابدَّ لي من تحديد الضوابط المنهجية العلمية الضرورية للوصول إلى الإحصاء الصحيح.
د. ايمن طحّان
العلم بالأسماء الحسنى ضرورة إيمانية:
إن أول مقصِـد من المقاصــد الكبرى للقرآن هو: تعريف البشـر بخالقهم، وتعليمهم صفاتِه وأسماءَه، ولا أدلّ على هذا من أن أول آية في القرآن فيها ثلاثة من أسمائه الجليلة: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾. هذا العلم بصفات الله وأسمائه سرعان ما يثمر بعد ذلك كل المقاصد القرآنية الكبرى من: تعظيم الله، وتنزيه الله، ومحبة الله، وخشية الله، وتقوى الله، والإسلام لله، وتوحيد الله، وطاعة الله، وعبادة الله، ودعاء الله، والإخلاص لله.
المعنى اللغوي لعبارة (الأسماء الحسنى):
كلمة (الأسماء) في اللغة العربية هي جمع تكسير لكلمة (الاسم). وصفة جمع التكسير تكون بصيغة المؤنث، كما في قول الله تعالى: ﴿أياماً معدودات﴾، ﴿أياماً معدودة﴾. وكلمة (الـحُسنى) في العربية هي صيغة المؤنث من كلمة (الأحسن). ذلك أن وزن (الـفُعْلَى) هو صيغة المؤنث من وزن (الأَفْعَل).
فمثلاً كلمات: (الفُضلى، الـمُثلى، الـوُثقى، الفُصحى، الـيُمنى، الـيُسـرى، العُسـرى، العُليا، العُظمى، الكُبرى، الـوُسطى، الصُّغرى، الـقُصوى، الدُّنيا، السُّفلى، السُّوأى) هي صيغ المؤنث من الكلمات التالية: (الأفضل، الأمثل، الأوثق، الأفصح، الأيمن، الأيسر، الأعسر، الأعلى، الأعظم، الأكبر، الأوسط، الأصغر، الأقصى، الأدنى، الأسفل، الأسوأ).
لذا يجب الانتباه إلى أن هناك فرقاً لغوياً كبيراً بين عبارة (الأسماء الحُسْنى) وعبارة (الأسماء الحَسَـنة) فالعبارة الأولى تعني أعلى درجات الـحُسْن، أما العبارة الثانية فتعني مجرد الـحُسْن فقط.
معلومات عن الكتاب
الباحث المجيد:
هذا الكتاب غنيّ جداً بالمعلومات التي لا يمكن إيجازها في مقالٍ بسيط، وهي تهمّ المختصين أكثر من غيرهم، لكننا نورد أمثلةً توضح طريقة تفكير الكاتب:
–كلمة (رمضان). يقول الباحث: نظرتُ في الكتب المصنَّـفة في أسماء الله تعالى، وقرأتُـها قراءة فهم وإتقان وفتّشتُها، فما وجدتُ فيها (رمضان) من جملة أسماء الله عز وجل، وما سمعتُ أحداً من الفقهاء والعلماء أنه يدعو الله تبارك وتعالى بـهذا الاسم. ويُستنكَر أن يقال له: (يا رمضان)!. وبعد مناقشة طويلة يستنتج الكاتب أن: كلمة (رمضان) ليست من أسماء الله.
–كلمة (الدهر). ورد في بعض الأحاديث: (لا تسبُّوا الدهر، فإن الله هو الدهر). (ولا تقولوا: خيبة الدهر، فإن الله هو الدهر). وللأسف، توهَّم بعض الناس من هذه الأحاديث أن (الدهر) اسم من أسماء الله! وواضــح من ســـيـاق هذه الأحاديث أنه ردٌّ على الجاهليـين الـذين كانوا ينســبون فـعـل الله في الـكون إلى الـدهـر بقولهم: (وما يهلكنا إلا الدهر)، ثم هم يسبُّون الدهر!! فالحديث نـهى عن سب الدهر حتى لا يلتبس في عقولهم بـمعنى القَدَر، أي فعل الله في الكون. وفيه تنبيه على أن ما ينسبونه إلى الدهر هو في الحقيقة فعل الله، وقَدَر الله. وبالتالي فعبارة (فإن الله هو الدهر) يُقصَد بـها: أن الله هو الفعَّال الـمصرِّف للدهر. إن كلمة (الدهر) ليست من أسماء الله.
–تفسير اسم (إلياسين). إن السياق القرآني يتوافق مع كون اسم (إلياسين) لهجة ثانية لاسم (إلياس). وهذا وارد في عديد من الكلمات في لغة العرب، إذ لا تعني إضافة الياء والنون إلى الكلمة إلا مجرد لهجة ثانية فيها. ومن الأمثلة على هذا الأمر المترادفات التالية التي تكلم العرب الفصحاء بـها: (سيناء سينين، إدريس إدراسين، حِطِّي حِطِّين، ياسم ياسمين، عِفْر عِفْرِين، فِتَكْر فِتَكْرِين) .
-إدريس، إدراسين: لهجتان لاسم النبـي إدريس عليه السلام.
-حِطِّي، حِطِّين: لهجتان لاسم مَـلِك مَدْيَــنـي قديـم، ذكره المقريزي في المواعظ والاعتبار (1/ 420)
-ياسم، ياسمين: زهر معروف.
-عِفْر، عِفْرِين: قوي نافذ في الأمر.
-فِــتَكْر، فِــتَكْرِين: شدة وأمر عظيم.
إذاً، وبناءً على كل ما سبق فإن: المَقْطَع (إلـ) ليس من أسماء الله في القرآن.
أسماء الله الحسنى حسبما توصل إليه الباحث:
الله الأول الأحد الآخِر الإله المؤمن المُبِـيـن البارئ الـبَرّ البصير الباطن الأبقى التواب المجيب الجبار ذو الجلال والإكرام المحيط الحسيب الحـافظ الحـفيظ الحَـفِـيّ الحـقّ الحَكَم الحكيم الأحكم الحليم الحميد الحيّ الخبير الخالق الخلاق الرؤوف الربّ الرحمن الرحيم ذو الرحمة الأرحم الرزَّاق الرقيب السلام السميع الشاكر الشكور الشهيد المصوِّر الصمد ذو الطَّـوْل الظاهر المستعان العزيز العظيم العفُوّ ذو العقاب العلي الأعلى المتعالي العليم الأعلم الغفور الغفار ذو المغفرة الغالب الغني الفتاح ذو الفضل الفعَّال المُـقِـيت القيوم القادر القدير المقتدر الـقُدُّوس القريب الأقرب القاهر القهّار القوي ذو القوة الكبير المتكبر الكريم الأكرم الكفيل اللطيف المتين المجيد المالك المَلِك المَلِـيك النصير ذو الانتقام الهادي المهيمن الواحد الودود الواسع الوكيل الولي المولى الوهاب.
في الختام: أعترف بأنني لست خبيراً بشأن المادة العلمية التي تعب بها الأخ أيمن طحان كثيراً، لكنني أدّعي أنني خبرتُ روح الكاتب وطريقة تفكيره في حياته عن كثب، أثناء رحلته العلاجية التي استمرت ثلاث سنوات. وإنني سعيد جداً أن يرى مؤلّفه النور، بإصرارٍ ومحبة من أهله الكرام، داعياً المولى العزيز القدير أن يستفيد الناس من علم المرحوم أيمن، وأن يجعله في ميزان حسناته وحسنات كل من تعب في إصدار هذا الكتاب.
العين في 7 كانون الثاني 2025
هوامش:
- هذا هو الكتاب الثاني للطبيب الراحل أيمن طحان، وكان الأول كتاباً بحثياً تخصّصياً أو قل موسوعةً بعنوان: (عجائب بنيان القرآن تزهر في عصر الحاسوب: 3 أجزاء، بالاشتراك مع عالم الرياضيات د. أسامة عبد الغني، دار المعراج، دمشق، 2016).
- كان الدكتور أيمن طحان (دمشق 1960- دبي 2023) فضلا عن اهتمامه البحثي العلمي، اختصاصياً مرموقاً في أمراض الجهاز الهضمي والتنظير، وعمل في أماكن متعددة في دولة الإماراات العربية المتحدة، حتى حدوث جائحة كوفيد 19، وتشخيص مرض خبيث عنده في السنة نفسها.