حكّة نتيجة نقص الماء في الجسم
الحرمان الطويل من الماء أو فقد الجسم سوائل جسيمة، لأسباب منها الصَوْم أو الإسهال أو الإقياء، يؤدّي الى التجفاف، الحالة التي تتخفّى بزي جملة من الأعراض. ويأتي في طليعة المعرّضين لها، مرضى السكري والطاعنون في السن والمنقطعون في أماكن صحراوية. وتكمن الوقاية من هذه الإصابة بشرب كامل الحاجة من السوائل والمقدّرة بـ 8 أكواب ماء يومياً.
يحدث تجفاف جسم الإنسان، وهو نقص السوائل في دمه، لسبَبَيْن: أما عجز الإنسان أو حرمانه من الحصول على كفايته من الماء والسوائل، أو طرحه كمية كبيرة من سوائله عن طريق التعرّق وارتفاع الحرارة أو الإسهال أو الإقياء الشديدَيْن المتوارَيْن. ومن حسن الطالع أن التجفاف (Deshydration) من الحالات المرضية الجديّة السهلة المعالجة الفورية، وذلك عن طريق استدراك حاجة الجسم الى السوئل وتعويضه عما يفقد منها.
أن أعراض التجفاف يعرفها كل من ابتلي بشدة الحرمان الطويل من الماء أو فقده سوائل جسمه بسبب الإسهال أو الإقياء. وتوجد ال جانب هذه الأسباب الواضحة للتجفاف، عدة أسباب خفية أيضاً. وأعراض هذه الأسباب (جميعاً) تتخفى بزي أعراض مرضية أخرى. لذا فقد لا يفطن الإنسان الى الأسباب الحقيقية لتلك الأعراض مثل ضبابية في التفكير، وضعف في إدراك ما يجري حول الإنسان، أو اضطراب في قوة السمع يجعل الأصوات كأنها آتية من مكان بعيد، أو غثيان أو إحساس بإنهاك شديد يجعل الشخص عاجزاً عن أداء أبسط الأعمال، أو دوار ، أو تشنج عضلات الساقين.
ومع سهولة معالجة التجفاف، فإنه اذا لم يُعالج معالجة فورية، فقد يتطوّر بسرعة تطوراً خطيراً. ففي حالته القصوى يمكن أن يُسبب ترفعاً حرورياً كبيراً، واضطراباً شديداً في إيقاع ضربات القلب يُمكن أن يؤدي الى أوخم العواقب.
- التجفاف ومرضى السكري. يظنّ أكثر الناس أن التجفاف هو من الحالات التي لا تصيب سوى المحترفين من الرياضيين، أو الطاعنين في السن أو المنقطعين في أماكن صحراوية مرتفعة الحرارة، أو الأفراد الذين يعانون أمراضاً معينة أو مَن يمارس فريضة الصَوْم.
والواقع أن الأشخاص المصابين بداء السكري أو الذين يتعاطون بسبب المرض، عقاقير مدرّة للبول، هم أقرب من سواهم إصابة بالتجفاف. ولكن التجفاف لا يعرف صحيحاً أو سقيماً، بل انه يُمكن أن يصيب أي انسان. فقد يكون الشخص في ذروة صحته سليماً من أي مرض، ولكنه مع ذلك، اذا توافرت شروط معينة، فيمكن أن يُصاب بالتجفاف وهو لا يدري. والتناقض العجيب في الأمر أنه كلما ازدادت صحة الإنسان رواء، ازدادت لديه امكانية الإصابة بالتجفاف! فالجسم الصحيح أكثر احتواء على الماء في دمه. والماء الكثير في الدم يعمل عمل السائل الإحتياطي الذي يسمح بكثرة التعرّق عند الحاجة.
ولكن أكثر العوامل غموضاً في أمر التجفاف هو أنه لا يكون نتاج سبب فرد، بل أنه يحدث نتيجة لتضافر عدة عوامل تتألّب على الشخص فتفقده سوائل جسمه، وهي عوامل قد تدهش الشخص العادي لو ذكرت أمامه، كأن يكثر الإنسان من السباحة عصر ذات يوم، ثم يحضر اجتماعاً لتكريم أحد الأشخاص أو الفرق الرياضية، فيبّح صوته في التهليل والتشجيع والصراخ.
- عدم كفاية المخزون أصلاً. ان قسماً من مشكلة التجفاف يرجع الى عدم امتلاء مستودعات الجسم من السوائل الى الحدّ الكافي في المقام الأول. فإذا طرأ عامل ثانٍ من العوامل المسببة لجفاف الجسم، مع نقصان المستودع في الأصل، كان في ذلك تسريع لعملية الجفاف. ورأي الخبراء في ذلك هو أن القلة من الناس هي التي تشرب في الواقع كامل حاجتها من الماء والسوائل، وهي الحاجة التي تقدر في أدناها بثمانية أكواب من الماء يومياً.

ان كل جسم حي بصفة مطلقة، عبارة عن مجموعة من المنظومات العجيبة في دقة حجمها وروعة أدائها. ولكا منظومة منها مجموعة من الأعضاء أو الآلات التي تنظّم أداء كل منظومة، سواء من حيث وظائفها المستقلة أو من حيث ارتباطها الوثيق ببعضها البعض، أداء وانسجاماً وتنسيقاً ولكل عضو أو مجموعة من الأعضاء آلية خاصة تتولّى تصريف شؤونها واستدراك حاجاتها الحيوية.
ولمنعكس العطش آلية من هذه الآليات ووظيفة هذا المنعكس أنه يمنع الجسم الطبيعي السليم من التأرجح الى حد خطير والدنو من حافة التجفاف، في معظم الوقت. والوطاء hypothalamus في الدماغ، هو العضو البالغ الدقة وصغر الحجم، الذي “يلاحظ” طبيعة تركيب الدم الجائل في سائر البدن، ونسب السكر أو الملح أو المعادن فيه. وحدوث زيادة في نسبة سكر الدم أو ملحه، يكون اشارة الى الوطاء بأن مستوى الماء في الدم قد انخفض انخفاضاً كبيراً. فيطلق الوطاء على الفور اشارة “لاسلكية” (فاكس) الى آلية العطش، فتنبه هذه الآلية، الإنسان او الحيوان او الحشرة (بل والنبات) الى ضرورة التزوّد بالماء والاّ…
وعندما يهرم الإنسان تضعف فيه قابلية التحسّس بالعطش بسبب كلال آلية العطش. وتفقد الكليتان شيئاً من قوتهما أيضاً، وبذلك “تسمحان” لكميات زائدة من الماء، من التسرب عبرهما الى المثانة، قبل أن يستكمل وظيفته الطبيعية. وإحساس الإنسان بفقده شيئاً من الماء في دمه، هذا الإحساس، لا يتأتّى فقط عن طريق هذا “الفاكس” الذي يدعو الى شرب شيء ما، لذا فإن العطش وحده لا يجوز اتخاذه مقياساً وحيداً يستدل به الشخص على مقدار حاجته الفعلية الى الماء والسوائل، لأن حاجته الفعلية قد تكون أكبر مما يحس به فعلاً. ثم ان الإنسان حتى ولو كان صحيح البدن، وآلية العطش لديه سليمة تماماً، فإنه كثيراً ما يتهاون في تلبية نداء هذه الآلية، فيكظم عطشه ويتجاهله بالرغم من وفرة الماء وقرب مورده منه بسبب انهماكه الشديد في ما هو أخذ نفسه به، مما يصرفه عن الأمهاء (تعويض الماء المفقود) Rehydration.
- بدء أعراض التجفاف. للتجفاف كما رأينا، أعراض كثيرة. فالشعور بدوخة أو دوار (وهو أحد هذه الأعراض)، يحدث عندما يفقد الإنسان، ولو 4% الى 7% من وزن جسمه من الماء. وكبار السن والأشخاص الفاقدون لشيء من صحتهم وسلامة أبدانهم، قد يكونون أسرع إحساساً بهذا الدوار. بل ان فقد الإنسان لأقل من هذه النسبة، ولو بلغت الخسارة 2-4%، قد يكون كافياً للتأثير على الطريقة التي تؤدي بها أعماله اليومية المعتادة.
وقد نشرت المجلة الدوليّة للطبّ الرياضي مقالاً جاء فيه أن هذه النسبة من فقد الماء، قد نتج عتها انخفاض في حسن أداء الدراجين الذين يفقدون ولو 1،8% من الماء في أجسامهم.
ومما يستدعي التذكير به بصفة عامة أن هذه الخسارة المائية الطفيفية يمكن أن تحدث لكل انسان بعد قضائه ساعة واحدة أو اثنتَيْن من ممارسة المشي أو السير في جو قائظ.
- مخاطر التجفاف. مما يجعل للتجفاف هذه الخطورة ان الإنسان متى جفّ جسمه، فإنه يلتفت أول ما يلتفت الى مجرى دمه ليلتمس منه سد نقصه. وعندما يقلّ حجم الدم الجائل في العروق، يزداد تركيزه ويتكثّف قوامه، مما يضع على القلب ذاتها والدماغ والكليَتَيْن. وعندها يبدأ الإنحدار والإنهيار. فيضطر الجسم غريزياً الى “تحويل” قسم من الدم، من الأعضاء الأقل حيوية، الى هذه الأعضاء الحيوية التي تستدعي الضرورة مدها بحاجتها، على حساب حاجات غيرها من الأعضاء الأقل حيوية. ومن هذه الأعضاء (غير الحيوية نسبياً)، الجلد. وهنا تكمن المشكلة الكبرى. لأن الجلد هو المشعّ الحراري في جهاز تكييف حرارة الجسم. فالدم يتولّى نقل الحرارة المتوّلدة من آلة الحرق (العضلات)، ويحملها الى الجلد حيث يجري تبريدها بفعل التماس مع الهواء. فإذا انقطع تدفق مقادير كافية من الدم الى الجلد بسبب تحويل الدم الى الأعضاء الحيوية. بقيت الحرارة في محرك الحرق ولحق بالعضلات تلف كبير. وفي الحالات القصوى من هذا الإنهيار العضلي، تأخذ العضلات في إطلاق معدن البوتاسيوم الذي قد يسبب ذلك الإضطراب في ايقاعات نبض القلب.
- مشاكل قابلة للحلّ. ان هذه المشاكل جميعاً بالإمكان وقفها قبل أن تبدأ وذلك اذا ما انتبه الإنسان الى جانبي المعادلة: معرفة الإنسان لكيفية تلبيته لحاجة جسمه اليومية من الماء (ولو أن هذه المعرفة ليست سهلة دائماً)، والقدرة على التصرف أزاء تلك المواقف المتلصصة التي تسرق من الجسم بعض حاجته من الماء.

وحصول الإنسان على كفايته من الماء والسوائل يومياً، لا يقتضيه اتخام نفسه بمقادير هائلة منها، وانما معرفة حاجة الإنسان اليومية، وهي حاجة لا يصعب استدراكها بصورة عامة. فحاجة الإنسان اليومية لا تزيد على عن ثمانية أكواب.
وهذا المقدار كاف لسد حاجة الإنسان القعيد الجالس طوال نهاره بلا حراك. ولكن هذه المعادلة تختلّ اذا كان الإنسان دائم النشاط. وكلما ازدادت حركة الإنسان واشتدت، ازدادت حاجته الى الماء أيضاً. والتعرّق الغزير هو من أهم وسائل فقد الجسم لمائه. وبالتالي فإنه يتطلب التعويض عن طريق الإكثار من شرب الماء والسوائل.
- فقد الماء وأشياء أخرى. عندما يعرق الإنسان فإنه يفقد الصوديوم والماء معاً. والصوديوم في الملح ضروري للإنسان لأنه يساعد على الموازنة الصحيحة في السوائل بين خلايا العضلات والأعضاء. وأهمية الصوديوم تحتم على الجسم غريزياً تعلّم كيفية التمسك به. لذلك فإنه، خلافاً لما ينصح به الكثيرون، فإن من الأمور الضارة تناول أقراص الملح بقصد التعويض على ما يفقده الإنسان في الطقس الحار من معدن الصوديوم.
ومن المفارقات في هذا الخصوص أن المبالغة في تعاطي الصوديوم يمكن أن تسرع عملية التجفاف! اذا ان الجسم يحتاج الى مزيد من الماء “لغسل” الصوديوم الزائد. وبما أن الجسم يكون محتفظاً بطبيعته بكميات من الصوديوم، فإنه لا يكون في حاجة إلى أقراص الملح الإضافية، بل يبقى قادراً على تنظيم حاجاته ما دام سليماً وليست به حاجة لتعاطي الأدوية.
فإذا كان الإنسان لدوافع صحية محتاجاً الى تناول الأدوية فإن عليه أن يستشير طبيبه في أمر حاجته اليومية الى الماء. فإذا كان الشخص، مثلاً، يتعاطى عقاراً مدراً للبول، فإن ذلك لا يعني دائماً أنه في حاجة الى مزيد من الماء. فقد يكون ذلك الشخص مصاباً بقصور قلبي احتقاني. وفي مثل هذه الحالة يضره الإفراط في شرب الماء. أما المريض بالسكري، وهو من لاأشخاص المعرضين للتجفاف، فإنه يحسن به أن ينال كفايته من الماء.
- مساعدة المصاب بتجفاف شديد. معرفة الأمور التالية تساعد الإنسان على إسعاف شخص مصاب بالتجفاف الى درجة الخطورة، والأعراض هي: غثيان، تعب شديد، دوار، اضطراب ذهني، تسارع في دقات القلب وفي التنفّس، جفاف الأغشية المخاطية في الفم. أمّا الإسعاف فيقوم على نقل الشخص المصاب بالتجفاف الى مكان ظليل على الفور، ويُسقى ماء أو شراباً، كذلك، طلب المساعدة الطبية، اذا لم يتحسن حال المصاب خلال ربع ساعة بعد نقله الى الظل وإعطائه السوائل، فيجب طلب المساعدة الطبية فوراً.

واذا كان الشخص يفقد المزيد من السوائل بسبب الإسهال أو الإقياء، فيجب التنبّه الى وجود أعراض أخرى: اذا كان المصاب لم يتبّول أبداً خلال الثماني الى الإثنتي عشرة ساعة السابقة، فيجب التفكير في نقله على الفور الى قسم الطوارئ بالمستشفى.