كريستين حداد أثناء الحوار مع أنديرا الزهيري ويوسف الجاروش
في حوار إذاعي أجرته خبيرة التأمين المصرفي الاعلامية كريستين حداد عبر برنامج “سامع حالك“، تحدّث عن القطاع العقاري في لبنان في ظلّ الاوضاع الراهنة، كلّ من رئيسة الهيئة اللبنانية للعقارات السيدة أنديرا الزهيري، ونائب رئيس خبراء التخمين في لبنان السيد يوسف الجاروش.
تناول هذا الحوار الإذاعي ما أصابنا من تدهور مالي وإقتصادي جرّاء جائحة كورونا وإرتفاع سعر صرف الدولار، ما أدّى إلى بروز أزمات عديدة بينها عدم تنفيذ الالتزامات العقدية والاتفاقيات والاسناد، والتي من بينها المباني والمساكن كافة، وتحديدا القديمة منها “المنهكة” نتيجة تراكم السنين. وما زاد الامر تعقيدا هو الإهمال الذي أصاب تلك المنازل، ومعظمها بات قديمًا، حتى من أصحابها لأسباب عدّة، إمّا لانها تخضع لقوانين الايجارات القديمة وعدم توافر الامكانيات المادية لإجراء الصيانة اللازمة، وإمّا لانها صُنّفت مبانيَ أثرية تعود إلى اكثر من 700 سنة ( كمدينة طرابلس التي شهدت حقبات متلاحقة: المماليك والعثمانيّين والصليبيّين وغيرها…) وذلك بناء على قرار صادر عن المديرية العامة للآثار في وزارة الثقافة والبلديات. وقد أدّى هذا القرار إلى إهمالها وتركها على حالها المهترئ لان ليس لمالكيها ومستأجريها، الدعم المادي والتمويل الكافي لإعادة تأهيلها.
وبحسب الاحصاءات الأخيرة والمستثناة منها انفجار المرفأ المزلزل الذي لم تصدر تقارير رسميّة، حتّى الآن، بعدد الشقق والأبنية المتضرّرة ولا سيما الأثرية منها، فإنّ المباني المتصدِّعة والمهدّدة بالانهيار في لبنان بات عدها يقارب الـ 17 ألف مبنى، 80% منها يعود تاريخ بنائها الى أكثر من 50 سنة، وقد شيّد أكثرها في المدن ويسكنها 40% من العائلات اللبنانية، علمًا أنّ معظمها يفتقر الى معايير السلامة العامة.
ودائمًا حسب الاحصاءات، ففي محافظة بيروت اكثر من 10 الآف مبنى، تليها محافظة الشمال 4 ألآف مبنى، وفي بقية المحافظات والمناطق، يوجد ما يقارب ألف وخمسماية مبنى على شفير السقوط، وهي تقع ضمن المناطق والاحياء الشعبية والفقيرة والأسواق القديمة، كمدينتَيْ صور وطرابلس، وقد أصبحت غير صالحة للسكن وباتت تشكّل خطراً على قاطنيها وعلى السلامة العامة.
وعلى رغم المطالبات المتكرّرة بضرورة إجراء مسح لتلك الابنية نظرًا إلى إمكانيّة تصدّعها، الاّ أن آذان المعنيّين لا تزال صماء عن النداءات المتتالية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بانتظار المرحلة المقبلة التي قد تشهد تطبيقا لقانون الايجارات الجديد في بنوده كافة، ومنها إلزام المالكين والمستأجرين بعمليات الترميم والصيانة حفاظًا على سلامة المباني. وهنا لا بدّ من الحذر من استعمال مواد مغشوشة ام فاسدة في عمليات الترميم، بسبب إرتفاع كلفتها الخاضعة لسعر صرف الدولار غير الثابت لغاية الآن. ولا شكّ أنّ غياب الرقابة الفعلية قد يزيد من تفاقم خطر انهيار الابنية وتصدّعها .
في سياق هذه الحلقة، تمّ التطرق أيضاً الى وضع القطاع التأجيري و قروض الاسكان التي توقفت والمصارف التي لم تعد تقدّم تسهيلات لشراء الشقق، فضلاً عن تجاهل تفعيل مراسيم الايجار التملكي، وهذا طبيعي مع انكفاء قدرة الفرد على شراء وتملّك الشقق، وكان من الطبيعي التوجُّه الى الاستئجار بدلاً من الشراء، ولهذا شهدت السوق العقارية في لبنان ارتفاعاً كبيراً في معدلات الطلب على السكن التأجيري وفي المناطق اللبنانية كافة. وفي المقابل لوحظ تراجع في العقارات المعروضة للبيع مقابل شيكات مصرفية، بعدما شهدنا موجة كبيرة من التهافت على شراء المنازل مقابل الشيكات تحت ذريعة تهريب الاموال والاستثمار بها، بدلاً من حجزها وخسارتها في حال بقيت في المصارف، وتمّ إخضاعها للـ HAIR CUT. إنّ هذه الموجة إنكفأت سريعا ليحلّ محلّها اتّجاه الى الزراعة والنزوح المعاكس من المدن الى المناطق الجبلية ، ما أدى إلى ارتفاع في أسعار العقارات غير المبنية بشكل كبير وبنسب متفاوتة بين المناطق والمحافظات من أجل استصلاحها للمشاريع الزراعية والصناعية.
ولكن ماذا عن الحركة العقارية في بيروت تحديداً؟ ردّت السيدة أنديرا الزهيري على السؤال بالقول: “إنّ حركة البيوعات العقارية في العاصمة تُعتبر شبه معدومة بعدما تراجعت بشكل كبير، خصوصا أن في بيروت حيث من الصعب جدا إيجاد أراضٍ للبيع. وهي إن وجدت، فان مالكيها يفضّلون عدم بيعها أو تأجيرها لعدم وضوح رؤية الأوضاع المستقبليّ“.
وعن دور خبراء التخمين في المجال العقاري، أفادنا السيد يوسف الجاروش بأنّ للخبير دورًا في توازن هذا القطاع وتنميته بالتنسيق مع الدولة ومؤسساتها العامة والبلديات لحسن تطبيق عمليات التخمين التي تساهم بشكل مباشر في كيفية فرض الضريبة وتحقيق عدالتها لا سيما ضريبة الاملاك المبنية والتخمينات العقارية. وإلى ذلك، فإنّ عليه تسهيل مهام القضاء في البتّ بالاحكام، ومن هنا ضرورة تطوير هذا القطاع من خلال تطوير الشق الاكاديمي منه وجعله تخصّصي جامعي قائم بحد ذاته تحت اشراف وزارة العدل، كما قال. وفي هذا المجال، تمنّى تحقيق العدالة الضريبيّة وتطبيق حسن سير القوانين وايجاد آلية تسهّل للمواطنين دَفْع متوجباتهم الضرائبية والرسوم، بالاضافة إلى السعي لتوثيق التعاون بين الجهات الرسمية ونقابة خبراء التخمين لمنع التلاعب بمصالح الناس والحدّ من الفساد بالتعاطي مع خبراء متخصّصين مؤهّلين لتحديد القيمة الفعلية والحقيقية لاي تخمين، ما يوفّر على خزينة الدولة خسائر وهدر للمال العام.
ختاماً، إعتبر الضيفان أنه في ظلّ الظروف غير المشجّعة من تداعيات الازمة عالميا ومحليا، فإن الوضع الاقتصادي ماضٍ نحو المزيد من التعقيد والانهيار ما سيلقي بتبعاته على القطاع العقاري وغيره من القطاعات في لبنان، علمًا أن تاثير الارتفاع الجنوني للدولار سيزيد من الفساد والبطالة والتدهور نحو المجهول، ومن هنا جاءت تمنّياتهما لحكومة الاختصاصيّين الجديدة المقرّر تشكيلها إذا سارت الأمور وفق ما هو مخطّط ومرسوم، أن تعمل بكل ما أوتيت من جهد لوضع حلول جذرية وسريعة لتفادي ما هو أسوأ.