حزن الشتاء وفرح الصيف
هل لتعاقب فصول السنة علاقة بالصحّة والوزن والمزاج والرغبة الجنسية وسوى ذلك؟ الجواب نعم إلى حدّ كبير، إذ كلما أوغل الدارسون في أبحاثهم، ازداد اقتناعهم بأن الإنسان الذي لا يتأثر بتعاقب فصول السنة عليه، هو الشذوذ لا القاعدة. ولنبدأ بفصل الشتاء الذي يتحضّر للفظ آخر أنفاسه!
- كآبة الشتاء. إنّ هذا الفصل هو حقاً أيام القِصر والأظلام، بصورة تكاد تتناول معظم أمور الحياة. وملايين الناس في كثير من أقطار العالم لا يجدون أن فصل الشتاء هو خير فصول السنة، بل أن الكآبة تطغى عليهم فيه.
فمن الناحية الصحية، فالفترة الممتدة بين كانون الأوّل (ديسمبر) ونهاية آذار (مارس) في نصف الكرة الشمالي، هي ذروة المشاكل التنفسية، ففيها يكثر انتشار أمراض الرشح والإنفلونزا. ويعتقد الخبراء بأن ذلك يعود جزئياً الى أن التدني النسبي في رطوبة الجو، يؤدي الى جفاف الأغشية المخاطية في مجرى التنفس، ما يزيد من تأهّب الناس للإصابة بالعدوى الفيروسية.
بالنّسبة لمزاج الإنسان، فعندما تتقاصر مدة ضوء النهار، تحدث عنده زيادة في افراز الميلاتونين، وهو المنظّم البيولوجي لإيقاعات الجسم، وانخفاض في السيروتونين، وهو الباث العصبي الدماغي الذي يشيع البهجة في النفس، ما يجعلنا أميل الى النوم وأضعف طاقة. ولكن خمس الناس فقط هم الذين تنخفض لديهم الروح المعنوية بحيث يعتبرون ضحايا لعتمة فصل الشتاء (sad)، وهي الحالة الموسمية من الكآبة التي تلازمهم طوال أشهر الشتاء.
وبالإضافة الى ذلك، فإن كآبة أولئك الأشخاص يُمكن أن تُعزى أيضاً الى قلة انتشار الأيونات السالبة في الجو، خلال هذا الفصل (الأيونات هي جزيْئات مشحونة كهربائياً)، ما يجعل الناس أكثر توتراً وأسرع هياجاً.
ويختلف الحال عند الأشخاص الذين لا يُصابون بكآبة فصل الشتاء. فالبنسبة لهؤلاء، فإن برودة الجو التي تزيد من حيويتهم تؤدّي الى زيادة في إحساسهم بالبهجة.
في ما خصّ الرغبة الجنسية والإخصاب، فإنّ الشتاء يُعتبر الفصل الذي يكون فيه الحمل بالأطفال أكثر من فصل ولادتهم. وهذا الكلام ينبغي ألا يحمل على محمل الإطلاق، اذ أن الحمل يحدث طوال فصول السنة، ولكن المقصود به هو أن حوادث الولادة تزداد في الصيف بحيث تكون أعلى من حالات الحمل فيه.
يبقى وزن الجسم. فالشتاء بالنسبة للكثيرات والكثيرين، هو فصل زيادة وزن الجسم. ذلك أنّ انخفاض السيراتونين في الدماغ ينشّط لدى الإنسان اشتهاء السكريات الحلوة أو النشوية (التي تؤدّي بدورها الى إحداث زيادة في السيراتونين). فلا غرابة إذن في أن يكون الشتاء فصل الإستزادة من هذه الأطعمة. ولكن الناحية الإيجابية تكمن في أن برودة الجو تحتم على الجسم العمل بطاقة أكبر، ما يؤدي الى حرق المزيد من السعرات الحرارية.
- عودة الربيع. ان بدء تطاول النهار، وارتفاع الحرارة والإحساس بتفجّر الحياة، وهي جميعاً من سمات هذا الفصل من السنة، يولد في نفوس معظم الناس، شعور بالتجدّد السنوي.
فمن الناحية الصحية، دلّت نتائج عدد من الدراسات أن خير طقس بالنسبة للصحة هو الذي تبلغ فيه حرارة الجو 18 درجة مئوية (64 فهرنهايت) ونسبة الرطوبة 65%، وهو ما يميّز عادة أيام الربيع.ومع ارتفاع حرارة الجو وتمكّننا من قضاء فترات أطول من أوقاتنا خارج منازلنا، تزداد استفادتنا من كثرة التعرّض للأيونات السالبة المنبثة في الجو فتنتعش حيويتنا، بينما يؤدي تناقص مستويات الميلاتونين في أجسامنا من تزايد عدد ساعات تعرّضنا لضوء النهار، الى طرح الشعور بالكسل والنعاس الذي ربما يكون قد لازمنا طوال فصل الشتاء.
أمّا من ناحية المزاج، فإنّ تكاثر الأيونات السالبة وازدياد افرازات الدماغ من باثات السيروتونين، يُسببان للإنسان إحساساً بالمزاج الطيب وارتفاعاً في الروح المعنوية. وهذا الإحساس على كل حال، قد يتأخر قليلاً ريثما يتكيّف جسم الإنسان مع مسبّبات السعادة هذه. ان قلة ساعات النور التي خبرناها في فصل الشتاء، تجعلنا شديدي التحسّس بضوء النهار الوافد علينا مع قدوم فصل الربيع، وهذا التحسّس يبعث فينا نشوة غامرة، وهو ما يُطلق عليه أحياناً اسم “حمى الربيع”، الاّ أن هناك عدداً قليلاً جداً من الناس، يبعث في نفوسهم قدوم الربيع شعوراً بالكآبة!

وفضلاً عن تمتع الجسم بدرجة الحرارة المثالية في الجو ودرجة الرطوبة الجيدة، فإن الذهن يتفتح أيضاً وتصبح وظائفه أكثر مضاء.
في ما خصّ الرغبة الجنسية والخصوبة، فإنّها تزداد عند المرأة وتسعى إلى الحمل في فصل الربيع. وكما هو موثّق في تقرير نشر في “مجلة إيقاعات التكاثر” الأميركية، فإنه يبدو أن المرأة تبلغ أعلى درجاتها من قابلية الاخصاب، عندما يسطع نور الشمس طوال نصف عدد ساعات النهار، وعندما تكون درجة حرارة الجو لطيفة. وفي جو كهذا يتحسّن مزاج الإنسان أيضاً.
بالنّسبة لوزن الجسم، فإنّه نظراً لعودة مستويات السيريتونين الى الإرتفاع، تقلّ شهية الإنسان لتناول الحلوى والأطعمة النشوية، ما يعزّز احتمال قدرة الشخص الراغب في إنقاص وزنه على تحقيق غايته، على أن يُمارس برامج الحمية والرياضة اللازمة لتحقيق هذه الغاية.
- فصل الصيف. ان أكثر الناس يحبون الزيادة في ضوء النهار، التي يسببها حلول فصل الصيف. غير أن حرارة الصيف اللاهبة تجعل الصيف فصل شقاء بالنسبة للكثيرين.
فمن الناحية الصحية، واذ استثنينا حالات الربو والحساسيات والطفح الجلدي التي تزداد في فصل الصيف بسبب كثرة التعرّض للأحوال الجوية في الخلاء، فإن هذا الفصل يُعتبر نسبياً فصل الصحة. فالأمراض الفيروسية مثل الرشح والزكام وما شابههما تقلّ خلاله. وتضاؤل الميلاتونين بسبب سطوع ضوء النهار يجعلنا أكثر إحساساً بالحيوية وأقل شعوراً بالنعاس.
وفئات الناس الأكثر تحسّساً لتقلّبات فصول السنة، تجد نعمة أخرى من نعم الصيف. فدرجات حرارة أجسامهم ليلاً تكون أقل من درجات الشتاء، ما يجعلهم أقدر على النوم الهنيء، وأكثر إحساساً بالعافية. ولكن ذلك ينبغي الا يصرفنا عن الشعور الكبير بالإنزعاج الشديد، إذا كان النهار قائظاً. اذ أن ارتفاع درجة حرارة الجو، الى حدّ كبير، واشتداد رطوبة الجو، يُمكن أن يلغيا ما يكون الإنسان قد اكتسبه من طاقة، فيصبح خاملاً نظراً لأن الجسم يحوّل جانباً كبيراً من الدم، من الأعضاء اللبابية، الى الجلد، لكي يكون أكثر تلامساً مع الهواء، طلباً لتخفيض درجة حرارة الجسم.
وفي ما خصّ المزاج، فإنّ الصيف بالنسبة للكثيرين، هو أسعد فصول السنة. ولكن قلّة من الناس تنتابها كآبة في هذا الفصل، وقد تكون نابعة من عجز أجسامهم عن التكيّف مع حرارة الجو.
وبالنّسبة للرغبة الجنسية والخصوبة: فإنّ هذا الفصل هو بالنسبة لكثير من المجتمعات، أكثر الفصول نشاطاً من حيث العمل الجنسي ودرجة الخصوبة، ولكن هذه الفرضية مبنية فقط على أساس “دراسات” أجريت على كثير من الأزواج والأفراد. أما درجة الخصوبة فإنها تكون في أدنى مستوياتها عند الرجل، وربما كان السبب في ذلك تعداد النطاف يقلّ في فصل الصيف بمقدار الربع أو الثلث مقارنة بتعداد فصل الشتاء.
أمّا وزن الجسم، فبالنظر الى أن إحساس الإنسان بالجوع يقلّ في فصل الصيف، وكثرة إقباله على الأطعمة الخفيفة، فإن الفترة الواقعة بين حزيران (يونيو) وأيلول (سبتمبر) هي أنسب الفترات لتخفيف الوزن الذي يكون الإنسان قد اكتسبه في فصل الشتاء، أو للعمل على الوصول الى الوزن المثالي الذي يرغب فيه. كما أن ارتفاع طاقة الإنسان، مقروناً بميزات هذا الفصل، يجعل الإقبال على الرياضة أمراً مقبولاً.
- فصل الخريف. هو فصل العودة الى درجة الحرارة والرطوبة المثاليين للصحة، لأكثر الناس. فبرودة الجو المقبولة تعيد شحن الطاقة التي يكون قيظ الصيف قد استنفدها. ولكن يحدث في فصل الخريف أمران غريبان لم يستطع أحد إيجاد تفسير لهما: ذروة ثانية من ذرى الإضطرابات الجلدية، وازدياد حوادث التهاب الزائدة. كما أنه قبيل بدء هبوب الرياح الشتوية الباردة تزداد احتمالات الإصابة بنوبات الربو.

في ما خصّ المزاج، فإنّ احساس التجدّد في فصل الخريف ربما كان مجرد إحساس ثقافي، يحدوه موسم العودة الى مقاعد التحصيل والدراسة. وعودة انتظام الحياة بعد عطلة الصيف. فالإنسان في هذا الفصل يعود الى ذروة اضطلاعه بوظيفته الدماغية، ولكن يصحبه مع ذلك بدء انحدار في عدد ساعات ضوء النهار، ما يثير كآبة كثير من الناس.
وبالانتقال إلى الرغبة الجنسية والخصوبة، فإنّ حالات الحمل تزداد في الخريف. ربما كان ذلك بسبب تزايد مستويات هورمونات الرجل.
وعلى صعيد وزن الجسم، اذا غفل الإنسان عن عامل الحرص، فإن الزيادة في وزنه تأخذ في العودة متلصصة بسبب حدوث انخفاض في مستويات السيروتونين الدماغي وتنامي رغبة الإنسان في الأكل. ولهذا السبب يصبح لزاماً على كل راغب في تخفيف وزنه أن يأخذ بممارسة برنامج رياضي.