هل صحيح أن قسط التأمين يكون أقل حين أشتري وثيقتي من الشركة مباشرة بدلا من شرائها من خلال وسيط؟ شركة التأمين تقول بأنني حين اشتري منها مباشرة فأنا أوفر العمولة التي يأخذها الوسيط والتي تتراوح بين 15 الى 20% من القسط. فما هو رأيكم بخصوص هذا الموضوع سيدي المستشار؟
رأيي بكل تواضع، هو التالي: توجد على الأقل طريقتان لشراء التأمين. أحدهما أن يذهب مباشرة الراغب في شراء وثيقة ما من البرامج المعلن عنها، الى شركة التأمين أو وكيلها. أما الثانية فتكمُن في الذهاب الى أحد وسطاء التأمين لكي يقوم بأداء هذه المهمة نيابة عنه. والتفضيل بين أيّ من الطريقتين ليس بالأمر السهل، فلكل منها ايجابيات وسلبيات، كما ان لكلّ من الإثنَيْن أنصارا ومؤيدين بقدر ما لها معارضين في ضوء خبرة وتجربة مشتري البوليصة، سواء كان شخصا أو شركة. ولذا علينا أن نضع في حسابنا بأنه لا يوجد كمال، لا للأشخاص ولا للشركات والمؤسسات، فالخطأ وارد دائما، لأن الأمور نسبية.
أرجو الانتباه الى أن المقارنة هنا هي بين شركة تأمين لها مكانتها وسمعتها في السوق وكذلك بالنسبة لوسيط التأمين، فليس كل من رفع يافطة ووزع أوراقا ملوّنه باتت له شركة ذات مكانة وعلى رأي المثل: “لو كل من جاء نَجَرْ ما ظل في الوادي شجر”.
ولمقارنة الطريقتين، لا بدّ من النظر الى مجموعة من النقاط منها: التكلفة، التغطية، الخدمة، تحصيل المطالبات، والقدرة على التأثير لصالح مشتري التأمين. في ما يلي شرح لكل نقطة:

1-التكلفة: من الناحية الفنية، والعملية كذلك، يفترض ان لا يكون هناك فرق في قسط التأمين حين يكون شراء التغطية عبر شركة التأمين مباشرة أو عبر وسيط. صحيح ان هناك بعض مندوبي الشركات يخبرون مشتري الوثيقة بغير هذا الكلام، ويقولون له بأن شراءه مباشرة من الشركة يوفر عليه العمولة التي يتسّلمها الوسيط، ولكن هذا الكلام غير دقيق. وهذا موضوع طويل ومعقد وقد يحتاج الى مقال آخر للشرح.
2-التغطية: حين يتوجّه المشتري للشركة، فأنها ستعرض عليه منتجاتها فقط (وثائق التأمين الخاصة بها). وليس من مسؤوليتها أن تقدم له نصائح فنية بخصوص التغطيات المطلوبة الا في حدود ما يتطلبه الايضاح التسويقي. وفي حالة وقوع خطأ في طلب التغطية، فان شركة التأمين غير ملزمة، لأنها تغطي ما يطلبه المؤمّن له تغطيته فقط، ولهذا فشركة التأمين ستعود الى استمارة طلب التأمين للتأكد من وجود أو عدم وجود طلب تغطية معينه. في الجهة المقابلة، فإن الوسيط سيكون من واجبه أن يعرض ما هو متوافر من منتجات في السوق (وثائق تأمين لأكثر من شركة) ويوضح الفروق بين هذه الوثائق ويقترح الوثيقة التي يعتقد انها تلبي حاجته. فإذا وجدت مشكلة في التغطية ناجمة عن خطأ أو سهو الوسيط، فإن الأخير يتحمل المسؤولية من الناحية القانونية. وعادة ما يشتري الوسطاء المحترفون وثيقة تغطي الأخطاء التي قد يرتكبونها أثناء ممارسة المهنة.
3-المطالبة: وفي حالة وقوع حادثة ما، قد تبرز مشكلة معيّنة كأن يُطرح سؤال يتعلّق بتغطية الوثيقة للحادث أم، وطبيعي أن تكون الشركة في موضع الدفاع عن مصلحتها. وسوف تكون (أي شركة التأمين) مدعومة بخبراء في التأمين ومحامين في مقابل المؤمن له الذي قد لا يوجد في شركته شخص واحد قادر على فك حرف في الوثيقة. وفي الحالة التي يثبت ان الخطأ سببه المضمون بناء على الطلب المقدم لشراء الوثيقة، حينها نقول على مشتري التأمين السلام، و”جات منك يا جامع”.
وفي المقابل فلو أن وثيقة التأمين تمّ شراؤها عبر وسيط فان المسؤولية تقع على عاتقة، وبالتالي سيتولى تمثيل المضمون، علماً انه غالباً ما يكون مهنياً متمكّناً ومدعوماً بخبراء ومحامين لا يقلون خبرة ومعرفة عن خبراء شركات التأمين. بالإضافة الى ذلك، فان الوسيط لو ارتكب خطأ فنيا في التغطية ونجم عنه خسارة لمشتري التأمين، فان الوثيقة يفترض ان تغطي الخسارة التي تعرض لها مشتري التأمين.
4-الضغط والتأثير: في حالة الحاجة الى التفاوض والمناقشة مع شركة التأمين المضمون، فكل طرف سوف يستخدم أدوات الضغط التي في حوزته. فاذا كان المؤمن له قد أشترى وثيقته مباشرة من الشركة، فما هي وسائل الضغط التي في حوزته؟ ربما يكون قسط التأمين السنوي الذي يدفعه للشركة ولكن مدى تأثيره في هذه الحالة؟ هنا لا بدّ من المقارنة بين حجم هذا القسط وطبيعة المشكلة المطروحة. في المقابل فلو أن الوثيقة تم الحصول عليها عن طريق وسيط معروف وله مكانته، فسيكون بحوزته وسائل ضغط متعددة منها: حساب الوسيط مع شركة التأمين نفسها والذي قد يشمل مئات الزبائن ومئات الملايين من أقساط التأمين التي يجلبها لشركة التأمين طيبة الذكر. وكذلك علاقات هذا الوسيط مع العاملين في سوق التأمين والتي سوف تحذر الشركة من تجاهلها في حال شعورها بأن موقفها غير قوي.
5-معرفة تكلفة قسط التأمين: في حالة التأمين التجاري وبالذات على الأعمال الكبيرة أو المتوسطة، يصبح من الصعب على مشتري التأمين معرفة التكلفة المعقولة لتغطية أعماله. فاذا ذهب الى شركة التأمين وقدم طلبه وقالوا له بأن القسط السنوي المطلوب هو كذا ألف ريال، ويذهب الى شركة أخرى وتقول له مبلغا آخر، أقل أو أكثر، فكيف له أن يعرف التكلفة المعقولة؟ سوف يكون من الصعب عليه معرفة ذلك، والسبب انه ليس من أهل السوق، فهو يذهب الى الشركة مرة في السنة (عند التجديد) وبعدها ينسى الشركة وهي تنساه الى أن يحدث حادث أو يأتي موعد التجديد. في المقابل فان وسيط التأمين متواجد في السوق على مدار الأيام، ويتابع ويعرف ويسمع تكلفة هذه التغطية أو تلك، وما يستجد من تعديلات على الوثائق في هذه الشركة وتلك.
6-مكانة شركة التأمين: مشتري التأمين حين يذهب الى الشركة الضامنة، فهل يعرف قوتها المالية وسمعتها، وبالذات في ظل أوضاع مثل الحالة التي عليها سوق التأمين في المملكة والتي تتمثل في غياب تام للمصادر المستقلة والمؤهلة لإعطاء تقييم متوازن لأوضاع الشركات ومكانتها المالية وسمعتها العامة؟ أغلب الظن فهو لا يعرف، وإذا سأل الشركة فانه كمن يسأل عن العروس دايتها (كما يقول المثل). أما الوسيط فهو يتعامل مع الشركات بشكل يومي ويفترض به أن يكون قادرا على الاجابة عن طالب التأمين في ما خصّ المكانة المالية والسمعة في دفع المطالبات لكل شركة يقترحها على مشتري التأمين.
7-في الختام، تتضح لنا أن الحيرة التي يواجهها مشتري التأمين بين الشراء المباشر أو عبر وسيط هي في جوهرها مفاضلة بين التكلفة الظاهرة والقيمة الحقيقية.
قد يبدو الشراء المباشر من شركة التأمين موفراً للوهلة الأولى، لكنه يضع عبء الخبرة الفنية والمسؤولية القانونية كاملة على عاتق المشتري، ويجعله يقف وحيداً في مواجهة خبراء الشركة ومحاميها عند حدوث مطالبة.
في المقابل، فوسيط التأمين المحترف لا يبيع وثيقة فحسب، بل يبيع “خدمة” متكاملة. هذه تشمل المشورة الحيادية لاختيار أفضل تغطية من كامل السوق، وتحمُّل المسؤولية القانونية عن الأخطاء، والأهم من ذلك، العمل كممثل وخبير يدافع عن مصالح العميل ويمتلك أدوات الضغط اللازمة لضمان تسوية عادلة للمطالبات.
لذلك، فإن التكلفة الإضافية (العمولة) التي قد يدفعها المشتري للوسيط، يمكن اعتبارها استثماراً في الأمان، والخبرة، ووجود محامٍ يقف في صفه عند الحاجة.
























































