رياض سلامه في أحد لقاءاته
د. الياس ميشال الشويري
لبنان، البلد الذي كان يُعتبر ذات يوم منارة للتقدم والازدهار في الشرق الأوسط، يواجه الآن أعمق أزمة اقتصادية ومالية في تاريخه الحديث. تعدّ أزمة لبنان نتاجًا لعقود من الفساد وسوء الإدارة، حيث لعب رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان منذ العام 1993، دورًا محوريًا في صنع القرار المالي والنقدي. هذا البحث يهدف إلى تحليل دور رياض سلامة في الانهيار المالي، وتأثير السياسات التي اتبعها على الشعب اللبناني، وضرورة المحاسبة.
1 – رياض سلامة: السيرة والمسار
- النشأة والتعليم: وُلد رياض سلامة في 17 يوليو 1949 في بيروت. حصل على شهادة في إدارة الأعمال من جامعة القديس يوسف، وتدرج في العديد من المناصب المالية والمصرفية قبل أن يُعين حاكمًا لمصرف لبنان في 1993.
- فترة الحكم: منذ توليه المنصب، حقق بعض النجاحات في البداية، مثل استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية. ولكن هذه السياسات سرعان ما أثبتت أنها غير مستدامة.
- السمعة والنقد: حصل على سمعة دولية جيدة كخبير مالي، لكن مع تصاعد الأزمة، بدأت الانتقادات تتزايد حول سياساته ونفوذه.
2 – الفساد في النظام المالي اللبناني
- فشل النظام المصرفي: اعتمدت سياسة الفائدة المرتفعة لجذب الودائع، لكن هذا النجاح المبدئي أدى إلى تراكم الدين العام بشكل كبير. بلغ الدين العام اللبناني أكثر من 100 مليار دولار بحلول عام 2020.
- عدم الشفافية: عملت السياسات على تعزيز الفساد، حيث ساعدت غياب الشفافية في العمليات المصرفية على حدوث ممارسات مثل تبييض الأموال والتهرب الضريبي. لم تكن هناك رقابة فعالة على المعاملات المالية، ما سمح بإساءة استخدام الموارد.
- تواطؤ الفاسدين: استندت سياسات سلامة إلى تحالفات مع السياسيين ورجال الأعمال الذين استغلوا هذه السياسات لمصالحهم الخاصة. هذا النظام أدى إلى تفشي المحسوبية والفساد في المؤسسات العامة والخاصة.
3 – أبعاد الأزمات المالية والاجتماعية
- الأزمة الاقتصادية: مع بداية الاحتجاجات في عام 2019، واجه لبنان أزمة مالية حادة، حيث فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها. أدى ذلك إلى انهيار القدرة الشرائية للمواطنين وزيادة التضخم، حيث تجاوزت معدلات التضخم 200% في بعض الأشهر.
- الآثار الاجتماعية: ساهمت السياسات المالية الفاشلة في تفشي الفقر، حيث يُقدّر أن أكثر من 80% من السكان يعيشون تحت خط الفقر. كما ارتفعت معدلات البطالة إلى 40%، مما أثر بشكل كبير على نوعية الحياة.
- تأثير الفساد على المؤسسات: أدى الفساد وانعدام الثقة في المؤسسات الرسمية إلى تآكل قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية. عانت قطاعات الصحة والتعليم من نقص حاد في الموارد، ما أثر سلبًا على حياة المواطنين.
4 – وزارة المالية ودورها تحت قيادة علي حسن خليل
- تولي المنصب: تولى علي حسن خليل وزارة المالية في 2014، في سياق أزمة اقتصادية وسياسية. واجه تحديات كبيرة بسبب الضغوط المالية المتزايدة والحاجة إلى إصلاحات.
- الإنفاق العام: شهدت فترة خليل زيادة كبيرة في الإنفاق العام، لكن دون وجود تخطيط مالي فعال. كانت الاستدانة من أبرز سمات وزارة المالية، مما زاد من حجم الدين العام الذي تجاوز 100 مليار دولار.
- غموض الشفافية: اتسمت فترة خليل بعدم الشفافية في إدارة الموازنة العامة، حيث غابت المراقبة الفعالة على المصروفات الحكومية. عُرفت وزارته بارتباطها بمشاريع غير شفافة وممارسات ذات طبيعة سياسية.
- تواطؤ مع الفساد: اتُهمت الوزارة بالتواطؤ مع النظام السياسي، حيث كانت تسهم في دعم المشاريع التي تمولها القوى السياسية، مما زاد من تفشي الفساد في القطاع العام.
5 – مسؤولية رياض سلامة والمنظومة الفاسدة
- المحاسبة القانونية: يجب أن يتحمل سلامة المسؤولية عن السياسات المالية التي اتبعت تحت إدارته. تتزايد الدعوات لإجراء تحقيقات محلية ودولية في أنشطته المالية، وتُعتبر هذه التحقيقات خطوة أساسية نحو تحقيق العدالة.
- الحقائق الأخلاقية: تتجاوز الأبعاد القانونية القضية الأخلاقية، حيث تُظهر الأفعال التي قام بها سلامة تأثيرها المدمر على حياة الملايين من اللبنانيين. يُعتبر الفساد خيانة للثقة العامة، ويجب أن يكون هناك اعتراف بالمآسي الإنسانية التي نتجت عن هذه السياسات.
- تحديات الإصلاح: لا يمكن تجاهل أن معالجة الفساد المستشري في لبنان تعتبر مهمة صعبة. تتطلب هذه الجهود إصلاحات هيكلية حقيقية، وإرادة سياسية قوية، ووجود آليات فعالة لمراقبة الأداء الحكومي.
6 – الخطوات المطلوبة للمستقبل
- إصلاح النظام المالي: يجب أن يكون هناك إعادة هيكلة للنظام المصرفي والمالي في لبنان. يتضمن ذلك تحسين الشفافية، وتعزيز الرقابة على المعاملات المالية، وإدخال تقنيات جديدة تساهم في مراقبة الأداء.
- تعزيز المؤسسات: من الضروري تقوية المؤسسات العامة والمجتمع المدني لمكافحة الفساد وضمان وجود آليات فعالة لمراقبة الأداء الحكومي. يجب أن يكون هناك تعاون بين الحكومة والمجتمع المدني لتحقيق الشفافية.
- الدعم الدولي: يمكن أن يلعب المجتمع الدولي دورًا في دعم لبنان في جهود الإصلاح، ولكن يجب أن تكون هناك إرادة سياسية داخلية قوية لتحقيق التغيير. يجب على الدول المانحة أن تشترط الإصلاحات كشرط لتقديم المساعدات.
الخاتمة
رياض سلامة والمنظومة الفاسدة بامتياز يجب أن يدفعوا غاليًا ثمن ما تسببوا به تجاه لبنان والشعب. من الضروري أن تتحمّل الشخصيات السياسية والمالية الفاسدة المسؤولية عن أفعالهم، وأن يكون هناك محاسبة حقيقية لإعادة بناء الثقة بين الشعب اللبناني ومؤسساته. إن اتخاذ خطوات جادة نحو الإصلاح والمساءلة هو السبيل الوحيد لاستعادة الأمل وبناء مستقبل أفضل للبنان. من خلال الالتزام بالإصلاحات والتغيير، يمكن للبنان أن يخرج من ظلمات الفساد ويستعيد مكانته كدولة مزدهرة وفعالة.