التنافس الحاصل بين شركات التأمين يحتّم على القيّمين عليها اعتماد طرق جديدة ليتميّز بعضها عن البعض الآخر، سواء في المنتجات أو الخدمات أو حتى في الأسعار. هذا هو الموضوع الذي تطرقت اليه نشرة الإتحاد المصري للتأمي ذات الرقم 330. فماذا ينصح الإتحاد؟ في ما يلي الجوانب الأساسية:
1-الجانب الأول هو ضرورة أن تركز شركة التأمين على عملائها بشكل أفضل ، فتتعرف الى تفضيلاتهم وميولهم و مدى إخلاصهم للشركة، و إمكانات كل عميل ، و كيف يمكن أن تتطور العلاقة معه في المستقبل.
2-الجانب الثاني: هو القدرة على التوقّع. يجب أن تكون شركة التأمين التي تركّز على عملائها والتي تضع المستهلك في مركز اهتمامها قادرة على أن تكون استباقية ، وأن تعرف عملاءها جيداً بما يكفي لتوقّع احتياجاتهم.
3-الجانب الثالث: أن تدرك الشركة أن العملاء ليسوا جميعاً متشابهين ، وعند وضعهم في مركز اهتمامها يجب أن يؤخذ ذلك في الاعتبار ، فقد يكون لبعض العملاء وزن مختلف عن غيرهم .
ان كل ما تقدّم، تقول النشرة، يعني أمرَيْن:
1-ان شركات التأمين تحتاج إلى صقل تحليل البيانات الخاصة بالعميل والاستفادة منها لبناء ملفات تعريف دقيقة لعملائها قدر الإمكان والتعّرف الى الجوانب الأقل وضوحاً و الأكثر إنسانية.
2-أن شركة التأمين التي تريد تنفيذ استراتيجية معينة، عليها أن تركّز على العميل، بحيث تكون قادرة على إضفاء الطابع الشخصي على المنتجات والخدمات التي تقدمها ، وكذلك على التجربة التي تمرّ بكل عميل قدر الإمكان.
وهكذا، ومن خلال العمل على تحسين تجربة العميل، يمكن لكل شركة تأمين أن “تتمحور حول الزبون” بشكل ملموس ، وتصمّم تجربة قادرة على تلبية توقعّات العملاء والتكيّف مع خصائصهم.
وفي تفاصيل النشرة أن الشركات التي تركّز على العملاء، تحرص، مبدئياً، على تصميم نموذج أعمالها بالكامل، مستهدفة الاحتفاظ بالعملاء الحاليين واكتساب رضاهم. كما تلجأ إلى استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات الحديثة في محاولة لإنشاء علاقات مربحة معهم على المدى الطويل . وبالتالي، فمركزية العميل هي فلسفة إدارية تتضمّن مواءمة الشركة لعلاقتها بالعملاء الحاليين والمحتملين، ما يجعل العميل محور جميع إجراءات العمل.
يمكن أيضاً النظر إلى مركزية العميل باعتبارها عملية منهجية تهدف إلى فهم العميل والتأثير عليه بشكل متزايد. و ترغب الشركات في استخدام كميات أكبر من المعلومات الأكثر دقة حتى تتمكن من تقسيم قواعد بيانات عملائها بشكل أفضل وتقديم عروض أكثر تخصيصاً مما يمكّنها من زيادة رضا العملاء و بالتالي زيادة حصتها في السوق.
ان هدف “التركيز على العملاء” هو الاحتفاظ بالعملاء الحاليين و اكتساب عملاء جدد واستعادة العملاء الذين فقدتهم الشركة، مع الاهتمام بجميع مراحل العلاقة مع العميل ، من مرحلة ما قبل البيع مروراً بالشراء إلى مرحلة ما بعد البيع.
وينطوي التركيز على العميل على إجراءات تتخذها الشركة ، مثل الأنشطة الترويجية ، بالإضافة إلى سرعة استجابة الشركة في حالات مثل التعامل مع الشكاوى. ويفضّل استخدام الشركة قنوات الاتصال التفاعلية.
وبكلام آخر، فالهدف يكمُن في تحويل العملاء المحتملين إلى عملاء جدد، ثم زيادة رضاهم بشكل منهجي، وتحسين ولائهم للشركة ، وتحويلهم إلى زبائن منتظمين. علماً أن من حسنات هذه الإستراتيجية هو تقبّل الأسعار المطلوبة وبالتالي عدم التخلّي عن الشركة. لذلك ، فإن التركيز على العميل ليس فقط نهجاً تسويقياً ولكنه أيضاً نموذج عمل جديد.
فإذا عدنا الى نماذج الأعمال التقليدية، جرت العادة أن تقوم الشركات أولاً بتوريد المنتجات لسوق مجهول ثم تحاول العثور على مشتريها. لذلك قبل أن يتمّ شراء المنتجات فعلياً ، يتكوّن لدى الشركات أعباء مالية. ولكن إذا تمّ التركيز على العميل ، فيتم أولاً تحديد احتياجاته ثم تصميم المنتج وفقاً لمتطلباته، وعندها يبدأ الإنتاج، ثم تقديم المنتج للعميل. و يؤدي هذا المنهج إلى زيادة هامش الربح لأنه لا يوجد خطر تصميم منتجات غير مطلوبة للسوق .
وتسأل النشرة في سياق عرضها: لماذا يجب على شركات التأمين الاهتمام بالتركيز على العملاء؟ وتعطي الجواب التالي:
-في استطلاع حديث لشركة Deloitte ، نظر الباحثون في جوانب العرض التي تمثّل أكثر أهمية للعملاء، فتبيّن أن العناصر التي يركز عليها العميل مثل القدرة على التحدث إلى الموظفين الودودين، والمنتجات المصممة خصيصاً لتلبية احتياجات العملاء، وحلّ المشكلات بسرعة، جميع الأمور تأتي في المقدمة بالنسبة اليه مقارنة بعناصر أخرى مثل السعر أو العروض الترويجية. وهذا يعني أن الطرق التقليدية لبيع التأمين على أساس الأسعار والهبات لم تعد الأكثر أهمية بالنسبة للعميل.
لذا، فإن أهم الخطوات لتحقيق أفضل تركيز على العملاء، تكمن في النقاط التالية:
1-توقع احتياجات العملاء. ان الإهتمام بآراء العملاء والاستماع إلى الموظفين الذين يتعاملون بشكل مباشر مع العملاء حول تفضيلاتهم، يعتبران أمرين أساسيين لعملية التوقع. ويمكن استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي والتحليلات التنبؤية لتوقع اتجاهات السوق أيضاً.
2-الاهتمام بتعليقات العملاء. تعد تعليقات العملاء المتكرّرة أمراً ضرورياً لفهم العمليات التي تسير بشكل جيّد مقابل تلك التي لا تعمل بنفس الجودة، وذلك باستخدام رسائل البريد الإلكتروني وروبوتات الدردشة والرسائل القصيرة وتطبيقات المراسلة والمكالمات الهاتفية المباشرة.
3-تجربة المنتجات الجديدة. يمكن إجراء تجربة المنتجات والخدمات الجديدة من خلال أحدث أدوات التسويق، ما يتيح للشركات الحصول على تعليقات العملاء لحظياً على أحدث العروض قبل إطلاقها بالكامل.
فماذا عن خصائص تجربة العملاء الناجحة؟ تقول النشرة: لكي تكون تجربة العميل قادرة على جعله يشعر بالتقدير وأنه في مركز اهتمام شركة التأمين ، يجب أن تتمتع بخصائص محددة:
أولاً، يجب أن تتضمن التجربة أقل قدر من المشكلات التي لم يتمّ حلّها أو التي فشلت شركة التأمين في معالجتها. و من المهم تعظيم وظيفة خدمة العملاء ، بحيث تكون سريعة الاستجابة وفعاّلة بمجرد أن يثير العميل طلباً أو مشكلة.
ثانياً، أن تكون التجربة ذات قيمة ، بمعنى أنه يجب أن يدرك العميل أنه سيستفيد من المنتج أو الخدمة المقدمة في تحقيق فائدة ، أو قيمة حقيقية له بسعر معقول، بهذه الطريقة فقط يمكن أن تكون هناك معاملة بالمثل حقيقية في الأداء بين العميل والشركة.
ثالثاً، يجب أن تكون التجربة التي تقدّمها شركة التأمين مميّزة عن أي تجربة أخرى قد يجدها العميل في السوق. ما يدفعه إلى تفضيل تلك الشركة عن غيرها، بغض النظر عن خصائص المنتج الذي تقدمه.
رابعاً، يجب أن يكون العميل قادراً على الوثوق بموظف شركة التأمين الذي يتعامل معه ليس من ناحية الكفاءة فقط، وانما من ناحية شعوره بأن هذا الموظف يتعاطف معه… ذلك أن التعاطف في الوقت الحالي، يعتبر عنصراً أساسياً في تنمية نشاط التأمين ، ويتعيّن على الشركة أن تسعى إليه بكل أداة متاحة. و قد تم التأكيد على أهمية التعاطف في عدة مناسبات ، بما في ذلك مؤخراً خلال النسخة الثالثة من مهرجان التأمين في ميلانو ، حيث اتفق خبراء الصناعة على أن هذا هو العنصر هو الذي يجب التركيز عليه بشكل أكبر لضمان مركزية العميل .
مما سبق، يتضح أن “التركيز على العميل” لا يمكن أن يكون تعبيراً بسيطاً ، بل يجب أن يكون التزاماً ملموساً ومستمراً يتم تطبيقه خلال كلّ مرحلة من مراحل العلاقة بين شركات التأمين و عملائها.
والى ما تقدّم، تلعب تكنولوجيا المعلومات دوراً مهماً في جميع العمليات التي تتمحور حول العميل. وتتضمّن إدارة علاقات العملاء تطبيقات تدعم جميع مراحل التركيز على العميل. ويترتب على ذلك مزايا رئيسية تتمثل في توفير معاملات غير ورقية تتسم بالكفاءة ، وتخزين مركزي للبيانات، وتحقيق شفافية وكفاءة أكبر في جميع التفاعلات مع العملاء ، وتوفير سجّل كامل عن العميل. وتساعد أدوات التحليل الحديثة أيضاً في تصنيف العملاء بشكل أفضل والتواصل معهم و تقديم العروض بناءً على احتياجاتهم، بالإضافة إلى تحسين خدمة ما بعد البيع.
ويمكن القول أن لا تجربة تركّز على العميل دون تنفيذ سلسلة من الحلول الرقمية القادرة على جعلها تجربة ملائمة وسلسة في كل مرحلة منها. وتتنّوع تلك الحلول بين مقاطع الفيديو التفاعلية التي يمكن إشراك العميل بها، والرسائل الإخبارية المخصصة التي يمكن من خلالها مخاطبة فئات معينة من العملاء في أوقات محددة، إلى منصات التشغيل الآلي . وتساهم كل من هذه الحلول (وغيرها الكثير) جزئياً في بناء تجربة ” التركيز على العميل”.
وليس من قبيل المبالغة أن نرى أن تطبيق هذه الحلول ، وليس نوع المنتجات التأمينية فقط ، هو الذي سيقرر مصير القطاع بأكمله.
وفي المحصلة، فإن هذا التركيز على العميل يعود بفائدَتَيْن:
أولى، لا يمكن شركات التأمين أن تنجح بدون عملائها. ومع ذلك ، إذا شعر العملاء بعدم الرضا عن تجربتهم مع الشركة فيمكنهم الانتقال بسهولة إلى شركة تأمين أخرى ، وهذا ما يقومون به بالفعل. وضمن هذا الإطار أجرت شركة 1Accenture دراسة بحثية أظهرت أن 30٪ من حاملي الوثائق غير الراضين عن تجربة تسوية مطالباتهم قاموا بتغيير شركات التأمين التي يتعاملون معها و أن 47٪ يفكرون في تغييرها. كما رأت معظم شركات التأمين أن الاحتفاظ بعميل حالي أقل تكلفة من الحصول على عميل جديد. لذا فمن خلال اتباع نهج يركز على العملاء، يمكن شركات التأمين تطوير استراتيجيات تزيد من رضا العملاء ومشاركتهم وتقلّل من احتمال تغيّر رأيهم تجاه الشركة.
ولا تنتهي الفوائد عند هذا الحد: فيمكن للنهج المرتكز على العميل أن يساعد شركات التأمين أيضاً على بيع المزيد من الوثائق. فجزء كبير من التركيز على العميل يتمثّل في تخصيص المنتجات والخدمات المقدمة من خلال تصميم تغطيات معدّة خصيصاً طبقاً لاحتياجات العميل. ومن خلال تطوير استراتيجية البيع العابر 2 cross selling لتي تركز على توقع احتياجات حاملي الوثائق الفردية وتقديم اقتراحات شخصية ، قد تزيد شركات التأمين من القيمة الدائمة لكل عميل. و هذا بدوره ، يمكن أن يؤدي أيضاً إلى زيادة الاحتفاظ بالعملاء نظراً لأن حاملي وثائق التأمين قد يكونوا أقل عرضة لتغيير رأيهم إذا كان لديهم وثائق متعددة مع شركة تأمين معينة.
أما الفائدة الثانية من التركيز على العميل، فتكمن في رواج العلامة التجارية للشركة ، لأنه يضمن لشركة التأمين القدرة على التميز عن المنافسين الآخرين.
من ناحية أخرى ، فإن التركيز على العملاء هو أداة رئيسية لفتح أسواق جديدة و الاقتراب من العملاء الأصغر سناً الذين سيمثلون فئة مهمة من العملاء في المستقبل .في هذا المجال، أكّد تقرير صادر عن Capgemini منذ بضع سنوات أن ثلثَيْ جيل الألفية غير راضين عن تجربتهم مع شركة التأمين الخاصة بهم بسبب جمود تجربة العميل و عدم تحقيقها لتوقعات الأجيال الشابة.
فليس من قبيل المصادفة أن تبني شركات التأمين أرباحها على هذا الأساس ، وأن تقدّم خدمة رقمية تضع العميل بشكل فعّال في مركز اهتمامها.
والآن، ماذا عن رأي الإتحاد بمضمون النشرة الموزعة؟ نقرأ ما يلي:
-إن مركزية العملاء وجدت لتبقى، و يكاد يكون من الحتمي أن تتطلع شركات التأمين إلى التحول رقمياً بحيث تصبح أكثر تركيزاً على العملاء و حرصاً على جمع البيانات عنهم و الاستفادة من تدفقات البيانات الخاصة بهم لتوفير خدمات جديدة مخصّصة لعملائها .
ومع ظهور التأمين المتصل والتأمين المفتوح والتأمين الرقمي الضمني والعقود الذكية ، سيكون التركيز على العملاء أمراً حيوياً لنجاح شركة التأمين. سيؤدي تزايد نقاط الاتصال مع العملاء والقدرة على الوصول إلى بياناتهم ومشاركتها مع نظام تأمين أوسع نطاقاً إلى الضغط على شركات التأمين لتقديم عروض مخصصة واتخاذ إجراءات استباقية خلال دورة حياة الوثيقة والتأكد من شعور العملاء بالتواصل المستمر مع الشركة. مع الحرص على إدارة البيانات بعناية فائقة من مصادر مختلفة لضمان جودتها وحماية المعلومات الشخصية للعملاء.