ارتفع اليورو إلى أعلى مستوى له منذ ثلاث سنوات مقابل الدولار، وهو ما يمثل إشارة قوية إلى أن أزمة ثقة كاملة جارية الآن تجاه العملة الأميركية، ما يحمل على الإعتقاد أن “تراجع الدولار كأنه على مدى طويل”، كما يقول نايغل غرين من مجموعة De vere للإستشارات المالية، تعليقاً على انخفاض العملة الخضراء الواحدة إلى 1.138 دولار مقابل اليورو، ما ألزم المستثمرين مواجهة واقع جديد: لم يعد الدولار الملاذ الآمن الأكثر ثقة في العالم، بل بات موضع شك.
وبهذا الصدد يقول: “إنها نقطة انعطاف رئيسية .كانت هيمنة الدولار تعتمد دائما على أساس من الثقة ــ الثقة في استقرار الولايات المتحدة، والثقة في التجارة المفتوحة، والثقة في القيادة الاقتصادية المسؤولة. وهذا الأساس آخذ في التصدع، وقوة اليورو هي واحدة من أوضح العلامات التي تشير إلى أن الأسواق العالمية تدرك ذلك”.
تأتي خطوة تراجع العملة الأميركية، عقب الطرح الدراماتيكي للرئيس دونالد ترامب بشأن رفع الرسوم الجمركية ثم التراجع عن التعريفات العالمية على جميع الواردات الأميركية ــ وهو تحوّل وصف بـ “العدواني” في السياسة التضخمية أذهل الأسواق العالمية ودقّ أجراس الإنذار بشأن المسار الاقتصادي الأميركي.
في البداية، مع انتشار النفور من المخاطرة على مستوى العالم، انتقل المستثمرون بشكل غريزي إلى الدولار. لكن هذه الغريزة افسحت المجال بسرعة للاعتراف بأن التهديد لا يأتي من الخارج، بل يتم تصنيعه في واشنطن. وعن هذا الموضوع، يتابع غرين قائلا: “عندما يتم تأجيج التضخم داخليا، وتسييس السياسة النقدية.. وعندما يتم التخلي عن التزام أميركا بالأسواق المفتوحة، فإن الفرضية الأساسية وراء جاذبية الدولار كملاذ آمن تنهار”. يواصل: “قد يرتفع الدولار تلقائياً في لحظات الذعر، لكنه لا يستطيع أن يتحمل إلى ما لا نهاية السياسات التي تؤدي إلى تآكل نقاط قوته الأساسية. ذلك أن استخدمها عملتها وحجمها الاقتصادي كسلاح، فإن بقية العالم سوف يستجيب – وسوف يبدأ وضع الدولار الذي لا مثيل له في التآكل”. وبالفعل بدأت تظهر بالفعل علامات هذا التآكل.
يوضح الرئيس التنفيذي لشركة deVere: “التمويل العالمي لا يتغير بين عشية وضحاها، ولكن من الواضح أننا نتحرك نحو نظام أقل تركيزًا على الدولار، وبالتالي يمكن أن يُنظر إلى الأزمة الحالية على أنها نقطة التحول”. وتلخص حركة اليورو القوية هذا التحول الأوسع: إنه ليس مجرد رهان ضد السياسة الأميركية، بل هو انعكاس لتزايد الرغبة العالمية في التنويع بعيدا عن الدولار تماما.
يتابع نايغل غرين قائلا: “إن اختراق اليورو ليس عشوائيا – إنه استفتاء على السوق في الولايات المتحدة”. “إنه يخبرنا أن الثقة، بمجرد فقدانها، لا تتراجع بسهولة. إنها تتطلب جهدا استثنائيا لإعادة البناء، وفي الوقت الحالي، لا يلوح هذا الجهد في الأفق”، مؤكداً أن “المستثمرين يجب أن يعيدوا النظر بشكل عاجل في الافتراضات القديمة حول سلامة الدولار!” تابع: “إن العالم يتطور. ويجب على المستثمرين الأذكياء أن يتطوروا معه”.
يخلص إلى القول: أن “ارتفاع اليورو هو بمثابة طائر الكناري في منجم الفحم. إنها إشارة إلى أن عصر هيمنة الدولار التي لا جدال فيها أصبح تحت الحصار ــ وقد نتذكر أحداث هذا الأسبوع في نهاية المطاف باعتبارها بداية النهاية”.