الوزير مكاري متحدّثًا
تكريم الزميل كميل عبدالله من قبل وزير الإعلام زياد مكاري أمس الأول في مدينة عاليه مسقط رأس المكرّم، تحوّل من حفل عادي الى ما يُشبه المهرجان السياسي الإعلامي الثقافي الفني السياحي، والأهم أنه كان لقاءً جسّد التعايش الحقيقي في لبنان بشكل عام وفي الجبل على وجه الخصوص، اذ أن العمائم (الدرزية والسنية والشيعية) كانت حاضرة، كما كان حاضراً رجال دين مسيحيون، أحدهم يسكن في مدينة عاليه ويقيم الذبيحة الإلهية في المناسبات الدينية، وقبل ظهر كل يوم أحد.
وكانت البداية مع وزير الإعلام زياد مكاري الذي افتتح المهرجان، وشرّع الباب أمام النقاش السياسي، برفضه الجازم والمطلق لما صدر عن البرلمان الأوروبي في ما خصّ النازحين السوريين والمطالبة ببقائهم في لبنان في محاولة لتوطينهم، في ما بعد، ضمن خطة يُحكى عنها منذ فترة. ففي “الإستراحة” السياسية هذه التي توقّف فيها عن الإشادة بخصائل المكرّم، طالب الوزير مكاري مجلس الوزراء، كما مجلس النواب، الى وقفَتَيْن صلبتَيْن لرفض القرار الأوروبي وادانته، رغم انتمائه الى كتلة الوزير السابق سليمان فرنجيه المرشح الثابت لرئاسة الجمهورية والصديق المقرّب جداً للرئيس السوري، ما يوحي أن تناوله هذا الموضوع الحساس، يُعدّ جرأة منه بل هو اشارة واضحة الى أن سليمان فرنجيه، وخلاف ما تُلصق به من اتهامات، يضع المصلحة اللبنانية فوق كل اعتبار. وما لفت أن نقيب المحررين جوزف القصيفي الذي شارك في هذا التكريم واعتلى المنبر بعد وزير الإعلام ليلقي كلمة التكريم، خرج عن النص ليشدّ على يد زياد مكاري في موضوع البرلمان الأوروبي و“يزايد” عليه بدعوة اللبناننيين الى التظاهر لإسقاط هذا البند (الـ 13) لعدم اقراره، وقد علا التصفيق…

صحيح أن الوزير مكاري في اثارته هذا الموضوع في حفل تكريمي لإعلامي، هو من البديهيات المنتظرة، لكن ما لم يكن منتظراً هو الحدّة التي أظهرها في الإضاءة على قرار البرلمان الأوروبي، ما دفع الى الإعتقاد أن ما قاله كان رسالة موجّهة الى زعماء سياسيين موارنة يؤكد لهم فيها، الأصالة الوطنية لزعيم “المردة” وحرصه الشديد على لبنان وكيانه والوجود الديموغرافي فيه، وعلى التوازنات، وبالتالي على العيش المشترك الآمن، علماً أن وزير الإعلام، وهذا ما صرّح به، جاء من اهدن الى عاليه وليس من بيروت، ليشارك في مهرجان يرعاه، رغم ظرف عائلي طارئ استجد عليه، ومع ذلك أصرّ على الحضور.

لكن السياسة لم تكن وحدها “الطبق الرئيس” على “مائدة” هذا المهرجان، اذ “أنزل” رئيس بلدية عاليه السيد وجدي مراد “طبقاً صحيّاً“ رئيساً آخر، في إطار الكلمة التي ألقاها… ففي سياق الحديث عن الإعلامي المكرّم، توقّف عند لفتة يتجاوز عمرها الثلاثين سنة وربما أكثر، عندما أشار الى والد الزميل المحتفى به جوزف عبدالله وشريكه أنيس عبيد (والإثنان أصبحا في دار الحق)، اللذين كان لهما فضل على عاليه وبلديتها، اذ زاراه ذات يوم وقدّما للبلدية قطعة أرض كبيرة بسعر متدنٍ جداً يلامس الهبة، دعماً للمدينة التي نشأ فيها الشريكان. وهنا توجّه الى الحضور قائلأً: “ستكون هذه الأرض مكاناً للسفارات الأجنبية والعربية في لبنان“، من دون أن يفصح تماماً عن هذه الخطوة التي وافق عليها المجلس البلدي لمدينة عاليه…
هذا الخبر السياسي-السياحي الذي أطلقه وجدي مراد في تجمّع متنوّع المذاهب والثقافات والتوجّهات، حرّك شجون من عرف مدينة عاليه أيام عزّها في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، قبل أن تدخل اليها آلة الحرب البغيضة وتطلق عليها “رصاصات الإنتقام“من العزّ الذي كانت فيه. ولم نكن، كحضور، بحاجة لنستنتج أن رئيس بلدية عاليه عازم على تعزيز موقع “عروسة المصايف” واستعادة لقبها وتحويلها الى ملتقى للسفراء العرب والأجانب، وتالياً لرعايا دول هؤلاء، وقد كان القسم الأكبر منهم متملّكًا فيها فيلات وأراضيَ وشققاً سكنية، كما كان معظم الساسة اللبنانيين (رؤساء جمهورية وحكومة ووزراء ونواب) يمضون الصيف فيها قبل أن يقع الإختيار على بلدةبيت الدين في منطقة الشوف كمقرّ صيفي لرئاسة الجمهورية… وبدت دقة الملاحظة عند رئيس البلدية “الساهر على أمن عاليه وأمانها”، كما وصفه المحتفى به كميل عبدالله في كلمته.

وتوالت على الكلام شخصيات فكرية عديدة. لكن ما استوقف الحضور كلمة نقيب الفنانين السابق جهاد الأطرش الذي قرأ مقالاً أدبياً يصوّر فيها كاتبه الحقبة الماضية في سبعينيات القرن الفائت، تصويراً دقيقاً ومعبّرًا أعاد من عاش في تلك الفترة، الى أجواء شارع الحمراء وساحة الشهداء وأسواق المدينة العتيقة ومصايف الجبل ومنها عاليه، بل حتى جعل البعض من الحضور يستعيدون منظر بائع الفستق السوداني الذي كان “يتمترس” أمام مقهى “لاروندا“!
وما دمنا في سياق الكلمات التي توالت، لا بدّ ايضاً من الإشادة بكلمة الشاعر الياس زغيب، امين عام اتحاد الكتاب العالميين الذي ترك بصمة مجلية في هذا الإتحاد، محلياً وعربياً، وكلمة الشاعرة ميراي شحادة حداد، وأخيراً وليس آخراً قصيدة الشاعر وهيب عجمي، وكانت رائعة، معنى ومبنى وقافية، وقد اصرّ على القول مراراً انه آتى من الجنوب، تماماً كما أتى وزير الإعلام من اهدن، تأكيداً على هذه الوحدة اللبنانية والتعايش الوطني بين أبناء الوطن الواحد.

وقبل أن يتلقى الشهادة التكريمية، وهدايا أخرى من بلدية عاليه وسواها، ألقى المحتفى به الإعلامي كميل عبدالله كلمة ركّز فيها على مدينة عاليه التي “أبصر فيها النور وشبّ في ربوعها ودرس في ثانويتها وشمّ فيها عطر الربيع ونسيم الصيف وسمع في خريفها، حفيف أوراق شجرها، وهي تتساقط، من دون أن ينسى قعقعة الرعد التي كانت تخيفه فيما كان يلتفّ مع أهله حول موقد الحطب، مستعينين جميعاً بلهيب النيران لطرد البرد القارس”. ولم ينسَالإشادة بوزير الإعلام الذي “كان كريماً معي بالرعاية والحضور” كما قال، وفي وضعْ بصماته المضيئة، لا سيما في وزارة الإعلام في أقسى الظروف وأصعبهاـ فإذا بهذا الجهد المبذول يجمع ابناء المهنة ويؤازرهم من دون أن تفارقه ابتسامة الأمل والتفاؤل التي نادراً ما تغيب عن محياه، لإيمانه أن لبنان لا بدّ أن يستعيد دوره ومكانته. وكانت باكورة انجازاته، الدفع نحو تتويج لبنان “عاصمة الإعلام العربي لعام 2023″، فكانت “هنا بيروت” لينبثق نور الأمل من جديد، على رجاء أن يشهز لبنان نوراً جديداً كأن يتوّج قريباً كأفضل بلد للسياحة العربية أيضاً، وبحيث تكون عاليه هي عروس الاصطياف المكلّلة بالورد والرياحين”.

عودة الى التكريم لنقول: انها خمسة وأربعون عاماً أمضاها كميل عبدالله حاملاً القلم والميكروفون والكاميرا ليرسّخ قدميها في الإعلام، وقد رسّخهما، بدليل هذا التكريم النادر الذي أراده الوزير مكاري رسالة لكل من يعمل في الإدارات العامة وأخذ العبرة، اذ من يمارس وظيفته بإخلاص وجدية، لا بدّ أن يُكرّم، متمنياً أن تتحوّل هذه العبرة مساراً يُحتذى في سائر الوزارات.

تبقى إشارة الى أن وزير المهجرين د. عصام شرف الدين شارك في الحفل، كصديق للمحتفى به، وهو إبن عاليه والجميع يعرفونه مساعدًا لوالده الصيدلي في صيدلية حملت اسم العائلة، وكانت مشهورة بتركيب الأدوية المفيدة للبشرة واهمها “كريم روز”. كما شارك ممثل لوزير الثقافة القاضي وسام مرتضى، السيد ايلي متى، مدير عام الإعلام حسان فلحة، مدير الإذاعة اللبنانية محمد غريب، مدير البرامج ريتا نجم الرومي والبروفسور شرف أبو شرف والقائم مقام بدر زيدان والخبير في التوقّعات المبينة على أرقام الإستبانات ربيع الهبر، والمستشار الرئاسي السابق الزميل رفيق شلالا والمحامي سرمد بو شمعون والفنان فهد عقيقي الذي قدّم وصلة غنائية...

أخيراً وليس آخراً، وفي ختام الكلمة التي ألقاها المحتفى به، تمنى أن “يبقى لبنان وطناً يجسّد الإلفة والمحبة والتعايش الصادق”… وتوجّه الى الحضور قائلاً: لتكن عاليه أيقونة نحتفظ بها جميعاً في صدورنا”..
تبقى اشارة إلى أن هذا الحفل قدمته رئيسة جمعية التواصل والحوار الإنساني الاعلامية ايمان عبد الملك التي اشادت بالحضور ومزايا المحتفى به
فضلو هدايا











