مبيعات الأدوية في الطليعة
“مؤشر جمعية تجار بيروت-فرنسبنك لتجارة التجزئة” للفصل الثاني من 2024، صدر قبل ساعات تحت عنوان “التراجع مستمر .. إنما التفاؤل سيطر على الأسواق”، ولكن كيف ذلك، وكيف يُمكن جمع نقيضَيْن في عنوان واحد؟
في النشرة الموزّعة من الثنائي جمعية تجار بيروت وفرنسبنك، أن أرقام أعمال بعض القطاعات اتسّمت بشيء من الإستقرار إن لم يكن من التحسّن الخجول خلال الفصل الثاني لهذه السنة، مع أن أرقام الأعمال المجمّـعة في قطاعات التجارة بالتجزئة ظلـّـت تشير الى إستمرار التراجع.
وتكمن هذه النتيجة الإيجابية النسبية في أن المستهلك اللبناني بات متأقلماً مع نمط إستهلاكي جديد وسط تلك الأوضاع الإقتصادية، وفي أن نسبة التضخـّـم تراجعت ما بين الفصل الثاني لسنة 2023 والفصل الثاني لسنة 2024 الى مستوى + 41.78 %، في حين إنخفضت نسبة التضخـّـم الفصلية (أي ما بين الفصل الأول والفصل الثاني لسنة 2024) الى مستوى + 2.04 %، لذا كان التراجع في الحركة وبالتالي أرقام الأعمال في معظم الأسواق التجارية أقلّ ممـّـا كان عليه في الفصول السابقة.
ان تمسّــك التجار بإيجابيتهم المعهودة، رغم من إستمرار الحالة المتأزّمة إقليمياً وعدم إنجاز أي تقدّم ملموس في الأوضاع السياسية والإقتصادية الداخلية، يعود الى آمال كبيرة غمرتهم لإعتقادهم أن الحركة الإستهلاكية لا بدّ أن تتحسّن، ولذلك لم يتراجعوا عن التحضير لصيف يجذب المغتربين والزوّار، كما في السنة الماضية، للإستفادة من هذا الزخم الموسمي المنشود.
لكن هذه الآمال سرعان ما تبخّرت بسبب الحرب في الجنوب التي عجّلت في سفر مغتربين وحالت دون مجيء آخرين، ما أدى الى نوع من الإرتباك الإقتصادي.
وما ساهم في هذه الإيجابية المستبفة للواقع، هو ما تسرّب من أنباءعن زيادة في إحتياطيات البنك المركزي من العملة الأجنبية، لتقارب حدود الـ 10 مليارات دولار، وعن الزيادات المرتقبة في كتلة تحويلات المغتربين من الخارج – التى قد تلامس الـ 7 مليارات دولار، ممثـِـلةً بذلك نسبة مئوية مرتفعة من إجمالي الناتج المحلي المـُـرتقب. يُضاف الى ذلك الثبات في سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي. وجاءت كل تلك العوامل، بالتزامن مع إنخفاض نسبة زيادة مؤشر الغلاء (+ 41.78 % بين الفصل الثاني لسنة 2023 والفصل الثاني لسنة 2024، بالمقارنة مع + 70.36 % في الفصل السابق) ، لتساهم في تباطؤ التراجع في أداء الأسواق خلال الفصل الثاني من هذه السنة بالمقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية.
في النشرة المشار عليها، جداول عدة، منها لمؤشر غلاء المعيشة (وفقاً لإدارة الإحصاء المركزي)، جدول بمعدلات نسب التضخم السنوي في كل قطاع على حدة، ما بين الفصل الثاني لـ 2023 والفصل الثاني لـ 2024. إضافة الى جدول عن معدلات التضخّم في القطاعات وفق إدارة الإحصاء المركزي أيضاً. كذلك تضمّنت النشرة إحصاءات عن قطاع الإستجمام والتسلية والثقافة وقطاع الأثاث مع تركيز على القطاعات التي شهدت تحسّناً في أرقام أعمالها بين الفصلَيْن الأول والثاني ومنها: السلع الصيدلانية (+ 51.07 %)، التبغ ومنتجاته (+ 27.96 %)، الأجهزة المنزلية الكهربائية، والراديو والتلفزيون (+ 19.11 %)، العطور ومستحضرات التجميل (+ 18.16 %)، الأثاث والمفروشات (+ 17.71 %)، السوبرماركت والمواد الغذائية (+10.56%)، الأحذية والسلع الجلدية + 7.62 %)، الكتب، والصحف والمجلات (+ 4.15 %)
أما تلك التي ظلّت تسجّل تراجعاً بين الفصلين الأول والثاني، فكانت أبرزها: معدّات البناء (- 67.85 %)، المجمـّـعات التجارية (- 12.51 %)، الساعات والمجوهرات (- 9.79 %)، الأجهزة الطبية (- 9.36 %)، الملبوسات (- 4.89 %)، المشروبات الروحية (- 3.25 %)، المخابز والحلويات (- 3.14 %)، المطاعم والسناك بار (- 0.34 %).
وعليه، وبالرغم من إستمرار إنخفاض”مؤشر جمعية تجار بيروت – فرنسَبنك لتجارة التجزئة” – الذي كان متواضعاً نسبياً في الفصل الثاني من سنة 2024، يمكن القول بأن الإقتصاد اللبناني كاد أن يبدأ بإكتساب نوع من التأقلم مع الأزمة التي يتعايش في ظلـّـها، علماً بأن عوامل متعدّدة، منها إستقرار العملة ومنها أيضاً عدم حدوث تغيـّـرات جوهرية في الوضع المحلي والإقليمي، قد ساهمت في تباطؤ المسار التراجعي للحركة الإقتصادية.
وتبقى مطالبة القطاع الخاص عموماً، والقطاع التجاري بشكل خاص، بأن تقوم الجهات المعنية – ولو متأخـّـرةً، بطرح خارطة طريق لمستقبل إقتصادنا الوطني، لا تكون مبنية على التطوّرات الآنية، إنما تكون محصـّـنة ضدّها، وتنموية بإمتياز، بما في كل ما تتضمـّـنه هذه العبارة من قرارات مالية وضريبية وجمركية صائبة.