حركة في الاسواق لايستهان بها
في التقرير الشهري لمؤشر جمعية تجار بيروت-فرنسبنك لتجارة التجزئة، إن “إنطلاقة العام الجديد 2025 تميـّـزت بالتفاؤل الحذر … إنما حركة الأسواق لا تزال بطيئة”.
و في التفاصيل: فقد شهدت بداية هذا العام، يقول التقرير، إستعادة خجولة للحركة في الأسواق، بعد التطوّرات السريعة والإيجابية التي بدأت بإنتخاب رئيس للجمهورية وتالياً تشكيل حكومة جديدة تميـّـزت بالكفاءات العالية. وكلّ ما رافق هذا وذاك من وعود وبرامج تعافٍ وإصلاح تبشـّـر بحقبة جديدة للبلاد . لذا ساد في الاجواء شعور متفائل وترقـّـب بأن “حكومة الإصلاح والإنقاذ” قد تكون – أخيراً، نقطة إنطلاق نحو المستقبل المرجو للوطن والمواطن، بخاصة مع المباشرة بعملية الإصلاح النقدي والمالي والإقتصادي والمؤسساتي والإجتماعي،اضافة الى فتح الباب أمام معاودة المفاوضات مع صندوق النقد والبنك الدوليَيْن، وإستعادة العلاقات الطبيعية مع دول الخليج ومجموعة الدول المانحة والمُقرضة، وأخيراً وليس آخراً: إعادة الثقة للمستثمرين المحليين والمغتربين والأجانب.
لكن يبدو أن ذلك، يقول التقرير، لم يكن كافياً لغاية اليوم لكي تشهد الأسواق إستعادة مشجــعة للنشاط والعافية الإستهلاكية. ذلك أن “مؤشر جمعية تجار بيروت – فرنسَبنك لتجارة التجزئة” الجديد هو: 30.01 للفصل الأول من سنة 2025 (بالمقارنة مع 31.37 في الفصل السابق).
ويدلّ إستمرار التراجع (وإن كان محدوداً)، بالرغم من التطوّرات الإيجابية وقدوم المغتربين خلال فترة عيد الفطر، الى أن حركة الإستهلاك لا تزال مرهونة بشكل أساسي بالمعطيات السياسية والمالية والنقدية في البلاد، وعليه، بالضبابية النسبية في ما يتعاّـق بالتطوّرات على المدى القصير.

ونتيجة لذلك، كان الجميع، ولا سيما منهم المستهلكون المحليون، لا يزالون في حالة ترقـّـب – ولو كان هذا الترقـّب متفائلاً، وذلك بسبب التأخر في إنجاز خطوات إيجابية على الصعيد المالي، بإستثناء قيام مصرف لبنان برفع قيمة السحوبات الشهرية بموجب التعميمين 158 و 166، حين تمّ فيه إقرار ميزانية 2025 ، كما كان قد تمّ طرحها قبل الحرب الأخيرة. إنما كل ذلك جاء مع إستمرار الوجود الإسرائيلي في بعض المواقع في الجنوب والخروقات اليومية الحاصلة، وأمام اليقين عن حجم ورشة إعادة الإعمار المطلوبة – إن في البنية التحتية أو في الإقتصاد، كما في إستمرار الوضع الهش، الى حين مباشرة الجهات الرسمية بالإصلاحات المطلوبة من قـِـبل المجتمع الدولي للمبادرة بمدّ العون والمساعدة للبنان. لذلك، من الواضح أنه لا يمكننا توقـّـع إستعادة الأسواق أي نشاط مقبول قبل أن تتوضـّـح الرؤية والتوجـّـهات التي نحن مقبلون عليها.
وفي هذه الفترة أيضاً، تمكـّـن المصرف المركزي من تحسين مستوى إحتياطياته بالنقد الأجنبي خلال هذا الفصل لتصل الى حوالي 11 مليار دولار، وقفزت قيمة إحتياط لبنان بالذهب الى حوالي 30 مليار دولار بفعل الإرتفاع الذى شهدته الأسعار في الأسواق العالمية. وبالمناسبة كان لتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان في أواخر الفصل الأول، الأثر الإيجابي، ولا بدّ من أن يكون له صدىً إضافي في المرحلة المقبلة، وإن كان محدوداً في الفترة الأولية للحاكمية.
وفي إنتظار تكشـّـف الرؤية للمسار الذي نحن مقبلين عليه، لايزال لبنان مدرجاً على اللائحة الرمادية، مع كل ما لذلك من إرتدادات على تعاملات المواطنين المالية، ولا سيما التجار منهم، على النطاقين المحلي والدولي، وباتت الدولرة أمراً واقعاً ما عدا في التعاملات الرسمية، فظلـّـت الشركات في حالة إرتباك في ما يتعلـّـق بكيفية إعادة تخمين المخزون وتقييم الأصول الثابتة ومعالجة فروقات الصرف في دفاترهم.
وعليه، يتم الملاحظة بأن المؤشر هبط من مستوى 31.37 في الفصل الرابع من سنة 2024 الى مستوى 30.01 في الفصل الأول من هذه السنة، مع تسجيل هبوط حقيقي فصلي للنتيجة المجمـّـعة لقطاعات تجارة التجزئة بنسبة – 14.92 % مع إستثناء مبيعات الوقود، التى شهدت من حيث الكميات إرتفاعاً بنسبة + 29.24 %.
وبالتفاصيل، فقد سجـّـلت أرقام الأعمال في الأسواق، في كافة القطاعات، إنخفاضاً لا يزال ملحوظاً في أغلبيتها، وقد أظهرت النتيجة المجمـّـعة لقطاعات تجارة التجزئة هبوطاً سنوياً حقيقياً بنسبة – 10.77 % عمـّـا كانت عليه في الفصل الأول من السنة الماضية، وهبوطاً فصلياً حقيقياً بلغت نسبته – 14.92 % بالمقارنة مع أرقام الفصل الرابع لسنة 2024 كما هي الارقام المدوّنة(مع إستثناء قطاع المحروقات في الحالتين).
في الختام، يقول التقرير، لا يسعنا إلّا أن نترقـّـب التطوّرات التى سوف تحدث خلال الفصل الثاني لهذه السنة، على الساحة اللبنانية كما على الساحة الدولية، حيث من المتوقـّـع أن تتبلور المعطيات السياسية والأمنية في البلاد، وأن تبدأ تداعيات السياسات التجارية الأميركية الجديدة وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على لبنان بالظهور.
إنما، وكعادته، لا يزال التاجر اللبناني ينظر بتفاؤل الى المستقبل، ويظلّ على أتم الإستعداد لمواكبة التغيـّـرات، مع التمنـّـي بأن تقف الحكومة الى جانبه وتعطيه الفرصة لإستلقاط الأنفاس.