حركة الأسواق بين بين
صدر الفصل الثالث من “مؤشر جمعية تجار بيروت-فرنسبنك لتجارة التجزئة” للسنة الحالية 2023 وأبرز ما فيه أن نسبة التضخّم تتباطأ، فضلاً عن تحسّن خجول في بعض الأسواق.. وفي تفاصيل هذا المؤشر أن أرقام الأعمال الإسمية (Nominal) المجمـّـعة لقطاعات تجارة التجزئة ما بين الفصل الثالث من 2022 والفصل الثالث من 2023، سجّلت إرتفاعاً بنسبة 57.72 % باستثناء قطاع المحروقات الذي سجّل انخفاضاً طفيفاً جداً بلغت نسبته 1.33 % من حيث الكميات التى تمّ بيعها خلال هذا الفصل.
وللتذكير، تقول نشرة جمعية تجار بيروت-فرنسبنك، فإن 57.72 % يـُـمثــّـل نسبة الإرتفاع في أرقام الأعمال الإسمية بالليرة اللبنانية قبل التثقيل، علماً أنه يمثّل مؤشراً على حجم الحركة التى طاولت بعض القطاعات الأساسية، لا سيما المواد الغذائية والمطاعم والتبغ ومواد البناء، وبنسبة أقل قطاع الملبوسات.
أمـّـا بعد القيام بتثقيل تلك الأرقام الإسمية بنسبة مؤشر غلاء المعيشة للفترة ما بين الفصل الثالث لسنة 2022 والفصل الثالث لسنة 2023 (+ 208.50 % بالمقارنة مع 253.55 % للفصل السابق)، يتبيـّـن أن الأرقام الحقيقية ظلـّـت تنازلية بالمقارنة مع الفصل الثالث للسنة السابقة، وكان هذا التراجع، وللفصل الثاني على التوالي، بوتيرة أقل ممـّـا شهدته الفصول السابقة، مع تفاوت في نسب الهبوط بين القطاعات، في حين أن إستهلاك الوقود ظلّ، كما ذكرنا أعلاه، ثابتاً تقريباً من حيث الكميات.
إذاً شبه إنتعاش في أسواق السلع الغذائية بالنسبة للفترة نفسها من السنة الماضية، وفي القطاعات التى تمتّ من قريب أو من بعيد الى السياحة والضيافة والترفيه، كما في قطاع الأدوية. لكنّ حركة خجولة سادت الأسواق التقليدية للسلع المعمـّـرة وغير الأولوية، حيث كانت تلك الحركة أضعف ممـّـا كان يتوقـّـعه التجار.
لقد تمّ تسجيل تلك النتائج في غياب أي تطوّر إيجابي لجهة إنتخاب رئيس للجمهورية، في حين قامت وزارة المالية بتقديم مشاريع موازنة الدولة الى الحكومة، تتضمـّـن العديد من الضرائب الجديدة أو الإضافية، الأمر الذى سبـّـب حالة من عدم الإرتياح لدى الأوساط الإقتصادية والمالية، ولا سيما لدى التجار الذين يخشون أي إجراء يمكن أن يؤثر في ملاءتهم المالية من جهة، وعلى مستوى الأسعار من جهة أخرى، وتباعاً على ما تبقـّـى من أرقام أعمالهم. وقد تمّ تبرير طرح تلك الزيادات بضرورة ملاقاة متطلبات صندوق النقد الدولي لناحية رفع مستوى الإيرادات وتقليص نسبة العجز، في توقيت غير ملائم طبعاً، وفقاً لكافة المعايير الإقتصادية العلمية التي تقتضي تخفيف الأعباء على القطاعات المنتجة في الإقتصاد وليس زيادتها في اوضاع كتلك التى تمرّ بالبلاد.
وبالنسبة لزيادة مؤشر التضخـّـم ما بين الفصل الثالث لسنة 2022 والفصل الثالث لسنة 2023 فقد سجّلت مستوى 208.50 % ، ما يعني إستمرارية إرتفاع الأسعار إنما مع بعض التباطؤ، حيث كانت النسبة قد سجـّـلت + 253.55 % في الفصل السابق.
الى ذلك، فقد شهدت نسبة التضخـّـم ما بين الفصل الثاني والفصل الثالث لسنة 2023 ، أيضاً، تراجعاً إضافياً ملحوظاً، لتبلغ فقط 9.27 % بعدما كانت قد بلغت 22.61 % في الفصل السابق، وبعد تسجيل زيادة فصلية قياسية غير مـُسبوقة بلغت 81.40 % في الفصل الأول لهذه السنة.
استناداً الى تقرير الإحصاء المركزي، فإن معدّلات التضخّم في القطاعات ما بين الفصلَيْن الثاني والثالث لسنة 2023، جاء كالتالي: قطاع الصحة: 46،92%، قطاع المواد الغذائية والمشروبات غير الروحية: 13،06%، قطاع النقل: 7،46%، قطاع المطاعم والفنادق: 5،71%، قطاع الإستجمام والتسلية والثقافة: 4،63%، قطاع المشروبات الروحية والتبغ: 1،31%، قطاع التعليم: 0،09%، قطاع الإتصالات: 0،87%، قطاع الألبسة والأحذية: 1،10%، قطاع الأثاث والتجهيزات المنزلية: 4،60%.
وفي المحصلة يمكن القول أنه في حين لم يكن للعوامل السياسية أو الإقتصادية، التى لم تشهد أي تطوّرات بارزة توحي بالتفاؤل، تأثير إيجابي، لا بدّ من الإشارة الى أن تسلّم نائب حاكم مصرف لبنان زمام أمور البنك المركزي وتصريحاته التوضيحية للسياسات التى يعزم إتـّـباعها، كان لهما صدى ايجابي على النفسية السائدة، خاصة أنه كان صارماً في موضوع عدم المسّ بالإحتياطي المتبقـّـي (الذى إستقرّ حوالي الـ 9 مليار دولار دون الذهب واليوروبوندز)، وتمكـّـن من الحفاظ على شبه إستقرار في سعر صرف الليرة اللبنانية.
ولا يفوتنا أيضاً الإشارة الى الجهود الجبـّـارة التى بذلها التجار خلال هذه الفترة في مختلف القطاعات لناحية إستقرار أو تخفيض الأسعار، الأمر الذى كان له أيضاً أثر إيجابي – ولو متواضعاً، في تحريك عجلة الإستهلاك.
وبالأرقام، شهدت الأسواق تحسـّـناً حقيقياً (أي بعد التثقيل بنسبة التضخـّـم) للنشاط المجمـّـع نسبته + 8.59 % ما بين الفصلَيْن الثاني والثالث لسنة 2023 (بالمقارنة مع نسبة – 36.45 % في الفصل السابق)، وذلك بعد إستثناء قطاع الوقود والمحروقات حيث تمّ تسجيل زيادة بنسبة + 25.94 % من حيث الكميات (وهذا الرقم يبدو طبيعياً نظراً للإستهلاك الإضافي خلال فصل الصيف، سواء من قـِـبَـل المقيمين أو من قـِـبـَـل الوافدين الذين إستأجروا سيارات ..). وهنا يجب الإنتباه الى أن التحسـّـن، الذى كان ملحوظاً في بعض القطاعات، كان نسبياً في معظم القطاعات الأخرى، في حين أن البعض الأخير من القطاعات شهد تراجعاً حقيقياً، ومن أبرزها قطاع السوبرماركت والمواد الغذائية (- 4.06 %).