السالمونيلا كما تظهر مكبّرة على بيضة
اذا كنت تظن أن التسمّم الغذائي هو شيء من مخلّفات الماضي، فأنت واهم. ففي الولايات المتحدة الأميركية وحدها، وهي قطعاً ليست من دول العالم الثالث، يُصاب فيها الآلاف سنويًا بداء السلمونيلا الذي يأتي على شكل آلام بطنية وغثيان وإسهال وإقياء وحمى. وسبب تفشي هذا الوباء، هو تناول المصابين حليبًا ملوّثًا.
ولم تكن ثمة طريقة للتعرّف الى هذا الخطر الصحي الداهم. ذلك أن البكتيريا المسبّبة للمرض عديمة اللون والرائحة والطعم. ومع أن انتشار المرض بهذا الحجم لا يقع في كثير من المرّات، إلا أن التسمّم، بحدّ ذاته، شائع ومنتشر بكثرة. وكمثال بسيط على ذلك، فإن أحد الإحصائيات يُشير إلى أن كلفة العناية بمرض داء السلمونيلا بلغ في سنة فائتة حوالى مليار دولار في الولايات المتحدة الأميركية وحدها.
مع ذلك، يجب أن لا نقلق أو ننغلق على أنفسنا أو نندفع نحو سجن معقّم، ذلك لأن معظم حالات التسمّم هي نتيجة لأخطاء بشرية بالإمكان تجنّبها، اذا كنّا نعرف المبادئ الأولية لدعم الصحة العامة ومنع تفشّي الأمراض.
والواقع أن ثمة طريقتين يمكن أن تتسبّبا في إحداث مشاكل، أولاهما التسمّم الغذائي الناجم عن تناول غذاء محتوٍ على السُمّ والذيفان الذي تولّده البكتيريا الموجودة في الغذاء الذي نتناوله والذي يحتوي على كائنات موجودة في الجسم، إذا كان هذا الغذاء يفتقر الى المواصفات الصحية.
ومع أن البعض قد يستغرب ما سنقوله، الا أن السيطرة على هذه الكائنات سهلة تماماً، وهذا هو الهدف الذي يجب تحقيقه. فالبكتيريا التي تسبّب معظم حالات التسمّم موجودة في كل مكان، بما فيها طعامنا. وهكذا، فبدلاً من محاولات التخلّص منها، وهو أمر مستحيل بطبيعة الحال، فإن بإمكاننا أن نسعى الى الوقاية من التسمّم، وهي مسألة تعتمد على إيقاف نمو هذه الكائنات الدقيقة أو قتلها في الوقت المناسب، علماً أن هناك خمسة أخطاء شائعة تسبّب التسمّم الغذائي، وما علينا الا أن تتجنّبها، حتى تضمن سلامتنا وسلامة أفراد العائلة.
1- درجة الحرارة غير المناسبة مسؤولة عن معظم حالات التسمم الغذائي. إن معظم البكتيريا تموت في درجات الحرارة التي تتجاوز 165 درجة فهرنهايت، ومن الممكن منعها من النمو والتكاثر في درجات الحرارة التي تتجاوز الـــ 150 درجة أو تنقص عن 40 درجة، علمًا أنّها تتكاثر بسرعة هائلة بين هاتَيْن الدرجَتَيْن.
فليس من الحكمة، على سبيل المثال، أن تترك طبقاً من الطعام الحار يبرد قبل أن تضعه في البراد، لأنه من خلال تبريده التدريجي يستغرق وقتاً كبيراً وهو في درجة حرارة مناسبة لنمو الجراثيم. أما إذا وضع في البراد فلا شك أنه سيبرد بسرعة أكبر بكثير.
وانتبه أيضاً إلى أن تحفظ الأطعمة غير المطبوخة في البراد أيضاً. فإذا بقيت قطعة من اللحم في درجة حرارة الغرفة لبضع ساعات، فمن الممكن أن تكون مشبعة بالذيفان عند طبخها والحرارة لا تقتل الذيفان.
وإذا كنت مضطراً إلى ابقاء الأطعمة خارج البراد لإذابتها مثلاً، فاحفظْها في أغلفة مُحكمة الإغلاق تحت الماء البارد، وحاول أن تختصر فترات فتح باب البراد ما أمكن، وذلك لضمان بقاء درجة الحرارة فيها عند الأربعين فهرنهايت.

2- الطعام غير المطهو جيداً خطر. إن الفروج النيئ، على سبيل المثال، يحتوي على نسبة عالية من الملوّثات وبالإمكان تجنّب المشاكل عن طريق الطبخ الجيد للّحم والدواجن والأطعمة البحرية. وكقاعدة عامة، فإن طبخ هذه الأصناف من الأغذية الى درجة الحرارة الداخلية (165 فهرنهايت) يقتل البكتريات التي يُحتمل أن تكون عالقة بها أو مختبئة فيها. وينطبق هذا الكلام على مخلفات الطعام التي يجب إعادة تسخينها هي الأخرى الى الدرجة 165 فهرنهايت دون الإكتفاء بالتسخين البسيط. كما أن تذوّق الطعام أثناء طهوه ينطوي على الخطر أيضاً.
3- مخالفة العادات الصحية سبب آخر من أسباب التسمّم الغذائي. وهذا ما يوضح أهمية غسل اليدين قبل تناول الطعام وبعده وبعد الخروج من المرحاض، لأن أخطر الكائنات التي تسبّب حالات التسمّم تنتقل عن طريق البراز.
والى ذلك، فإن من المبادئ الأساسية التي تؤكّد عليها التقديرات الصحية الرسمية في المطاعم والفنادق وما اليها، عدم جواز التدخين أثناء تجهيز الطعام. ذلك أنه عندما تدخّن تلمس طرف السيجارة، ويصل شيء من اللعاب الى أصابعك ثم الى الطعام بعد ذلك. وللسبب نفسه، يجب غسل اليدين بعد التدخين وبعد تناول الطعام أو الشراب.
أما اذا كنت مريضاً، فمن الحكمة أن لا تجهّز الطعام بنفسك، وكذلك اذا كنت مصاباً بجرح أو بتهيّج جلدي، أو إذا كنت تشكو من بعض البثور أو الحبوب.
4- غالباً ما تكون التجهيزات والمعدّات الملوّثة سببًا لانتشار حالات التسمّم الغذائي. فمن الواضح ضرورة استعمال أدوات نظيفة أثناء تحضير الطعام ولكن المشكلة هي في عدم معرفة الأبعاد الحقيقية لمصطلح النظافة. ففي ما يلي، على سبيل المثال، مشهد عام نراه كثيراً في حياتنا اليومية: امرأة تقطع فروجاً نيئاً على لوح خشبي، ثم تقطّع الخضار من أجل السلطة باستعمال نفس السكين واللوح الخشبي ذاته. ومع ذلك، فإن هذه المرأة لا تدري أنها ارتكبت ثلاثة أخطاء عندما سمحَتْ للبكتريات الموجودة في الفروج النيء أن تنتقل الى السلطة عن طريق يديها والسكين واللوح الخشبي الذي استعملته للتقطيع.

لذا يجب أن نعرف بشكل حازم أنّه بعد تقطيع اللحم النيئ أيّا يكن نوعه، لا بدّ من تنظيف اليديَنْ والسكين واللوح الخشبي الذي استُعمل للتقطيع، بالماء الحار والصابون، وذلك قبل العودة الى استعمالها مرة أخرى.
5- يجب أن تتجنّب مصادر الطعام غير المأمونة. إذا أردنا تجنّب التسمّم الغذائي، فليس من الحكمة، مثلاً، تناول اللحم أو السمك النيء، وكلاهما قد يكونان محتويين على البكتريا. كذلك لا يجوز أن نشرب الحليب قبل غليه أو تعقيمه. وبالمثل، لا يجوز تناول البيض القذر أو المشدوخ. أما الأطعمة شديدة الحموضة ذات المادة السكرية الكثيفة، فعلى الرغم من أنها لا تساعد البكتيريا على النمو، الا أن العفن من المحتمل أن يتشكّل فوقها.
وعلى العموم تجنّب شراء الأطعمة ذات الرائحة النفاذة أو اللون غير الطبيعي، وتجنّب ما أمكنك تناول الطعام خارج المنزل، لأن المطاعم في كثير من الأحيان تكون السبب في انتشار حالات التسمّم الغذائي. ومن الصعب الحكم على جودة المطعم دون أن ترى ما يجري في المطبخ.أما إذا كنت مضطراً الى تناول الطعام خارج المنزل، فاختر مطعماً يكون أقرب الى النظافة ما أمكن.
6- معالجة العفن. ينمو العفن في البراد لأنه يتحمل درجات الحرارة المنخفضة وتكمن خطورته في أنه يعمل على تسريع عمليّة التسمّم الغذائي، فضلاً عن تسبّبه بالحساسية والإضطرابات التنفسية، كما أنه قد يولّد الذيافين أو السموم في بعض الحالات المعيّنة. وفيما يلي بعض النصائح المتعلقة بهذا الموضوع:
– لا تشمّ المادة الغذائية المتعفّنة. فالعفن قد يسبّب الإضطرابات التنفسية. واذا كانت المادة الغذائية مغطاة بطبقة كثيفة من العفن فامسحها بلطف وتخلّص منها فوراً، ونظّف المكان الذي كانت فيه، وافحص الأصناف المجاورة له.
أما إذا كانت البقعة المتعفّنة صغيرة فتصّرف كما يلي:
– بالنسبة للجبن القاسي، اقطع 2 الى 3 سنتمترات حول وتحت المنطقة المتعفنة. إبقِ السكين بعيدة عن العفن، ثم غلّف الجبن مرة أخرى في غلاف جديد نظيف. أما بالنسبة للمربيات ذات القوام السميك، فبالإمكان التخلّص من البقعة العفنة بالملعقة، ثم استعمل ملعقة أخرى نظيفة لتنظيف المنطقة المحيطة. وإذا لاحظت أن الجزء الباقي من المادة الغذائية طبيعية المنظر والرائحة، فاحتفظ بها. أما إذا كان متخمّراً فتخلّص منه. أما الأغذية الطرية المتعفّنة فيجب أن تتخلص منها كليّاً.
7- التسمّم الوشيقي، هي حالة نادرة الحدوث ولكنها قاتلة ومميتة، حيث تصل نسبة الوفيات في حالات التسمّم الوشيقي الى ثلاثين بالمائة. ويُقدر العلماء أن فنجاناً مملوءاً بالزيفان المسبّب للتسمم الوشيقي يُمكن أن يقتل الآلاف. وينتج التسمم الوشيقي عن الأطعمة المعلبة تجارياً أو الأطعمة المعلبة بطريقة خاطئة في البيوت. ومن النصائح المهمة في هذا الصدد: عدم تناول أو تذوّق طعام من علبة منتفخة أو طعام ذي رائحة كريهة، وتخلّص من مثل هذه الأطعمة، بحيث تضمن عدم تناولها من قبل الآخرين أو من قبل الحيوانات. وكذلك تجنّب الأطعمة المعلبة منزلياً ولا تتذوقها قبل طبخها. فالحرارة تقتل الذيافين التي قد تتواجد فيها. وإذا كنت تمارس التعليب المنزلي، فتأكد من أنك تعرف الطرق الصحيحة لذلك.