المرأة المزارعة بلا تغطية
تلعب صناعة التأمين دورًا حيويًا في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للأفراد والمجتمعات. ومع ذلك، لا تزال هناك فجوة تأمينية واضحة بين الرجال والنساء تعكس التفاوتات القائمة في الوصول إلى الخدمات والمنتجات التأمينية. هذه الفجوة لا تعود فقط إلى الاختلافات الاقتصادية، بل أيضًا إلى عوامل اجتماعية وثقافية تقلّل من اهتمام النساء بالتأمين أو قدرتهن على الاستفادة منه. و يُعدّ سد هذه الفجوة ضروريًا لتعزيز الشمول المالي والمساواة بين الجنسين.
و تشير هذه الفجوة،بحسب نشرة الاتحاد المصري للتأمين ذات الرقم 395 ،الى التفاوت في معدلات الاستفادة من منتجات التأمين بين الرجال والنساء. فغالبًا ما تكون النساء أقلّ تأمينًا مقارنة بالرجال، سواء في التأمين الطبي، أو على الحياة، أو ضد الحوادث. ويرجع ذلك إلى عوامل متعددة تشمل الفجوة في الدخل، والمشاركة الاقتصادية، والأدوار الاجتماعية.
وتعتبر النساء، ودائما حسب انشره، قوة اقتصادية حيوية تلعب أدوارًا متعدّدة في المجتمع. لذا، فإن سدّ فجوة التباين الاجتماعي، ومساعدة النساء على تحقيق إمكانياتهن الكاملة، سيؤديان إلى دفع التقدّم الاجتماعي والنمو الاقتصادي إلى الأمام.
وفي الواقع، فغالباً ما تواجه النساء تحديات أكبر مقارنة بالرجال للحصول على التأمين، وتشمل هذه التحديات أبعاداً اقتصادية وثقافية واجتماعية، ما يؤدي إلى انخفاض مستويات التأمين بين النساء مقارنة بالرجال. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل:
.1تشكّل النساء نسبة كبيرة من العاملين في القطاع غير الرسمي، الذي يتّسم بخلوّه من أنظمة الحماية والتأمين.
.2في العديد من الثقافات، ينظر للرجل باعتباره العائل الأساسي للأسرة، ما يؤدي إلى توجّه شركات التأمين لتصميم منتجاتها بما يلائم الرجال أكثر من النساء. هذا النمط يؤثر على وعي النساء بأهمية التأمين، حيث يقلّ شعورهن بالحاجة إليه.
.3العديد من برامج التأمين لا تأخذ في اعتبارها احتياجات النساء الخاصة، مثل الحماية خلال فترات الأمومة أو الأمراض التي قد تؤثر بشكل أكبر عليها، ما يحدّ من جاذبية هذه البرامج بالنسبة اليهّن.
الى ذلك، فإن الاهتمام بسوق تأمين المرأة، عالميا لا يعني فقط إعادة تصميم منتجات التأمين. بل يتطلّب تغيير التصوّر العام عن التأمين ومعالجة احتياجات النساء في اللحظات الحرجة في حياتهن.
ففي الدول النامية، حيث يفتقر معظم الأفراد إلى التأمين، تزداد أهمية الحصول على المنتجات التأمينية بدءاً من تأمين المنزل وحتى التأمين الطبي لمساعدة النساء في حماية أنفسهن وأسرهن.
أما في الأسواق المتقدمة، فتزداد أهمية الاستقلال المالي للنساء. على رغم أن لدى العديد من النساء، أساسيات التأمين، مثل تأمين السيارة أو المنزل، فإنهن أحيانًا يفتقرن إلى تأمين الحياة أو الوصول إلى برامج تأمين الادخار طويلة الأجل.
ويلعب التأمين دورًا أساسيًا في تعزيز التمكين المالي من خلال تبنيّ دور النساء المتنامي في المجتمع خصوصًا في مجال الخدمات المالية. ويمكن المساهمة في هذا التمكين بشكل كبير من خلال ضمان حصول النساء على فرص متساوية للوصول إلى التأمين، لصالح صحتهن وأعمالهن وثرواتهن، في جميع المناطق الجغرافية.
ويشير تقرير حديث صادر عن مؤسسة التمويل الدولية (IFC) إلى أن النساء ذوات الدخل المنخفض والمتوسط مستعدات لإنفاق ما يتراوح بين 10-15% من دخلهن الشهري على التأمين. وهذا يتماشى مع التجارب في مجال التمويل متناهي الصغر، حيث تشير البيانات إلى أن النساء أكثر وعيًا بالمخاطر وأقل احتمالًا للتعثر في السداد مقارنة بالرجال.
ويساهم الوصول إلى الخدمات المالية في التخفيف من تأثير المخاطر الشخصية والطبيعية والذي يشكّل خطورة أكبر وعائقا هائلا في حالة الطبقات الفقيرة، ويعد التأمين أحد الخدمات المالية التي تلعب دورًا أساسيًا في تحقيق هدف القضاء على الفقر. وهذه بعض الارقام:
-يبلغ معدل تغلغل التأمين Penetration Rate ، و الذي يقاس بنسبة الأقساط إلى الناتج المحلي الإجمالي، حوالي 2.9% فقط في الأسواق الناشئة، مقارنةً بأكثر من 7% في الولايات المتحدة وأكثر من 9% في المملكة المتحدة، و هو ما يشير إلى وجود إمكانات نمو كبيرة، خاصة في البلدان التي يصل فيها نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى 5000 دولار.
-و تمثّل النساء مفتاحا لزيادة معدل تغلغل التأمين، اذ أنهن يملكن حماية مالية أقل مقارنةً بالرجال.
ووفقًا لأحد التقارير الصادرة عن مؤسسة التمويل الدولية (IFC)، يُقدّر حجم السوق العالمية للتأمين الموجّه للنساء بقيمة تتراوح بين 1.5-1.7 تريليون دولار بحلول عام 2030. أما في الأسواق الناشئة، فإن إمكانات النمو هائلة، حيث يُقدر أن تنمو السوق إلى ما بين 570 و890 مليار دولار، أي بزيادة تتراوح بين 6 إلى 9 أضعاف.
لتقليل هذه الفجوة، يجب اتخاذ خطوات شاملة تركّز على تمكين المرأة اقتصاديًا وزيادة الوعي بأهمية التأمين. ويمكن أن تشمل الحلول تصميم برامج تأمين ميسّرة تلبي احتياجات النساء، مثل التأمين متناهي الصغر، الذي يركّز على الشرائح ذات الدخل المحدود. بالإضافة إلى ذلك، يجب تعزيز التوعية المجتمعية والتثقيف المالي للنساء لضمان فهمهن لمزايا التأمين وكيفية الاستفادة منه.
وعلى رغم الإمكانيات والتطوّرات الواضحة لصناعة التأمين، إلا أن هناك نقصًا في تبنيّ نهج استراتيجي واسع النطاق نحو زيادة حصول النساء على التأمين. ويرجع ذلك جزئيًا إلى الظروف الخاصة التي تواجهها العديد من النساء. على سبيل المثال الاحتياجات الخاصة بهن، لا سيما فيما يتعلّق بالتأمين الصحي، الذي غالبًا لا تغطيه الوثائق التقليدية في الأسواق الناشئة. مثال: تغطية الحمل، والتي غالبًا ما يتّم تجاهلها.
هناك خطوات عملية يمكن للشركات اتخاذها لفتح هذه السوق من خلال معالجة احتياجات النساء.
أولاً، تحتاج الشركات إلى التأكد من امتلاكها لبيانات دقيقة حول نوع العملاء (رجال – نساء) ليس فقط بشكل عام، بل أيضًا وفقاً لنوع المنتج. كما يجب على شركات التأمين تقديم حلول مخصصة للنساء، نظراً لأن منتجات التأمين الحالية، قد لا تلبي توقعات النساء للتخفيف من المخاطر في الحاضر والاستعداد بشكل أفضل للمستقبل. وتتطلّب معالجة هذه المشكلة فهماً أفضل للمخاوف المالية والصحية التي تواجهها النساء وبالتالي يجب تزويدهن بالأدوات اللازمة لمنع المخاطر أو التخفيف منها. كذلك يتعين على شركات التأمين أيضاً أن تستعين بالنساء باعتبارهن مؤثرات للعمل على توعية مجتمعاتهن بأهمية التأمين، وتعزيز مستوى الثقة العام في السوق.
وفقًا لتقرير “المخاطر العالمية لعام 2023“ الذي أعدته إحدى شركات التأمين الكبرى، حددت النساء أكبر ثلاث مخاطر تواجههن وهي: تغير المناخ، الأوبئة الجديدة، والأمن السيبراني. وفي كل من هذه المجالات، تجد النساء أنفسهن في الخطوط الأمامية. لهذا السبب يجب تعزيز قدرة المرأة على مواجهة تغير المناخ والأوبئة المستقبلية وتعزيز مشاركة المرأة في التكنولوجيا الرقمية.
-بالنسبة لتغير المناخ، غالبًا ما تتحمّل النساء العبء الأكبر لتغيّر المناخ. حيث تضيف الآثار الصحية للتلوّث الداخلي والبيئي المزيد إلى أعبائهن في الرعاية. كما يؤدي تغير المناخ إلى تقليل توافر الموارد الطبيعية التي تعتمد عليها الكثير من النساء في سبل عيشهن، خاصة في الدول الناشئة. كما أن النساء أكثر عرضة لفقدان حياتهن في الكوارث الطبيعية، حيث يقدمّن الرعاية للآخرين بدلاً من البحث عن ملاذ لأنفسهن. على سبيل المثال، من بين القتلى خلال كارثة تسونامي المحيط الهندي عام 2004، كان 70% منهم نساء. وتصف الأمم المتحدة تغير المناخ بأنه “مضاعف للتهديدات” لأنه يزيد من عدم المساواة التي تواجهها النساء. وعلى سبيل الحلول التأمينية، قامت إحدى شركات التأمين بتقديم وثيقة تأمين لحماية النساء المزارعات من تأثير تغير المناخ من خلال مشروع “شبكة التأمين لصغار المزارعين” (INES)، ويهدف المشروع إلى سد فجوة الحماية، حيث أن أربعة من كل خمسة مزارعين صغار حول العالم ليس لديهم تأمين على المحاصيل أو الرعاية الصحية.
-بالنسبة للأمن السيبراني ودور المرأة، فان التقنيات الرقمية تهيمن على حياتنا اليوم، ومع ذلك لا تزال هناك فجوة رقمية كبيرة بين النساء والرجال وخاصة في الدول الناشئة، حيث يقلّ احتمال امتلاك النساء لجهاز محمول أو وصولهن إلى جهاز كمبيوتر. علاوة على ذلك، لا تزال النساء ممثلات بشكل ضئيل في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات التي تُعتبر المهن المستقبلية. فوفقًا لأرقام البنك الدولي، تمثل النساء حاليًا 1: 3 من بين كل ثلاثة خريجين في هذه المجالات في أوروبا والولايات المتحدة. وعلى سبيل الحلول يجب العمل على توفير برامج تدريبية للمرأة لدعمهن وللتغلب على الحواجز التعليمية وتنفيذ المبادرات لتعزيز مشاركة المرأة في أدوار تتعلق بالتقنيات الرقمية وتعزيز الوعي بالتحديات التي تواجهها النساء في التكنولوجيا وتحفيزهن على التدريب والعمل في هذا المجال الواعد.
فيما يتعلق بمواجهة الجوائح والأوبئة، النساء أكثر تأثرًا من الرجال بالجوائح والأوبئة بسبب مجموعة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والصحية التي تؤثر على تجربتهن بشكل خاص. هذه العوامل تشمل:
.1الدور الاجتماعي التقليدي: النساء يتحملّن عادةً العبء الأكبر من الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال وكبار السن والمرضى. وفي أوقات الأزمات الصحية، يزداد هذا العبء، مما يزيد من الضغط الجسدي والنفسي عليهن. كما يعمل عدد كبير من النساء في قطاعات الرعاية الصحية والاجتماعية (مثل التمريض والعناية الشخصية)، مما يجعلهن أكثر عرضة للإصابة بالعدوى.
.2الاقتصاد غير الرسمي والفقر: النساء يمثلن نسبة كبيرة من العاملين في الاقتصاد غير الرسمي، حيث يفتقرن إلى الحماية الوظيفية، مثل الإجازات المرضية أو التأمين الاجتماعي. مما يجعلهن أكثر عرضة لفقدان مصادر دخلهن أثناء الجائحة. وتُظهر الإحصاءات العالمية أن النساء أكثر عرضة للفقر مقارنةً بالرجال، مما يجعلهن أقل قدرة على التعامل مع تداعيات الأوبئة اقتصاديًا.
تتفاعل هذه العوامل بشكل معقد لتزيد من هشاشة النساء أمام الأوبئة والجوائح. وعلى سبيل الحلول التأمينية لذلك الخطر، يجب توفير المزيد من المنتجات الصحية لحمايتهن وتعزيز نهج صحي متكامل يشمل صحتهن النفسية والجسدية معًا
العالمية التي تهتم بتأمين احتياجات المرأة:
–في جنوب أفريقيا، تعد شركة first for Women، وهي جزء من مجموعة Telesure، علامة تجارية منفصلة تركز على احتياجات العميلات من النساء. وتشمل المنتجات التأمين على الحياة والصحة والسيارات والمباني ومحتويات المنزل. وتفضل النساء بعض الميزات، بما في ذلك تغطية حقائب اليد (جزء من سياسات محتويات المنزل)، وتغطية صحية مخصصة للنساء.
-تضم شركة Assupol، وهي شركة تأمين أخرى في جنوب أفريقيا ومستثمرة في مؤسسة التمويل الدولية، أغلبية عملائها من النساء. وبشكل عام، تبلغ النسبة 58%. وبالنسبة للأعمال الجديدة، فقد وصلت إلى 65% في بعض السنوات. ويرجع هذا النجاح إلى عاملين أساسيين تبنتهما الشركة وهي تصميم منتجات تعالج المراحل المختلفة من حياة المرأة قد نشرت الشركة مكاتب متنقلة في البلدات والقرى، ما يسهل على النساء اللاتي لا يستطعن مغادرة أسرهن حضور اجتماعات طويلة مع ممثلي شركة التأمين.
–في البرازيل، أضافت شركة بورتو سيجورون خدمات الكونسيرج إلى وثيقة التأمين على السيارات، Auto Mulher، والتي تستهدف النساء. وتشمل الخدمات المساعدة على مدار الساعة في السيارات أو المنازل والوصول إلى السائقين الذين يمكنهم اصطحاب الأطفال من المدرسة أو نقل الأشخاص إلى المستشفى، واستلام وتسليم السيارات للإصلاح والخصومات على أشياء مثل مقاعد الأمان في السيارة. تعكس هذه الابتكارات بأن النساء يفضلن الخدمات المفيدة، وليس مجرد دفع المطالبات، من شركات التأمين الخاصة بهن.
–في الهند، طورّت شركة تاتا إيه آي جي وثيقة التأمين على الصحة للنساء، والتي تغطي الأمراض الحرجة، بما في ذلك سرطان الثدي وإلى جانب فوائد أخرى مثل خط مساعدة صحي وخصومات على خدمات الصحة والجراحات التجميلية بعد وقوع حادث. كما تقدم وثيقة عائلية، والتي تغطي من بين ميزات أخرى تعليم الأطفال في حالة وفاة حامل الوثيقة أو إعاقته الكاملة.
تظهر هذه الأمثلة الأربعة تزايد اهتمام شركات التأمين بحصول المرأة على النوع المناسب من التأمين تماشياً مع احتياجاتها. ولتحقيق النجاح المطلوب، يجب على الشركات التي تسعى لتسويق منتجاتها للنساء دمج النوع الاجتماعي بشكل كامل في استراتيجياتها وأن يكون لديها خطة عمل تركّز على المرأة. كما يتعين على شركات التأمين العمل على فهم احتياجات المرأة بشكل أفضل لجعل التأمين أكثر شمولاً. ولتعزيز دور التأمين في حماية المرأة وسد الفجوة التأمينية يجب:
.1تعزيز التوعية التأمينية بشكل عام وبين النساء بوجه خاص.
.2زيادة الاهتمام بتصميم منتجات تأمينية تلبي احتياجات النساء في مختلف المراحل الحياتية، مثل التأمين الطبي، تأمين الأمومة، وتأمين الحياة بشروط مرنة.
.3إتاحة المزيد من خطط سداد مرنة ومنخفضة التكلفة لجعل التأمين في متناول جميع النساء، خاصة في المناطق منخفضة الدخل.
.4وضع سياسات تدعم الشمول المالي للمرأة وتشجع على تطوير منتجات تأمينية متخصصة.
.5التوسّع في الحلول الرقمية لتوفير منتجات تأمينية سهلة الوصول والشراء عبر الإنترنت، مما يُمكّن النساء من إدارة احتياجاتهن التأمينية بأنفسهن.
.6استخدام التحليلات الرقمية لفهم احتياجات النساء بشكل أفضل وتصميم منتجات تناسب تلك الاحتياجات.
.7دعم البحوث التي تدرس احتياجات المرأة التأمينية، خاصة في المناطق التي تعاني من فجوات كبيرة في التأمين.
.8رصد تأثير المنتجات التأمينية الحالية على تحسين الأمان المالي للنساء وتطوير وثائق التأمين بناءً على هذه النتائج.