الخرع شائع في الفقر وسوء التغذية
في دراسة حديثة نشرتها مجلة “طبّ الأطفال” التابعة “لجمعية الأطباء الأميركيين JAMA Paediatrics” يوم 28 تشرين الثّاني (نوفمبر) 2022، جاء أن إعطاء الأطفال جرعات فموية أسبوعية من فيتامين (د) على مدى 3 سنوات، لم يُجْدِ نَفْعًا في تحسين النمو، فكان البحث صادماً لأطباء الأطفال الذين عالجوا عَوَز فيتامين (د) على مدى عقود، وأثارَ عندهم وعند الناس تساؤلات جمة.
![](http://taminwamasaref.com/wp-content/uploads/2022/12/تقوس-الساقين-عند-طفل-بسبب-الخرع.jpg)
والذي أثار هذا الموضوع هو الأستاذ F. Perry Wilson من كلية الطب بجامعة ييل الأميركية1 الذي لفتت نظره دراسات بالغت في ربط عوز الفيتامين (د) بكل شيء، بدءاً بالألم العضلي والتعب، مروراً بـــ Covid وداء السل (نحو 2 مليون وفاة سنويًا) وسوء التغذية عند الأطفال (نحو 10 ٪ من أطفال العالم)، وانتهاء بالخَرَف والسرطان، ما أعطى لمكمّلات الفيتامين (د) جاذبية خرافية، خاصة وأنها قليلة الآثار الجانبية ورخيصة الثمن نسبيًا2.
ويعلّق ولسون على ذلك بنفيه أن يكون الفيتامين (د) هو العامل المسبّب لكلّ هذه الأمراض، إذ إنه “مجرد متفرّج كطائر الكناري في منجم الفحم”، كما قال. ذلك أنّ “مستوى فيتامين (د) عند كل إنسان هو دلالة على نمط حياته، فهو أعلى عند الأشخاص الذين يتناولون الأطعمة الصحية ويمارسون الرياضة ويقضون وقتًا أطول تحت الشمس، ولهذا أفضّل أن “ينفُق المرء أمواله في التنزه بدلاً من شراء الفيتامين” كما أضاف. ويدلّل ويلسون على ذلك بالدراسة الحديثة3 المشار إليها في المقدمة، التي اختير فيها 8851 طفلاً من جميع أنحاء أولانباتار في (منغوليا) بصورة عشوائية، وأُعْطِيَ كلّ منهم إما 14 ألف وحدة دولية كل أسبوع من فيتامين D3 (أو دواء وهميا Placebo للمقارنة) وذلك لمدّة ثلاث سنوات، علماً أن جميع هؤلاء الأطفال كانوا يعانون عَوَزاً في الفيتامين د (95٪ منهم دون 20 نانو غرام / مل، ونحو ثلثهم دون 10 نانوغرام / مل).
مستويات فيتامين د قبل بدء الدراسة المنشورة عام 2022 JAMA Pediatrics: الأصفر (نقص شديد) والأحمر (نقص متوسط) والأخضر (نقص خفيف)
![](http://taminwamasaref.com/wp-content/uploads/2022/12/Screenshot_20221205_193309.jpg)
![](http://taminwamasaref.com/wp-content/uploads/2022/12/Screenshot_20221205_193405.jpg)
![](http://taminwamasaref.com/wp-content/uploads/2022/12/Screenshot_20221205_191613.jpg)
وما لفت النظر بحقّ، هو أنه في نهاية الدراسة لم يُرَ أي تحسّن في مقاييس الطول أو كتلة الجسم أو علامات البلوغ، ما طَرَح تساؤلا كبيراً: ما تفسير ما حدث؟
يقول د. ويسلون ردًّا على هذا التساؤل: “إن هناك احتمالين كبيرين، أولهما، أن مكملات فيتامين (د) لا تفيد، وهذا مدعوم بسلسلة طويلة من التجارب التي لا تُظهر أي تأثير لمكملات هذا الفيتامين على أيّ من الحالات المرضية، بمعنى أن الربط بين تلك الحالات ونقص الفيتامين غير دقيق. وثانيهما، أنه إذا اتخذنا موقف المدافع عن فيتامين (د)، وقرّرنا أن الدراسة أخطأت، ربما لأن جرعات الفيتامين لم تُعطَ بشكل صحيح، أو أن 3 سنوات غير كافية لعمل فرق واضح، أو أن مقاييس النمو كانت خاطئة.. إلخ.. هذا مقبول إلى حد ما، إذ لا توجد دراسة مثالية بالمطلق”. تابع: لكن علينا هنا أن نكون حذرين من الوقوع بمغالطة رمي الطفل مع مياه ما بعد الاستحمام)4” كما قال ويلسون، مضيفًا: “لاعتقادنا بأن الدراسة يُمكن أن تحقّق شيئًا أفضل، ونتجاهل ما رأينا، ويقتضي الواجب ههنا أن نستقصي جذور المشاكل لا ظواهرها المرافقة مثل نقص الفيتامين الذي لا تفيد فيه المكملات الدوائية، لنعود إلى المربع الأول: التغذية والتمارين الرياضية والتشميس”.
دراسة مانسون وزملائه، منشورة عام 2019 تبين غياب أي فرق في نتائج الإصابة بالسرطان أو أمراض القلب أو السكري أو السقوط أو كل أسباب الوفيات بين من تناولوا فيتامين د أو الذين تناولوا دواء خلبياً
تعليق: موضوع الفيتامين (د) كبير وشائك، وقد استخدمه الأطباء عموما وأطباء الأطفال خصوصًا، لعقود طويلة في الوقاية والعلاج، فكم من حالات الخرع Rickets التي عولجت فمويا أو عضليا، وظهر التحسّن السريري والشعاعي فيها بعد أشهر من العلاج، ما يجعل من يقرأ نتائج هذه الدراسة الحديثة يشعر بالصدمة.
صحيح أن دور التغذية والرياضة والتشميس مهم جدا، لكن المشكلة أنها ليست سهلة المنال في كثير من الأحوال (وأخص التشميس في البلدان الباردة، والفقر المستشري في العالم الثالث)، ولهذا فإن الدراسة تُلغي بصيص نور عقد عليه الأطباء والناس آمالا كبيرة.
على أية حال، رأينا أن نعرض ما قرأنا على مجموع الناس، والمراجع متوافرة في المقال وفي الإنترنت، يمكن لمن يريد أن يطلع عليها ويبني رأياً، علما أنني أطلعتُ مجموعة من الزملاء على ما قرأت، ولم نصل إلى قرار واضح في ما يخصّ المكمّل الدوائي، إذ تتوافر خبرة سريرية مهمة بالتأكيد، لكنها غير مدعومة في الوقت الحاضر بدراسات وافية، لعلّ أحد الخبراء المهتمين يدلي برأيه العملي في هذا الموضوع.
د. غالب خلايلي
————————–
هوامش
.2 الحقيقة أن منتجات الفيتامين د غالية الثمن في بلدان كثيرة، وتحقق شركات الأدوية ربحا هائلا منها.
.4“لا ترم الطفل مع ماء الاستحمام” اصطلاح يقال عن خطأ يمكن تجنبه، وهو التخلص من شيء جيد عند محاولة التخلص من شيء سيئ. المعنى: لا تتجاهل الأساسيات وتحتفظ بما لا لزوم له بسبب الحماسة المفرطة. هذا المصطلح مشتق من المثل الألماني das Kind mit dem Bade ausschütten. وأقدم تسجيل له في عام 1512 في Narrenbeschwörung (نداء للحمقى) بواسطة Thomas Murner والذي يتضمن رسمًا توضيحيًا على الخشب يظهر امرأة ترمي طفلًا بمياه الصرف. هي عبارة شائعة بالألمانية مع أمثلة على استخدامها في أعمال مارتن لوثر وكيبلر وغوته وبسمارك وتوماس مان وجونتر غراس.