مصباح كمال… تاريخ التأمين العربي احد مشاغله
ربما اطلع العديد من القراء على الكتابات التأمينية، المطبوعة والإلكترونية، لمصباح كمال وخاصة كتاباته حول قضايا التأمين العراقي في ماضيه وحاضره. ولعل خير تعريف به هو كتاب احتفاء بالقيمة، حوارٌ طويل ضم ثلاثة عشر محورًا قام به تيسير التريكي (منتدى المعارف 2018). وإلى ذلك، تعاون كمال والتريكي على ترجمة عدد من كتب التأمين تتناول مواضيع قلّما يجري تغطيتها في الكتابات التأمينية العربية. إضافة إلى تعاونهما في إصدار ثلاثة أجزاء من كتاب ذاكرة التأمين العربي-حوارات (منتدى المعارف، 2019، 2020، 2021). وسيصدر لهما قريبًا كتاب المرأة في قطاع التأمين العربي-حوارات، وهو كتاب فريد من نوعه في مكتبة التأمين العربية.
يأتي نشر كتاب “مقتربات تاريخية واقتصادية ومعاصرة” وكأنه استكمال لهذه الكتب، كونه يلج أبوابًا تتوزع على ستة عشر فصلًا تكاد أن تكون جديدة في انتقاء مواضيعها والاقتراب منها. قد يسأل القارئ الذكي: أين هي الجِدّة؟ لنبدأ بعنوان الكتاب، فو يجمع بين التاريخ والاقتصاد والمعاصرة في ما يخص الشأن التأميني في العراق والعالم العربي رغم أن الكاتب لم يوزّع فصول الكتاب تحت أبواب ثلاثة.
لنأخذ الفصل الأول، “الأشكال الأولية للتأمين في العراق القديم” فهو في ظاهره يتناول موضوعًا تناوله بعض الكتاب الغربيين وكذلك أقرانه في العراق، ولكنه تميّز عنهم بتوسيع النظرة على الأشكال الأولية القديمة للتأمين، وتعمّق في درسها وربطها ببعض أشكال التأمين الحديثة. وهو بذلك يخبرنا أن تاريخ مؤسسة التأمين غارقة في القدم وأن بعض مصادرها موجودة في منطقتنا.
ويبدو أن تاريخ التأمين في العالم العربي هو أحد مشاغله رغم أنه لا يدّعي بأنه مؤرخ، إذ نقرأ له فصولًا تحمل دلالات لا تخفي على القارئ المهتم: إطلالة على ابن خلدون وجذور التأمين في العالم العربي، مداخلة حول تحديث البحث في التأمين وتأريخه في العالم العربي، غياب الكتابة العربية حول تأريخ التأمين، قراءة نقدية لكتاب صناعة التأمين في مصر عبر قرن ونصف. قد لا تكون هذه الفصول دراسات تاريخية صرفة لكنها، وهنا يكمن أهميتها، تؤشر على ما يمكن البحث فيه.

ونقف مشدوهين، ومتأملين أيضًا، ونحن نقرأ فصلًا تاريخيًا بعنوان “التأمين والعبودية: فصل بغيض في تاريخ التأمين الرأسمالي” فهنا نتعرّف على موضوع كان مسكوتًا عنه في الكتابات التأمينية الغربية والعربية. هنا يطلعنا على جانب مظلم في تاريخ التأمين التجاري في الغرب.
إنّ هذا الفصل يجمع بين التاريخ والاقتصاد رغم أن الأخير لم يحظَ بمعالجة مستقلة. لكن فصولًا أخرى في الكتاب تُعرّفنا على “آدم سميث واستخدام التأمين في كتاب ثروة الأمم”، وهنا نتعرف إلى جانب من فكر من يُقال بأنه مؤسس الاقتصاد الكلاسيكي لا يرد في الكتابات الكثيرة جدًا عن هذا المفكر.
نقرأ بعد ذلك فصلًا يحمل سؤالًا: “هل هناك تكلفة للاقتصاد عندما يكون التأمين غائبًا؟”، ونقرأ أيضًا عن “محاولة للتفسير الاقتصادي للخسارة المهدرة التي تفرضها شركات التأمين”. (“الخسارة المهدرة” مصطلح شائع الاستعمال في العراق يقابله مصطلح التحمّل أو فقرة التحمل أو الاستقطاع في أسواق التأمين العربية).
فإذا انتقلنا إلى ما هو معاصر، كما يعرضه المؤلف، نقرأ فصلًا فريدًا حول الفلسفة والتأمين، وهذه هي المرة الأولى التي نكتشف فيها علاقة من نوع ما بين نشاط فكري وآخر هو في جوهره نشاط عملي يستهدف الربح. ونقرأ للمرة الأولى أيضًا ما اسماه الكاتب بملاحظات سريعة حول التأمين واللغة العربية بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية.
ونقرأ أيضًا عن “رمضان والتأمين في العراق” ولو أن الكاتب خصَّ العراق بالذكر لكن مضمون هذا الفصل ينطبق على جميع أسواق التأمين العربية رغم ما ورد في العنوان.
نعرف من متابعتنا لما يكتبه مصباح كمال أنه، وباعترافه، مدين في تعلمه لمبادئ التأمين إلى شركة التأمين الوطنية في بغداد عندما بدأ عمله فيها أواخر سنة 1986. وقد ظلَّ متابعًا للشأن التأميني في العراق رغم أنه غادر العراق عام 1977. لذلك نفهم لماذا يكتب دراسة نقدية عن “البنك الدولي وقطاع التأمين العراقي”. ويتبع ذلك بفصل مهم جدًا بعنوان “قطاع التأمين العراقي: قضايا ومقترحات للتطوير”. ونرى أنه يتجاوز هنا، في تفكيره بقضايا التأمين العراقي ومقترحاته لتطويرها، المقتربات التي تقدمت بها الأطراف الرسمية في العراقية وكتابات أقرانه والمؤتمرات التي عقدت لإصلاح قطاع التأمين. على كل من له مصلحة في الاقتراب من مشاكل قطاع التأمين العراقي وإيجاد الحلول لها أن يدرس ويتأمل بكل ما جاء في هذا الفصل.
ما يميز منهج مصباح كمال في الكتابة هو الإحالة إلى المصادر والمراجع وكأنه يؤكد للقارئ أن المعرفة لا تأتي من فراغ بل هي تراكم جاء بفضل إسهامات الآخرين. وهو موقف يدل على تواضع علمي، نفتقره أحيانًا لدى البعض إذ يكتبون وكأنهم هم المبدعون للأفكار التي يعرضونها في كتاباتهم.
إن محتويات هذا الكتاب تستحق القراءة وإعادة القراءة، واستلهام منهج الكاتب في البحث عن بعض قضايا التأمين في العالم العربي. لا نغالي إذا قلنا بأنه كتاب فريد من نوعه في مكتبة التأمين العربية.
في زمن نشهد فيه ضعف نشر الكتاب التأميني نرى أن “منتدى المعارف” بشخص مديره الدكتور ربيع كسروان، لا يزال متشبثًا بنشر كتب التأمين. ونأمل أن يقابل إصراره هذا بقيام شركات التأمين باقتناء منشوراته التأمينية لإبقاء الاهتمام بالكتاب التأميني حيًا وتشجيع ناشرين آخرين عليه.
كان من المناسب لكتاب كهذا أن يضم فهرسًا بالأعلام والموضوعات لتسهيل الاستفادة منه من قبل الباحثين.
لمن يرغب بشراء الكتاب، الاتّصال بـ “منتدى المعارف” على:
هاتف مكتب: 749140 (9611)
هاتف خليوي (موبايل): 586063 (9613)
بريد إلكتروني: rabih@almaarefforum.com.lb