في مستشفى الشيخ خليفة، أبو ظبي
وهو يضع اللمسات الأخيرة على كتاب المسؤولية العشرية قبل دفعها إلى الناشر في بيروت
“في استذكار الدكتور مصطفى رجب” (1928-2025) هو عنوان الكتاب الذي أعدّه وحرّره السيد مصباح كمال، وفاءً لهذا الرجل الذي يُعدّ قامة تأمينية في موطنه العراق، و في دول الوطن العربي، كذلك تكريما لدوره كرائد في مجال إعادة التأمين التي ارتبط اسمه بها منذ تسلّمه إدارة شركة الإعادة العراقية سنة 1960.
الكتاب الذي حمل صورة كبيرة للراحل،و الأرجح أنه كان يومها على أبواب السبعينات من عمره، نشرته مكتبة التأمين العراقي. وبحسب الكاتب فإن هذه الصورة منقولة من رسالة بعثها الرئيس السابق للإتحاد المصري للتأمين عبد الرؤوف قطب.
في هذا الكتاب بصفحاته الـ 75 ،كلمات ورسائل في رحيل الدكتور مصطفى رجب، و في كتاباته،و في تأسيسه الإعادة العراقية ومواضيع أخرى، فضلاً عن ملحق من الصُور المختارة. أما الإهداء “فلكلّ الأيادي الكريمة التي رحلت عنا والتي وضعت تقدّم قطاع التأمين العراقي هدفاً لها والتي احتضنت طلاب العمل التأميني للتدريب والرعاية المهنية لقناعتها بأن هؤلاء هم الجيل المرتقب لرفد القطاع بالكوادر.
دخل الدكتور مصطفى رجب (20 حزيران 1928-15 حزيران 2025) ميدان التأمين مع تأسيس شركة إعادة التأمين العراقية، أي انه دخل الميدان دون أن يحمل معه خلفية مسبقة فكرية أو عملية في التأمين سوى علمه القانوني، الذي اكتسبه في العراق وبعدها في سويسرا حيث حصل على شهادة الدكتوراه، و من ثم إدارته دائرة مسجّل الشركات مصحوبًا برؤية مرتبطة بالمساهمة في نهوض العراق بعد الحرب العالمية الثانية الذي شهد انطلاق جيل مهموم بالحداثة وتنمية العراق قي مختلف المجالات.
دخل هذا الميدان في أوائل ستينيات القرن الماضي عندما كلفته وزارة التجارة بتأسيس الشركة. لم يهجر هذا الميدان الذي كرّس له حياته العملية في العراق ولبنان ودولة الإمارات العربية المتحدة. وظلَّ لصيقًا بعالم التأمين من خلال التأليف إلى أن غادرنا.
لم يكن إداريًا عاديًا؛ بل كان شخصية بارزة في مجاله: إدارة شركة إعادة تأمين تابعة للدولة، يديرها ضمن ضوابط الكفاءة على مستوى الأداء ومستوى انتقاء الموظفين والتدريب المستمر. لقد كان، كما وصفناه، صاحب مشروع لبناء شركة رصينة لإعادة التأمين يعمل فيها طاقم من الموظفين والموظفات انتقاهم بحرص ليكونوا أصحاب معارف ومهارات مناسبة للعمل من خلال إخضاعهم للتدريب بإشراف مباشر منه. وقد فصّلَ سياسة التدريب في كتاب حوار مع رائد في إعادة التأمين.
وظّف حنكته ومعرفته بطبيعة نشاط إعادة التأمين العابر للحدود ليحصل من الدولة على الدعم في مجالات مختلفة. ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره حول مسألة تحويل العملة الصعبة للخارج لتسديد حسابات معيدي التأمين وغيرهم. وقد كتب الآتي بهذا الشأن:
“منذ البداية كان واضحاً لديَّ أن طبيعة عمل الشركة تتعارض مع القيود التي يفرضها البنك المركزي على تحويل النقد إلى الخارج، إذا كيف يمكن لشركة إعادة التأمين أن تكسب ثقة الأسواق العالمية وشركات التأمين المسندة إذا كانت خاضعة في بلدها للقيود على عمليات تحويل النقد. لذلك سعيت للاتصال بالبنك المركزي العراقي (بتأييد من وزارة التجارة) للحصول على الإعفاء من تلك القيود على أن تقدّم الشركة قوائم شهرية بما يتم تحويله للخارج وما يتمّ تسلّمه من الخارج. حيث تمت الموافقة. وحسب علمي كانت الإعادة العراقية الشركة الوحيدة التي منحت مثل هذا الإعفاء”.
كانت علاقته التفاوضية مع شركات إعادة التأمين الغربية تقوم على منطق المصالح المتبادلة ولم يكن ينظر إلى هذه العلاقة وكأنها معادلة صفرية. وخير شاهد على ذلك هو مفاوضات لندن مع معيدي التأمين في “سوق لويدز” وقت تأسيس الصندوق العربي لتأمين أخطار الحرب حول الحماية الإعادية للصندوق. فما يحدد طبيعة هذه العلاقة بين الطرفين هو أن كلاً منهما يريد شيئاً من الآخر. وهو بذلك كان يعتمد مبدأ ندية الجانب العربي مع الآخر ويتعامل مع الآخر بمهنية العارف بشؤونه مهتديًا بمهنية معيد التأمين “الجنتلمان”.
بفضل إدارته الصارمة اكتسبت الإعادة العراقية مكانة متميّزة لها على الصعيدين العربي والدولي كانت موضع اهتمام وتقدير. وهنا أود أن اقتبس مطولاً من مقال اشتركت بكتابته مع الزميل سمير قطان (مدير سابق في شركة إعادة التأمين العراقية) للتدليل على مكانة الدكتور مصطفى.
تصميم المعماري هشام منير (1965)
الى ذلك، كتب د. مصباح كمال وهو يسرد سيرة د. مصطفى رجب أن هذا “الكرّاس ليس بديلاً عن البحث، وأملنا من كل من لديه معلومات ووثائق ومقالات لها علاقة به الكشف عنها لتكون في متناول الباحثين. وبهذا الشأن أتمنى على إدارة شركة إعادة التأمين العراقية البحث في مكتبتها وأرشيفها لكشف ما ترك الدكتور مصطفى رجب من أوراق ذات قيمة توثيقية أو معرفية يمكن جمعها وإصدارها في كتاب. نعرف أن له العديد من المقالات المنشورة في أماكن مختلفة قد لا يمكن الوصول إليها بسهولة، ربما تضم مكتبة الإعادة العراقية البعض منها”.
إن تجميع كتابات الدكتور ونشرها ستكون مفيدة لمن يتولّى مهمة البحث عن مواقفه تجاه قضايا التأمين وإعادة التأمين في العراق والعالم العربي، وكذلك المساهمة في دراسة تاريخ التأمين العراقي.
تبقى إشارة الى ان الكتاب تضمّن كلمات ورسائل في رحيل مصطفى رجب باللغتين العربية والإنكليزية، كما تضمن نعي الإتحاد العام العربي للتأمين ونعي الإتحاد الأفريقي الآسيوي للتأمين وإعادة التأمين، فضلاً عن ملحق خاص بكتاباته وآرائه، إضافة الى مجموعة من الصُور المنتقاة كما اسلفنا .
كما أتمنى،يقول مصباح كمال، على إدارة الإعادة العراقية، ومن باب الوفاء والاستذكار، تسمية قاعة باسمه في مبنى الشركة الحالي لحين رجوعها إلى مبنى الشركة الواقع في ساحة الخلاني والذي تمّ إنجازه في عهده.
لقد تحقّق إعداد هذا الكراس الاستذكاري بفضل إسهامات زميلات عزيزات وزملاء أعزاء في قطاع التأمين وآخرين خارج القطاع، ربما تعرفوا عليه من خلال ما نشره في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين، بالكتابة عن رحيله من عالمنا، فلهم كل الشكر. تكشف بعض الرسائل إضافات وتفاصيل مهمة عن شخصية الدكتور مصطفى وعمله.
ربما سنعمد إلى إعادة إصدار هذا الكراس بعد وصول رسائل تعزية أو مواد أخرى تستحق التوثيق أو تصحيحات أو إضافات.
