المشي بلا حذاء يجلب المرض
الورم الفطري Mycetome هو مرضٌ مُعدٍ بطيء ولكنه مدمر يبدأ في الأنسجة تحت الجلد ويمكن أن يغزو الجلد والأنسجة العميقة والعضلات والعظام. وينمو الورم الفطري الذي يسببه أكثر من 70 مِكروبًا من أصل بكتيري أو فطري في البيئات المدارية وشبه المدارية التي تشيع فيها الإصابات الناجمة عن وخز الأشواك.
وإذا تُرك المرض دون علاج، فإنه يتطور من عقيدات غير مؤلمة إلى تورُّمات كبيرة. وإذا لم يُكتشَف الورم الفطري ويُعالَج مبكرًا فقد يتسبب في تشوُّه كامل للأطراف، مما يتسبب في المعاناة الشديدة والعجز وضعف القدرة على العمل وكسب الرزق، ويؤدي في الحالات المتقدمة إلى البتر والوفاة.
ولا يُعرف سوى القليل عن معدل الإصابة بالورم الفطري وانتشاره في جميع أنحاء العالم. وبما أن المرضى والعاملين الصحيين غالبًا ما لا يتعرفون الى العلامات المبكرة، فإن المرض يتطور في كثير من الأحيان إلى النقطة التي يصبح بتر العضو المصاب ملزماً، ما يؤدي إلى إعاقة مدى الحياة وبالتالي يفرض أعباء طبية وصحية عامة واجتماعية واقتصادية ثقيلة على المرضى ومجتمعاتهم المحلية ونُظُم الرعاية الصحية.
ولكن كيف يمكن تفادي أو علاج هذا الورم؟ تقول نشرة منظمة الصحة العالمية، يمكن أن تساعد، خصوصاً في الوقاية. فالأحذية المغلقة والملابس الواقية تستطيع أن تحمي من الجروح الوخزية. ويُنصَح الأشخاص الذين يعيشون في مناطق موطونة بهذا المرض أو يسافرون إليها بعدم المشي بقدمين حافيتين.
وبالاستفادة من خبرات مركز بحوث الورم الفطري في الخرطوم – الذي عُيِّن مركزًا متعاونًا مع المنظمة في العام 2015، قادت حكومة السودان والمنظمة حلقة العمل التدريبية الدولية الأولى بشأن الورم الفطري في العام 2019 لتعزيز القدرات الوطنية في مجال التشخيص والعلاج والترصُّد.

فماذا عن هذا المركز (العالمي) المعرّض للخطر الآن؟
لقد أمضى المركز عقودًا من الزمن في النهوض بالمعرفة بهذا المرض، واستحداث وسائل تشخيص رائدة للتمكين من الكشف المبكر عنه في الأماكن النائية، وتوفير الرعاية الشاملة من خلال عياداته وشبكته التي توفر الخدمات الصحية عن بُعد. وبوصفه شريكًا رائدًا في التعاون الإقليمي والعالمي لدفع عجلة التقدم في مكافحة الورم الفطري، فقد قَدَّمَ مركز بحوث الورم الفطري التدريب للمهنيين الصحيين والعلماء.
الاّ أن الصراع الدائر في السودان كان له تأثير مدمّر على عمله، بل أكثر من ذلك، فقد هدّد هذا الصراع بمحو عقود من البحوث والتدريب والرعاية لآلاف المرضى. وتمتد هذه الانتكاسة إلى خارج حدود السودان، وهو ما يقوّض التقدم العالمي المُحرَز في مكافحة الورم الفطري.
يُذكر هنا أن ندوة الكترونية منتظرة سيسلّط خلالها خبراء معروفون الضوء على هذا المرض المُهمَل، وسيشرحون الأهمية البالغة للنهوض بالبحوث وإذكاء الوعي وتعزيز جهود الوقاية لإنهاء المعاناة الناجمة عن الورم الفطري، وذلك في 16 تموز الحالي بين 2 و 4 بعد الظهر بتوقيت القاهرة. وبنتظار هذه الحلقة الدسمة، ننشر في ما يلي بعض المعلومات المهمة عن هذا الورم الذي ينتشر في الجسم ويؤثر على الجلد والأنسجة العميقة والعظام..
بداية نُشير الى ان الورم الفطري ينتشر في البيئات المدارية وشبه المدارية التي تتسم بقصر مواسم الأمطار وطول مواسم الجفاف والتي تلائم نمو الشجيرات الشوكية. وبحسب الدراسات فهو متوطّن في كل من أفريقيا وآسيا وأوروبا وأميركا اللاتينية. ويتسبب بآثار طبية وصحّية واجتماعية واقتصادية ضارة عديدة للمرضى والمجتمعات المحلية والخدمات الصحّية في المناطق المتضرّرة. وعادة ما يُنصح ينبغي أن يُنصح الأشخاص المقيمون في المناطق التي يتوطّنها المرض أو المسافرون إليها بعدم المشي حفاة، إذ يمكن الوقاية عموماً من الجروح الناجمة عن وخز الأشواك بانتعال الأحذية وارتداء الملابس، علماً أنه يمكن أن يصيب أي جزء آخر من الجسم، لا القدم فقط، وتنجم عدواه على الأرجح عن التلقيح الرضحي لفطريات أو بكتيريا معينة في النسيج تحت الجلدي. وقد اُشير، حتى الآن، إلى وجود أكثر من 70 نوعاً من البكتيريا والفطريات المختلفة بوصفها عوامل مسبّبة للمرض، وإن الإصابة تطاول الشباب، ولاسيما الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و30 عاماً في البلدان النامية. علماً أن أكثر من يتضرّر بهذا المرض هم الأشخاص الذين يعيشون في أوضاع اجتماعية واقتصادية متدنية وأصحاب الحرف اليدوية مثل المزارعين والعمال والرعاة.

وكان قد أُبلغ عن الورم الفطري لأول مرة في منتصف القرن التاسع عشر في مادوراي، الهند، لذا أُطلق عليه بداية اسم قدم مادورا. ولا تتوفر حالياً بيانات دقيقة عن معدلات الإصابة بالمرض وانتشاره، بيد أن الكشف المبكر والعلاج ضروريان للحد من معدلات المراضة وتحسين حصائل العلاج، مع افشارة هنا الى أن الكائنات المسبّبة للورم الفطري تتوزّع في جميع أنحاء العالم ولكنها تتوطّن المناطق المدارية وشبه المدارية في ما يُسمى “حزام الورم الفطري”، الذي يشمل كلاً من جمهورية فنزويلا البوليفارية، تشاد، إثيوبيا، الهند، موريتانيا، المكسيك، السنغال، الصومال، السودان، تايلند واليمن، من بين بلدان أخرى. ويختلف عدد الحالات المبلغ عنها بحسب البلد، ولكن تتركز معظم الحالات المُبلغ عنها في الوقت الراهن في المكسيك والسودان.
والآن ماذا عن العلاج؟
يتوقف العلاجظظن تقول نشرة منظمة الصحة العالمية، على نوع الكائنات المسبّبة للمرض. فبالنسبة للورم الفطري البكتيري، يتمثل العلاج في توليفة من المضادات الحيوية في حين يتكون علاج الورم الفطري الناجم عن الفطريات من توليفة من الأدوية المضادة للفطريات والجراحة. ويستغرق العلاج وقتاً طويلاً ويخلف أعراضاً جانبية كثيرة، ولا يتوفر في المناطق التي يتوطّنها المرض، والأهم من ذلك أن نتائجه غير مرضية في أحيان كثيرة. ومن الشائع بتر الأعضاء وتواتر الإصابة بالالتهابات في حالة الورم الفطري الناجم عن الفطريات. على أن هذا المرض
لا يندرج ضمن الأمراض الواجب الإبلاغ عنها (بحكم القانون) ولكن يجري حالياً العمل على وضع نظام عالمي لترصده. ولا توجد بعدُ برامج لمكافحة الورم الفطري إلا في السودان. ومن الصعب الوقاية من عدواه، غير أنه ينبغي نصح الأشخاص المقيمين في المناطق التي يتوطّنها المرض أو المسافرين إليها بألا يمشوا حفاة.