الرئيس ماكرون يتوسط المشاركين في المؤتمر
دعم لبنان عينياً ومعنوياً (وحتى مادياً)، يزداد يوماً بعد يوم، رغم سياسة العداء التي انتهجتها الحكومات القليلة السابقة او غضّت النظر عنها تجاه دول، سواء كانت عربية أو اجنبية، بدليل تواصل المساعدات حالياً وحتى شبه اليومية، ومن بينها المساعدات السعودية، على سبيل المثال التي توصلها طائرة يومية محمّلة بالأغذية والأدوية وما قد يحتاج اليه النازح، متناسية ما أسيء اليها من قبل البعض.
وفي وقت سعت الى قمة جامعة عربية-اسلامية ستعقد في الرياض بهدف إيجاد حلّ للقضية الفلسطينية، وهي الأساس، وكذلك الحرب الإسرائيلية على لبنان، نشطت فرنسا، كعادتها، لتقديم المساعدة لمساعدة للشعب اللبناني التي نسجت معه علاقات أكثر من ودية، فكان مؤتمر باريس الحالي لدعم سيادة لبنان والشعب اللبناني وقد حشدت له لتلبية احتياجاته وكذلك لنصرة الجيش، بما يمكّنه من تنفيذ مهماته المرتقبة عند تطبيق القرار 1701، مع الإشارة هنا الى أن هذا المؤتمر الداعم ليس الأول، أذ سبقته مؤتمرات إستثمارية مثل باريس واحد واثنين وثلاثة و”سيدر” لإعادة الإنماء في لبنان، مع فارق أن هذا المؤتمر هو للمساعدات الإنسانية والاجتماعية والذي يُفسّر بأنه “تسوّل أمام المجتمع الدولي وهذا محزن جداً لأن لبنان لا يستحق هذا الإذلال”، كما قال د. فؤاد زمكحل رئيس MIDEL وعميد كلية إدارة الأعمال في الـ U.S.J.
وفي الإطار نفسه وعلى هامش الإجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليَيْن في واشنطن، قال وزير الإقتصاد والتجارة اللبناني أمين سلام، في لقاء خاص مع CNBC عربية، ان “تكلفة الدمار الذي أحدثته الضربات الإسرائيلية على لبنان وصلت، حتى الآن، الى 20 مليار دولار، وأن معدل البطالة بلغت ما يزيد عن 65 % بسبب الحرب، وأن الحكومة تعيش في حالة طوارئ داعمة للصمود منذ 3 أعوام”.
بالعودة الى الدكتور فؤاد زمكحل وتقييمه للخسائر التي عُني بها لبنان، فقد قال، في هذا المجال، أن تداعيات هذه الحرب ضربت بالعمق كل القطاعات الإنتاجية ولا سيما تلك التي كانت في الطريق الى النمو من جديد بعد الإنهيارَيْن المالي والنقدي. فالقطاع السياحي، مثلاً، الذي إستقطب صيف 2023 أكثر من 3 مليارات دولار، من مردود الحركة السياحية، تفاجا القيمون عليه بفتح جبهة الإسناد في تشرين الأول 2023 التي دمّرت كل الآمال والرؤى لإعادة الإنماء، والذي كبّد لبنان في أهم ثلاثة أشهر من نهاية العام 2023 خسائر وصلت الى 5 مليارات دولار كانت مرتقبة.
وبالنسبة للقطاع الصناعي الذي كانت عجلاته قد عادت الى الدوران بعد خمس سنوات من الركود والإنكماش، تابع زمكحل، “واجه مجدداً ارتفاعاً باهظاً في الإنتاج، في كلفة التأمين والنقل، ونقصاً في اليد العاملة، بالإضافة إلى جزء كبير من الصناعات التي دُمّرت في جنوب لبنان، وجزء آخر من الصناعات التي أُجبرت على وقف إنتاجها.
ولعلّ الخسارة الأكبر لهذا القطاع كمنت في فقدان ثقة الزبائن الدوليين الذين لم يجرؤوا على تجديد طلباتهم في بلد ليس مستقراً كمخاوف عدم التسليم.
أما القطاع التجاري، يقول زمكحل، فحدّث ولا حرج. فهو أيضاً واجه ولا يزال صعوبات هائلة اذ امتنع القيّمون على شركاته، تخزين أي “ستوكات” خوفاً من الحرب والغارات التي تضرب في كل مكان. “فهذا القطاع يكتفي بإستيراد بعض المواد الأساسية لا غير، من دون كماليات وغيرها”. ودائماً حسب زمكحل الذي انتقل الى القطاع الزراعي ليقول: “لقد دفع ثمناً كبيراً. فالبقاع يقع تحت النيران اليومية والتدمير المبرمج والممنهج. في جنوب لبنان يواجه قطاع الزراعة إستراتيجية الأرض المحروقة، والقنابل الفوسفورية التي تضربها اسرائيل منذ سنة، بحيث حرقت الأشجار، الزيتون بخاصة في هذه المنطقة الخصبة، وقُتلت المواشي. وحتى إذا وقفت الحرب غداً، فستحتاج هذه الأرض إلى أكثر من 5 سنوات لإعادة خصوبتها الزراعية”. أما القطاع المالي والنقدي والمصرفي والذي إنهار وخسر كل رأسماله، فالكل يعرف أين أصبح.
ختم زمكحل كلامه بالقول: “للأسف، إن لبنان في 2024 لا يشبه لبنان الذي واجه حرب 2006، ولا مجال للمقارنة. لقد خسرنا حالياً كل مقومات المواجهة لا بل أيضاً مقومات الصمود، والأخطر هو أننا خسرنا، مقومات إعادة الإعمار والثقة والرؤية والأمل. لم يعد عقد للبنانيين قرش أبيض ليومهم الأسود، بل خسروا مدخراتهم وأعمالهم ولا يستطيعون تأمين أقل الحاجات الأساسية والإنسانية، مثل الطعام والأدوية والإستشفاء وتعليم أولادهم! وفي المحصّلة، لقد إنهار إقتصادنا وانحدر الناتج المحلي من 50 إلى نحو 19 مليار دولار، بعد الأزمة المالية والنقدية منذ العام 2019. وها هو لبنان يواجه حالياً حرباً تخريبية تُقدّر خسائرها بنحو 15 الى 20 مليار دولار، ومن هنا فالواقع الحالي يدفعنا إلى توقّعات لا تبشر بالخير، لا بل يدفعنا الى توقع المزيد من الدمار والأرض المحروقة، وسيكون من الصعب، كذلك، إعادة الإعمار هذه المرة، من دون رؤية موحدة وأسس متينة تحترم مفهوم الدولة ومؤسساتها ومواعيدها الدستورية”.