أيّ دور سيلعبه ترامب مع البابا الجديد؟
يؤكد الرئيس التنفيذي ومؤسس منظمة استشارية مالية عالمية أن “من يُنتخب لقيادة الكنيسة الكاثوليكية بعد وفاة البابا فرنسيس قد يُحدّد مسار الامور،سلبا او ايجابا،على مستوى العالم أجمع،سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا.
ّقد يبدو هذا الطرح مستغربا للوهلة الأولى، لكن التعمّق بالتفاصيل يشير بما لا يقبل الشك،الى ان انتخاب بابا جديد، في ظل تصاعد التوترات العالمية والانقسامات الأيديولوجية،لا بدّ ان يؤثر على السياسة،كما على الاستثمار وتدفقات رؤوس الأموال بطرق غير متوقعة، ذلك ان مقام الفاتيكان يتعدى الدين الى ما هو اشمل و اوسع و أكثر تأثيرا في السياسة و الاجتماع و الاقتصاد، و الى درجة بلوغه مرتبة الدولة العظمى ذات النفوذ “الناعمة”،اذا جاز التعبير،كونها تتمتع بعلاقات .
يقول نايغل غرين من مؤسسة ديفر في هذا الصدد: “ما سيأتي لاحقًا مع انتخاب بابا خلفا للراحر،لن يؤثر على 1.4 مليار كاثوليكي حول العالم فقط، بل سيشكّل أيضًا محطة لنقاش عام حول مستقبل الرأسمالية و التغّير المناخي والهجرة وعدم المساواة، وهي قضايا انتقلت من هامش صناعة القرار المالي إلى جوهرها”.
لقد كان البابا فرنسيس، الذي توفي عن عمر ناهز 88 عامًا، صوتًا بارزًا في هذه النقاشات. اتسمت بابويته بانتقاد لاذع لتجاوزات الرأسمالية الحديثة، و بجهود دؤوبة من أجل اتخاذ إجراءات عالمية لتحقيق العدالة البيئية والاجتماعية. دافع عن المجتمعات المهّمشة، وانتقد الأنظمة الاقتصادية التي اعتقد أنها تُقصي الفقراء، وساهم في تعزيز زخم الاستثمار البيئي والاجتماعي والحوكمة (ESG) قبل أن يصبح هذا الاستثمار سائدًا بوقت طويل. لم يكن فاعلًا في السوق، لكن الأسواق استمعت إليه. الآن، مسار إرثه غير مؤكد. سيُحدد مجمع الكرادلة المكوّن من 135 كاردينالًا – يُنظر إلى حوالي عشرين منهم على أنهم منافسون واقعيون – ما إذا كان هذا الصوت سيرتفع أم سيصمت.

يقول نايغل غرين أيضا: “المخاطر كبيرة. قد يُحوّل الخليفة اهتمام الكنيسة إلى الداخل، ما قد يُعزّز التيارات القومية”. تابع: “يمكن لشخصية تقدمية أن تُكثّف انخراط الكنيسة في العدالة العالمية والاستدامة، مما يُنشّط الحركات والمؤسسات والمستثمرين الذين يتوافقون مع هذه المواضيع. فهذا يهمّ رجال الاعمال بشكل مباشر. لقد تطوّر الاستثمار في البيئة والاجتماع والحوكمة (ESG) باتجاه هيكلي، ما يؤثر على تريليونات من أصحاب رؤوس الأموال. لقد ساعد صوت الفاتيكان في تطبيع هذا التحول. يمكن أن يمتدّ تأثير التغيير في اللهجة أو التركيز عبر قطاعات من الطاقة إلى الزراعة إلى التكنولوجيا”. أضاف : “قد نشهد أيضًا اهتمامًا متجددًا بالأسواق الناشئة. فمع تزايد أعداد الكاثوليك في أفريقيا وآسيا، قد يتمكّن البابا غير الأوروبي من توجيه التركيز المؤسسي ورأس المال نحو هذه المناطق سريعة النمو. وفي هذا الإطار، تُعدّ البنية التحتية والرعاية الصحية والتعليم – وهي مجالات تلعب فيها الكنيسة دورًا محوريًا في هذه المناطق – طريقا الى محطات استثمارية رئيسة. كما يمكن الفاتيكان بقيادة شخص ذي روابط عميقة بهذه الاقتصادات، أن يُعيد ترتيب اهتمامات المستثمرين بشكل خفي”. يمضي قائلا: “في الوقت نفسه، لا يُمكن تجاهل السياق السياسي. فمع عودة الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض ودفاعه العلني عن التيار المحافظ القائم على الإيمان، فإن أي توافق بين واشنطن وروما قد يؤثر على السياسات على نطاق واسع، لا سيما في ما يتعلق بالهجرة والتنظيم وحقوق الإنجاب.فهذه ليست قضايا اجتماعية فحسب؛ بل تُشكّل أسواق العمل وأنظمة الرعاية الصحية ومناخ الاستثمار طويل الأجل”.
يتابع قائلاً: “إن حضور ترامب المُحتمل للجنازة، والاجتماع الأخير لنائب الرئيس جيه دي فانس مع البابا الراحل، يؤكدان إمكانية التأثير السياسي في عملية الخلافة”.
وفي ما الفاتيكان يقاوم رسميًا الضغوط الخارجية، فإن مظاهر المشاركة الأميركية تخضع لمراقبة دقيقة . وهنا يستطرد غرين قائلاً: “نحن في ديفير نعتقد أن تحوّلات القوة العالمية ، حتى تلك التي تبدو خارج الساحات الاقتصادية التقليدية ــ تتطلب اهتماما جديا. التغييرات القيادية في الفاتيكان، كتلك التي شهدتها واشنطن أو بكين، تحمل تداعيات على المخاطر والفرص في مختلف فئات الأصول”. يختم كلامه قائلاً: “لن تُحرك الخلافة البابوية الأسواق في جلسة تداول واحدة، لكنها قد تُشكل البيئة الأوسع التي يعمل فيها المستثمرون”.