ضيفها… ثقيل جدًا جدًا
بعيداً من Covid 19 ومتحوراته، فإن الغالبية من الناس، على الأقل في لبنان، تعاني حالياً من زكام البرد، كما زكام الحساسية. لتوضيح الصورة الطبية أمام القراء، أعدّت زميلتنا باسكال هبر بجاني هذا التحقيق الشامل الكامل الذي يسمح بالتعرف الى الإلتهاب الرئوي والإلتهاب العقدي والتهاب الحلق والتهاب اللوزَتَيْن، وأخيراً وليس آخراً: الحساسية. فإلى الأسطر التالية…
بقلم باسكال هبر بجاني.
من الممكن أن يُصاب الإنسان بالرشح في أي فصل من فصول السنة. ولكن هناك فيروسات معينة يزداد انتشارها في أوقات محددة. فالحمات أو الفيروسات الأنفية (rhinoviruses) ، هي الجانية في معظم حالات الزكام في الربيع والصيف وأوائل الخريف، ومن اعراضها البارزة احتقان الأنف والصداع. أما فيروسات الشتاء فتضم تحت جناحها الحُمة الغدية (adenoviruses) و”حمة نظير الإنفلونزا” (Parainfluenza Virus) و”الحمة التاجية” (Corona Virus) وحمة الإنفلونزا. وأكثر ما يكون حدوثها في فصل الشتاء. وهي غالباً ما تصيب المسالك التنفسية، مسببة الترفُّع الحروري والتهاب القصبات الحاد اذا أهمل الإنسان شأنها.
وما من انسان يتمتع بالمناعة التامة ضد هذه الحمات. ولكن بقدر ما يتعرف الإنسان الى خصائصها، يكون أقدر على حماية نفسه وأفراد أسرته. علماً أن كبار السن من الرجال والنساء هم الأكثر تعرّضاً من سواهم الى حد كبير للإصابة باختلاطات مخفوفة بالخطر، ولو أن الشباب وصغار السن ليسوا بمنجاة من الأعراض المزعجة أيضاً، وأعراض الزكام أشهر من أن تعرّف!
وفيروس الزكام دائم التغيّر. لذلك كان من الصعب تركيب لقاح واحد يُصلح لمكافحة شتى أنواع هذا المرض. أكثر من ذلك، فاللقاح المضاد لفيروس العام الماضي قد لا يكون مفيداً في مقاومة فيروس هذا العام. لذا فإن مبدأ “درهم وقاية خير من قنطار علاج” يصلح تماماً لتطبيقه في مجال الزكام. فما هي التداعيات التي يُخلّفها هذا الفيروس؟
1-الإلتهاب الرئوي: وهو من اخطر الإختلاطات التي يمكن أن تتطوّر من الزكام. والأطباء يعرفون أن الفيروسات والجراثيم يُمكن ان تتضافر وتسبب معاً الإلتهاب الرئوي (Pneumonia) اذا تمكّنت من غزو الرئتَيْن. ففيروسات الإنفلونزا تهاجم خلايا “الظهارة” (Epithelium) وهي الخلايا التي تقوم عادة بدفع السائل المخاطي وسواه من أنقاض البدن الى خارج الجسم مروراً بالحلق، بحيث أن الرئتَيْن أيضاً لا تكونان متمتّعتين بالحماية من الجراثيم. وبالإضافة الى ذلك، فإن الجسم يكثر طرحه للسوائل المخاطية عند الإصابة بالزكام، ممّا يولّد بيئة مناسبة تساعد على تنامي الجراثيم. ان هناك أشخاصاً أصّحاء يحملون جراثيم قادرة على إحداث الإلتهاب الرئوي، ولكنها عادة لا تتاح لها فرصة الإنتشار في حال كانت الصحة مدعومة بمناعة الجسم. فكيف يستطيع الإنسان معرفة ما اذا كان مصاباً بالإلتهاب الرئوي؟ اذا اصيب بالزكام وظلّت حراراتك مرتفعة بضعة أيام دونما تحسن فكن على حذر. ان العلامات المنذرة بالإصابة بالإلتهاب الرئوي تشمل قصراً في التنفس وألماً صدرياً حاداً وسعالاً مستمراً وحمى أعلى من 38،3% مئوية (101 فهرنهايت).
كذلك، يجب الإشتباه بوجود التهاب رئوي جرثومي، إذا طرح المصاب قشعاً بنياً أو أخضر. ينبغي عدم التهوين بأمر الإلتهاب الرئوي الجرثومي لأنه يمكن أن يتطوّر خلال ساعات فقط إلى حال ينذر بالخطر، لذلك يجب أن نشرع على الفور بالمعالجة بالمضادات الحيوية التي يحدّدها الطبيب، لأن هذا العلاج في منتهى الأهمية لمنع الجراثيم من الإنتشار عبر الدم والتسبّب في إتلاف أعضاء جوهرية بالجسم، كالكليَتَيْن والكبد والقلب. ويُمكن أن تسبّب الإلتهابات المفصلية أيضاً.
والملاحظ أنه من غير المؤكد معرفة الكيفية التي يتمّ بها انتشار حمات الزكام. ولكن أكثر وسائل الإنتشار احتمالاً هما: السعال والعطاس، واللمس أيضاً لا يقلّ أهمية عنهما. فالمصاب بالزكام قد يعطس ثم يلمس أكرة (مسكة) الباب مثلاً فيترك عليها أثراً من فيروسات المرض التي تنتقل الى الشخص الذي يليه في لمس تلك الأكرة وهلّم جرّا.
ولعلّ مقداراً من الراحة التي ينالها المصاب بالزكام يمكن ولا ريب أن يؤّثر في مدى ديمومة هذا المرض ومقدار شدتّه . ولكن يجب أن لا يُبالغ المصاب في الشكوى من مرضه وملازمة الفراش أطول مما ينبغي، بل عليه أن يهجر فراش المرض إذا أدرك أن حالته الصحية تسمح له بذلك. وبالنسبة للطفل المصاب بالزكام، فإن الراحة في الفراش قد تكون أفضل علاج له.
وتوخياً لمتطلبات الراحة، فإن على الكبار تعاطي بعض العلاجات التي ترمي إلى تخفيف الأعراض (اذ أن الزكام ليس له علاج شاف) كمخففات الإحتقان.
2-الإلتهاب العقدي: وهو الإلتهاب الذي يصيب الحلق، وهو من الشكاوى الشائعة في فصل الشتاء على وجه الخصوص. ولكن هذه الإلتهابات إذا طالت ولم تُعالجْ فإنها يمكن أن تنذر بأوخم العواقب، لأنها يُمكن أن تتطوّر الى التهاب جرثومي رئوي يجب أن يعالج على الفور بالمضادات الحيوية. أما أكثر الناس تعرّضاً للإصابة؟ ان الجميع سواسية في ذلك، اي لا تعرف التمييز بين شخص وآخر، ولكن هذه الفيروسات تخصّ بأشد ضراوتها، أقل الأشخاص مقدرة على منازلتها. وبين أكثر هؤلاء تعرّضاً لفتكات فيروس الزكام، الأطفال وأفراد أسرهم. فالطفل الذي ينشر العضويات المجهرية الممرضة مع كل عطسة أو يتضام مع الذي يشاطره غيره استعمال ملعقته مثلاً، يكون كثير الإصابة بالزكام. والأطفال أكثر من سواهم تأهبّاً للإصابة لأنهم أميل إلى الإلتصاق بأترابهم في المدارس المكتظة. ولما كان الطفل في الغالب أقل حرصاً على تغطية مسالكه التنفسية عند السعال والعطاس وعلى غسل يديه باستمرار، فإنه أكثر تعرضاً لبعض الإختلاطات ولا سيما التهابات الأذن والحمى. وكثرة انتقال العدوى الى الطفل، تساعد على انتقالها أيضاً الى الكبار من حولهم، ويكون رفع الإصابة أشدّ على الأمّ التي لا تستطيع في كثير من الحالات التماس الراحة، ومن ثمّ الشفاء السريع بسبب تعدّد واجباتها المنزلية.

كذلك، فإن الشيوخ معرضون للإصابة بوجه خاص. فمع أنهم لا يتعرّضون أكثر من سواهم لفيروسات الزكام، الا أنهم أكثر من سائر الناس تأهباً للإختلاطات. كما تكثر الإصابة بالزكام بين الأشخاص الذين يعملون في أماكن مزدحمة متلاصقة. وهناك أيضاً عوامل ممرضة تتعلق بنمط الحياة. فالمدخنون أكثر من سواهم تعرّضاً للإصابة بأخماج تصل الى المسالك الهوائية، وأكثر منهم استعداداً للمضاعفات الخطيرة كالإلتهابات الرئوية. إلا أن دخان السكاير يقوم مباشرة بتدمير خلايا المسالك الهوائية التي تحمي مجرى النفس عادة من الجراثيم والفيروسات.
ويمكن للحالات الصحية المسبقة الحدوث أن تزيد من مقدار تعرّض الشخص لمسببات الأمراض المحيطة به. فالإصابة بمرض مزمن في المسالك التنفسية كالربو أو النفاخ، يزيد من احتمالات ومخاطر الأخماج التنفسية الشتوية.
وهنالك أمراض مزمنة أخرى مثل أمراض الكلى والسكري وفقر الدم المنجلي تنقص مقاومة الجسم للأمراض. كما أن الأشخاص الذين يتناولون عقاقير معينة مثل الستيرويدات التي تكبت الجملة المناعية بالجسم، هؤلاء الأشخاص يكونون أكثر تعرضاً للإصابة بالزكام. وأخيراً، فإن نظام الحياة المرهق المسبّب للشدة يُمكن أن يهيئ الإنسان للإصابة.
والسؤال ما الذي تستطيع عمله لحماية نفسك وذويك من الأخطار الكثيرة التي تتربص بكم؟ في ما يلي بعض الإحتياطات العملية التي يستطيع الإنسان اللجوء اليها للتقليل من احتمالات إصابته:
-لا تلمس عينيك أو فمك أو أنفك بعد اجتماعك بشخص مصاب بأعراض الرشح أو الإنفلونزا.
-اغسل يديك غسلاً جيداً بعد ملامستك أشخاصاً مصابين بهذه الأعراض.
-اغسل غسلاً جيداً بالماء والصابون، الأدوات التي استعملها شخص مصاب بالزكام. فالماء وحده ولو مع استخدام اسفنجة، لا يكفي، ثم ان الجراثيم والفيروسات يمكن ان تظل عالقة بالإسفنجة فتنتقل منها الى شخص آخر.
-استعمل المناديل الورقية لا القماشية لتنظيف الأنف والفم، والقِها بعد التنظيف مباشرة، فالمناديل القماشية قد تُؤوي فيروسات الزكام ساعات أو أياماً.
-تجنب البقاء طويلاً في الأماكن المزدحمة. واختصر مدة المكوث فيها الى الحدّ الممكن. واهتم اهتماماً خاصاً بأمر الأمكنة المغلقة كالمصاعد والطائرات.
-لا تأكل ولا تشرب من مخلّفات ما يتركه على المائدة شخص مصاب بالزكام، ولا تستعمل أدواته كالأطباق والملاعق والفضيات قبل غسلها غسلاً جيداً.
-لا تدخن لأن الدخان يُدمّر الخلايا الواقية في المسالك التنفسية ويزيد وضع الزكام سوءاً.
-اطرح القلق جانباً وكن سعيداً، فكلما ازداد الإنسان شعوراً بالشدة، ازدادت احتمالات اصابته وضعفت قدرة جسمه على مقاومة أمراض الشتاء، فحاول الإسترخاء.
ان الجراثيم العقدية التي تنتشر بسبب السعال أو العطاس أو الإتصال الوثيق مع شخص مصاب، تسبب التهاب الحلق العقدي Strep Throat. وتكمن الأعراض في التهاب الحلق، ويظهر في مؤخر الحلق حيث تظهر اللوزتان ملونتَيْن بحمرة قانية مع صعوبة البلع. ثم هناك تقيّح الحلق الذي يظهر كبقع بيضاء، فتضخم العقد اللمفاوية في العنق تحت الأذنيَن. وكل ذلك ترافقه حمى والتهاب شائع بين الأطفال. اذ التهاب الحلق الجرثومي أطول دواماً بعدة أيام من التهاب الحلق الفيروسي.
وبالنسبة للعلاج المنزلي فهو مشابه لعلاج التهاب الحلق الفيروسي ولكن يضاف اليها لأسيتامينوفين لتخفيف الألم والحرارة. أما متى تراجع الطبيب؟ على الفور لأن الإلتهاب الحلقي الجرثومي يجب أن يُشخص ويعالج بالمضادات الحيوية التي يصفها الطبيب، بحيث اذا لم يعالج هذا التهاب فإنه قد يؤدي الى التهاب اللوزتين والحمى الرثوية وأمراض الكلى وقد يتطور الى التهاب رئوي.

3-التهاب اللوزتين (Tonsilillitis) وسببه جرثومي أو فيروسي ويظهر عند الأطفال بشكل انتفاخ كبير للوزتين مع احمرار ويغشاهما قيح (قد يظهر كنقط بيضاء على اللوزتَيْن)، فضلاً عن، انتفاخ العقد اللمفاوية مع ترفع حروري كبير. عند الكبار، تحمّر اللوزتان ولكنهما لا تنتفخان كما يحدث للأطفال. وقد لا يظهر تقيّح. التهاب اللوزَتَيْن عند الأطفال والكبار قد يرافقه بخر (رائحة فم)، ويدوم عادة 5 الى 5 أيام. أما العلاج المنزلي فشبيه بعلاج التهاب الحلق. استعمل قاتلات الألم.
ولكن متى يُراجع الطبيب؟ اذا خيل إليْك أنك مصاب بالتهاب اللوزَتَيْن فقد يرى الطبيب أنك في حاجة إلى المضادات الحيوية. وبالنسبة لأؤلئك الذين يعاودهم التهاب اللوزتين كثيراً، فقد يقرّر الطبيب معالجتهم الطويلة الأمد بالمضادات الحيوية، أو قد ينصح باستئصال اللوزتين (والإستئصال أمر يعارضه كثير من المختصين). واذا لم تُعالج هذه الحالة، فقد يؤدي الى “خراج لوزي” Tonsilar Abscess واذا كان الخمج سببه بكتيريا عقدية ولم يُعالج، فقد يؤدي الى حمى مفصلية رثوية و/أو مرض كلوي.
4-الخراج اللوزي: ويُدعى أيضاً “خراج اللوزة” (quinsy) وهو عبارة عن تجمع القيح في اللوزة المصابة. وتظهر الإصابة في واحد من اللوزتَيْن (اذ نادراً ما يُصابا معاً) فتتوّرم اللوزة وتدفع الى مركز الحلق. كما أن اللهاة (Uxula)، وهي الغشاء الرخو المعلق في الحلق، قد تُدفع الى أحد الجانبين. ومن الممكن أيضاً حدوث تقيّح حلقي وسيلان لعابي وصعوبة في البلع والتنفس وانتفاخ الفم، ولا علاج منزلياً له، ذلك أنه علىالشخص أن يراجع الطبيب فوراً، فالطبيب يقوم بنزح الخراج ووصف المضادات الحيوية لمكافحة الخمج. أما اذا ترك الخراج اللوزي بدون معالجة، فإن صعوبة شديدة في التنفس يمن أن تنتج عن ذلك.
5-الحساسية وسببها المستأرجات (allergens) وهي غبار الطلع والفطريات والغبار وقشور جلد الحيوان، والمهيجات وهي دخان السكاير والهواء الجاف. ويمكن أن تتسبّب المستأرجات والمهيجات التهاباً حلقياً.لذا، ففي حالة الحساسية يشعر الشخص المصاب، برطوبة في حلقه الذي قد يصطبغ بالإحمرار، دونما ترفع حروري. وقد تحدث حكة أنفية وتدمّع.
أما المهيجات فتسّبب جفاف الحلق وإحساس بتشوّك فيه وقد يحمّر الحلق ويستدعي كثرة التقشّع. وربما حدثت سعلة حفيفة وتكثف في القشع. وبالنسبة للعلاج المنزلي فإن المطلوب تفادي المستأجرات والمهيجات. يمكن اللجوء الى مضادات الهيستامين ومضادات الإحتقان المبذولة في الصيدليات بدون وصفة طبية وكذلك شراب السعال المقشع لترقيق المادة المخاطية بالحلق.
أما متى يراجع الطبيب؟ اذا لم تؤد هذه المواد المبذولة الى احساس المريض بالراحة واذا استمر تهيّج الحلق اسبوعين أو أكثر، أو إذا بدا ظهور انزعاج كبير أو أزيز (ربما انا دالين على الربو). وللحساسية قد يرى الطبيب أن من الضروري وصف بعض العقاقير. وفي بعض الحالات قد يصف الطبيب حقناً منتظمة من مزيلات التحسس.
6-التهاب الحنجرة: Laryngitis وينشأ من فيروس ومن أعراضه بحة في الصوت ومن المحتمل أن يصاب الشخص في هذه الحالة بحكة في حلقه وألم وازعاج عند البلع وسعال جاف.
في ما خصّ العلاج المنزلي، فالمطلوب إراحة الصوت واحتساء المشروبات الدافئة وامتصاص اللوزينجات الطبية والغرغر بماء دافئ مملح. أما متى يراجع الطبيب اذا استمرت البحة أكثر من أسبوعين أو إذا كان هناك ترفع حروري او انزعاج شديد في أعلى المسالك التنفسية.
ان الإختلاطات: الإفراط في استخدام الصوت أثناء التهاب الحنجرة يمكن أن يُتعب الحبال الصوتية ويُسبب ظهور كتل صلبة حميدة (لا سرطانية) وحدوث ارتفاع في درجة الحرارة وصعوبة في التنفس، وهذه كلّها مؤشرات يُمكن ان تكون اشارة الى حدوث التهاب لسان المزمار بسبب خمج جرثومي.