سوق شعبي يدل على الحالة المزرية في السودان
تأثيرات بالغة الضرر نُميت بها السودان جرّاء الحرب الدائرة بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» منذ ما يزيد على 10 أشهر، خصوصاً في مجالَيْ الصادرات والواردات مع تعطّل معظم الشركات وخسارة التجّار أعمالهم التي تعرّضت، إما للنهب أو للدمار.
للتذكير، فإن هذه الحرب قد انطلقت شرارتها من الخرطوم في منتصف نيسان (ابريل) الماضي، وامتدّت إلى إقليمَيْ دارفور وكردفان غرب البلاد وولايات النيل الأبيض والجزيرة في الوسط وسنّار في الجنوب الشرقي، وأدّت إلى إغلاق معظم الأسواق والمحّال التجارية والمصانع والشركات الكبرى، بل إن كثيراً منها تعرّض للنهب والدمار. أكثر من ذلك، فمع اندلاع الصراع نقلت مؤسسات حكومية أنشطتها مؤقتّاً إلى مدينة بورتسودان في ولاية البحر الأحمر، بعدما تحوّلت الخرطوم إلى ساحة معارك وتعرّضت مباني الوزارات والقصر الرئاسي في وسط العاصمة إلى دمار خلّفه القصف المدفعي والضربات الجويّة.
ووفق قاسم الرشيد، الأمين المالي للغرفة القوميّة للمستوردين وعضو اتحاد الغرف التجارية السودانية السابق، فإن التأثير على السودان بصفة عامة، وعلى قطاع الاستيراد، بصفة خاصة، كان بالغاً بسبب ما سمّاها «الحرب العبثيّة»، في ظّل حقيقة أن الاستيراد يُغطّي معظم احتياجات المواطنين من سلع أساسية وضرورات حياتية.
وفي حديث للأمين العام المالي للغرفة القوميّة للمستوردين، قاسم الرشيد لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، قال: “إن الحرب تسبّبت في ندرة المعروض من البضائع بسبب التوقف شبه التام في قطاع الاستيراد، إلى جانب ضياع رؤوس أموال المستوردين، سواء كانت بسبب سرقة المخازن أو نهب البضائع أو توقُّف العمليات المصرفيّة، فضلاً عن شح النقد الأجنبي والخدمات اللوجيستيّة، موضحاً أن “بعض المستوردين لجأوا إلى تغيير نوعيّات السلع التي يستوردونها، والتوجّه إلى استيراد «ضرورات الحياة الأساسية» من أجل تلبية حاجات المواطنين”. تابع: “مع ذلك، ، فهذا التوجّه يتعرّض أيضاً لمعوّقات بسبب مشاكل الاستيراد ذاتها، ذلك أن تعطّل استيراد السلع الأساسية أدى إلى فوضى في الأسعار”.
وفي تفاصيل ما ذكر، فإن استيراد السلع يمثّل نحو 70 في المائة من موارد الدولة. وبخصوص خسائر المستوردين بعد اندلاع الحرب، قال: ” لا وجود لإحصاءات دقيقة للخسائر لكن هناك لجاناً تعمل على حصر تلك الخسائر”، مشيراً الى أن “حجم رأس المال المستخدم في عمليات الاستيراد يتجاوز الخمسة مليارات دولار، وقد يكون المستوردون قد خسروا جزءاً كبيراً من هذا الرقم بسبب أعمال النهب والسرقة والتدمير والحرق”.
الى ذلك اتّهم “الحكومة بالتضييق على قطاع الاستيراد والمستوردين الذين نزحوا إلى ولايات آمنة عبر المطالبة بجبايات وضرائب”، علماً أن “زيادة الدولار الجمركي في الآونة الأخيرة كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر بعير الاستيراد”.
وفي المقابلة لوكالة الأنباء نفسها، قال عضو الغرفة القومية للمصدّرين أحمد الطيب أن ” أجزاء واسعة من الأراضي الزراعية تأثّرت، وعدداً كبيراً من المزارعين لم يتمكّنوا من الحصاد بسبب انعدام الأمن وعدم توافّر التمويل، إضافة إلى أن طرفَيْ النزاع يفرضان رسوماً في نقاط التفتيش في مناطق سيطرتهما، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع على قلتها”. أضاف: «قلّت الواردات بسبب التضخم، وأصبحت الطرق غير آمنة. ولذلك تمرّ الصادرات حالياً بأسوأ الظروف، ومن ذلك أن صادر الصمغ (والخطيب، بالمناسبة، رئيس شعبة مصدّري الصمغ العربي)، كان وحده ما بين 100 و120 ألف طن سنوياً، والآن تراجع إلى أقل من 40 ألف طن، كما أنّ تدفّق البضائع إلى الأسواق أصبح قليلاً، وتوقّفت الشركات خوفاً على رؤوس أموالها، فضلاً عن أن المزارعين لا يجدون من يشتري منهم المحاصيل، إضافة إلى مشاكل التحويلات المالية”.
ووفق عبد العظيم المهل، أستاذ الاقتصاد في جامعة السودان، فإن “الحرب أدت إلى تدمير 65 في المائة من قطاع الزراعة في السودان، بينما دُمّر القطاع الصناعي بنسبة 75 في المائة، والقطاع الخدمي بنسبة 70 في المائة”، مشيراً إلى أنّ “تعطّل شبكات الاتصالات أدى إلى شلل وسائل الدفع الإلكتروني، في الوقت الذي أدى فيه عدم مقدرة الحكومة على سداد رواتب العاملين في الدولة واستحقاقات المقاولين والشركات والتجار إلى إفقار الشركات، بينما أسهم تعطّل أكثر من 60 في المئة من موظّفي القطاع الخاص في انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين”.
الى ذلك توقّع وزير المالية السوداني المكلّف جبريل إبراهيم “استمرار انكماش اقتصاد بلاده خلال هذا العام، مع تراجُع الإيرادات وتوقّف المصانع وتعطّل المشروعات التنموية”. وفي مؤتمر صحافي دعا اليه بمدينة بورتسودان، عاصمة ولاية البحر الأحمر شرق البلاد، أكّد “صعوبة تحديد حجم الخسائر بدقة جرّاء الحرب”، لكنّه أشار إلى “وجود تكهّنات بأنّها قد تصل إلى 200 مليار دولار دون حساب خسائر الفرص الاقتصادية الضائعة للبلاد”. تابع: «قدّرنا أن الاقتصاد انكمش بصورة كبيرة جداً في عام 2023، وقد يصل إلى 40 في المائة، ومتوقع أيضاً أن ينكمش هذا العام، ما لم تتبدل الظروف. صندوق النقد الدولي قدّر الانكماش للعام السابق بحوالي 18.7 في المئة، ونتوقع انكماشاً مماثلاً هذا العام”.
أخيراً قال: «هناك ضمور في الإيرادات، وهذا طبيعي لأن المصانع توقفت، والصادرات إلى حد كبير تأثّرت خصوصا من الولايات الغربية. لم يعد صادر هناك قادماً منها. الإنتاج في كثير من المشروعات تعطّل، أو النقل حتى بعد الإنتاج تعطل”، مشيراً الى أن “وزارته تتولّى الصرف بمفردها لتلبية احتياجات الحرب المتزايدة بالعملة الصعبة دون وجود دعم خارجي، اذ تراجع سعر صرف الجنيه السوداني أمام الدولار الأميركي من حوالي 570 جنيهاً سودانياً للدولار في آذار (مارس) 2023 إلى أكثر من 1200 للدولار في شباط (فبراير) الحالي”.