مُسعف ينقذ والإرهاق بادٍ على وجهه
عقب الأنباء التي أفادت أن سلسلة الزلازل التي ضربت تركيا في 6 شباط (فبراير) 2023، كانت من بين الأقوى في السنوات المئة الماضية جرّاء تسبّبها في عدد هائل من القتلى، فضلاً عن الجرحى والأضرار بما يقرب من 8 آلاف مبنى، قام كبير محلّلي التأمين في GlobalData محمد شابير أنصاري، بإبداء وجهة نظره قائلاً: “التقدير الأولي للخسارة الاقتصادية الناجمة عن هذا الحدث الكارثي هو أكثر من مليار دولار، (فيما قدّرتها وكالة Fitsh للتصنيف الائتماني بأربعة مليارات). لكن ثمة إجماع عند الخبراء في هذا النوع من الكوارث أنّ هذه التقديرات بعيدة جدًّا عن الواقع، إذ أنّ الأمر سيستغرق سنوات لشركات التأمين التركية لإحصاء هذه الخسائر وتسويتها وتسديد التعويضات لمستحقّيها من حَمَلَة الوثائق”. ومن المتوقّع، تقول GlobalData، أن “تكون الخسارة الاقتصادية أكثر من ضعف الخسائر الناجمة عن الزلزال الذي حصل في العام 2020”. أضافت: “وفقًا لقاعدة بيانات التأمين العالمية التابعة للشركة، بلغ إجمالي أقساط التأمين (GWP) على الممتلكات التركيّة 26,1 مليار ليرة تركية (2،9 مليار دولار) في العام 2021 وشكّلت 29،8٪ من سوق التأمين العام التركي، علمًا أنّ سوق التأمين على الممتلكات التركي سجّل خسارة اكتتاب ذاك العام إذ تجاوزت النسبة المجمّعة 100٪ لأول مرة في السنوات العشر الماضية ببلوغها 107,2٪. ومن المتوقّع أن تتدهور النسبة المجمّعة، وهي مزيج من نسبة الخسارة والنفقات، بشكل أكبر خلال السنوات القليلة المقبلة بسبب الحدث الكارثي الحالي”.

أكمل محلّلها محمد شابير أنصاري قائلاً: “من المتوقّع أن يستوعب مجمّع التأمين ضد الكوارث التركي (TCIP)، إلى جانب شركائه الرئيسيين في إعادة التأمين Munich Re وSwiss Re حصة كبيرة من الخسائر الناجمة عن هذا الزلزال، ومع الإشارة أنّ TCIP هي مؤسسة عامة تمّ إنشاؤها في العام 2000 لتسوية مطالبات التأمين ضد الكوارث التي تصل إلى 2,5 مليار دولار”. تابع: “كانت شركات التأمين في تركيا تترنّح بالفعل تحت ضغط التضخّم المرتفع الذي أثّر على ربحيتها، إذ بلغ في البلاد 58٪ في كانون الثاني (يناير) 2023 بعدما كان 49٪ في الفترة نفسها من العام الماضي. وقد تؤدّي معدّلات التضخّم هذه إلى ارتفاع متوسّط تكلفة المطالبات لشركات التأمين. وبما أنّ الشركات لم تتعافَ بعد من تأثير زلزال 2020، فإن الأخير سيؤثر بشكل أكبر في ربحية شركات التأمين العقاري. نتيجة لذلك، سترتفع خسائر الاكتتاب في شركات التأمين العقاري التركية في عامَيْ 2023 و2024”. أنهى تحليله قائلاً: “صحيح إن زيادة حصول مثل هذه الكوارث ستزيد من الطلب على التأمين ضد الكوارث الطبيعية في البلاد وتدعم نموّها، لكن التوقّعات تشير إلى أنّ ربحية شركات التأمين ستظلّ تواجه تحديات خلال السنوات القليلة المقبلة بسبب زيادة المطالبات وارتفاع التضخّم”.

وفي موضوع التأمين على المنازل والعقارات في تركيا، فهناك نوعان: تغطية إلزاميّة ضدّ الزلازل، وهو معروف باسم DASK ويعود إلى صاحب سند الملكية، والخياري الذي يتضمّن تأمينًا إضافياً على الممتلكات داخل المنزل من قبل المستأجرين لحماية ممتلكاتهم، أي أن تغطية التأمين على المنزل تكون أوسع من تأمين الزلازل.
وكان التأمين الإلزامي ضد الزلازل DASK قد أقرّته الدولة التركية بعد الزلزال الكبير عام 1999، وهو يغطّي الأضرار التي تصيب الأبنية بعد الزلازل، وتشمل الأضرار المادية والحرائق والانفجارات والانهيارات الأرضية الناتجة عن الزلازل، كما يشمل تغطية أساسات البناء والجدران الرئيسة والفاصلة بين أقسام البناء والسلالم والسقف والأرضيات والأسطح والممرات والمصاعد وغير ذلك. وتكمن أهميّة هذا التأمين في تقليل الأضرار المادية في المواقف الخطرة التي تواجه المالك وقد لا يستطيع القيام بها وحده، وهكذا يمكنه متابعة حياته طبيعياً بعد الزلزال. ويغطي هذا النوع من التأمين تكاليفَ البناء المتضرّر جزئياً أو كلياً، إذ يشمل أساسات البناء والجدران الرئيسة والفاصلة بين أقسام البناء وجدران حديقة البناء والجدران الاستنادية، والسقف والأرضيات والسلالم والأسطح والممرات والمصاعد وغير ذلك.

يُدفَع تأمين الزلازل أول مرة للحصول على خدمات الماء والكهرباء والغاز، ويكون لسنة، وبعد ذلك يدفع مالكُ العقار تأمينَ الزلازل سنوياً، عبر شركات التأمين أو البنوك أو مكتب البريد.
يبقى السؤال: هل السدّان التركيّان “كركايا” و”أتاتورك” اللذان قطعا مياه نهر الدجلة والفرات قد ساهما في الزلزال المُدمّر؟ في تقرير نشرته إحدى الوكالات المختصّة بهذا النوع من الكوارث الطبيعيّة، عادت إلى التاريخ القريب وذكّرت بزلزال مدينة لوركا الاسبانيّة منذ سنة ونصف الذي أدّى إلى مقتل تسعة أشخاص وتصدّع 80 بالمئة من بنايات المدينة وهذه خسائر فادحة مقارنة بمستوى الزلازل التي تبلغ 5,1 درجة على سلّم رختر والذي يعدّ زلزالاً متوسّطًا. عندها انكبّ علماء أميركيّون لدراسة هذه الظاهرة وغيرها، فخلصوا إلى نتيجة قطعيّة وهي أنّ الزلزال يحدث بسبب الإنسان. فمنذ خمسين سنة، يستغلّ سكّان مدينة لوركا المياه الجوفية بإسراف ما جعل مستوى تلك المياه ينخفض إلى 250 مترًا، ما شكّل تشوّهًا أرضيًا أدّى بدوره إلى تغيير الضغط على الفراغات الزلزاليّة المقابلة، وبسبب ذلك انهارت وتسبّب زلزال مدمّر قريب من الواجهة الأرضيّة. وبحسب العملاء المتخصّصين بالزلازل، فإنّ تخريب الإنسان للقشرة الأرضيّة بات حقيقة واقعة بسبب تعديل الطبقة الجوفيّة وهذه بدورها تعدّل مستوى المياه الجوفيّة أو تعديل مستوى الضغط الطبيعي للمياه الجوفية في القشرة الأرضيّة ما يسرّع في حدوث الزلزال. مثل آخر في منطقة Bâle في سويسرا، تمّ توقيف الحفر المائي الحراري بعدما تسبّب في إحداث زلزالَيْن في المنطقة. وفي الصين، قال علماء باحثون أنّ الزلزال الذي ضربها عام 2008 كان بسبب السدّ المائي، وقد دمّر هذا الزلزال منطقة سشوان وقضى على 88 ألف شخص.

يقول أحد العلماء أنّ الإنسان يقوم بالضغط على القشرة الأرضية ويضع بذلك ثقل مائي، فيتسرّب هذا الماء إلى التشققات الموجودة على القشرة الأرضية، ما يتسبّب بضغط مائي على تلك التشققات، وعندها تتّسع قليلاً وتُحدث تلك الزلازل. فهل أعطال السدود التي أقامتها وزارة الطاقة في لبنان، بطلب ملحّ من الوزير السابق جبران باسيل، جاءت في محلّها ويجب أن نشكره على هذه الأعطال، وإلاّ كانت المياه في هذه السدود قد تسرّبت إلى القشرة الأرضية وشهدنا، لا سمح الله، زلازل مثل التي شهدتها الدول التي ذكرنا آنفًا؟

على هامش هذا الموضوع، نشير إلى أنّ مؤسّسة IKEA قرّرت التبرّع بمبلغ عشرة ملايين يورو لصندوق الطوارئ التابع لمنظمة أطبّاء بلا حدود (MSF) ضمن جهودها الرامية لتوفير خدمات الرعاية المُنقذة للأرواح إلى المناطق الأشدّ احتياجًا للمساعدة الطبيّة. وسيدعم هذا الأمر إيصال المساعدات الأساسيّة، بما في ذلك المساعدة الطبيّة والداعم النفسي وخدمات الرعاية الصحيّة لأولئك الأكثر تضرّرًا من الزلزال المُدمّر.