عودة الضوء لمسة حب
د. غالب خلايلي
تصافح وجهي في الذهاب والإياب إلى العيادة كمية هائلة من الأوراد الحمر والبوالين والدباديب، أسبوعاً كاملاً قبل حلول عيد الحب.
لا شغلَ لكثير من الناس في مشرق العالم ومغربه سوى هذا الحدث الأسطوري، والإعداد من أجل الاحتفال به.
أماكن الاصطفاف (الباركنغ) قرب عملي مليئةٌ عن بَكرة أبيها أمام مقهى الحب الكبير الذي يقع في قلب غابة من أشجار النخيل والأراجيل.. ويقيناً مني، لولا غابة الدّخان لفرط الحبّ، وأبو الحبّ، اللهم إلا عند قطط تموء طيلة الوقت في شباط، ولا تعنيها قصصنا الحمر.
في وقفة العيد (وأرجو الغفران من أحبائي القراء) أي مساء الثالث عشر من شباط أرسلتْ لارا الصبية الصغيرة (ابنة أخي الفقيد إبراهيم) مقطعاً مصوراً للبيت الذي ترعرعت فيه في فيحاء الشام، تتلألأ فيه الأضواء بعد تركيب ألواح شمسية وبطارية ليثيوم، وعلّقت: ليتك معنا يا أبي تنعم بالضوء والدفء.
كان ذلك الحدث المليء بالحب الحقيقي أحد مظاهر الدفء العاطفي عند أختي الصغيرة (جسكالا) المسمّاة باسم بلدتنا القديمة في الجليل (كما ارتأى والدي المؤرّخ إحياء الاسم)، والتي سارعت من الدوحة إلى دمشق لاحتضان أبناء أخيها، في يوم وليلة من الخبر الحزين، وبقيت معهم أسبوعاً كاملا، ينبض قلبها الحنون مع قلوبهم البريئة المنكسرة، تجبر خواطر الأم المكلومة، والبنتين لارا وليدا والصغير ألمار الذي ما زال ينتظر عودة والده.

***
وأنا لستُ ضد الحب أياً تكن صورُه ومناسباته، بل إنه هو المطلوب في عالمنا (المتوحش).
وما أشير إليه اليوم بخاصة هو (الفالانتاين)، الذي صار ظاهرة عالمية منذ عقود، وكثر حوله اللغط والنكات، وكثر التحليل والتحريم، ولكنه واقع فرض نفسه مثل وقائع أخرى كثيرة، يجهل كثيرون مبتدأها، فيما منتهاها هو ما نراه من تظاهرات من ورد وشوكولاتة وهدايا تبدأ من الدبدوب الأحمر (ولا أدري ما علاقة الدببة بالحب!) ولا تنتهي بالدب الأكبر.
لكن ما أنا ضدّه هو انحراف الهدف، من المعنى الحقيقي الروحي السامي إلى المعنى الاستهلاكي المادي المنفلت من عقاله، وحول من هو الأولى بالحبّ.

وأنت ترى أطفالاً ونساء ورجالا لا يجدون المأوى ولا الطعام، ولا يشعرون بالدفء ولا الأمان، يصعب على إنسانيتك أن تشتري شوكولاتة لمتخمٍ بها، أو ورداً لساكنِ جنة، فهناك من ينتظر حتى كسرة الخبز ودثاراً بسيطا وكلمة دافئة.
تبحث عن مغيث في وحدتك وصمتك وبردك وحزنك ومرضك.. ولا تجده مهما انتظرت.
أين أنت أيها الحب؟
العين في 16 شباط 2025
