رعاية ملطفة
بعد عرض ورقة تقنية شاملة عن الرعاية التلطيفية خلال الدورة الثانية والسبعين للّجنة الإقليمية لشرق المتوسط، أقرت الدول الأعضاء القرار، ما يشير إلى تحوّل كبير في كيفية دعم الإقليم للأفراد الذين يعانون أمراضًا تقصّر الأعمار وضعفًا وحالات مزمنة.
وجاء اعتماد هذا القرار بعد عرضٍ قدمته الدكتورة لمياء محمود، المستشارة الإقليمية للوقاية من الأمراض غير السارية، سَلَّطَ الضوءَ على حاجة 2.4 مليون شخص في جميع أنحاء الإقليم إلى الرعاية التلطيفية كل عام، ولكن أقل من 1% منهم يتحصلون عليها. وهذه الفجوة ناجمة عن الأزمات الإنسانية، وعدم توافر بعض الأدوية الأساسية، والتصوُّر الخاطىء عن الرعاية التلطيفية بإنها تٌعنى برعاية نهاية الحياة فقط.
وعَرَضَ القرارُ المُقترَحُ الضرورات الأخلاقية والعلمية والاقتصادية وراء توسيع نطاق توفير الرعاية التلطيفية. وقد حثَّ الدولَ الأعضاء على ما يلي:
-إدماج الرعاية التلطيفية في الاستراتيجيات الصحية الوطنية وحزم المنافع؛
-ضمان إتاحة الأدوية الأساسية، ومنها الأدوية الأفيونية الفموية؛
-إلزام التدريب الأساسي في مجال الرعاية التلطيفية لجميع المهنيين الصحيين؛
-الاعتراف بالتدريب المتقدم والخبرة التخصصية في الرعاية التلطيفية؛
-إعطاء الأولوية للرعاية المنزلية والمشاركة المجتمعية؛
-وضع أطر للرصد باستخدام مؤشرات الأداء الرئيسية والبحوث.

معروف أن الرعاية التلطيفية تخفف من المعاناة، وتحسن نتائج العلاجات المستهدفة للمرض، وتعزّز رضا المرضى وأُسَرهم. والإدماج المبكر للرعاية التلطيفية يُكسِب العاملين الصحيين المهارات الأساسية في التواصل ، والقدرات اللازمة لعلاج الأعراض، ويمنحهم طريقة تفكير تضع المريض محور الإهتمام، فيؤدي ذلك إلى تعزيز العمل الجماعي، والعدالة، والإنصاف، واشراك المريض في القرارات، وهي قِيَمٌ ينبغي أن يرتكز عليها كل نظام صحي.
ولا يمكن للرعاية التلطيفية أن تنجح في غياب نَهجٍ يشمل النظام بأكمله. فيجب أن تكون جزءًا لا يتجزأ من الرعاية الصحية على جميع المستويات، من المستشفيات التخصصية إلى عيادات الرعاية الصحية الأولية والمنزلية. وتشمل الاهتمام باستمرارية الرعاية، والتصدي للمفاهيم الخاطئة، وتأهيل الأسر ودعمها وهي ترعى أحباءها. ويجب أن يكون العاملون الصحيّون على دراية تامة بفوائد الرعاية التلطيفية، وأن يحيلوا المرضى إلى هذه الخدمة عندما يحتاجون إليها، وليس عند استنفاد سبل العلاج الأخرى. وتشير الدراسات إلى أن الإدماج المبكر للرعاية التلطيفية يمكن أن يقلل نفقات الرعاية الصحية بنسبة تصل إلى 30٪.
وفي الواقع، فإن هذا القرار اتخذّ بعد مشاورات مكثفة مع الدول الأعضاء في الإقليم وعددها 22 دولة، وتَضَمَّنَ تعليقات وملاحظات في 6 مجالات هي: الحوكمة وتقديم الخدمات والمشاركة المجتمعية والأدوية والتعليم والرصد. ويستند القرار إلى الأسس التي أرساها قرار جمعية الصحة العالمية 67-19 (2014) وأحدث المنشورات،
ومنها العدد الخاص من المجلة الصحية لشرق المتوسط (2022) وتقرير مؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعاية الصحية (2024).
زكان بديهياً أن يعتمد وزراء الصحة وممثلو البلدان من جميع أنحاء الإقليم هذه الورقة التقنية التي تعرض الجهود الوطنية الرامية إلى إدماج الرعاية المُلطِّفَة في النظم الصحية. ومن ذلك، أن الأردن شدّد على القدرة على الصمود في مواجهة الأزمات، لا سيما بالنسبة للاجئين. الإمارات العربية المتحدة رأت أن الرعاية المُلطِّفَة حق، وتخطط للتوسُّع لإدماجها في الرعاية الأولية. أما العراق فيتجه إلى التحوّل من العلاج فقط إلى الرعاية، بتعزيز التدريب والإتاحة. الى ذلك، سلطت الكويت الضوء على برنامجها للرعاية المُلطِّفَة المنزلية للأطفال ودعت إلى التعاون الإقليمي، فيما حَثَّت مصر على العمل المنسق والتمويل المستدام والمجتمعات المحلية الرحيمة. كذلك، أقرت باكستان بالتحديات العامة التي تواجه النُظُم، ولكنها أدرجت الرعاية التلطيفية في خطتها الصحية الوطنية؛

وبدورها عُمان أكّدت على الإصلاحات التشريعية واهمية دعم المنظمة. أما البحرين وجمهورية إيران الإسلامية والمغرب والمملكة العربية السعودية، فعرضوا جميعاً التقدم المُحرَز بشأن الأطر والرقمنة والتطبيب عن بُعد ونُظُم الرعاية المتكاملة.
الى ذلك، أيَّدَ السودان التنفيذ العملي، على رغم تعدد الأولويات. واقترح لبنان مصطلحات أعَمَّ ورعاية منزلية أقوى. ودعا الاتحاد الدولي لرابطات طلبة الطب إلى إلزامية التعليم الأساسي والتعاون في مجال الرعاية التلطيفية. كذلك، شدد الاتحاد الدولي لمكافحة السرطان على إدماج الرعاية التلطيفية في الرعاية الأولية والاستجابات الإنسانية؛ وشجعت الشبكة الشرق أوسطية للصحة المجتمعية “إمفنت” النماذج المجتمعية، وحَثَّ تحالف مكافحة الأمراض غير السارية على رصد الإتاحة المُنصِفَة. وشاركت روسيا خبراتها الوطنية في مجال قانون الرعاية التلطيفية ونظامها التدريبي، في حين شدد مجلس الشباب التابع لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط على دعم الصحة النفسية وبرنامج المواساةم وبناء قدرات الشباب.
وقد دَلَّت هذه الأفكار مجتمعةً على قوة الالتزام الإقليمي بإدماج الرعاية التلطيفية بوصفها حجر الزاوية للرعاية الصحية الكريمة والمنصفة.
المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط د. حنان حسن بلخي علّقت قائلة: “الرعاية التلطيفية ليست تحديًّا، بل حل. فلنضمن حصول المحتاجين على الرعاية التلطيفية في هذا الإقليم على الرعاية التي يحتاجون إليها”. أضافت: “إن المكتب الإقليمي على أهبة الاستعداد لدعم الدول الأعضاء في بناء القدرات وإصلاح اللوائح التنظيمية وضمان عدم معاناة أي مريض دون داعٍ. لقد حان وقت العمل”.























































