في زمن القَرَف الذي ما بعده قَرف، لم يعد تدبيج المقالات ينفع، ولا كتابة التنظيرات السياسية تُسْمن أو تُغني من جوع . أمّا كلمات النصح والإرشاد، فاقلعوا عنها يا أصحاب الفكر، لأنّ منافذ الحكمة في العقول قد سدّت كلّها!
ولكن ماذا يبقى؟
تبقى أمثلة خالدة تُصلح لكلّ زمان ومكان.. أمثلة تدخل العقول بلا استئذان وتريح النفوس بلا استئذان، خصوصًا عقول ونفوس من يثور ضدّ الطغيان والسرقات والنهب والمحاصصات، ولكن ثورته سرعان ما تصطدم بجدار سميك أين منه جدار برلين؟
أعزّائي، والبعض منكم مثلي ضَرَبه اليأس والإحباط، تعالوا لنقرأ معًا أمثلة قد تُشفي غليلنا إلى حدٍّ ما، بانتظار أن ينبلج ذلك الصباح الذي طال انتظاره، لعلّه يريحنا من عتمة الليل التي أطبقت على أنفاسنا!
اقرأوا واستمتعوا بما قاله كبار وكأنّهم يعاصروننا ويعيشون معنا. ومن ذلك: “إنّ السياسة لا تُغني إلاّ إذا كنت فاسدًا” (هاري تروماس)، و«البلد الذي يُقام فيه ميزان عدل، كما ينبغي، تمتلئ سجونه وتخلو قصوره” (نجيب محفوظ)، و«الذي تنقصه الأموال فمعنى ذلك أنّه يشكو من زيادة في اللصوص” (ادوار غالباتو). أمّا “السياسيون فهم مثل حفاضات الأطفال التي يجب تغييرها دائمًا” (مارك توين). وفي ما خصّ “الديمقراطيّة فلا تصحّ لمجتمع جاهل لأنّ الغالبيّة من الحمير ستحدّد مصيرك” (برنارد شو). واعلم أنّ “السياسيّين في العالم كالقرود في الغابة إذا تشاجروا أفسدوا الزرع، وإذا تصالحوا أكلوا المحصول” (جورج ارويل). و«إذا أردت أن تُربك شعبًا أشغله بما هو بحاجة إليه ولا يجده مثل قارورة غاز.. تنكة بنزين.. رغيف خبز.. صنبور تفتحه ولا.. ماء” (جلال عامر). وأخيرًا وليس آخرًا، “فحديث سائق التاكسي عن واقع البلد غالبًا ما تكون أكثر مصداقية من رئيس الدولة نفسه” (شريفة بن عيسى).
هذه حِكمٌ من التاريخ تهدّئ مؤقّتًا ولكنّها تبقى كجمرة تحت الرماد، لا بدّ أن تُشعل ثورة عندما يلعلع جرس الانذار الأخير… يومًا ما!