قد لا يكون قطاع التأمين في لبنان الأكثر تضرّرًا بين القطاعات الانتاجيّة، ولكنّه كان حتمًا من المتضرّرين، فالانعكاسات والتداعيات السلبيّة التي خلّفها وباء كورونا على شركات هذا القطاع، خصوصًا في البرنامج الصحّي، كبّدها ولا يزال خسائر لا يُستهان بها، جرّاء تقاضيها ثمن البوالص بالعملة اللبنانية وتسديد التكلفة بالعملة الصعبة أو وفقًا لسعر الدولار في السوق الموازية، كما تطالب المستشفيات لحاجتها إلى تسديد ثمن الأجهزة والمستلزمات الطبيّة المشتراة من الخارج، بالعملة الصعبة، فضلاً عن تسديدها الأجور المرتفعة للأطبّاء والممرّضين والمُسعفين وسواهم. وجاء القرار الأخير لوزارة الاقتصاد والتجارة، الوصيّة على قطاع الضمان، بإلزام الشركات تغطية علاج حَمَلَة الوثائق المصابين بفيروس “كورونا”، ليزيد من حجم المشاكل الماديّة التي تعانيها في وقت يمتنع الكثير من المضمونين عن دفع ثمن تلك البوالص أو تأجيل دفعها بسبب الضائقة الاقتصاديّة التي يشكو منها الجميع. ومن المعروف أنّ الفيروس إذا تحوّل وباء عالميًا، فإنّ كلفة علاج المصابين به تسدّدها الدولة، كما أقرّت بذلك منظمة الصحّة العالميّة، ولهذا لا تقوم شركات الإعادة بتغطية محفظة هذا الوباء.
لكنّ هذا الواقع لم يُثنِ شركات تأمين لبنانية على المضي قدمًا في مواجهة تحمّل مسؤوليّاتها الوطنيّة وتولّي هذه التغطية الاستشفائيّة. فكيف تمّ التعامل مع هذا الواقع المستجد؟
مدير عام شركة Commercial السيد روجيه زكار، تمنّى، بداية، عندما طرحنا عليه السؤال، أن تمرّ هذه المرحلة بأقلّ ضرر ممكن على لبنان واللبنانيّين، ليضيف أنّ “هذا الوباء خلّف نتائج كبيرة سلبيّة وغير متوقّعة، أرخت بظلالها الثقيلة على الجميع، وبدرجات مختلفة. ولأنّ Commercial، كما قال، تبنّت رؤية استراتيجيّة في السنوات السابقة تقوم على اعتماد التطوّر الرقمي واللجوء إلى شركات المعلوماتيّة المتخصّصة لتقديم الخدمات عن بُعْد، فقد استطعنا التكيّف مع متطلبات المرحلة التي قضت بالتزام التعبئة العامة وإعتماد المداورة في حضور الموظّفين بشكل يؤمّن الحماية الصحيّة لهم من جهة، ويوفّر الخدمات المطلوبة من العملاء من جهة ثانية”.
ولأنّ تداعيات كورونا لن تنتهي في القريب العاجل، تابع روجيه زكار، “وقد لا يتمّ القضاء على هذا الوباء ما لم يُكتشف اللقاح المناسب له، فهذا يعني أنّ الأزمة قد تطول، ولهذا انكببنا على دراسة تداعيات الأوضاع الاقتصاديّة والمالية ووضعنا خطّة لمواجهتها بحيث نستمرّ في تأمين سير العمل لنحفظ حقوق الموظّفين أوّلاً، ونلبّي طلبات الزبائن، حَمَلة البوالص في كافة الفروع، ثانيًا، ولا سيما في الفرع الاستشفائي الأكثر إلحاحًا في الوقت الراهن”.
س: لا شكّ أنّ برامج تأمينيّة بعينها تأثّرت خلال الفصل الأوّل من العام الحالي، وعلى سبيل المثال فرع السيارات. ولكن، في المقابل، برزت مشكلة مرتبطة بالبرنامج الاستشفائي وبموضوع محدّد هو: هل يجب على الشركات أن تغطّي الدّاء المستجد وهو كورونا، أم لا، باعتباره وباءً، والتغطية من مسؤولية الدولة؟ كيف تعاملتم مع هذا الموضوع؟
ج: إن Commercial كانت من ضمن شركات الضمان التي وافقت على تغطية المصابين بجائحة كورونا، بناء لرغبة وزارة الاقتصاد والتجارة، على رغم إن هذه التغطية مستثناة من عقود التأمين مع إعلان منظمة الصحّة العالمية بأنّها وباء، وتمنّع شركات الإعادة عن التغطية.بالنسبة إلى العمليات الجراحية المؤجّلة والتي خفّفت من الأعباء، كما أشار كثيرون إلى ذلك، فهذا لا يعني عدم إجرائها للمرضى لاحقًا ، وبالتالي لا يجوز القول أنها لم تعد محتسبة من ضمن الإحتياطي الذي تعتمد عليه الشركات لمواجهة أيّ طارئ لم يكن في الحسبان. وينسحب الأمر على كلفة برنامج المركبات التي تراجعت بسبب التعبئة العامّة، إذ يجب أن نعرف أن انهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار في السوق الموازية، ضاعَف الكلفة، لا سيما في موضوع شراء القطع المستوردة من الخارج والتي لا تُباع إلاّ بالعملة الصعبة. وهذا الواقع كان سائدًا قبل جائحة كورونا، أي عندما كان الدولار يسجّل ارتفاعات بسيطة.
س: إذا افترضنا، لا سمح الله، أنّ هذا الوباء سيتجدّد، كما يروّج البعض في الخريف أو الشتاء المقبلَيْن، فهل هناك تدبير معيّن ستلجأون إليه، ولماذا لم تبادر جمعية شركات الضمان إلى إنشاء مجمّع لتغطية هذا النوع من الأوبئة تفاديًا لما حصل؟
ج: نحن طبعا نتمنى ان لا يتجدّد هذا الوباء ولكن لا شيء يمنع من ظهوره من جديد الا إذا توافر اللقاح المناسب والادوية الشافية منه. سنلتزم كشركة ما ستعلنه السلطات اللبنانية، وتوافق عليه جمعية شركات الضمان كوننا منتسبين إليها، فضلاً عن أنّنا سنشارك بأي تجمع تقترحه هذه الأخيرة.
س: تبيّن أن للعمل عن بُعد من المنزل حسنات وسيئات، ومن ضمن تلك السيئات، القرصنة التي باتت مشكلة كبيرة عانها من لجأ إلى التكنولوجيا الحديثة ليتدبّر أموره. فهل واجهتكم مثل هذه المشكلة، وما رأيكم بالعمل عن بُعْد بشكل عام، وهل ستختارونه أسلوبًا لتخفيض النفقات في المستقبل، سواء في وجود كورونا أو ما يشبه الكورونا، أو بعدم وجود فيروسات جديدة؟
ج: ان Commercial كانت دائما سباقة الى إعتماد أحدث ما توفره التكنولوجيا من إمكانيات يمكن إعتمادها، لذلك كنّا مجهزين منذ اكثر من سنتين للعمل من خلال الشركات المختصة بتقديم الخدمات المعلوماتية عن بُعْد ومن ضمنها العمل من المنزل او أي مكان خارج نطاق مكاتب الشركة. إن حماية المعلومات ومكافحة القرصنة يدخلان في صميم عمل هذه الشركات المتخصّصة .
س: خسائر قطاع التأمين خلال الأشهر الماضية كان كبيرًا جدًّا في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وايطاليا واسبانيا وغيرها، كما في دول عربيّة عدّة. وثمّة إجراءات بدأت تتُّخذ لتخفيض الكلفة، ماذا عن قطاع التأمين في لبنان؟
ج: إن قطاع التأمين في العالم أجمع يعاني خسائر ناتجة عن الوضع الذي استجدّ بظهور جائحة كورونا التي سبّبت شللاً في كامل القطاعات الإقتصادية، وخاصة على صعيد التأمين على الحياة والبرنامج الاستشفائي وبرنامج تغطية السفر. ففي تلك البلدان قد يقومون بتخفيض الكلفة لتشجيع العملاء، ولكن، للأسف، فإن الوضع في لبنان مختلف والخسائر على مجمل الوضع الإقتصادي مضاعفة بسبب هذه الجائحة من جهة، والوضع المالي وسعر صرف العملة الوطنية من جهة ثانية، علمًا أن ارتفاع الأسعار ينعكس سلبًا على الكلفة العامة التشغيلية لشركات التأمين التي تتفادى الزيادات على الزبائن بسبب الظروف الراهنة.